شاغور حمانا ...
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عاودتُ بعد تغيُّبٍ لُبنانا | ونزلتُ رَحْبَ فِنائه جَذلانا |
ودَرَجتُ اقتنصُ الشباب خَسِرتُه | ذا رِبحةٍ ورَبِحته خسرانا |
فوجدتُ رَيْعان الجمالِ ولم أسَأ | أني أضعت من الصبا ريعانا |
ووجدتُ في مرح الحياة طفولتي | وشبيبتي وكهولتي سِيّانا |
ونقضتُ بيني والكوارثِ مَوثِقاً | وأخذت من عَنَتِ الزمان أمانا |
وأقَمت من يَومي لأمسيَ حاجزاً | وضَرَبت سَداً بينَنا النِسيانا |
وطلَبتُ عونَ قريحتي فوجدتُها | سمحاءَ تبذُل خيرَها مِعوانا |
وأثرتُ هاجعةَ القوافي لم تجد | في الراقدين لركضة ميدانا |
قام الجفافُ بعذرها واستامَها | خِصبُ الجبال مرونةً ولِيانا |
وأريتها " حَمّانة " فرأتْ بها | مَلَكاً يمُدُّ الشعرَ لا شيطانا |
وأردتُها تَصِف الحياة رقيقةً | وجليلةً وتُجيدها إتقانا |
فشكَتْ إلى لُغىً تضيقُ حروفُها | عن أن تُسيغ السجعَ والأوزانا |
" شاغورُ حمانا " ولم يَرَ جنةً | من لم يشاهدْ مرةً " حمانا " |
مرْجٌ أرادتْه الطبيعةُ صورةً | منها على إبداعها عُنوانا |
فحبتْه بالمُتَع الروائعِ كلِّها | ورَمَت عليه جمالَها ألوانا |
المنتقاةَ من الحياة طبيعةً | والمصطفاة من البلاد مكانا |
والخافقاتِ ظلالُها عن سَجسَجٍ | يَشفى الغَليل ويُثلجُ الظمأنا |
والغامراتِ عيونُها وديانَها | وجبالَها وبقيعَها الفينانا |
والغارقاتِ مروجُها في سُندُسٍ | خُضرٍ تَفوح من الشَذا أردانا |
وادٍ تَلَفَّت ناشئاً فاذا به | بين الجبال تكفَّلَته حَنانا |
واذا بها بمياهه وغياضِه | جاءَت تحوِّطُ مَرْجه بستانا |
انظر إلى الجبل الأصمِّ بزرعِه | متبختراً وبضرعِه رَيّانا |
لامستِ بالشك اليقينَ وزعزعَتْ | مرآكِ نفساً تنشُدُ الإيمانا |
أمِنَ الجنان وخمرها لكِ صورةٌ | صوِّرَت عنكِ الجنانُ جنانا |
عاودتُ ماءَكِ ناهلاً وحسبتُني | عاودتُ بعدَ تعفُّفٍ إدمانا |
يا اختَ " لا مرتين " ارهفَ جوُك | الإحساسَ منه ولطَّفَ الوجدانا |
هذي الينابيعُ الحسانُ تفجَّرتْ | منها ينابيعُ البَيان حِسانا |
الخالداتُ خلودَ شمسك طلقةً | والسامياتُ سموَّ هضبِك شانا |
والباعثاتُ من العواطف خيرَها | إيناسةً . وأرقَّها أحزانا |
وحيٌ تنزَّلَ والندى ورسالةٌ | هَبَطتْ وأضواء النجوم قِرانا |
في ساعةٍ أزَليةٍ بهباتِها | شأت الوحاة وبَزَّتِ الأزمانا |
يا أيها النهرُ الذي بخريره | وَعَتِ العصورُ نشيدَهُ الرنّانا |
يا أيها الجبلُ المَهيبُ بصمته | مترهِّباً يستلهمُ الأكوانا |
يا أيها الشجَرُ الذي بحفيفِه | وفَّى الحياة ونورها شُكرانا |
ما ضرَّ انك ما مَلَكتَ لسانا | ولأنت أفصحُ مَنطِقاً وبيانا |
" شاغور حَمّانا " أثارَ بلُطفه | قِممَ الجبال وأرقَصَ الوديانا |
فرشت له صُمُّ الصفا أذيالها | وتفتحَّت ثَغَراتُها أحضانا |
ومَشَى عليها مالكاً ادراجها | متشوقاً لمسيله عَجْلانا |
غَنِنَتْ به غُرُّ الضِفاف فخورةً | وزَهَا به يَبَسُ الثَرى جذلانا |
وكسا الحشائشَ رونقاً لم تُعطَهُ | وجلا رُواءُ نميره العيدانا |
وبدا الحَصَى اللمّاعُ في رَقراقه | دُرراً غواليَ تزدهي وجُمانا |
تَرَكَ الجبالَ وعُريَها وهَجيرَها | وتقمَّصَ الاشجارَ والأغصانا |
ورمى الخيالَ بمعجزٍ من حُسْنِهِ | في حالتَه كاسياً عُرْيانا |
واستقبلته على الضِفاف بلابلٌ | نَشْوى تُغَنِّى مثلَه نَشْوانا |
مُتَلوِّياً يُعطيك في لَفتاته | بين المسارب تائهاً حيرانا |
ألقت عليه الشمسُ نُوراً باهتاً | زان الظلال رقيقةً وازدانا |
وارتد إبّان الظهيرة غائماً | كالفجر يُعلن ضجةً اِيذانا |
أوغَلتُ في أحراجه وكأنني | أصبحت أولَ مرَّةٍ فنّانا |
وكأنني فيما أُحاولُ ، هاربٌ | حَذِرٌ مخافةَ ان يَرَى إنسانا |
ووجدتُ نفسي والطبيعة ناسيا | ماذا يضمّ العالمان سوانا |
ورميتُ أثقال المطامحِ جانباً | ووجدت عن خُدُعاتِها سُلوانا |
وحسِبت عصفوراً يُلاعب ظلَّه | في الماءِ ينعمُ راحةً وأمانا |
واستسلمتْ نفسي لاحلامِ الصبا | ولمَسْت طيف خيالها يقظانا |
ومَزَجْتُ بين الذكريات خليطةً | فوجدتُني متلذِّذاً أسيانا |
وتسلَّلتْ بالرَغم مني مرَّةً | صُورُ الحقائق تبعثُ الأشجانا |
فإذا الخيال المحضُ يلمعُ زاهياً | وإذا الحقيقةُ تُطفىءُ اللمَعَانا |