تأبين الغراف الميت
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عُمِرَتْ ديارُ شَراذمٍ دُخّال | أسفاً عليك وأنتَ قَفرٌ خالِ |
عُمِرَتْ ديار " الطارئين " ونُكِّستْ | دورٌ شَراها أهلها بالغالي |
بالروح يُزهقُها الغَيورُ على الحمى | والمالُ يبذله عدوُ المال |
بدت البيوتُ الخاوياتُ حزينةً | محفوفةً بالشوكِ والأدغال |
وكأنما شُرفاتها مغبرَّة | أشباحُ الآمٍ وَقفْنَ حيالي |
يا عابرينَ على الطريقِ تلفتوا | وتَبَصَّرُوا بتقلُّبِ الأحوال |
هذي البيوتُ الموحشاتُ عِراصها | كانت تُحَطُّ بها عصا التَرْحال |
نُحرَتْ هنا كُومُ النياق وأوقدَتْ | نارُ القِرى للطارق المِحلال |
هذي الديارُ ديارُ كلِّ سَمَيْذَعٍ | حامٍ لحوزةِ غابهِ رِئبال |
هذي الديارُ ديارُ كل مُرَحِّب | بالوافدين مُشَمِّر السربال |
ولقد يُرى في نِعمةٍ محسودةٍ | هذا الذي تَرثيِه في الأسمال |
هذا المشرَّدُ كان مَأمَلَ طالبٍ | ومناخَ أطلاح وخدنَ عوالي |
أسفاً يهدُّ الجوع منكَ بطولةً | يامعدِنَ الأشبالِ والأبطال |
يا معدِنَ النَفَرِ الذينَ تقسَّموا | لسماحةٍ ورَجاحةٍ ونِزال |
ذُخِرَتْ لأيامِ السرورِ فلائلٌ | نَزلتْ على الأوطانِ شرَّ عِيال |
وبنوكَ قد ذُخِروا ليومِ كريهةٍ | وضريبةٍ و مجاعةٍ وِقتال |
تلك السواعدُ فعمةٌ مفتولةٌ | أرخَتْ أشاجعَها يدُ الإقلال |
ولقد وَقفتُ على مَصبِّك وَقفةً | لا ينمَحي تَذكارُها من بالي |
أما مسيلُ الماء فيكَ فإنه | يَبَسٌ تعاورَهُ مسيلُ رِمال |
أعيا لسانَ القولِ فرطُ تَلجْلُجٍ | فيه فساعدَهُ لسانُ الحال |
خالستُ موقفَ صاحبي فوجدتُه | وهو الرزينُ مهيَّج البِلبال |
ولقد يعزُّ على الشُعور وأهلِهِ | مرأى البلادِ بمثل هذي الحال |
وفحصتُ أطرافي فكانت كلُّها | توحي الىَّ معرّة الإهْمال |
يا ساكني " الغراف " ما قدرُ الذي | يأتيكُمُ من شاعرٍ قوّال |
أو أبعثُ الأملَ المريحَ اليكُمُ | أنا مثلكُمْ متصدِّعُ الآمال |
أنا مثلُكم أسلمتُ كلِّ عواطفي | لليأسِ يأخذُها بكلِّ مَجال |
في ذمة التاريخِ ما جُرِّعتُمُ | من غُصَّةٍ ، في ذمة الأجيال |
قد قلتُ للنَفَرِ القليلِ خِيارُهم | لو كانَ ثمةَ سامعٌ لمقالي |
هاتوا من الأعمال ما يقوى على | تصديقِ بعضِ خوادِع الأقوال |
أولا فانَّ الشعبَ دوّى يأسُه | اخشَوا عواقبَ يأسِه القَتّال |
ما يمنعُ الساداتِ أن يتفكروا | بمصير أعبِدَةٍ لهُمْ ومَوالي |
شعبٌ على شكلٍ تمشَّى حكمُهُ | أبداً برغم تخالُفِ الأشكال |
وأمضُّ من قَحْط السنين بأمةٍ | مشلولةِ الأعمالِ قحطُ رجال |
شعبٌ أراد به الوقيعةَ خصمُهُ | وبنوه فهو ممزَّقُ الأوصال |
شُغِل الفراتُ بضيمه عن دجلة | ونسى جنوبيّ العراق شمالي |
وإذا سألتَ الرفقَ كان جوابُهُم | ما للقلوبِ الموجَعاتِ ومالي |