فلسطين...
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
دَلالاً في مَياديِنِ الجِهادِ | وتيهاً بالجِراحِ وبالضِّمادِ |
ورَشْفاً بالثغورِ من المَواضي | وأخذاً بالعِناق من الجِهاد |
وَعبّاً مِن نميرِ الخُلد يَجري | لِمُنْزَفَةٍ دِماؤُهم صَوادي |
وَتَوطيناً على جَمرِ المنايا | وإخلاداً إلى حَرِّ الجِلاد |
وَإقداماً وإنْ سَرَتِ السَواري | بما يُشجي وإن غدتِ الغوادي |
وبذلاً للنفيِس مِن الضحايا | فَأنْفَسُ منهم شَرفُ البلاد |
حُماةَ الدارِ مسَّ الدارَ ضُرٌّ | ونادى بافتقادكُمُ المُنادي |
أرادَتْكُمْ لِتكفوها فُلُوْلاً | مُعرِّزةٍ كأرتالِ الجَراد |
وشاءتْكُمْ لتنهطِلوا عليها | هُطولَ الغيثِ في سَنةٍ جَماد |
وطافَ عليكُمُ حُلُم العَذَارَى | مُروَّعةً كُحِلْنَ مِن السُهاد |
يَشُوْقُ الذائدينَ على المَنايا | نداءُ العاجزاتِ عنِ الذياد |
تطَلعَتِ العيونُ إلى خُيولٍ | مُحجَّلةٍ مُنشَّرَةِ الهوادي |
خبَرْنَ رَحَى الوغَى فعن اعتِسافٍ | يَدُرنَ مدارَها وعنِ اعتماد |
إذا الرِجّلانِ مسَّهما لُغوبٌ | شأتْ بهما اليدانِ عن ارتِداد |
عليها كلُّ أُغلَبَ أرقميٍ | يَبيسِ العَينِ ريّانِ الفؤاد |
زَوَتْ ما بين جَفْنَيْهِ هُمومٌ | نَفَتْ عن عينهِ دَرَنَ الرُقاد |
وشدَّتْ خافِقَيهِ فلن يَرِّفا | إذا التقيا على الكُرَبِ الشِّداد |
وكلُ مُسَعَّرِ الجَمراتِ يُكسَى | من الغَبَراتِ ثوباً من رماد |
تَمرَّسَ بالحُتوف فلا يُبالى | أحادَتْ عنهُ أم عَدَتِ العوادي |
ويا جُثَثاً يَفوحُ المجدُ مِنها | فتَعَبقُ في الجبالِ وفي الوِهاد |
سَقَتْكِ الصائباتُ مِن التَّحايا | مُعطَّرَةً فما صَوبُ العِهاد |
أعزُّ الناسِ في أغلى مماتٍ | وَخيرُ الزرعِ في خيرِ الحَصِاد |
ويا مُتَقربين إلى المنايا | يَشُقُّ عليِهمُ وطءُ البِعاد |
رأيتُ الجودَ ملهاةً يُجازَى | بها اللاهي بحَمْدٍ مُستفاد |
ومُتَّجَراً يدُرُّ المجدَ ربحاً | لكُل مُسلِّفٍ بِيضَ الأيادي |
يُؤدِّي الناسُ ما وَهَبَتَْ كِرامٌ | وتدفَعُهُ المحافِلُ والنّوادي |
ولكِنْ ثَمَّ للبلوى مِحَكٌّ | تَميزُ به البخيلَ مِنَ الجواد |
هُنالِكَ إذ يَشُقُّ على المفدَّى | فَكاكُ إسارِهِ منْ كفِّ فادي |
تفيضُ النفسُ لا تدري جزاءً | - ولا تبغي – إلى يوم المعاد |
ولا يَختَالُ – صاحبُها ازْدِهاءً | بما أسدى – على هامِ العباد |
وروحٍ من " صلاح الدّينِ " هَبَّتْ | من الأجداثِ مُقلَقَةَ الوِساد |
تَسَاءَلُ هل أتَتْ دوَلٌ ثمانٍ | ضِخامٌ ما أتاه على انفراد |
