نديمي وما الناسُ إلا السكارى
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
نديمي وما الناسُ إلا السكارى | أدرها ودعني غداً والخمارا |
من العجزِ تركُ الفتى عاجلاً | يسرُّ لأمرٍ يخافُ انتظارا |
و عطلْ كؤوسك إلا الكبيرَ | تجدْ للصغيرِ أناسا صغارا |
و قربْ فتى َ مائة ٍ أو يزي | دُ قد أكملَ الشيبَ إلا الوقارا |
تسرُّ المسرة َ أحشاؤه | و يبرزُ للعين طينا وقارا |
لصون سواه رأيتُ الغلا | مَ ينفضُ عن كتفيهْ الغبارا |
و ذي مبزلٍ كزنادِ المكبَّ | يقدحُ بالبزلِ منه شرارا |
فسلَّ من النار في وجهه | لسانا فأمسك فاهُ حذارا |
و خادعهُ عن خلوقية ٍ | تذوبُ في كأسها الجلنارا |
جنتْ فقرَ شرابها المسلمين | و أغنت بغمى اليهودَ التجارا |
عقرنا البدورَ لهم في المهو | رِ حتى جلوها علينا عقارا |
يطوف بها عاطلُ المعصمينِ | يلبسهُ الجامُ منها سوارا |
شفيقٌ على الحبَّ من غيره | إذا قلت ما أحسن البدر غارا |
و لا مقبلهِ ما فرقتُ | أريقنه الخمرُ أم ما أدارا |
هنئيا للهوى َ إني خلع | تُ حلمي له وتركتُ الوقارا |
و صرتُ فتى غبقاتِ الملوكِ | عشياً أخا النشواتِ ابتكارا |
وداديَ والدهرُ ما دامَ دامَ | و شعريَ والنجمُ ما سارَ سارا |
و فيحاءَ من دورهم زرتها | و أخلقْ بها جنة ً أن تزارا |
تلجلجَ في وصفها المحدثون | و حدثَ رضوانُ عنها فخارا |
تعربَ قاسمها عادلا | فخطَّ وتحسبه العينُ جارا |
صحونا طوالا كما تقتضي | شجاعتنا وحصونا قصارا |
و شقَّ لبستانها عن ثرى ً | إذا طلعَ النبتُ فيه أنارا |
و قد بثَّ في ظلَّ شجرائهِ | عيونَ الأذى رقبة ً واستنارا |
تخفرَ منها بمسلوبة ٍ | سوى ورقٍ ألحفتهُ إزارا |
من الهيفِ حين يجورُ النسيمُ | على غصنها لا تطيقُ انتصارا |
نحولٌ عرضتُ له بالسمانِ | و صغرى تجنبتُ منها كبارا |
و منشورة ٍ سترتْ نفسها | فخاطت قميصا ولاثت خمارا |
و عزتْ فصانت سوى ساقها | و ما إن أباحته إلا اضطرارا |
نشمر عنه جلابيبها | لعادته أن يخوضَ الغمارا |
فكادت تواريه ضناً به | و من حسنها أنه لا يوارى |
تشككني وهي طوع الريا | حِ تتبعها يمنة ً أو يسارا |
أتدنو لتسعفني بالعنا | ق في مثلها أم تصدُّ ازورارا |
و تجلو عليك بناتِ الفسيلِ | إذا كست السعفاتُ الثمارا |
غدائرُ غيدٍ يضفرنها | و تأبى عليهنّ إلا انتشارا |
جلبنا له الماء من شاهقٍ | جزانا بحسبِ الصعود انحدارا |
و ما سال حتى أسلنا اللجينَ | و لا عزَّ حتى أهنا النضارا |
إذا ما تحلق مستعليا | تعلقَ بالطبع يبغي الفرارا |
فثورَ خمسا إذا ما نطقنَ | بأخبارهِ خلتَ نقعا مثارا |
إذا جادهنَّ ندى ً جدنهُ | و إن فرَّ طرنَ إليه نفارا |
هوينَ الأمانة َ حتى اجتهد | نَ ليقضينهُ ماءه المستعارا |
تروسُ عليهنّ في وسطهنَّ | كبرى تعولُ بناتا صغارا |
يرزنَ يخيلنَ للناظرين | صوامعَ من حولها أو منارا |
إذا سددتْ لطعانٍ قناً | حذفنَ إليها نصولا طرارا |
حوتهنّ معجزة ُ الآتينِين | تجودُ الحيا وتمدُّ البحارا |
فمن بين خركاءَ مضروبة ٍ | على تلعة ٍ حملتها اغترارا |
تولى مجاريها فوقها | من الماء سمحٌ كريمٌ نجارا |
إذا ما اديرَ لها مرة ً | لتعجبَ جادت فدارتْ مرارا |
لها آية ٌ لم تكن قبلها | و لكن ظهرنا عليها اقتدارا |
ترى ظلها جامداً مائعا | و تحملُ ضدين ماءً ونارا |
و مثلِ العروسِ عروسٌ تديمُ | يداها على منكبيها النثارا |
إذا ما جلوها أبتْ حشمة ً | بكرسيها أن تطيق القرارا |
طلبنا لها الكفءَ من قومها | فعزَّ وكان سوى الكفء عارا |
فعدنا نزرّ عليها السجوفَ | فترضى بها عفة ً واختفارا |
و كالظبي يظلمَ باسم الجمال | فيطغى إباءً ويغضى اغتفارا |
و يزبدُ فوه لغاما إذا | تفرق عن شفتيه استطار |
يسير روياً إذا ما اغتدت | كبودُ المطايا عطاشا حرارا |
و لولا الذي فعلَ الطنبلنبُ | لقد أنجدَ المدحُ فيهو غارا |
و لكنه خافرٌ للذما | مِِ جاورتهُ فأساءَ الجوارا |
بغاني فلم أنجُ مع نهضتي | و رحبِ خطائيَ منهُ فرارا |
رماني فأصمي بسهمٍ له | يدور مع المتقي كيفَ دارا |
إذا هو فوقه للثيا | بِ ألقى جروحا تضلُّ السبارا |
فأردى ردائي وجاءت الي | ك دراعتي تبتغي منكَ ثارا |
قتيلي لديكَ فلا تذهبنَّ | عليكَ دماءُ ثيابي جبارا |
و بيتٍ إذا الدهرُ ضامَ الشتاءَ | تعوذَ منه به فاستجارا |
صحبتُ الخريفَ به في المصيفِ | و ذكرني الليلُ فيه النهارا |
و أهدى الهواءَ له ناشرٌ | جناحينْ لو حملاه لطارا |
تنصتَ للريح مستفهما | بأذنينْ لا يحملان السرارا |
إذا عبرتْ مطلقاتُ الريا | ح يسلكنه ظلنَ فيه أساري |
فتلفظُ منها السمومُ الشرارَ | و يلقى إلينا النسيمُ الحبارا |
غرائبُ روضتَ يا ابن الكرام | برأيك منها الشموسَ النوارا |
و باهلتَ بالأرض فيها السما | ءَ فاعترفت خجلا وانحصارا |
و قبحتَ في جنب تحسينها | بأعين أربابهن الديارا |
فلو صاحبُ السدَّ لاحت له | تبين فيما بناه العوارا |
و قيستْ لكسري بإيوانه | قلاهُ ولم يعطَ عنها اصطبارا |
أرتك بدائعها همة ٌ | تهينُ عليك العظيمَ احتقارا |
و فضلٌ يجليكَ يومَ الرها | نِ منْ لا يبدُّ ومنْ لا يجاري |
فأقسمُ بالله لو أنصفو | ك قسما وردوا إليَّ الخيارا |
لما كنتُ أرضى لك الخافقي | ن ملكا ولا جنة َ الخلد دارا |