بم أستهل
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ ؟ | أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ |
عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول | فاعلم بأني لستُ من أكفائه |
هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى | جَلّى ، فكان الصبرُ من شهدائه |
سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى | وهوى اليه وكان في جوزائه |
ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا | أسفاً لواهُ الموت في نكبائه |
نجم هوى من أُفقه فتناقصت | ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه |
من كان يفترش الجْفُون وطاؤه | قد وسدته الترب غيرَ وِطائه |
بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي | زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه |
ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما | رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه |
امجانباً عرض البسيط أعيذه | من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه |
لكن رأى زمراً تمور وعالماً | خلط الظلال هديره بِرُغائه |
فطواك في أحشائه متخوفاً | من أن يضيع الدُّر في حصبائه |
هذا الربيع – وأنت من أزهاره - | يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه |
أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا | نُوارُه متفتحٌ بشذائه |
ما اهتز نعشك يوم صفف عوده | الا لأنك كنت من خطبائه |
يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما | يبكى لفقد وقاره وعلائه |
قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةٍ | حتى يراك وأنت من بلغائه |
لا توقظوه بالدموع فربّما | أغفى لطول سُهاده وعنائه |
ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه | أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه |
غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق | دفعاً لها فذوى بخضرة مائه |
جاذبنه فضل الحياة فقصّرت | منه وما قصُرت فضول رادئه |
قالوا أأعوزه الدواء جهالةً | ولربما مات الفتى بدوائه |
يا أيها " السلك " المبلغ نعيَهُ | هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه |
ركب تحمل والحِمامُ يسوقه | عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه |
قلت : البشارةُ بالقدوم ، فهذه | أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه |
فإذا على أسلاكه مهزوزةً | نبأ يرِن الحزن في أثنائه |
عجباً له خِلو الحشا من لوعة | وجليلُ رزء الموت في أحشائه |
قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة | جللٍ تحطُ البدر في عليائه |
كالعود في أهزاجه ، والسهم في | إصماته ، والطَرفِ في إيمائه |
متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما | يروي فصيح القول في فأفائه |
لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه | وتراه محموداً على إفشائه |
تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى | ما بين عودته الى إبدائه |
ما كنت أعلم " والغريُّ " مَحِلّةٌ | لك أن ستقضي في ربى " فيحائه " |
كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى | ثوب المِحاق رعايةً لاخائه |
لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم | يحللْ لغير الله عقد قَبائه |
أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت | افلاذُه بالنار من صُعَدائه |
أبكيه ريانَ الشباب ، رداؤه | نَضِرُ الصبِّا ، شَرِقٌ بحسن روائه |
أبكيه منطوياً على نارين من | داء النَّوى ، وهو الأمضّ ، ودائه |
أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ | ما بين أهليه ، الى رفقائه |
أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا | وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه |
تنتاشُه كفُ المنية صارماً | عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه |
ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة | ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه |
لا تسألنِّي عن " أبيكَ " فبعض ما | لاقاه أن بكاءَنا لبكائه |
عين تسيل دماً لفقد سوادها | وحشىً يذوب أسىً على سودائه |
والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ | فاذا استقلَّ فصبره بازائه |
ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ | غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه |
قالوا : " الوباءُ " فقلت من أدوائنا | وهو القتيل بهن لا بوبائه |
رُحْ سالماً ، ودع الحياة لجاهل | وغروره ، أو عالم وريائه |
والدين ، كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ | والفرق كلُّ الفرق عند أدائه |
هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً | من حكم دهرك ، سادراً بشقائه |
صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه | دهر يذوب الصبر في أرزائه |
أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما | أعطى ، وكان الفضل في اعطائه |
ولربما جزِع الفتى من علّة | كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه |
صبراً وشافع من تسمّى " محسنا " | أملٌ بحسن الصبر عند بلائه |
بالخلد عن هذي الحياة تصبراً | يُغنى وعن أكدارها بصفائه |
إني نظمت الدمع فيه قصيدة | لما وجدت القول دون رثائه |
وعلمت أن الخلد ملك " محمد " | فعسى أكون هناك من شعرائه |
صبراً وإن ذهب " العليُ " وأنتم | " بسعيد " هذا الجيل من سعدائه |
على حدود فارس | |
أحبابنا بين مَحاني العراقْ | كلفتُمُ قلبيَ ما لا يُطاقْ |
العيشُ مرٌّ طعمهُ بعَدكم | وكيف لا والبُعْدُ مرُّ المذاق |
أمنيَّةٌ تَستاقُها شقوة | آهٍ على أمنيَّةٍ لا تُعاق |
كلُّ لياليكُمْ هنيئاً لكم | بيضٌ ، ودَهري كلُّه في مِحاق |
لي نَفَسٌ كيف بتَصعيده | والشوقُ مني آخِذٌ بالخِناق |
الله يَرعَى " حَمَداً " انه | غادرني ذكراه رهنَ السياق |
هل جاءه ان أخاه متى | يَذكرْه يَشَرقْ بدموع المآق |
يكفيكُمُ من لوعتي أنني | في فارس أشتاقُ قُطرَ العراق |
لا سوحُها وهي جِنان زَهَتْ | بكلِّ ما رقَّ جمالاً وراق |
ولا الربى مخضّرة تزدهي | حسناً حواشيها اللطافُ الرِقاق |
خُطَّتْ على أوساطها خضرةٌ | سبحان من قدّر هذا النِطاق |
تنال من شوقي وهل سلوةٌ | لمن قضى اللهُ له أن يُشاق |
صبَّ الشتاء الثلج فوق الرُبى | يرفعُه فيها طباقاً طباق |
حتى إذا الصيفُ انبرى واغتدتْ | تُصَبِّحُ الأرض بكأسٍ دهِاق |
هبَّ عليلاً ريحُها لاصَحَا | زماسَ سُكراً روضُها لا أفاق |
أحسن ما في وجهِ هذا الثرى | عيونُه لا رمُيتْ بانطباق |
تجري وتجري أدمعي ثرةً | وأدمُعي أولى بشأو السباق |
لمُ يحيِ هذا الماءُ مَيْتَ الثَرى | لو لم يكنْ ماءُ حياةٍ يُراق |
ذكرتكُمْ والنفسُ مسحورةٌ | وللخُطى بين المروج إستراق |
ليس يقي النفْسَ امرؤ من هَوى | إلا إذا كانَ من الموت واق |