عقابيل داء ...
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ | ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ |
ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها | وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب |
وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله | كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب |
وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ | وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب |
كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ | وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب |
أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ | وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب |
وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ | ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب |
إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ | عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب |
يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ | ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب |
فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ | يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب |
تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة | وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب |
وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً | أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب |
تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً | وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب |
وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً | ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب |
وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي | حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب |
فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما | أخفهما الشرُّ الذي تتجنب |
سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ | تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب |
تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ | نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب |
فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ | ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب |
ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ | ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب |
أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه | تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب |
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم | أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا |
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ | بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا |
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم | إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا |
وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ | قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب |
سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ | يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب |
عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه | لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب |
عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ | وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب |
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم | وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب |
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها | وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب |
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو | إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا |
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ | لهُم ، فيُلهيهمْ ، ولم يصفُ مَشْرَب |
خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها | لديهمْ ، ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب |
سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله | نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟ |
على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً | يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب |
همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ | ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب |
تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم | عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب |
وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده | مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب |
قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ | وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب |
جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ | وعاقبةٌ ، إنّ العواقبَ تُحْسَب |
يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها | وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب |
فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه | وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب |
على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ | وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب |
إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها | تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب |
إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها | عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب |
وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه | تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب |
يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ | وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب |
أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها | فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب |
وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ | له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب |
يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ | كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب |
وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ | يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب |
وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ | نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب |
ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ | يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب |
تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ | وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب |
وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً | يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب |
لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ | ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب |
ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ | بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب |
فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ | تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب |
وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ | كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب |
يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى " عقائلٌ " | وتَعزِلُ فينا " غانياتٌ " وتَنصِب |
كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها | مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب |
ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ | يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب |
نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ | وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب |
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ | غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب |
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ | على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب |
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ | وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب |
وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا | أبٌ ، اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب |
عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ | مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب |
وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا | لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب |
فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ | نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب |
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً | سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب |
وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ | ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب |