أرشيف المقالات

{ ولما جاءهم رسول.. }

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ...

 
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 101- 103].
 
﴿ وَلَمَّا ﴾ التعبير بـ ﴿ لمَّا ﴾ دليل على أنهم كانوا يتوقعون مجيئه، وقد كانوا يتوقعون ذلك ويعرفونه، ويستفتحون على الذين كفروا، ﴿ جَاءَهُمْ ﴾؛ أي: بني إسرائيل ﴿ رَسُولٌ ﴾ محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتنكير للتعظيم؛ أي: رسول بالغ أقصى درجات الفضل، وقد اختاره الله تعالى ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ تفخيمًا لشأنه؛ إذ الرسول على قدر المرسل.
 
﴿ مُصَدِّقٌ ﴾ وتصديقه أنه خلق على الوصف الذي ذكر في التوراة وبشَّرت به، أو تصديقه على قواعد التوحيد وأصول الدين وأخبار الأمم والمواعظ والحكم، أو تصديقه: إخباره بأن الذي معهم هو كلام الله، وأنه المنزل على موسى، أو تصديقه: إظهار ما سألوا عنه من غوامض التوراة، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157].
 
﴿ لِمَا مَعَهُمْ ﴾ التوراة ﴿ نَبَذَ ﴾ النبذ والطرح والإلقاء متقاربة؛ لكن النبذ أكثر ما يُقال فيما يئس، والطرح أكثر ما يقال في المبسوط وما يجري مجراه، والإلقاء فيما يعتبر فيه ملاقاة بين شيئين.
 
والمعنى: اطِّراح أحكامه، أو اطِّراح ما فيه من صفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ الكُفْر ببعض كفر بالجميع ﴿ فَرِيقٌ ﴾ جماعة، وبيَّن في موضع آخر أن هؤلاء الذين لم يؤمنوا بالكتاب هم الأكثر، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
 
﴿ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ عبَّر الله تعالى بالذين أوتوا الكتاب توبيخًا لهم، وتنديدًا بفعلهم، فإنهم كانوا جديرين بأن يكونوا أول من يأخذ بالكتاب لَا أن ينبذوه ويجعلوه وراء ظهورهم ودبر آذانهم.
 
﴿ كِتَابَ اللَّهِ ﴾ التوراة، أو القرآن، وهو الراجح؛ لأنه هو الذي جاء به الرسول الكريم، الذي جاء به مصدِّقًا لما معهم، وأضاف الكتاب إلى الله تعظيمًا له، كما أضاف الرسول إليه بالوصف السابق، فصار ذلك غاية في ذَمِّهم؛ إذ جاءهم من عند الله بكتابه المُصدِّق لكتابهم.
 
﴿ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ وهذا مثل يضرب لمن أعرض عن الشيء جملة، وقالت العرب ذلك؛ لأن ما جعل وراء الظهر فلا يمكن النظر إليه، فهذا النبذ الذي كان منهم لا يُرْجى بعده قبول، ومثله: ﴿ قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا ﴾ [هود: 92].
 
﴿ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ تشبيه لمن يعلم بمن يجهل؛ لأن الجاهل بالشيء لا يحفل به ولا يعتد به؛ لأنه لا شعور له بما فيه من المنفعة.
 
وعن سفيان: أدرجوه في الديباج والحرير، وحلوه بالذهب، ولم يُحِلُّوا حلالَه، ولم يُحرِّمُوا حرامه [وعلى قول سفيان، فالكتاب هو التوراة].
 
﴿ وَاتَّبَعُواْ ﴾؛ أي: اقتدوا به إمامًا، أو فضَّلُوا؛ لأن مَنِ اتَّبَع شيئًا فَضَّلَه، وهو إخبار عن حال اليهود في اتِّباعهم ما لا ينبغي أن يتبع من السحر زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسلافهم أيضًا فشا فيهم السحر، فأمر السحر لم يزل في اليهود قديمًا وحديثًا، وفيه أن من ترك الحقَّ ابْتُلي باتِّباع الباطل.
 
﴿ مَا تَتْلُواْ ﴾ وهو مضارع في معنى الماضي؛ أي: ما تلت، أو ما كانت تتلو من السحر ﴿ الشَّيَاطِينُ ﴾ شياطين الجن ﴿ عَلَى مُلْكِ ﴾؛ لأن الله جمع له بين النبوَّة والمُلْك؛ بل وهَبَه مُلْكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده ﴿ سُلَيْمَانَ ﴾ على عهده، وفي زمانه، أو على ما تفتريه عن تثبيت ملك سليمان في زعمهم.
 
