من هنا وهناك
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
من شئون الحرب في الإسلام:
قال عمر بن الخطاب لعمر بن معدي كرب: صف لنا الحب، قال: مرة المذاق إذا كشفت عن ساق، من صبر فيها عرف، ومن نكل عنها تلف.
وقال هشام بن عبد الملك لأخيه مسلمة: هل دخلك ذعر قط لحرب أو عدو؟ قال ما سلمت من ذلك من ذعر نبه على حيلة ولم يغشني ذعر سلبني رأيي. قال هشام: هذه والله البسالة. وسئل بعض أهل التمرس بالحرب: أي المكائد أحزم؟ قال إذكاء العيون، وإفشاء الغلبة، واستطلاع الأخبار، وإظهار السرور، وأمانة الفرق، والاحتراس من المكائد الباطنة، من غير استصغار لمستنصح، ولا استناد لمستغش، واشتغال الناس عما هم فيه من الحرب بغيره. وكان بعض أهل التمرين بالحرب يقول لأصحابه: شاوروا في حربكم الشجعان من أولى العزم، والجبناء من أولى الحزم، فإن الجبان لا يألوا برأيه ما بقى مهجكم، والشجاع لا يعدو مايشد بصائركم، ثم خلصوا من بين الرأيين نتيجة تحمل عنكم معرة الجبان، وتهور الشجعان، فتكون أنفذ من السهم الزالج، والحسام الوالج.
ولما فتح عمرو بن العاص قيسارية، سار حتى نزل غزة، فبعث إليه علجها أن ابعث إلى رجلا من أصحابك أكلمه، ففكر عمرو وقال ما لهذا أحد غيري، فخرج حتى دخل على العلج فكلمه فسمع كلاما لم يسمع قط مثله، فقال العلج حدثني هل في أصحابك أحد مثلك؟ قال لا تسأل عن هذا إني هين عليهم إذ بعثوا بي إليك وعرضوني لما عرضوني، ولا يدرون ما تصنع بي، فأمر له بجائزة وكسوة، وبعث إلى البواب: إذ مر بك فاضرب عنقه وخذ ما معه، فخرج من عنده فمر برجل من نصارى غسان فعرفه، فقال: يا عمرو قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج، ففطن عمرو لما أراده فرجع، فقال له اللج ما ردك إلينا؟ قال نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك يسع بني عمي فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية، فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد، فقال صدقت عجل بهم.
وبعث إلى البواب أن خل سبيله. كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص رضوان الله عليهما: أما بعد فإني آمر ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم الله، ولولا ذلك لم تكون لنا بهم قوة.
.
ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله.
واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم.
وترفق بالمسلمين ولا تجشمهم مسيراً يتعبهم ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم والسفر لم ينقص قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي، الأنفس والكراع، وأقم بمن معك في كل جمعة يوما وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه ولا يرزأ أحد من أهلها شيئا فإن لهم حرمة وذمة ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فتولوهم خيراً، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح.
وإذا وطئت أرض العدو فبث العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك أمرهم، وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه والفاش عين عليك وليس عينا لك، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع وتبث السرايا بينك وبينهم فتقطع السرايا إمدادهم ومرافقهم وتتبع الطلائع عوراتهم، وتنق الطلائع أهل الرأي والبأس من اصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا عدوا كان أول ما تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدا يهوى فتضيع من رأيك وأمرك أكثر مما حييت به أهل خاصتك، ولا تبعثن طليعة ولا سرية في وجه تتخوف فيه غلبة أو ضيعة ونكاية، فإن عاينت العدو فأضمم إليك أقاصيك وطلائعك وساياك وأجمع إليك مكيدتك وقوتك ثم لا تعاجلهم المناجزة ما لم يستكرهك قتال حتى تبصر عورة عدوك ومخاتلته وتعرف الأرض كلها كمعرفة أهلها فتصنع بعدوك كصنعه بك، ثم أذك حراسك على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك، ولا تؤتى بأسير ليس له عقد إلا ضربت عنقه لترهب به عدو الله وعدوك.
والله ولى أمرك ومن معك وولى النصر لكم على عدمكم والله المستعان.
