النزغة ! أو ليلة من ليالي الشباب
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
كم نفوسٍ شريفةٍ حسَّاسه | سحقوهنَّ عن طريقِ الخساسه |
وطباعٍ رقيقةٍ قابَلتهنَّ | الليالي بغِلْظَةٍ وشراسه |
ما لضعفٍ شكوايَ دهري | فما أنكرُ بأسي وإن تحاميتُ باسه |
غيرَ أني أردتُ للنجحِ مقياساً | صحيحاً فلم أجدْ مقياسه! |
وقديماً مسَّتْ شكوكٌ عقولاً | وأطالتْ من نابهٍ وَسواسه |
اِِِستغلَّتْ شعورَها شعراءٌ | لم تُنشني ظرافةً وكيَاسه |
وارتمت ْ بيْ لإلى المَطاوحِ نفسٌ | غمرتها انقباضةٌ واحتراسه |
عدَّتِ النُبلَ رابحاً واستهانتْ | من نعيمٍ ولذَّةٍ إفلاسه |
كلَّما أوشكتْ تبلُّ .. من الاخلاصِ | والصدقِ عاودتْها انتكاسه |
تَعِسَ المرءُ حارِماً نفسَه كلَّ | اللذاذاتِ قانعاً بالقداسه |
اِستفيقي لا بدَّ أنْ تُشبهي الدَّهرَ | انقلابا .. وأنْ تُحاكي أُناسه |
لكِ في هذه الحياةِ نصيبٌ | اِغنميهِ انتهازةً وافتراسه |
فالليالي بلهاءُ فيها لمن يُحسن | إبساسةً لها ، إسلاسه |
مُخلَفاتٍ حلبتِها .. وأُناسٌ | حلَبوها درّارةً بسَّاسه |
كلُّ هذا ولستُ أُنكرُ أنّي | من لذاذاتها اختلستُ اختلاسه |
ألفُ إيحاشةٍ من الدَّهر قد | غطَّتْ عليها في ليلةٍ إيناسه |
ليلةٌ تُغضبُ التقاليدَ في الناس | وتُرضي مشاعراً حسَّاسه |
من ليالي الشبابِ بسَّامةٌ ، إنَّ | لياليَّ جُلّها عبَّاسه |
ومعي صاحبٌ تفرَّستُ فيه | كلَّ خيرٍ فلمْ تخني الفَراسه |
أريحيُّ ملء الطبيعةِ منه | عزَّةٌ وانتباهةٌ وسلاسه |
خِدْنُ لَهوٍ ..إني أُحبّ من الشاعر | في هذه الحياةِ انغماسه |
عرَّقتْ فيه طيّباتٌ ويأبى | المرءُ إلاَّ عروقَه الدسَّاسه |
ولقد رُزْتُه على كلّ حالاتِ | الليالي فما ذممتُ مَساسه |
كان مقهى " رشيد " موعدنا عصراً | وكنَّا من سابقٍ أحلاسه |
مجلسٌ زانَهُ الشبابُ ، وأخلوا | " للزهاويِّ" صدرَه والرياسه |
هو إنْ شئتَ مجمعٌ للدُّعاباتِ | وإن شتتَ معهدٌ للدراسه |
ثمَّ كلن العِشاءُ فانصرف الشيخُ | كسيحاً موِّدعاً جُلاّسه |
وافترقنا نُريد" مَهَرانَ" نبغي | وَرطة ًفي لذاذةٍ وارتكاسه |
تارةً صاحبي يُصفِّقُ كأسي | وأنا تارةً أُصفِّق كاسه |
وجديرٌ أنْ يُمتِعَ المرءُ بالخمرةِ | نفساً . وأنْ يُثقِّلَ راسه |
قبلَ أن تَهجُمَ الليالي عليه | فتُعري من الصِّبا أفراسه |
أتُراه على حياةٍ قديراً | بعدَ ما يُودِعونه أرماسه |
