أيا ديكُ! عُدّتْ من أياديكَ، صيحةٌ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أيا ديكُ! عُدّتْ من أياديكَ، صيحةٌ | بعَثتَ بها مَيتَ الكرى، وهو نائِمُ |
هتَفتَ، فقال الناسُ: أوسُ بنُ مُعيِرٍ، | أو ابنُ رَباحٍ، بالمَحَلّةِ قائم |
لعَلّ بِلالاً هَبّ من طولِ رقدَةٍ، | وقد بَلِيَتْ، في الأرض، تلك الرّمائم |
ونِعمَ أذِينُ المَعشَرِ ابنُ حَمامَةٍ، | إذا سَجَعتْ، للذّاكرينَ، الحَمائم |
وفيك، إذا ما ضيّعَ النِّكسُ، غَيرَةٌ | تُصانُ بها المُستَصحَباتُ الكَرائم |
وجُودٌ بموجودِ النّوالِ على التي | حَمَيْتَ، وإنْ لم تَستَهِلّ الغَمائم |
يُزانُ لديكَ الطّعنُ في حومةِ الوغى، | إذا زُيّنَتْ، للعاجزينَ، الهَزائم |
فلَو كنتَ بالدُّرّ الثّمينِ مُعوَّضاً | من البُرّ، ما لامَتْ عليه اللّوائم |
وتُلقى، لديك، المنقِضاتُ نواصِعاً، | يقالُ: غريباتُ البحارِ التّوائم |
رآها كباراً مَن بَراها، كأنّها | تَريكُ نَعامٍ، أودَعَتْهُ الصّرائم |
وتُؤثِرُ، بالقُوتِ، الحَليلةَ، شيمةً | كريميّةً، ما استَعمَلتها الألائم |
كأنَكَ فحلُ الشَّولِ، حولَكَ أينُقٌ | عليها بُرىً، من طاعةٍ، وخَزائِمُ |
فتُلمَحُ، تاراتٍ، وتُغضي، كأنّها | ضَرائرُ، سفّتْها، لديكَ، الخصائم |
فحُمرٌ وسودٌ حالِكاتٌ، كأنّها | سَوامُ بني السِّيدِ، ازدهَتْه القوائم |
عليكَ ثيابٌ خاطَها اللَّهُ قادِراً، | بها رَئِمَتْكَ العاطِفاتُ الرّوائم |
وتاجُكَ مَعقُودٌ، كأنّك هُرْمزٌ، | يُباهي بهِ أملاكَهُ، ويُوائم |
وعَينُكَ سِقطٌ، ما خَبا عندَ قِرّةٍ، | كلَمعةِ بَرْقٍ، ما لها، الدّهرَ، شائم |
وما افتَقَرَتْ يوماً إلى مُوقِدٍ لها | إذا قُرّبَتْ، للمُوقِدين، الهَشائم |
وَرِثتَ هُدَى التذكارِ من قبل جُرهمٍ | أوانَ تَرَقّتْ، في السّماءِ، النّعائم |
وما زِلتَ، للدّينِ القديمِ، دِعامةً، | إذا قَلِقَتْ، من حامليهِ، الدّعائم |
ولو كنتَ لي، ما أُرْهِفَتْ لك مُدْيةٌ، | ولا رامَ إفطاراً، بأكلِكَ، صائم |
ولم يُغْلَ ماءٌ كيْ تُمَزّقَ حُلّةٌ، | حَبَتْكَ، بأسناها، العُصورُ القدائم |
ولا عُمتَ في الخمر، التي حالَ طَعمُها | كأنّكَ في غَمرٍ، من السّيلِ، عائم |
ولاقَيتَ عندي الخيرَ، تحسَبُ عَيّلاً | يُنافيكَ قَولٌ سيّىء، وشَتائم |
فإن كتَبَ اللَّهُ الجرائمَ، ساخِطاً، | على الخَلقِ، لم تُكتَبْ عليك الجرائم |
فهلْ ترِدَنْ حوضَ الحياةِ، مبادراً، | إذا حُلّئَتْ عَنهُ النّفوسُ الحوائِمُ |
وتَرْتَعُ ما بينَ النّبيئَينِ، ناعِماً | بعيشَةِ خُلْدٍ، لم تَنَلْها السّمائم |
وأقوالُ سُكانِ البلادِ ثَلاثَةٌ، | تَوالى علَيها عانِدٌ ومُلائم |
فقَوْلٌ جزاءٌ ما، وقولٌ تهاوُنٌ، | وآخَرُ يُجزَى إنسُهُ لا البَهائم |
يَضارِعُنا مَن بَعدَنا في أُمورِنا، | ونَمضي على العِلاّتِ، والفعلُ دائم |
وكلٌّ يوصّي النّفسَ، عندَ خُلّوهِ، | بزُهدٍ، ولكنْ لا تَصِحُّ العزائم |
وأينَ فِراري من زماني وأهلِهِ، | وقد غَصّ، شرّاً، نجدهُ والتّهائم؟ |
وفي كلّ شهرٍ تصرَعُ الدّهرَ جِنّةٌ، | فتُعقَدُ فيهِ بالهِلالِ التّمائم |
لهُ عُوَذٌ في كلّ شرقٍ ومغربٍ، | رَعاها اليَماني الدّارِ والمُتَشائم |
أبَى القَلبُ إلاّ أُمّ دَفْرٍ، كما أبَى | سوى أُمّ عمرٍو، موجَعُ القلبِ هائم |
هيّ المنتهَى والمَشتَهَى، ومعَ السُّهى | أمانيُّ منها، دونهنّ العظائم |
ولم تَلقَنا، إلاّ وفينا تحاسدٌ | عليها، وإلاَّ في الصّدورِ سخائم |
نزَتْ في الحشا ثمّ استَقلّتْ، فغادَرتْ | جَماجمَ تَنزو، فوقهنّ، الغمائم |
وأيّامُنا عِيسٌ، وليسَ أزمّةٌ | عليها، وخَيلٌ أغفَلَتها الشكائم |
وقد نسَيتْ حُسْنَ العهودِ، ومالها | بَنانُ يَدٍ، فيه تُشدّ الرّتائم |
فإنْ سَكِرَتْ، فالرّاحُ فيها كثيرةٌ، | ذوارِعُها والمُخرَزاتُ الحَتائم |
قسيماتُ ألوانٍ، سميحاتُ شيمةٍ، | لها ضائعٌ ما طَيّبتْهُ القَسائم |
وما خِلَقُ البيضِ الحِسانِ حَميدَةً، | إذا اشتَهَرَتْ أخلاقُهنّ الذّمائم |
وتَمضي بنا السّاعاتُ، مُضمِرَةً لَنا | قَبيحاً، على أنّ الوُجوهَ وسائم |
نمَمْنَ بما يخفيهِ حيٌّ وميّتٌ، | ومن شرّ أفعالِ الرّجالِ النّمائم |
يَعيشُ الفتى، في عُدمِه، عيشَ راغبٍ، | ويُثري مُسِنٌّ، للمَعيشةِ، سائم |
وأنوارُ أعوامٍ مَضَينَ شَواهدٌ | بما ضَمِنَتْهُ، بعدَهنّ، الكَمائم |