المقصورة ...
مدة
قراءة القصيدة :
15 دقائق
.
برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى | ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا |
ورغم القلوبِ التي تستفيضُ | عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى |
وإذ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ | ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى |
وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ | تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى |
وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين | كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا |
فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ | وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا |
وأنت إذا الخطبُ ألقى الْجِران | وحطَّ بكلكلهِ فارتمى |
ألحْتَ بشِعرِكَ للبائسين ، | بداجي الخُطوبِ ، بَريقَ المُنى |
توحُ على مثلِ شَوك القَتادِ | وتغدو على مثل جَمْرِ الغضا |
وتطوي الضُّلوعَ على نافذٍ | من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى |
دريئةَ كلِّ جذيم اليدينِ | رمى عن يَدَيْ غيرهِ إذ رَمى |
رمى عن يدَيْ حاقدٍ نافسٍ | عليك احتشادَ العلى والندى |
وحلِساً لدارِكَ والمُقْرفون | يجولونَ كلَّ مجالٍ بدا |
على حينَ راحَ هجينُ الطباعِ | تَنطَّفُ أطرافُه بالخَنا |
أدَرَّ عليه ثُدِيَّ الخُمولِ | وهزَّتْهُ في المهدِ كفُّ الغَبا |
يجرُّ ذيولَ الخنا والغِنى | وتهفو عليه ظِلالُ المُنى |
وحولَكَ مثلُ فِراخِ الحَمامِ | لولا الشعورُ – وزُغْبِ القَطا |
تدورُ عيونُهمُ والذَّكاءُ | يَلمَعُ فيها كحدِّ الظُبا |
إلى كلِّ شَوْهاءَ مرذولةٍ | وأشوَهَ مستأثِرٍ بالغِنى |
وتَرْجِعُ والعتبُ في مُوقِها | تَساءلُ : أيُّكما المُبتلى ؟ |
بـ " علقمةَ الفحلِ " أُزجي اليمينَ | أنَّي ألَذُّ بمُرِّ الجنى |
وبـ " الشَّنْفَرى " أنَّ عينَّي لا | تَلَذّانِ في النومِ طعمَ الكرى |
وبـ " المتنبئِ " أنَّ البَلاءَ ، | إذا جدَّ ، يَعلم " أني الفتى " |
ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ | بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا |
فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ | يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا |
ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ | بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى |
على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ | لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى |
تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ | فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى |
فما هي أوّلُ مجذومةٍ | مخافةَ عدوى بها تُنتفى |
ولا هي أوّلُ " أغلوطةٍ " | محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى |
وما بالنفوسِ اللواتي ملكنَ | بأطماحهنَّ عَنانَ السّما |
عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ | ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى |
إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ ، | صغارَ الحلومِ ، صغارَ الهوى |
يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم | به عن هوانهمُ : يُشتفى |
أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ | فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى |
زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ | وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى |
وأشباحُ ناسٍ ، وإنْ أُوهِمُوا | بأنّهمُ .. " قادةٌ " في الورى |
ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ | سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما |
وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ | كثيرَ الصيالِ ، شديدَ القوى |
من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ | يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟! |
بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ | وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟! |
أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ | ونفحُ الرمالِ ، وبذْخُ العرا!! |
بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ | وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى |
إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء | جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى |
وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ | وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى |
فوارقُ لا يَمَّحي عارُها | ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ " سوى !" |
بحيثُ يقالُ إذا ما مشى الصّليُّ | بها : إنّ وغداً بدا |
وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ | بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا |
أقولُ لنفسيْ – إذاضمَّها | وأترابَها محفِلٌ يُزدهى |
تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ | إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى |
وأحسنُ ما فيكِ أنّ " الضميرَ " | يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا |
وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ | تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى |
ولم تستطعْ هممُ المدَّعين | صبراً على جمرةٍ المدَّعى |
خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ " القُيون " | تَرعرَع في النار ثمَّ استوى |
تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا | يَقَرّانِ إلا على مُرتقى |
كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ | والهمِّ ، مخلوقةٌ للذُّرى |
شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ | لأبعدَ ما في المدى من مدى |
وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ | بما تتركينَ بها من صدى |
بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ | تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى |
وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ | يُخاف على الرُّوحِ منه العمى |
يموتُ " النبوغُ " بأحضانه | ويُنعى به " الأمل " المرتجى |
وتمشي الجموعُ على ضوئهِ | لتبكي على عبقريٍّ قضى |
وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها | حواشيه .. ردَّكِ عزمٌ قَضى |
لشرِّ النِهاياتِ هذا " المطافُ " | وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى |
متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ | تُساقُ إلى حتفِها بالعصا |
تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ | ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا |
وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ | كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى |
يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ | إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى |
وتسمَنُ منها عِجافٌ مَشتْ | إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصي |
تُراودُها عِزّضها كالقُرومِ | هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا |
عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها | لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا |
وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها | كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى |
وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ | بها : كيف إيقاظُها أو متى |
ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها | على الذُّلِّ ، أيَّ خيالٍ تَرى |
أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا | كرىً ،أمْ صبياً بريئاً غفا؟ |
متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى | عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى |
وقد نَفَض الكهفُ عن أهله | غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟ |
تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ | وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما |
وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها | كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا |
وأصنامِ بَغْيٍ يصُبّونها | ويَدْعُونها مَثلاً يُقتدى |
يُثيرونَ من حولِها ضَجَّةً | بها عن مَخازيهمُ يُلتهى |
كما حَجَبَتْ بالغُبارِ العيون | خِفافٌ مُهرّأةٌ تُحتذى |
فهذا سيمضي وهذا مضى | وهذا سيأتي وهذا أتى |
وهذا " زعيمٌ " ، لأنّ السفيرَ | يرنو إليه بعينِ الرّضا |
وفي ذاكَ عن سُخطِ أهل البلادِ | على حُكمهِ أو رضاهم غِنى |
وهذا بعِمتَّهِ ، ساخراً ، | من " الجنِّ " يَرفعها للعلى |
تجيءُ المطامعُ منقادةً | إليه إذا شاءَ أو لم يَشا |
وليتك تحَسِبُ أزياءهم | فتجمعَ منها زهورَ الرُّبى |
فتلكَ اللفائفُ كالأُقحُوانِ | بها العِلمُ ينفحُ طيبَ الشذا! |
تَطُقُّ المسابحُ من حولِها | لتُعلِنَ أنَّ مَلاكاً أتى |
وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ | تاهَ " العِقالُ " بها وازدهى ! |
تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ | على كتفَيْ " يابسٍ " كالصُوى |
يَوَدُّ من " التِّيهِ !" لو أنَّه | يَشُدُّ بها " جَرَساً ! " إنْ مشى |
لِيَعلِمَ سامعُه أنَّه | " ينوبُ !" عن البلدِ المُبتلى |
إذا رَفعَ اليدَ للحاكمينَ | بدَتْ " نَعَمٌ " وهي في زيِّ " لا! " |
وبينهما محدَثٌ ناشيءٌ | إذا خطَّ تَعرِفُه أو حَكى |
تعوِّذُه أُمُّه إنْ مشى | إلى " البرلمانِ " بأمِّ القرى |
ومُستسلمين يَرونَ الكفاحَ | قَوراء مدحوَّةً تُمتطى |
فَتغرُزُ في رَخوةٍ سَمْحَةٍ | وتنفِرُ عن ذي مِسَنٍّ قَسا |
يَرَوْنَ السياسةَ أنْ لا يمسَّ | هذا ، وأنْ يُتَّقى شرُّ ذا |
وهذا وذا في صميمِ البلادِ | سُلٌّ ، وفي العينِ منها قذى |
مساكين يقتحمونَ الكفاحَ | وقد راعهمْ بابُه مِن كُوى |
وما هو إلاَّ احتمالُ الخُطوبِ | وإلاّ الأذى والعَرا والطَّوى |
فهمْ يعرفونَ مزايا الخُلودِ | ولا يُنكرونَ مزايا الفَنا |
وهمْ يعشَقونَ هُتافَ الجموعِ | ويَخْشونَ ما بعدَه من عَنا |
فليتَ لنا بهمُ ناقةً | تُطيق الحفا والوجا والوحى |
وتجترُّ بالجوعِ ما عندَها | وتَطوي على الخِمْسِ حَرَّ الظما |
ومُحتقِبٍ شرَّ ما يُجتوى | مشى ناصباً رأسهُ كاللِّوا |
مشى ومشتْ خلفَهُ عُصبةٌ | تقيسُ خُطاهُ إذا ما مشى |
يُحبُّ " السلامةَ " مشفوعةً | بدَعوى " الجْبانِ " بحُبِّ الوَغى |
ويجمعُ بينَ ظِلالِ القصورِ | وعَصْرِ الخمورِ ورشْفِ اللَّمى |
وعيشِ " المَهازيلِ " في ناعمٍ | من العيشِ مِن مثلهِ يُستحى |
وبينَ " الزعامةِ ! " لا تُصطَفَى | بغيرِ السجونِ ولا تُشترى |
ولم أدرِ كيفَ يكونُ الزعيمُ | إذا لم يكنْ لاصقاً بالثرى |
ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ | يظنّونها جُبَباً تُرتدى |
كما جاوبتْ " بومةٌ ! " بومةً | تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا |
ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ | من القولِ ، رعيَ الجمالِ الكلا |
يرَوْنَ " وُرَيقاتِهم " بُلغةً | من العيشِ لا غايةً تُبتغى |
فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ | لمنْ يعتلي ، صهوةٌ تعتلى |
ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ | زوايا المقاهي لهم مُنتدى |
تصايَح باللغوِ ما بينها | صِياحَ اللقالق تنفي الحصى |
وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ | تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما |
ألا يخجلونَ إذا قايسوا | حياتَهمُ بحياةِ الأُلى |
سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ | فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى |
وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ | فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى |
وعارٍ تحلّى بثوب الأديب | وممَّا يُزكّي أديباً خَلا |
ومن تبعات النُّفوس الكبار | بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى |
ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه | فوغداً أهرَّ ووغداً شلا |
إذا ما تصفحتَ أصنامَه | وهُزأةَ ألقابها والكُنى |
أراكَ- وإن أنكرَ العالمانِ - | بمزمارِ داودَ ، بُوماً شدا |
وأنَّ غُراباً شأى " معبداً " | وأنّ حِماراً " غريضاً " حَكى |
بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ | كلُّ الذي تشتهيهِ طها |
يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ | ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا |
يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى | ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى |
يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل | جُذَيْلاً هجا ، وعُذَيْقاً رمى |
وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً | أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا |
حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ | بفَضْلاتهِ ، وزوي ما زوى |
وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ | وأنيابَهنَّ بها واختفى |
يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ | تُدير على الأرضِ حُكم السَّما |
ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ | على الناسِ يَجري : بأيدي سبا |
وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى | وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا |
فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ | على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟ |
وأضحى " ثمودُ " و " لوطٌ " به | ومَن لهما في الشرورِ انتمى |
ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ | وجارَ على أهلها واحتمى |
حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ | في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا |
يسائلُ بعضٌ به بعضهم | أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟! |
أُخِذْتَ لأني ركبتُ الطريقَ | شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى |
وأنت أُخِذْتَ على ناقةٍ | بفلْسينِ أمثالُهما تُشترى |
وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ | تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا |
نجيءُ الحياةَ على رِسلِها | نهاياتُها عندنا كالبِدي |
ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي | ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي |
ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ | فيُشرِقنا كبتُها بالشجا |
إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا | بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى |
ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ | ما كانَ غيرَهمُ ، والتَّوى |
وجَدنا هُنا كلَّ ذي عَورةٍ | على كلِّ ذي حُرمةٍ قد سطا |
وكلَّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ | تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى |
وجَدنا الرَّجالَ هنا بالرِّجالِ | لاهينَ ، في وَضَحٍ من سَنا |
على حينَ تختصُّ نِسوانُهم | نساءً ، ومنتصِفٌ مَن جزى |
وجدَنا الزعيمَ – كما يَنْعَتُونَ - | على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى |
وجدنا الخبائثَ والطَّيباتِ | بأضدادِهنَّ – هُنا – تُصطفى |
وجدنا الرَّجالَ وأسماءَهم | يُخَّففُ من قُبحها بالكُنى |
بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ | وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى |
ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي | لدى الناسِ في وجهها والقفا |
سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ | يبدو ، ولا وجهُها من ورا |
ولا يستبيحُ بها سابقاً | إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا |
ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ | ذميمٌ ، ولا يدّري مَن وعى |
وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى | لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى |
وكان بها المُثُل الصالحاتُ | لا الطالحاتُ ، هي المُقتدى |
فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً | جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى |
ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً | لتحضِنَ منه خيالاً سَرى |
وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ | بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى |
ولا تُنكروا أنَّ " عُشّاً " به | تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا |
كطُهْرِ " الطفولةِ " أجواؤه | وأفياؤه كرفيفِ الضحى |
ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه | لكم في صميمِ زمانٍ جَسا |
ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ | نزلنا إليها ، وأيَّ الهُوى |
وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له | بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا |
ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى | وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى |
وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ | أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا |
ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً | بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى |
وشرُّ " السهامِ " رُواءُ النعيمِ | وشرُّ " النضالِ " بريق الغِنى |
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ | وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى |
على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ | على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى |
على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى | كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى |
بإِيسارهِ يومَ أعذاقُه | تَرفّث ، وبالعسرِ عندَ القنى |
وبالسَّعْفِ والكَرَبِ المُستجِدِّ | ثوباً " تهرّا " وثوباً نضا |
ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها | كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى |
ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ | تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى |
تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ | يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى |
سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها | عليها هَفا وإليها رَنا |
تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها | وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى |
كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها | من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى |
رواءُ النميرِ لها لُحمةٌ | وذَوبُ الشعاعِ عليها سَدى |
ونجمٌ تَغَوَّرَ من حُبّها | ونجمٌ عليها ادَّنى فادَّلى |
على الجْسِرِ ما انفكَّ من جانبيهِ | يُتيحُ الهَوى مِن عيونِ المها |
فيا ليتَهُنَّ الذي يعتدي | ويا ليتَكَ الرّجلُ المُعتدى |
ويا ليتَ بلواكَ قُبُّ الصدورِ | ولُعسُ الشفاهِ وبيضُ الطُّلى |
ويا ليتَ أنَّكَ لا تشتكي | ظَماءكَ إلاَّ لهذا اللَّمى |
وليتَ بهنَّ ولا غيرهنَّ | تَنَقَّلُ في غضبٍ أو رِضا |
بهنَّ ولا بغلاظِ الرقابِ | قِباحِ الوجوهِ خِباثِ الكُلى |
سلامٌ على جاعلاتِ النَّقيقِ ، | على الشَّاطئينِ ، بَريدَ الهوى |
لُعنتنَّ مِن صِبيْةٍ لا تشيخُ | ومن شِيْخَةٍ دَهْرَها تُصطبى |
تقافَزُ كالجْنِّ بينَ الصخورِ | وتندسُّ تحتَ مَهيلِ النَّقا |
حَلَفتُ بمنْ راءَكنَّ الحياةَ | سمحاءَ أبدعَ ما تُرتأى |
وألبسكُنَّ جَمالَ الغديرِ | مَن صافَ منكنَّ أو مَن شتا |
لأنتُنَّ من واهباتِ البيانِ | جَمالاً ومن مُحييِاتِ اللُغى |
على أنَّها لُغةٌ ثرَّةٌ | عواطفكنَّ بها تُمترى |
لقد عابكنَّ بما لا يُعابُ | فَدْمٌ بخَلْقٍ جميلٍ زَرى |
بسَمحٍ يُنادمُ رَكبَ الخلود | ويُحسن للخابطينَ القِرى |
يَدُلُّ على الماءِ مَن ضَلَّه | ويَرفعُ وحشةَ ليلٍ طَخا |
كأنَّ بعينيكِ ياقوتتينِ | صاغهما جوهريٌّ جَلا |
ولو لم يُخبِّرْ بريقُ النبوغِ | بعينيكِ عن مثلِ سفعِ الذّكا |
لنَمَّ الجُحوظُ على شاعرٍ | بعيدِ الخيالِ عنيفِ الرؤى |
سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ | هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى |
وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً | وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا |
وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم | بأن قد مضى الليلُ إلا إنى |
ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ | عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى |
وما برِحَ القمرُ المستديرُ | يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا |
تلوذُ النجومُ بأذيالهِ | هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا |
إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ | ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى |
سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ | تناثرُ مِن حولهن القُرى |
ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى | يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى |
وحبلِ ضياءٍ تدلّى به | على أُفقٍ أُفقٌ والتقى |
كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ | تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى |
يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ | ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى |
وينتزعانِ الشُفوفَ التي | تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى |
رويداً رويداً كما سُرِّحتْ | غلائلُ غانيةٍ تُنتضى |
وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ | نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى |
تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ | وأُغرم عارٍ به فاكتسى |
كأنَّ بها عالماً واحداً | تلاقى ، وإنْ بَعُد المنتأى |
سلامٌ على بلدٍ صُنتُه | وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى |
كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق | على كبدَينا ، ولَذْعَ النَّوى |
وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة | لنا عند غايتها مُلتقى |
غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ | طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا |
وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً | يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا |
ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ | ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى |
غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا | يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا |