ساعة مع البحتري في سامراء ...
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أسْدَى إليَّ بكَ الزَّمانُ صنيعا | فحمِدْتُ صيفاً طَيَّباً وربيعا |
أجللتُ منظرَكِ البديع ومنظرٌ | أجللته لِمْ لا يكونُ بديعا |
دَرَجَ الزمانُ بها سريعاً بعد ما | ناشدتُه ألا يمرَّ سريعا |
قرَّتْ بمرآها العُيونُ وقرحةٌ | للعينِ ألا تُبصرَ المسموعا |
ونعمتُ أُسبوعاً بها وسعيدةٌ | سَنَةٌ نعمتُ خلالهَا أسبوعا |
ألفيتُ حسن الشاطئَيْنِ مرقرقاً | غضّاً وخِصْبَ الشاطئينِ مَريعا |
وأضعتُ أحلامي وشرخَ شبيبتي | وطَلاقتي فوجدتُهُنَّ جميعا |
صبحٌ أغرُّ وليلةٌ جذلانةٌ | بيضاءُ تهزأُ بالصباحِ سُطوعا |
والبدرُ بالأنوارِ يملأُ دجلةً | زَهْواً ويبعثُ في النفوسِ خُشوعا |
وترى ارتياحاً في الضِّفافِ وهِزَّةً | تعلو الرّمالَ إذا أجدَّ طُلوعا |
وجرتْ على الحصباءِ دجلةُ فِضَّةً | صُهِرَتْ هناكَ فمُُوِّعتْ تمويعا |
وكأنَّما سبكوا قواريراً بها | مضَّ السَّنا فتصدَّعتْ تصديعا |
وترى الصخورَ على الجبالِ كأنَّما | لَبِسَتْ بهنَّ من الهجير دُروعا |
دُورُ الخلائفِ عافها سُمَّارُها | وتقطَّعَتْ أسبابُها تقطيعا |
درجتْ بساحتها الحوادثُ وانبرى | خَطْبُ الزمانِ لها فكان فظيعا |
حتى شواطئُ دجلةٍ منسابةً | تأبى تُشاهد منظراً مفجوعا |
أبَّنتُها مرئيَّةً ولطالما | غازلتُ منها حسنَها المسموعا |
ولقد تُذَمُّ جلادةٌ في موقفٍ | للنفس أجملُ أن تكونَ جزوعا |
قصرُ الخليفةِ جعفرٍ كيف اغتذى | بيد الحوادثِ فظَّةً مصفوعا |
وكَمِ استقَرَّ على احتقار طبيعةٍ | لم تألُه التحطيمَ والتصديعا |
ولقد بَكْيتُ وما البكاءُ بِمُرجِعٍ | مُلكاً بشهوةِ مالكيهِ بيعا |
زُرْ ساحةَ السجنِ الفظيعِ تجدْ بهِ | ما يستثيرُ اللومَ والتقريعا |
إن الَّذينَ على حساب سواهُمُ | حلبوا ملّذاتِ الحياةِ ضروعا |
رفعوا القصورَ على كواهلِ شعبهِمْ | وتجاهلوا حقّاً له مشروعا |
ساسوا الرعيةَ بالغرورِ سياسةً | لا يرتضيها من يسوسُ قطيعا |
حتى إذا ما الشعبُ حرَّركَ باعه | فاذا همُ أدنى وأقصرُ بوعا |
ووقفتُ حيثُ البحتريُّ ترقرقت | أنفاسُه فشفعتُهُنَّ دُموعا |
أكبرتُ شاعرَ جعفرٍ ، وشعورُهُ | يستوجبُ الاكبارَ والترفيعا |
ولَمَستُ في أبياتِه دَعةَ الصِّبا | ولداتهِ والخاطرَ المجموعا |
ولئن تشابهتِ المنَاسبُ ، أو حكى | مطبوعُ شعري شعرَهُ المطبوعا |
فلكَمْ تَخالَفُ في المسيلِ جداولٌ | فاضَتْ معاً وتفجرَّتْ ينبوعا |
عَبثَ " الوليد " بشرخِ دهرٍ عابثٍ | وصَبا فنالَ من الصِّبا ما اسطيعا |
ونما رفيعاً في ظلالٍ خلائفٍ | في ظلِّهمْ عاش القريضُ رفيعا |
لا عن بيوت المال كان إذا انتمى | يُقصَى ولا عن بابهم مدفوعا |
قَدَرُوا له قَدْرَ الشعورِ وأسرجوا | أبياتَهُ وسْطَ البيوتِ شموعا |
ضيفَ العراق نعمتَ من خيراتهِ | وحَمِدْتَ فيه قرارةً وهجوعا |
إنْ تُعْقَدِ الحَفلاتُ كنتَ مقدَّماً | أو تُنبرِ الأمراءُ كنتَ قريعا |
وأظُنُ أنَّكَ لو نمتْكَ ربوعُهُ | لشكوتَ منه فؤادَكَ المصدوعا |
ولكنتَ كالشعراءِ من أبنائه | ممَّنْ تُجوهلَ قدرُهُمْ فأُضيعا |
لك في " الَّتي " راشَتْ جناحك رِفقةٌ | لولا جلادتُهم لماتوا جوعا |