فاحتسبنا كأساً وأُخرى فدبَّتْ | سَورةٌ لم تدعْ بنا إحساسه |
وهَذينْا بما استكنَّت به النفسُ | وجاشتْ غريزةٌ خنَّاسه |
لا " الحسينُ الخليعُ " يبلغُ شأوينا | ولا " مسلمٌ " ولا ذو " النُواسه" |
قال لي صاحبي الظريفُ وفي الكفّ | ارتعاشٌ وفي اللسانِ انحباسه : |
أين غادرتَ " عِمَّةً " واحتفاظاً | قلتُ : إني طرحتُها في الكُناسه |
ثم عُجنا لمسرحٍ أسرجته | كلُّ رَودٍ وضَّاءةٍ كالماسه |
حدَّدوةُ بكلّ فينانةٍ خضراءَ | بالزهرِ عطرتْ أنفاسه |
ولقد زادتِ الوجوهَ به حُسناً | ولُطفاً للكهرباء انعكاسه |
ثمَّ جَسُّوا أوتارَهم فأثرنَ | اللهوَ أيدٍ قديرةٌ جسَّاسه |
وتنادَوا بالرقصِ فيه فأهوى | كلُّ لدنٍ للدنةٍ ميَّاسه |
خُطةٌ للعواطف الهُوج فاقَتْ | خُطّةَ الحربَ جذوةً وحماسه |
أُغرمَ الجمعُ واستجاب نفوساً | تتقاضاهُ حاجة مسَّاسة |
ناقِلاً خطوَةُ على نغمةِ العودِ | وطوراً مرَّجفاً أعجاسه |
وتلاقى الصدرانِ .. واصطكَّتِ | الأفخاذُ .. حتى لم تبقَ إلا لُماسه!! |
حرَّكوا ساكناً فهبَّ رفيقي | لامساً باليدينِ منه لباسه!! |
ثمَّ نادى مُعربداً لُيحيِّ | الله مغناكَ وليُدِمْ أعراسه |
وخرَجْنا منه وقد نصلَ الليلُ | وهدَّتْ إغفاءَةٌ حُرّاسه |
ما لبغدادَ بعدَ هاتيكمُ الضجَّةِ | تشكو أحياؤها إخراسه |
واقتحمنا بيتاً تعوَّد أنْ نطرق | في الليلِ خُلسةً أحلاسه |
وأخذنا بكفِّ كلِّ مَهاةٍ | رنَّقَتْ في الجفونِ منها نُعاسه |
لم أُطِلْ سومَها وكنتُ متى يعجبني | الشئُ لا أُطيلُ مِكاسه! |
قلتُ إذ عيَّرتنيَ الضعفَ لمَّا | خذلتني عنها يدٌ فرّاسه: |
لستُ أعيا إنْ فاتني أخذيَ الشيء | بعنفٍ ، عن أخذهِ بالسياسه |
ثمَّ كانتْ دعابةٌ فَمُجونٌ | فارتخاءٌ . فلذةٌ .! فانغماسه !! |
وعلى اسمِ الشيطانِ دُستُ عَضوضاً ! | ناتئَ الجنبتَينِ .! حلوَ المداسه! |
لبَداً .. تنهلُ اللُبانةُ منه ! | لا بحزْنٍ ضَرسٍ .. ولاذي دَهاسه! |
وكأنّ العبيرَ في ضرَمِ اللذَّةِ | يُذكي بنفحةٍ أنفاسه..! |
وكأنّ الثِقْل المرجّحَ بين الصدرِ | والصدرِ .. يستطيبُ مراسه |
وكأنّ " البديعَ " في روعة الأسلوب ! | يُملي " طِباقه ! " و" جِناسه" |
واستجدَّتْ من بعدِ تلك أمورٌ | كلّهنَّ ارتيابةٌ والتباسه |
عرَّفتنا معنى السعادةِ لمّا | أنْ وضعنا حدّاً بها للتعاسه |
بسَمَ الدهرُ وتجافى | بعدَها كاشِراً لنا أضراسه |
صاحبي لا ترُعكَ خِسَّةُ دهر | " كم نفوسٍ حسَّاسه" |