وتدور أكثر أقوال المفسرين على أن الذي تَلَتْه الشياطينُ على مُلْك سليمان هو بعض أنواع من السحر والشعوذة ابْتَدَعَها الشياطين، ونسبوها إلى سليمان عليه السلام، وزعموا أنه كان يُسخِّر بها الجِنَّ.
 
وفي الطبري بإسناد حسن لابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما- قال: كان الذي أصاب سليمان بن داود، في سبب أناس من أهل امرأة يقال لها جرادة، وكانت من أكرم نسائه عليه، قال: فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم، فعُوقِب حين لم يكن هواه فيهم واحدًا، قال: وكان سليمان بن داود إذا أراد أن يدخل الخلاء، أو يأتي شيئًا من نسائه، أعطى الجرادة خاتمه، فلمَّا أراد الله أن يبتلي سليمان بالذي ابتلاه به، أعطى الجرادة ذات يوم خاتمه، فجاء الشيطان في صورة سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي! فأخذه فلبسه، فلما لبسه دانت له الشياطين والجن والإنس، قال: فجاءها سليمان، فقال: هاتي خاتمي! فقالت: كذبت، لست بسليمان! قال: فعرف سليمان أنه بلاء ابْتُلي به، قال: فانطلقت الشياطين، فكتبت في تلك الأيام كتبًا فيها سحر وكُفْر، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس، وقالوا: إنما كان سليمان يغلب الناس بهذه الكُتُب! قال: فبرئ الناس من سليمان وأكفروه، حتى بعث الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل جل ثناؤه: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ﴾ يعني: الذي كتب الشياطين من السحر والكفر ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾، فأنزل الله جَلَّ وعَزَّ وعذره.
 
وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: كان آصف كاتب سليمان، وكان يعلم الاسم الأعظم، وكان يكتب كل شيء بأمر سليمان ويدفنه تحت كرسيه، فلما مات سليمان أخرجته الشياطين فكتبوا بين كل سطرين سحرًا وكُفْرًا، وقالوا: هذا الذي كان سليمان يعمل به، فأكفره جُهَّال الناس وسبُّوه، ووقف علماؤهم فلم يزل جهَّالُهم يسبُّونه حتى أنزل الله على محمد ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾.
 
﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾ الكُفْر: هو السِّحْر، فما كَفَر سليمانُ بادِّعائهم أنه استعان بالسحر على تثبيت مُلْكِه.
 
وهو تنزيه لسليمان عن الكُفْر؛ أي: ليس ما اختلقته الجن من نسبة ما تدعيه إلى سليمان تعاطاه سليمان؛ لأنه كُفْر، ومَنْ نَبَّأه الله تعالى مُنزَّه عن المعاصي الكبائر والصغائر، فضلًا عن الكُفْر.
 
﴿ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ﴾ كُفْرُهم إمَّا بتعليم السِّحْر، وإمَّا تعلمهم به ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ وهو عُقَد ورُقى ينفث فيها الساحرُ، فيؤثر في بدن المسحور وعقله؛ وهو أنواع: منه ما يقتل؛ ومنه ما يمرض؛ ومنه ما يزيل العقل ويخدر الإنسان؛ ومنه ما يُغيِّر حواس المرء، بحيث يسمع ما لم يكن، أو يشاهد الساكن متحركًا، أو المتحرك ساكنًا؛ ومنه ما يجلب المودَّة؛ ومنه ما يُوجِب البغضاء؛ المُهِمُّ أن السِّحْر أنواع؛ وأهله يعرفون هذه الأنواع.
 
﴿ وَمَا أُنْزِلَ ﴾ يعني: واتَّبَعُوا أيضًا ما أُنْزِل ﴿ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ ﴾ بالعراق ﴿ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ﴾ السحر ليعلم على جهة التحذير منه، والنهي عنه.
 
وقيل: إن السَّحَرةَ كَثَرُوا في ذلك الزمان، وادَّعُوا النُّبوَّة، وتحدَّوا الناس بالسحر، فجاءا ليُعلِّما الناس السحر، فيتمكنوا من معارضة السحر، فيتبَّين كذبهم في دعواهم النبوَّة، أو لأن المعجزة والسحر ماهيتان مُتباينتان، ويعرض بينهما الالتباس.
 
