ثورة النفس!...
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
سكُت وصدري فيه تغلي مراجلُ | وبعض سكوتِ المرءِ للمرءِ قاتلُ |
وبعضُ سكوتِ المرءِ عارٌّ وهُجْنَةٌ | يحاسَبُ من جّراهُما ويُجادَل |
ولا عجبٌ أنْ يُخْرِسَ الوضعُ ناطقاً | بلى عجبٌ أنْ يُلْهَمَ القولَ قائل |
جزى الله والشعرُ المجوَّدُ نَسْجُهُ | بأنكد ما تُجْزَى لئامٌ أراذل |
مخامِرُ غدرٍ طوَّحَتْ بي وعودُهُ | فغُِررتُ والتفَّتْ علىَّ الحبائل |
وكنتُ امرَءاً لي عاجلٌ فيه بُلْغَةٌ | سدادٌ ومرجُوٌّ من الخير آجل |
رخياً أمينَ السربِ محسودَ نِعمةٍ | تَرِفُّ على جنَبيَّ منها مباذل |
فغُودرتُ منها في عَراءٍ تَلُفُّني | مَفاوِزُ لا أعتادُها ومجاهل |
طُموحٌ إلى الحتفِ المدبَّر قادني | وقد يُزهِقُ النفسَ الطُموحُ المُعاجل |
كَرِهْتُ مداجاةً فرُحْتُ مشاغبا | ولم يُجدِني شَغْب فرُحْتُ أُجامل |
وأغْرقْتُ في إطراءِ من لا أهابُه | وساجلت بالتقريع من لا يساجَل |
وأصْحَرْتُ عن قلبي فكان تكالُبٌ | عليّ لإصحاري وكان تواكُل |
نزولاً على حكمٍ وحفظاً لغاية | يكون وسيطاً بينهن التعاُدل |
وما خِلْتُني عبْءا عليهم وأنهم | يريدون أن يُجتَثَّ متنٌ وكاهل |
ولما بدا لي أنه سدُّ مَخْرَجٍ | وقد أُرتِجَ البابُ الذي أنا داخل |
وأخلَتْ صدورٌ عن قلوبٍ خبيثةٍ | ولاحت من الغدرِ الصريحِ مخايل |
رجعت لعُش ٍّ مُوحشٍ أقبلتْ به | علي الهمومُ الموحشاتُ القواتل |
وكنتُ كعُصفورٍ وديعٍ تحاملت | عليه ممن الستِ الجهاتِ أجادِل |
ورَوَّضْتُ بالتوطينِ نفساً غريبةً | تراني وما تبغيه لا نتشاكل |
وقلتُ لها صبراً وان كان وطؤهُ | ثقيلا ولكن ليس في الحزن طائل |
وكَظْمُ الفتى غيظاً على ما يسوؤه | من الأمر دربٌ عبَّدته الأماثل |
ولِلعْقلِ من معنى العقالِ اشتقاقُه | إذا اقتِيدَ إنسان به فهو عاقل |
وكنتُ ودعوايَ احتمالا كفاقدٍ | حُساماً وقد رَفَّت عليه الحمائل |
حبستُ لساني بين شِدْقَيَّ مُرغماً | على أنه ماضي الشَّبا إذ يناضل |
وعهدي به لا يُرسلُ القولَ واهناً | ولا في بيانٍ عن مرادٍ يعاضل |
وبيني وبينَ الشعرِ عهدٌ نكثتُه | ورثَّتْ حبالٌ أُحكِمَتْ ووسائل |
وجهّلتُ نفسي لا خمولا وإنما | تيقنت – ان السيّدَ المتجاهل |
وما خلت أني في العراق جميعِه | سأفقِدُ حراً عن مغيبي يسائل |
سَتَرْتُ على كَرْهٍ وضِعْنٍ مَقاتلي | إلى أن بدتْ للشامتينّ المقاتل |
أهذا مصيري بعد عشرين حِجَّةً | تحلت بأشعاري فهن أواهل ؟ |
أهذا مصيرُ الشعرِ ريّانَ تنتمي | إليه القوافي المغدقاتُ الحوافل!؟ |
سلاسلُ صِيغتْ من معانٍ مُبَغَّضٍ | لها الذهبُ الأبريزُ وهو سلاسل |
ومن عجبٍ أنّ القوافي سوائلا | اذا شُحِذَتْ للحَصْدِ فِهي مَناجل |
وهنَّ كماءِ المُزْنِ لطفاً ورقةً | وهنَّ إذا جدَّ النضالُ مَعاول |
فأمّا وقد بانت نفوسٌ وكُشِّفَتْ | ستائرُ قومٍ واستُشِفَّت دخائل |
ولم يبق إلا أن يقالَ مساومٌ | أخو غرضٍ أو ميّتُ النفسِ خامل |
فلا عذرَ للأشعار حتى يردَّها | إلى الحق مرضيُّ الحكومةِ فاصل |
لأمِّ القوافي الويلُ إن لم يَقُمْ لها | ضجيجٌ ولم ترتجَّ منها المحافل |
سأقذِفُ حُرَّ القولِ غيرَ مُخاتِل | ولا بدّ أن يبدو فيُخْزَى المُخاتل |
لئن كان بالتهديم تُبْنى رغائبٌ | وبلخبط والتكديرِ تصفو مناهل |
وإن كان بالزلفى يؤمَّلُ آيسٌ | وبالخُطَّةِ المُثلى يُخيَيَّبُ آمل |
فَلَلْجهلُ مرهوبُ الغرارين صائبٌ | ولَلْحِلْمُ رأيٌ بَيّنُ النقصِ فائل |
ولَلْغَرَضُ الموصومُ أعلى محلةً | من المرءِ منبوذاً علته الأسافل |
أرى القومَ من يُقرَّبْ إليهِمُ | ومن يَجْتَنِبْ يَكْثُرْ عليه التحامل |
على غيرِ ما سنَّ الكرامُ وما التقت | عليه شعوبٌ جمةٌ وقبائل |
فلا ينخدعْ قومٌ بفرط احتجازةٍ | تَخَيَّلَ أني قُعْدُدٌ متكاسل |
فإني لذاكَ النجمُ لم يخبُ نَوُؤه | ولا كَذَبَتْ سيماؤُه والشمائل |
وما فَلَّتِ الايامُ مني صرامة | ولا زحزحت علمي بانيَ باسل |
ولكنني مما جناه تسرُّعٌ | توهمت أنَّ الأسْبَقَ المتثاقل |
وإنّي بَعْدَ اليومِ بالطيش آخذُّ | وإني على حكمٍ الجهالةِ نازل |
وإني لوثابٌ إلى كل فرصةٍ | تعِنُّ وعدّاءٌ إليها فواصل |
بخيرٍ وشرٍ ان ما ادرك الفتى | به سُؤْلَه فهو الخدينُ المماثل |
وأعلَمُ علماً يقطعُ الظنَّ أنَّه | لكلِ امرئٍ في كلِّ شيءٍ عواذل |
فانْ لم يقولوا إنَّه مُتعنِّتٌ | عَنُودٌ يقولوا مُصْحِبٌ متساهل |
تخالُفَ أذواقٍ وبغياً وإثْرَةً | ومن آدمٍ في العيش كان التّقاتُل |
فما اسطعتَ فاجعلْ دأبَ نفسِكَ خَيرَها | ولا تُدخِلَنَّ الناسَ فيما تحاول |
فما الحرّ إلا من يُشاورُ عَقْلَهُ | وأمُّ الذي يستنصِحُ الغيرَ ثاكل |
نَصيحُكَ إما خائفٌ أو مغَرَّرٌ | كلا الرجلينِ في الملماتِ خاذل |
وبينهما رأيٌ هو الفصلُ فيهما | ومعنىً هو الحقُ الذي لا يجادَل |
على أنها العقبى – فباطلُ ناجحٍ | يَحِقُّ . وحق العاثرِ الجَدِّ باطل |