يدي هذه رهن..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
يدي هذه رهنٌ بما يَدَّعى فمي | لئن لم يحكِّمْ عقلَه الشعبُ يندمِ |
هتفتُ وما أنفك أهتِف صارخاً | ولو حرّموا مسِّي ولو حلَّلوا دمي |
ولو فتّشوا قلبي رأوا في صميمه | خلاصةَ هذا العالمِ المتألِّم |
إذا تُرك الجُمهورُ يَمضي لشأنه | ويسلُك من أهوائه كلَّ مَخْرِم |
وتنتابُهُ الأهواء من كلِّ جانبٍ | وترمي به شتى المهاوي فيرتمي |
وتُنْشَر فيه كلَّ يوم دِعايةٌ | ويندسُّ فيها كلُ فكر مسمِّم |
وتَقضي عليه فُرقة من مسدّر | وتُنْهكُه رجعيةٌ من معمَّم |
ولم تلدِ الدنيا له من مؤدِّب | يهذب من عاداته ومقوِّم |
فلا بد من عُقْبى تسوء ذوي النهى | وتَدمى بها سبابةُ المتندِّم |
ولا بد أن يمشي العراقُ لعيشة | يشرَّفُ فيها أو لموت محتَّم |
أقول لأوطانٍ تمشت جريئةً | يَمدُّ خطاها كلُّ أصيدَ ضيغم |
وقرَّ بها مما تحاول أنها | رأت في اكتساب العزِّ أكبر مغنم |
ألا شعلةٌ من هذه الروحِ تنجلى | على وطن ريانَ بالذُّل مُفْعَم |
خذي كلَّ كذّاب فَسُلِّي لسانه | ومُرّي على ظُفر الدنيِّ فَقَلِّمي |
ومُرِّي على هذي الهياكل أقبلت | عليها الجمْاهير الرُّعاع فحطِّمي |
وإن كان لا يبقى على الحال هذه | سوى واحد من كل ألف فأنعم |
فأحسنُ من هذي التماثيل ثُلّةٌ | تقوم على هذا البناء المرمَّم |
فقد لعِبَت كفُّ التذبذب دورَها | به واستباحت منه كلَّ مُحرَّم |
وقد ظهرت فيه المخازي جليةً | يضيق بها حتى مجالُ التكلُّم |
وقد صيحَ نهباً بالبلادِ ومُزِّقت | بظفُرٍ وداسوها بخُفٍّ و مَنْسِم |
وإني وإن لم يبق قول لقائل | ولم يتركِ الأقوامُ من متردمِّ |
فلا بدَّ أن أُبكيكَ فيما أقصُّه | عليك من الوضع الغريب المذمَّم |
ألا إن هذا الشَعبَ شعبٌ تواثَبَتََْ | عليهَ صروفُ الدهر من كل مَجْثم |
مقيمٌ على البْلوى لِزاماً إذا انبرت | له نكبةٌ عظمى تَهون بأعظم |
يجور عليه الحكمُ من متآمرٍ | وتمشي به الأهواءُ من متزعِّم |
مساكينُ أمثالُ المطايا تسخَّرتْ | على غيرِ هدْيٍ منهمُ وتَفَهُّم |
فلا الحكمُ بالحكم الصحيح المتمَّمِ | ولا الشعبُ بالشعب الرزين المعلَّم |
تَحَدَّتْهُ أصنافُ الرزايا فضيَّقَت | عليه ولا تضييقَ فقر مخيِّم |
فقد أُتخمت شمُّ " البُنوك " وأشرقت | بأموال نّهابٍ فصيحٍ وأعجم |
تُنُوهِبْنَ من أقوات طاوٍ ضلوعَه | على الجْوع أو من دمع ثكلى وأيِّم |
يُباع لتسديد الضرائب مِلْحَفٌ | وباقي رِتاج أو حصير مثلَّم |
وما رفع الدُّستورُ حيفاً وإنما | أتونا به للنَّهْب ألطفَ سَلَم |
ستارٌ بديعُ النسجِ حيكَ ليختفي | بها الشعبُ مقتولاً تضرَّجَ بالدم |
به وجدت كفُّ المظالم مَكْمَناً | تحوم عليه أنَّةُ المتظلِّم |
نلوذ به من صَوْلة الظلم كالذي | يفرِ من الرَّمضاءِ بالنار يحتمي |
بضوء الدساتير استنارت ممالكٌ | تخبَّطُ في ليل من الجْهل مظلم |
وها نحن في عصر من النور نشتكي | غَوايةَ دُستور من الغِش مبهم |
هنالك في قَصْرٍ أُعدت قِبابه | لتدخينِ بطّالين هوجٍ ونُوّم |
تُصَبُّ على الشعب الرزايا وإنما | يَصُبُّونها فيه بشكل منظَّم |
مضت هَدرَاً تلك الدماءُ ونُصِّبَتْ | ضِخامُ الكراسي فوق هَامٍ محطَّم |
ولما استَتَمَّ الامرُ وارتدَّ معشَرٌ | خلاءَ اكُفٍّ من نِهاب مقسَّم |
ورُدَّت على الأعقاب زَحفاً معاشرٌ | تُحاولُ عَودْاً من حِطامٍ مركَّم |
بدا الشر مخلوعَ القِناع وكُشِّفَت | نوايا صدورٍ قُنِّعت بالتكتُّم |
وبان لنا الوضعُ الذي ينعَتُونَه | مضيئاً بشكل العابس المتجهِّم |