﴿ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ﴾؛ أي: ابتلاء واختبار ﴿ فَلَا تَكْفُرْ ﴾ فلا تتعلَّم معتقدًا أنه الحق، ولا تستعمله فيما نهيت عنه فتكفر، وإنما علمناك هذا لتتخذ منه وقاية ولتحذره، فكانت طائفة تمتثل وأخرى تخالف ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا ﴾ ولم يقل فيُعلِّمانهم؛ لأن المَلَكَينِ ما كانا بصدد تعليمه؛ بل كانا بصدد بيان زيفه ﴿ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ امرأة الرجل ﴿ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ بقضاء الله، وفيه دليل على أن ما يتعلَّمون له تأثير وضرر؛ لكن ذلك لا يضُرُّ إلا بإذن الله؛ لأنه ربَّما أحدث الله عنده شيئًا، وربما لم يحدث.
 
﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾ لَا ينفع مُتَّخِذيه بأي صورة من صور النفع، وليس لعاقل أن يقوم بعمل مؤكد الضرر، ولا نفع فيه بأي صورة من النفع.
 
﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ ﴾ والجملة في معنى المجاز بتشبيه المشتري للسحر بتقديم نفسه العاقلة الطاهرة بحال من يشتري شيئًا تافهًا، ويدفع فيه شيئًا قيِّمًا ويبيع آخرته، فلا يكون له نصيب فيها.
 
﴿ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾ نصيب، وليس هناك أحد ليس له نصيب في الآخرة إلا الكُفَّار؛ فالمؤمن مهما عذب فإن له نصيبًا من الآخرة، وهو دليل على كُفْر الساحر كفرًا مخرجًا عن المِلَّة، وهذا فيما إذا كان السحر عن طريق الشياطين؛ أما إذا كان عن طريق الأدوية والأعشاب، ونحوها ففيه خلاف بين العلماء.
 
واختلف العلماء -رحمهم الله- هل تُقبَل توبته، أو لا؟ والراجح أنها تُقبَل فيما بينه وبين الله عز وجل؛ أما قتله فيرجع فيه إلى القواعد الشرعية، وما يقتضيه اجتهاد الحاكم.
 
﴿ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ﴾؛ أي: باعوا أنفسهم، تأكيد الذم للسحر ﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾؛ أي: نوع من العِلْم، فلا يُقدم على السحر مَنْ عِنْده ذَرَّةٌ من العِلْم.
 
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ ﴾ بقلوبهم..
وهذا تمنيًا لإيمانهم، كأنه قيل: وليتهم آمنوا؛ وذلك لأنهم لَا إيمان عندهم بشيء، بل هم في اضطراب لَا قرار في قلوبهم بشيء، والإيمان إذعان للحقائق، وجعلها مستقرةً في القلوب مُصدِّقةً للحق، فالمعنى: لو ثبت أنهم آمنوا وأذعنوا وصدقوا بالحق واتقوا غضب الله تعالى وطلبوا رضاه، واتجهوا إلى السير في الطريق السوي؛ لكان ذلك خيرًا بدل الاعوجاج الذي اختاروه لأنفسهم، فساروا في طريق أعوج، لو فعلوا ذلك لكان لهم ثواب.
 
﴿ واتَّقَوْا ﴾ بجوارحهم؛ أي: اتقوا غضب الله بعمل صالح ينفعهم وينفع الناس، ويكونون به مصدر خير لخلطائهم من الناس.
 
وفيه سعة حلم الله، حيث يعرض عليهم الإيمان، والتقوى فيما مضى، وفيما يستقبل؛ وهذه من سنته سبحانه وتعالى أن يعرض التوبة على المذنبين؛ انظر إلى قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [البروج: 10] يُحَرِّقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة.
 
﴿ لَمَثُوبَةٌ ﴾؛ أي: لثواب، وهو الجزاء والأجر على الإيمان والتقوى بأنواع الإحسان، من ثاب يثوب: إذا رجع؛ لأن الجزاء كأنه عمَلُ الإنسان رجع إليه، وعاد إليه منفعته وثمرته.
 
﴿ مِنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ ﴾ أضاف الله تعالى المثوبة إلى نفسه، وجعلها من عنده لأمرين:
الأول: أنها تكون أعظم ممَّا يتصوَّره العبد؛ لأن العطاء من العظيم عظيم؛ فالعطية على حسب المُعْطي؛ عطية البخيل قليلة؛ وعطية الكريم كثيرة، وفي البخاري قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا)).
 
الثاني: اطمئنان العبد على حصولها؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد.
 
﴿ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ﴾ والعلم هنا كناية عن العمل؛ أي: لو كانوا يعملون بعلمهم، ولما انتفت ثمرة العلم التي هي العمل، جعل العلم منتفيًا.

شارك الخبر

المرئيات-١