عاتبتُ دهري في الجناية ِ لو وعى
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
عاتبتُ دهري في الجناية ِ لو وعى | ونشدتهُ الحرمَ الوكيدة َ لو رعى |
وطلبتُ منهُ بسلمهِ وبحربهِ | نصفاً فأعيا حاسراً ومقنَّعا |
في كلِّ يومٍ عثرة ٌ منْ صرفهِ | لا تستقالُ بأنْ يقالُ لهالعا |
جنِّبْ هواكَ ملوِّناً ساعاتهُ | بالعذرِ لا يعطيكَ حتَّى يمنعا |
لولا التَّحاملُ بالمصائبِ لمْ يكنْ | بالمنفساتِ منَ الذّخائرِ مولعا |
نزلتْ مثقِّلة ُ كفافكَ إنَّني | منْ قبلِ حملكَ موشكاً أنْ أظلعا |
منْ ساءهُ صممُ المسامعُ إنَّني | يومَ العروبة ِ ساءني أنْ أسمعا |
ونعى إليَّ أبو بكرٍ صباحها | لسفاههِ لو كانَ يعلمُ منْ نعى |
يومٌ على الإسلامِ قبلكَ فرحة ٌ | ويكونُ بعدكَ حسرة ً وتفجُّعا |
ومنَ الدّليلِ على مكانكَ في العلا | أنْ كانَ جمعُ صلاتهِ لكَ مجمعا |
فكأنَّما داعي الأذانَ لفرضهِ | لكَ ساقهمْ وإليكَ تثويباً دعا |
وشككتَ إذْ حملوكَ غيرَ مدافعٍ | بيدٍ فخطُّو في الثُّرى لكَ مضجعا |
أعدوا على رجلٍ فواروا شخصهُ | أمْ طوَّحوا بيلملمٍ فتضعضعا |
يا منْ عهدتُ العزَّ فوقَ جبينهِ | منْ رابَ عزّكَ فاقتضى أنْ يرجعا |
منْ زمَّ مخطمكَ الأبيَّ فقادهُ | معْ طولِ ماجذبَ الحبالَ فقطَّعا |
وحوى لرقيتهِ لجاجكَ فارعوى | ودعا نفاركَ فاستجابَ وأتبعا |
وأرى معاشرَ كنتَ ضيقَ حلوقهمْ | يتسابقونَ تفسُّحاً وتوسُّعا |
ما كنتَ مغلوبا فكيفَ أبحتهمْ | ذاكَ الحمى وأضعتَ ذاكَ الموضعا |
ولجوا عرينكَ آمنينَ ورّبما | جرّوا بهِ صعبَ الولوجِ ممنّعا |
جمعوا فما سدوُّا مكانكَ ثلمة ً | وسعوا فما كانوا لخرقكَ مرقعا |
ما أغمدَ النُّعمانُ سيفَ لسانهُ | حتّى ثويتَ فكانَ يومكما معا |
ومحدثٍ بالخلدِ بعدكَ جهلهُ | وجدَ الشَّماتة َ حلوة ً فتجرَّعا |
لمْ تشفهِ منكَ الحياة ُ بجهدهِ | فشفاهُ موتكَ عاجزاً فتودَّعا |
لا يشمتنَّ وإنْ أقامَ مؤخرّاً | لا بدَّ أنْ يقفوكَ ذاكَ المصرعا |
كمْ فتَّهُ باعاً ولو ملك المنى | لكفاهُ فخراً أنْ يفوتكَ إصبعا |
مالي وكنتث بربعِ داركَ آنسا | أمسيتُ منهُ موحشاً متفزِّعا |
وأراهُ جدباً بعدَ ما كنتُ زرتهُ | خصباً بودِّكَ لي ويسركَ مرتعا |
أيَّامُ أملكَ منكَ غيرَ منازعٍ | في كلِّ ما أروى الوفاءُ وأشبعا |
سمعاً بطيئاً فيَّ عمّنْ لامه | وفماً إلى ما سرَّني متسرِّعا |
فلأبكينّكَ منْ فؤادٍ ناصحٍ | في الحزنِ إنْ جفنٌ بكا متصنِّعا |
ولأحفظنّكَ باللّسانِ ولنْ ترى | حقّاً على الحرِّ الفصيحِ مضيَّعا |
وصلتْ ثراكَ على البلى وكّافة ٌ | ترضي بروضتها المكانَ البلقعا |
ملىء ُ الثُّدى على الثُّرى حنَّانة ٌ | تسقي إذا فطمَ الحيا ما أرضعا |
أخذتْ منَ الرِّيحِ الشَّمالِ لها الصَّبا | عهدَ الأمانِ وذمة ً لنِ تقشعا |
إنْ خانَ منكَ الدَّهرُ عهدي إنّما | في نقضهِ وعلى محاسنهِ سعى |
رفقاً بقلبي يا زمانُ فإنَّهُ | صلبُ العصا ما أنَّ إلاَّ موجعا |
راميتني فاتركْ لكفِّي ساعدا | يصمي الرَّمية ُ أو لكفِّي منزعا |
لو كانَ منْ أخذِ الرَّدى منّي لهُ | عوضٌ أطالَ على الرَّدى أنْ أجزعا |
أو كنتُ أبكيهِ وأكحلُ ناظرا | بنظيرهِ ما بلَّ منِّي مدمعا |