شَبابُ المَرءِ ثَوبٌ مُستعارٌ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
شَبابُ المَرءِ ثَوبٌ مُستعارٌ | و أيامُ الصِّبا أبداً قِصارُ |
طوَى الدَّهْرُ الجديدَ من التَّصابي | و ليسَلِمَا طوى الدَّهرُانتشارُ |
و لم نُعْطَ المُنى في القُرْبِ منه | فكَيفَ بهاو قد شَطَّ المَزارُ |
صدودٌ في التَّقارُبِ واجتنابٌ | و شوقٌ في التَّباعُدِ وادِّكارُ |
يَطولُإذا تَقاصَرَتِ اللَّيالي | و يقرُبُإنْ تباعَدَتِ الدِّيارُ |
لَحى اللَّهُ العِراقَ وساكِنيهِ | فما للحُرِّ بينَهُمُ قَرارُ |
و جادَ المَوصِلَ الغَرَّاءَ غَيْثٌ | يَجودُو للبروقِ به انسفارُ |
كما انهلَّتْ مَدامِعُ مُستَهامٍ | تلهَّبُ منه في الأحشاءِ نارُ |
ففي أيامِها حَسُنَ التَّصابي ؛ | و في أفيائِها خُلِعَ العِذارُ |
لياليَ كان لي في كلِّ يومٍ | إلى الحاناتِ حَجٌّ واعتمارُ |
فعَنْ ذِكرِ القيامَة ِ بي صُدودٌ ؛ | و عن ساحِ المساجدِ بي نِفارُ |
و لي خِدْنانِ همُّهما المعالي | و شأنُهما السَّكينة ُ والوَقارُ |
و ساقٍ تَضحَكُ الدُّنيا إليه | إذا ضَحِكَتْ بِكَفَّيْهِ العُقارُ |
يَطوفُ بهاو قد حَمَلَتْ حَباباً | كما حملَ السَّقيطَ الجُلَّنارُ |
كأنَّ الشَّرْبَ ينتهبونَ ناراً | لها لَهَبٌو ليس لها شَرارُ |
رأى الدهرُ اجتماعَ الشَّمْلِ مِنّا | فشتَّتَهو للدَّهرِ الخِيارُ |
و بَدَّلَني بأخدانِ المعالي | أُناساً فِعلُهُم شَيْنٌ وعَارُ |
مَسَاجِبُ لستُ أغشاهُمو لا لي | من الأيامِ بينَهُمُ انتصارُ |
هم شجرٌ من التمويهِ أكدَى | فلا ظِلٌّ لدَيْهِو لا ثِمارُ |
فمغبوطٌو ليسَ له عَشاءٌ ؛ | و مَحسودٌو ليس له دِثارُ |
و مقصورُ النَّدى قَصُرَتْ يَداه | فلا نَفعٌ لَدَيْهِو لا ضِرارُ |
و معتصِبٌ بتاجِ المُلكِ فيهِ | إلى مَنْ رامَ نائلَهُ افتقارُ |
أسيرٌ في يدِ الأيامِ راضٍ | بما يجري به الفلَكُ المُدارُ |
إذا حكَمَ العبيدُ عليه فاضَتْ | لفَرْطِ الذُّلِّأدمُعُه الغِزارُ |
فما يَخْشى سَطاهالدهرَ جانٍ ؛ | و لا يَرجو نَداهالدهرَجارُ |
أَأَقعُدُ بالعراقِ أسيرَ دَهْرٍ | غريباً لا أزورُ ولا أُزارُ |
و في غَربيِّ دِجلة َ لي محلٌّ | جِوارُ المَكرُماتِ له جِوارُ |
و سيِّدُ مَعشَرٍ كَرُموا وسادوا | يُجيرُ على الخُطوبِ ويُستَجارُ |
يَهُزُّ على النوائبِ منه عَضباً | حُساماًلا يُفَلُّ له غِرارُ |
له من جَوهَرِ الآدابِ حَلْيٌ | و للأسيافِ حَلْيٌ مُستَعارُ |
تَشبَّهَ في الفِعالِ به أُناسٌ | و أنَّى يُشبِهُ الشَّبهَ النُّضَارُ |
جلَتْ عَزَماتُه نُوَبَ اللَّيالي | كما يجلو دُجى اللَّيلِ النَّهارُ |
و شادَ المجدَ بالأفضالِ حتَّى | تناهَى في العُلوِّ به الفَخارُ |
فما فيه عن المعروفِ مَنعٌ ؛ | و لا فيه عن الحَمْدِ ازوِرارُ |