ذكريات ....
لا تمُرِّي " أنيتُ " طَيفاً ببالي | |
ما لِطيفٍ يسُمُ لحمي ومالي | |
أنا عندي مِن مُوحشاتِ الخَيالِ | |
الطيوفُ المُعرِّساتُ حِيالي | |
كذئابٍ مسعورةٍ وسَعالي | |
بل تَعالَيْ إلى يديَّ ، تعالِي | |
فهُما الآنَ يَحضنانِ الفِراشا | |
خالياً منكِ يستفيضُ ارتعاشا | |
ههنا ، ههنا مكانُكِ أمسِ | |
ههنا ، مسَّ أمسِ رأسُكِ رأسي | |
ههنا أمسِ ، أمسِ ، ذوَّبتُ نفسي | |
في يبيسٍ من الشفاهِ الظّوامي | |
تتساقى مِن القلوبِ الدّوامي | |
أمسِ كنَّا هُنا هنا نتساقى | |
من كؤوس الهوى دِهاقاً وِفاقا | |
أمس كنَّا رُوحاً بروحٍ تَلاقى | |
ويداً تحتوي يداً ، وفُؤادا: | |
لأخيهِ يبثُّ نجوى ، وعينا : | |
تَرتعي أُختَها فكيفَ وأينا : | |
عادَ ما كانَ أمسِ منَّا طِباقا | |
وحشةً ، وارتِعاشةً ، وفِراقا | |
أمس ِ ، أمسِ ، التقت هُنا شَفَتانِ | |
كانتا من عجيبِ صُنع الزمانِ | |
ذوَّبَ الدهرُ من مزيج الأماني | |
فيهما ، كلَّ موحِشٍ ولطيفِ | |
وبليدٍ ، وحائرٍ ، وعصوفِ | |
أمسِ ، أمسِ ، التقت هنا شَفَتانِ | |
يستطيرانِ " وقدةً " واُوارا | |
ويسيلان في المراشِف نارا | |
ويُثيران من شَكاةِ الزمانِ | |
في لهاثِ الأنفاسِ مثلَ الدخان | |
وكأن العيونَ بُلهاً ، سكارى | |
من عثارِ اللهاثِ تُكسى غبارا | |
أمسِ ، راحتْ على الشفاهِ تدور | |
قُبُلاتٌ من قبلُ كانت أسارى | |
في شِعافِ الفؤادِ ، حَيرى ، تمورُ | |
وزوانٍ ! كأنهُنَّ العذارى | |
أمسِ ، رُدَّتْ إماؤها أحرارا | |
وأماطتْ عن الضّميرِ ! السّتارا | |
فبدا ذلك " الحِمارُ !! " الصغير | |
مثقلاً ، فوقه الخنا ، والفجور! | |
يأكُلُ الشهوةَ الفظيعةَ ..نارا | |
ويعُدُّ الصبرَ القبيحَ فخارا | |
ثُم يَطغى سعيرُها ويثورُ | |
فوقَ وجهٍ يَضوى ، وعَينٍ تغور | |
ثم يُلوى بِثقْلِهِ .. ويخور | |
أمسِ " نعٌ " بين الشفاه طَهورُ | |
غسَلَ الحِقدَ ، والخنا ، والعارا | |
ونهى ( الرجسَ ) أن يكون شعارا | |
أمسِ ، راحت على الشّفاهِ تدورُ | |
هَمَساتٌ تُصغي لهنَّ الدُهور | |
وبذيل " المجرِّ " منها عبير! | |
ههنا أمسِ ، كانَ خيطٌ يَرِقُّ | |
من نسيجِ الدُّجى ، وفجرٌ يشُقُّ | |
دربَه ، والنجومُ شِقٌّ وشِقُّ | |
ههنا أمسِ ، كانَ جَرسٌ يَدُقُّ | |
ضربَاتٍ سِتَّاً يرنُّ صداها | |
وتُفيقُ الدُّنيا على نجواها | |
أمسِ مدَّ الصباحُ كفَّاً فحلاً | |
من نجومِ السّماءِ عِقداً تحلَّى | |
بسناهُ الدُّجى ، وفرَّقَ شَملا | |
أمسِ ، إلاّ نجماً دنا فتدَّلى | |
يُرغِمُ الشمسَ أن تَرى منهُ ظِلاّ | |
أمسِ ، هذا النجمُ الغريبُ أطلاَ | |
مِن على شُرفَةٍ نُطِلُّ عليها | |
ونُزَجِّي همسَ الشفاهِ إليها | |
أمسِ ، هذا النجمُ المنوَّرُ كانا | |
يَرتبي مِن ذُرى السماءِ مَكانا | |
أمسِ ، والانَ لا يزالُ عِيانا | |
وسيَرْتَدُّ بُكرةً وعشِيَّا | |
مائِلا ظِلُّه الخفوقُ لديّا | |
يملأُ النفسَ لوعةً وحنانا | |
كان في ظِلِّ غيمةٍ تتهرّى | |
ترتَديه طَوراً ، وطَوراً تعرَّى | |
ومشى " سانِحٌ " إليه ، ومرّا | |
" بارِحٌ " جنبَه ، وكانَ جَناحُ | |
يلتقي جنبَ آخرٍ ينزاحُ | |
عنهُ : في حينَ راحَ يبغي مَمَرَّا | |
بين هذا وذاكَ حتّى استقرّا | |
أفتدرِينَ أينَ ؟ تدرينَ أينا !! | |
فلقد كنتِ تَملئينَ العَينا | |
مِن جمالِ " الشُّجيرةِ " الورفاءِ | |
تتراءى كقُبّةٍ خَضراءِ | |
عن يمينِ الحَديقةِ الغنَّاء | |
بُرهةً ! ثُمَّ راحَ يمشي الهُوينا | |
والهُوينا ! حتى اضْمَحلَّ فغابا | |
وانطوى . ثم عادَ أمسِ فآبا | |
وتمشَّى فُويقَ ، ثُمَّ دُوَينا ! | |
ورآنا – ولا نؤوبُ – انطوينا | |
ورأى غيرَنا يُجِدُّ مكانا | |
كانَ في أمسِ مَرْتَعاً لِهوانا | |
هكذا ، هكذا ، أردنا فكانا | |
فلنُخَلِّ القضا ! ونُعْفِ الزمانا |