تونس..
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا | ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا |
ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها | فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا |
يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها | وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا |
ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً | إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا |
أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً | من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى |
هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها | بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى |
لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها | إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا |
حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا | وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا |
كنارِ " ابن عمرانَ " التي جاءَ قابساً | سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا |
وألواحُها " الألواحُ " لولا " رسالةٌ " | على " قُرَشيٍّ " لم تُرِدْ عينُه الربَّا |
تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ | حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا |
تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ | ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا |
أولاءِ " البُداةُ " الغامطُ النّاسِ حقَّهم | وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا |
لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها | أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا |
سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى | ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا |
وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً | وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا |
وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً | وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا |
أطلت على " مدريدَ " تُسمِعُ دعوةً | وسارتْ إلى " باريسَ " تَسمعُ من لَبَّى |
ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً | وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا |
ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت | جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا |
وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ | مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا |
وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها | وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا |
وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً | ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا |
نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى | عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا |
وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها | وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى |
فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه | عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى |
أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ | صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى |
سقى " تونساً " ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها | بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا |
وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها | رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا |
ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ | كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا |
نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها | كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا |
ويا" مونتكُمري " لو سقى القولُ فاتحاً | سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا |
ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً | نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا |
نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً " صياقلٌ " | أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا |
حلَلْتَ على " روميلَ " كَرْباً ، وقبلَها | أحلَّ بأدهى منه " ولنِكْتِنٌ " كربا |
وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ | عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا |
ودحرجتَهُ عن " مِصْرَ " وهوَ مُعرِّسٌ | بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى |
وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها | فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا |
دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها | ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً |
تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى | ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا |
وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ | بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا |
قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ | وعادتْ " نوازي " شَرِّه أفرخاً زُغبا |
كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً | فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا |
أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى | وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا |
سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه | يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا |
وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً | وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا |
وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ | عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا |
تمنَّى عليهِ " رَبُّهُ " مِصْرَ مَنْحةً | وكادَ على " القطَّارِ " أنْ يُرضيَ الربَّا |
وكادَ على " القَطَّارِ " يُرْسِلُ حاصباً | على " الشرقِ " لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا |
تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ | تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا |
ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ | إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا |
وداعَبَتِ " الاسكندريَّةُ " عينَهُ | وخادَعَ منه " النيلُ " في طميْهِ اللُبَّا |
ولاحَ له " الاسكندرُ " الصِّدْقُ فانثنتْ | تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا |
ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ | وعلَّل " بالزّابَيْنِ " عسكرَهُ اللّجبْا |
فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى | وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا |
فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً | وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا |
من " العَلَمَيْن " استَقْتَهُ محكَمَ القُوى | وفي " تونسٍ " أدركتَهُ رازحاً لَغْبا |
نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى | كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا |
وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا | إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا |
عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ | من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا |
ولو غيرُ " رُوَميلٍ " لقُلْنا كغيرِها | سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا |
ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى | ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا |
وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ | خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا |
ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ | دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا |
وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى | كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا |
مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً | ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا |
تَفادى بـ " أرنيمٍ " وفَرَّ بنفسه | وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا |
وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه | بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا |
تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ | خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا |
كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ | تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا |
فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ | يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا |
ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً | يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا |
وخَلَّى لكَ " الطليانَ " يحتَكُّ بعضُها | ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا |
أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً | فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا |
أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ | غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا |
حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً | وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا |
وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً | وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا |
ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى | وقىَ اللهُ - من شَرٍّ يرادُ به - السِّرْبا |
وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ | وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا |
وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ | وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا |
وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها | وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا |
ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى | ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا |
فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها | وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا |
وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها | فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا |
دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها | وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا |
إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه | جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا |
فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ | وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا |
فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى | أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي |
ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا | لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى |
أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ | وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا |
وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ | من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا |
ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً | من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا |
وإلا فكيلوه عتاباً بمثله | لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى |
ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا | إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا |
وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ | إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا |