أرشيف المقالات

(15) العلماء والانغماس في الدنيا - صناعة العلماء - راغب السرجاني - صلاح الدين سلطان

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
بسم الله الرحمن الرحيم
د.
صلاح:
بسبب الخواء الروحي يُحرم الإنسان التوفيق في أن يجد حلًا لمشكلات الواقع وقد يساهم في مزيد من اليأس لدى الناس، والحل هو أن يَنشَط وينهض بالشعائر التعبدية التي تحُيي قلبه بحب الله تبارك وتعالى وتعظيم مقام الله عزَّ وجلَّ في قلبه.
 
د.
راغب:
مع أن العلماء شريحة من شرائح الناس، وإن كانت هي أعلى الشرائح  فهم قادة الأمة وورثة الأنبياء، لكن أزمة الانغماس في الدنيا لا تترك أحدًا.
وهذا الأمر متدرج يدخل في النفس دون أن تنتبه، فتجد العالِم يبدأ طريقه في منتهى الورع والإخلاص والإقبال حتى إذا كَثُرت أمام عينه الأموال والثروات ويكون لديه إمكانيات للأخذ أكثر ،عندها يسقط فيتنافس ويتصارع مع إخوانه الآخرين وتحدث مصيبة التجارة بالعلم، وخاصة العلم الشرعي، وهو أشرف العلوم قاطبة فكيف يتاجر به علماء الشريعة ؟!
 
د.
صلاح:
البعض قد يتصور أن العالِم يجب أن يعيش زاهدًا وهذا غير صحيح، فمن حق العالِم أن يجد حد الكفاف والكفاية ولا مانع أن يصل إلى حد الرغد، لكن أن يصل إلى حد الترف وأن يستكثر من المال بهذا العلم وأن يتخذ العلم وسيلة للتكسب فهذا الأمر يجعل العالِم ينزل من مستوى التاجر مع الله.
فالعالِم هنا لن ينظر إلى كم من أُناسٍ هداهم الله على يديه وإنما ينظر إلى كم من المال سيأخذ من برنامج يقدمه أو من مؤتمر يحضره وغير هذا.
مع أن الإنسان يشعر بحالة رضى وغنى وسعادة عندما يجد أن علمه قد حمله التلاميذ وقد اهتدوا به وتغيروا وتأثروا فيكون هذا هو الأساس.
والأصل أن يوجد وقفٌ إسلامي في كل مكان لكن للأسف الشديد تحدث سيطرة الدول على الأوقاف، ويجب أن ترفع الحكومات يدها عن الأوقاف كلها ويجب أن يديرها ناظروا الأوقاف وهؤلاء وكلاء عمن ماتوا وتركوا هذا الوقف أو من عاشوا وقدموا هذا الوقف للإنفاق على العلم والعلماء.
 
د.
راغب: 
أتصور أن يكون هناك ما يسمى ديوان الوقف وكان في تاريخ الأمة الإسلامية ما يسمى بديوان الأوقاف ومن يتولاه يتابع أن يصرف الوقف في ما أراده صاحب الوقف. 
الأوقاف يتم مصادرتها على مدار السنوات وأحيانًا تُنهب الأوقاف على مدار السنوات، دمشق على سبيل المثال كانت قائمة بكاملها على الأوقاف، وكانت من المدن الرئيسية في العالم الإسلامي التي معظم أراضي دمشق وحوانيت دمشق ومتاجرها ومصانعها كل شيء فيها كان وقف.
وللأوقاف قصص رائعة في الحضارة الإسلامية، ولكنها أصيبت بمشاكل وآلام التي نتكلم فيها، لكن ماذا لو رفعت الحكومات يدها تمامًا عن الأوقاف فمن يديرها، عامة الناس أم العلماء؟
فأعتقد أنها ستعود في النهاية إلى الحكومة لكن يكون في نوع من الانضباط على وقفية الوقف.
 
د.
صلاح:
الأصل أن تكون هيئة مستقلة عن الحكومة، وإن كانت الحكومة تدير هذا الأمر فسيكون عليها التأكد فقط من أن الأمور تسير في إطارها الصحيح، وإنما تحكمها فيها يُضعف الغرض الأصلي من الأوقاف بل هذا هو السبب الرئيسي في أن الناس لم تعد توقف لأنها لا تريد أن تضع الوقف تحت دائرة حكومية تنهب هذا المال أو تسيء إدارته أو تهمله.
فقضية الأوقاف أحد الحلول التي يجب أن نعود إليها.
ومن ثم يكون هناك استقلال لدى العلماء، فلا يضطر العالِم أن يتسول حتى يعيش، وأنا أعتذر إلى الله أن تكون رواتب العلماء في بلادنا الإسلامي من أقل الرواتب.
 
د.
راغب:
إذا فهي ظاهرة لها مشكلتين:
- مشكلة أنه هناك علماء زادت أموالهم حتى فتنوا بهذا المال ويسعون وراء هذه الأموال ونسوا العلم الشريف الذي يحملونه.
- وبين عالم آخر مسكين لا يجد ما يأكله وما يشربه فيضطر أن يمد يده هنا وهناك، وبسبب الظروف الصعبة يُغير من مجال عِمله ومن مبادئه ليجد ما يكفي قوت أسرته.
 
د.
صلاح:
لكن هذا لا يشفع له أن يغير من مبادئه، فلو صبر صبرًا جميلًا وآثر الآخرة على الدنيا وبدأ يعمل في أعمال أخرى غير التكسب من علمه الشرعي بطريقة مهينة، فلربما يفتح عليه الله أرزاق كثيرة. 
 
د.
راغب:
و من المؤكد أن حل القضية هو اليقين ، سواء في الذي فُتِنَ بكثرة المال أو الذي فُتِنَ بقلة المال.
إن كان لديه يقين سيعلم أن الله عزَّ وجلَّ هو الذي يرزق، وهو الذي سيمتحن ويختبر.
وعلى الأمة أن تكفل العلماء وتسعى إلى الوصول إلى حد الكفاية حتى يعيش حياة سوية، وفي نفس الوقت على العالِم أن يحذر ويراجع قلبه كل يوم ويسأل نفسه لماذا أجمع هذه الأموال هل حتى أعيش أم حتى أكثر من ثروتي وأنافس غيري.
{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء من الآية:109]، وضوح هذه الرؤية لدى العلماء يهز الصورة ويضيع الهيبة ويسقط قيمة الكلام الذي يُقال وإن كان منمقًا وإن كان جميلًا.
 
د.
صلاح:
نحن ندعو إخواننا العلماء إلى أن يتعففوا وأن يكونوا أصحاب عزة وكرامة،  ويجب على الدولة، وعلى الأسر، أن تساعد في إعزاز هؤلاء العلماء بأن توفر لهم ما يعيشون به المعيشة الكريمة، فلا يكون راتبه أقل من رواتب أقل فئات المجتمع، فلا يعيش هذه المعيشة الكريمة ويفقد أولاده القدرة على التعايش مع بقية أبناء المسلمين ويعيش مهزوزًا في حياته.
 
 
لسماع هذه الحلقة: العلماء والانغماس في الدنيا

شارك الخبر

المرئيات-١