قال خالد بن الوليد عليه رضوان الله عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفا، وما في جسمي موضعشبر الأ وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم هاأنذا أموت حتف انفي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء، وقالت عائشة رضوان الله عليها: أن الله خلقا قلوبهم كقلوب الطير كلما خفقت الريح معها، فأنف للجبناء فأف للجبناء. الوساطة الدولية: هي تدخل دولة أو شخص تدخلا وديا خلاف قائم بين دولتين أو أكثر لحسم النزاع بما يرضي الفريقين كوساطة البابا سنة 1885 بين دولتي أسبانيا وألمانيا لرفع الخصام الذي كان بينهما بسبب جزيرة كارولين، وقد عرض عليهما البابا فكرة لفض النزاع فوافقنا عليها في معاهدة عقدت بينهما في روما. والوساطة إما أن يعرضها الوسيط على المتنازعين من نفسه أو يطلب إليه ذلك أحد الفريقين أو غيرهما، والوسيط ناصح ينحصر عمله في فحص القضية المختلفة فيها فحصا دقيقا واقتراح ما يراه نافعا ومقبولا لدى الفريقين. وقد جاء في المادة الرابعة من معاهدة لاهاي ما نصه: إن عمل الوسيط ينحصر في التوفيق بين الآراء والمتعارضة وتخفيف الأحقاد التي تنشأ عن الخلاف. وجاء في المادة السادسة من المعاهدة المذكورة: إن المساعي الجميلة والوساطة سواء أكانتا بطلب من الدول المتنازعة أم بلا طلب منها لا تخرجان عن إسداء النصح ولا تلزمان الفريقين. والفرق بين الوساطة والمساعي الجميلة هو أن الوسيط يدخل في المفاوضة توا ويضع الأسس لحل الخلاف، أما الساعي لرفع النزاع فيعمل لرفع الخصام بنفوذه وسلطانه، دون دخول في المفاوضة أو وضع أسس للصلح. والفرق بين الوساطة والتحكيم أن الوسيط ناصح يبسط رأيه للفريقين ويترك لها الخيار في القبول أو الرفض.
وأما الحكم فحاكم يبرم قرارات حكمية، والفريقان مجبران على تنفيذها.
وأوضح فرق بين الوساطة والتحكيم هو أن الوساطة مفاوضة سياسية، وأما التحكيم فعمل حقوقي، وأن الوساطة تكون في أي مسألة من المسائل المختلفة فيها وان كانت تتصل بشرف الدول وحياتها، وأما التحكيم فلا يشمل هذه المسائل. وأول رغبة في تحقيق الوساطة كانت في مؤتمر باريس عام 1856 فقد ورد في البيان الذي أذاعه المؤتمر: إن المندوبين يرغبون باسم حكوماتهم في أن تطلب الدول المتنازعة وساطة دولة محبة أخرى أو بذل مساعيها الجميلة في النزاع الناشب بينهما قبل أن تمتشق الحسام.
ثم جاءت معاهدتنا لاهاي الأولى والثانية وبحثنا في الوساطة والمساعي الجميلة، وقسمتا الوساطة إلى قسمين: الوساطة العادية ولا وساطة الخاصة، فالوساطة العادية جاء عنها في المادتين 2، 3: إن الدول المتعاقدة تتعهد بأن تجنح إلى توسيط دولة أو إلى طلب مساعيها الجميلة قبل أن تمتشق الحسام، على أن تكون الأحوال مساعدة على ذلك، كما أنها ترى من الواجب على الدول المعتزلة (الحيادية) أن تعرض وساطتها على المتناوعين خلال الحرب إذا كانت الحالة مساعدة على الوساطة، ولا يحق لأحد الفريقين أن يرى هذه الوساطة عملا يناقض المحبة والولاء.
والوساطة الخاصة بحثتها المادة 8 من معاهدتي لاهاي فجاء فيها: إن من الواجب على أي دولة تقع في نزاع مع دولة أخرى مت أجل قضية مهمة أن تختار دولة ثالثة وتخولها حق المفاوضة مع دولة رابعة يختارها خصمها لإعادة العلاقات السياسية التي انقطعت بينهما، ويجب على الدولتين المتنازعتين أن تمتنعا عن كل خصومة خلال مدة المفاوضة التي لا تتجاوز 30 إذا لم يكن هناك نص يحدد المدة. أسامة