وما أضفى الحديثُ على قديمٍ | وما ألقى الطَريفُ على تلاد؟ |
وما عِند الدُهاة منِ انْتقامٍ | ومن أخْذٍ بثأرٍ مُستقاد؟ |
وهل ضاقوا وهمْ كُثْرٌ ذِراعاً | بداهيةٍ نهضتُ بها دَآد |
مَشَيْتُ بطبِّها عَجِلاً فطابت | عواقُبها ، وساروا باتِئاد |
بلى كانوا ومَنْ عادَوْا تبيعاً | وكنتُ المستقِلَّ ومَن أُعادي |
ومعتدّاً وما تُجدي حياةٌ | إذا خلتِ النفوسُ مِن اعتِداد |
حَماةَ الدّارِ لم تَتْركْ لشعري | فِلَسْطينٌ سوى كَلِمٍ مُعاد |
بَكَيْتُ مصابَها يَفَعاً ووافَتْ | نِهايَتهُا وخَمْسونٌ عدادي |
قَدَحْتُ لها رَويَّاً من زِنادِي | وصُغْت لها رَّوِيَّا من فؤادي |
وألقَيْتُ الظِِلالَ على القوافي | عليها يصْطَفقْنَ مِنِ ارتعاد |
وهل عندي سوى قلبٍ مريرٍ | أُذَوِّبُهُ بكأسٍ مِن سُهاد |
حماةَ الدارِ إنّي لا أُماري | وإن قلتُ الجديدَ ولا أُصادي |
وليس تملُّقُ الجُمْهورِ مني | ولا التَّضْليلُ من شيمي ونادي |
حماةَ الدارِ من عشرينَ عاماً | تقضَّتْ فاتَنا يومُ التَّنادي |
دعانا وعدُ بلفورٍ وثنّى | وثلّثَ صائحُ البلدِ المُذاد |
ونادتْنا بألسِنَةٍ حِدادٍ | دِماءٌ في قرارةِ كلِّ وادي |
ومَوجاتٌ من الكُرَبِ الشدادِ | تراوَحُ بانتقاصٍ وازدياد |
فكنّا نسْتَنِيمُ إلى قُلوبٍ | قَدَدْناها من الصُّمَ الصِلاد |
وكنّا نستجير إلى زعيمٍ | كلِيلِ السيفِ لمّاع النِّجاد |
كَذوبِ الدَّمع يسمَنُ في الرَّزايا | ويَدْعَرُ وهو يَرْفُلُ في الحِداد |
وكنا نمتطي مُهْرَ الطِراد | فِلَسْطيناً إلى يومِ اصطياد |
وكانَتْ دَلْوَ نّهازين مدّوا | بها واستنفدوا ملء المزاد |
وَعَدْناها بثأرٍ مستقادِ | ومجدٍ قد أضَعنا مُسْتَعاد |
بتصريحٍ وصاحبِه مفادِ | وتصريحٍ يَظَلُّ بلا مفاد |
ومؤتمرٍ تعجَّلَ عاقدوه | ومؤتمرٍ سيؤذِنُ بانعقاد |
حماةَ الدارِ ما النَّكساتُ سِرٌّ | ولا شيءٌ تَلفَّفَ في بِجَاد |
ولا لُغْزٌ يَحارُ المرءُ فِيهِ | فَيَجهلُ ما سُداسٌ مِنْ أُحَاد |
ولكِن مِثلَما وَضَحتْ ذُكاءٌ | ونَوَّرَ حاضِرٌ منها وبادي |
فما ذَهبَتْ فِلَسطينٌ بسحر | ولا كُتِبَ الفناءُ بلا مِداد |
ولا طاحَ البِناءُ بلا انحرافٍ | ولا بَنَتِ اليهودُ بلا عِماد |
وما كنتْ فِلَسْطينٌ لِتَبقى | وجيرتُها يُصاحُ بها بَداد |
وسِتُّ جِهاتِها أخذت بجوعٍ | وجهلٍ ، واحتقارٍ ، واضطهاد |
شعوبٌ تستَرقُّ فما يُبَقّي | على أثرٍ لها ذُلُّ الصِّفاد |
تُساطُ بها المواهِبُ والمزايا | وتُحتَجزُ العقائدُ والمبادي |
وتَطْلُعُ بينَ آونةٍ وأُخرى | " بحجَّاج " يُزَيَّفُ أو " زياد " |
فَيُذوي الخَوفُ منها كُلَّ خافٍ | ويُصمي الجَوْرُ منها كلَّ بادي |
وتُنتَهَبُ البلادُ ومِنْ بَنيها | يَؤوبُ الناهبون إلى سِناد |
وتَنطلِقُ المطامعُ كاشراتٍ | تُهدِّدُ ما تُلاقي بازدراد |
وتَنطبِقُ السُّجونُ مُزمجراتٍ | على شبَهٍ ، وظَنٍّ ، واجتهاد |
حُماةَ الدارِ ، ما ميدانُ حَربٍ | بأعنفَ من مَيادينِ اعتقاد |
فَمثلُكُمُ من الأرواح جسمٌّ | تُقاسي الموتَ من عَنَتِ الجهاد |
وأخلاقٌ تضيق بِمُغْرياتٍ | شدادٍ في خُصومَتها لِداد |
تَكادُ تَطيحُ بالعَزماتِ لولا | رُجولَةُ قادرينَ على العِناد |
رُجولةُ صائمينَ ولو أرادوا | لكانوا الطاعمينَ بأيّ زاد |
ومَعركةٍ يَظَلُّ الحقُّ فيها | يُسالِمُ أو يُهادِنُ أو يُبادي |
وميدانٍ وليس لنازليهِ | سوى الصَّبرِ المثلَّم من عَتاد |
وكانتْ في السُّطوحِ مَزعزَعاتٍ | خُطوطٌ يرْتَسِمْنَ منَ الفَساد |
فها هي فرطَ ما جَنَتِ الجواني | إلى عُمقٍ تَغَّورُ وامتداد |
لقَد شبَّتْ عنِ الطَّوقِ المخازي | وكانَتْ بنتَ عامٍ في مِهاد |
حُماةَ الدارِ ، لولا سُمُّ غاوِ | أساغَ شَرابَه فَرطُ التمادي |
وَلَوْغٌ في دم الخِلِّ المُصافي | فقل ما شِئتَ في الجنِفِ المُعادي |
ولبَّاسٌ على خَتَلٍ وغَدْرٍ | ثيابَ الواقفينَ على الحِياد |
وَخِبٌ لا يُريكَ متى يُواتي | فتأمنَ سرَّهُ ومتى يُصادي |
تَطلّعُ اذ تَطلّعُ في رَخِيٍّ | وتَقرَعُ حين تَقرعُ في جَماد |
ولولا نازلونَ على هواه | سُكارَى في المحبّةِ والوداد! |
نَسُوْا – إلا نفوسَهُمُ – وهامُوا | غراماً حيثُ هامَ بكلِّ واد |
أجرّهُمُ على ذَهبٍ ، فَجرّوا | فِلسطيناً على شوكِ القَتاد |
وقادُوها له كَبْشَ افتداءٍ | صنيعَ الهاربينَ منَ التّفادي |
لكنتم طِبَّ عِلَتِها ، وكانت | بكم تُحدَى على يدِ خيرِ حادي |
حُماةَ الدارِ لم تَزَلِ اللّيالي | يُطوِّحُ رائحٌ منها بغادي |
ولا تَنفكُّ داجيةٌ بأخرى | تَعثَّرُ لم يُنِرهْا هَدْيُ هادي |
ولا تألو الضلالَةُ وهي سِقطٌ | تُكابرُ أنّها أمُّ الرَّشاد |
حماةَ الدار كلُّ مَسِيلِ ظُلمٍ | وإن طالَ المدى فإلى نَفاد |
وكلُ مُحتَشَّدٍ فإلى انِفِضاضٍ | وكلُ مُفرَّقٍ فإلى احتشاد |
فصبراً ينكشِفُ ليلٌ عميٌ | وينَحسرِ البياضُ عن السواد |
وتَتَضِحِ النفوسُ عن الخبايا | ويُفصِحُ مَنْ يُريدُ عن المراد |
وتَندفِعِ الشعوبُ إلى محجٍّ | مُبينِ الرُشدِ موثوقِ السَّداد |
وتُؤذنْ جذوةٌ إلى انْطِفاءٍ | يَؤولَ مآلُها أم لاتّقاد |
ومهما كانتِ العُقبى فَلستُمْ | بمسؤولينَ عن غيبٍ مُراد |