أكان الصبا إلّا خيالا مُسلِّما
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أكَانَ الصّبا إلاّ خَيالاً مُسَلِّما، | أقَامَ كَرَجْعِ الطّرْفِ، ثمّ تَصَرّما |
أرَى أقصَرَ الأيّامِ أحْمَدَ في الصِّبا | وأطْوَلَهَا مَا كَانَ فيهِ مُذَمَّمَا |
تَلَوّمْتُ في غَيّ التّصَابي، فَلَمْ أُرِدْ | بَدِيلاً بهِ، لَوْ أنّ غَيّاً تُلُوِّمَا |
وَيَوْمَ تَلاقٍ، في فِرَاقٍ، شَهِدْتُه | بِعَيْنٍ، إذا نَهنَهْتُها دَمَعََتْ دَمَا |
لحِقْنا الفَرِيقَ المُستَقِلّ ضُحَى وَقدْ، | تَيَمّمَ مِنْ قَصْدِ الحِمَى مَا تَيَمّما |
فقُلتُ: انْعِمُوا مِنّا صَبَاحاً، وإنّما | أرَدْتُ بِما قُلتُ الغَزَالَ المُنَعَّمَا |
وَمَا بَاتَ مَطْوِيّاً عَلى أرْيَحِيّةٍ، | بعُقْبِ النّوَى إلاّ امرُؤٌ باتَ مُغرَمَا |
غَنِيتُ جَنِيباً للغَوَانِي يَقُدْنَني | إلى أنْ مَضَى شرْخُ الشّبابِ، وَبعدَمَا |
وَقِدْماً عَصَيتُ العاذِلاَتِ، وَلَمْ أُطعْ | طَوَالِعَ هذا الشّيْبِ، إذْ جِئنَ لُوَّمَا |
أقُولُ لثَجّاجِ الغَمامِ، وَقَد سَرَى | بمُحتَفَلِ الشّؤبُوبِ صَابَ فعَمّمَا |
أقِلَّ وأكْثِرْ لَستَ تَبْلُغُ غايَةً | تَبينُ بِها حَتّى تُضَارِعَ هَيْثَما |
وهُوالمَوْتُ وَيْلٌ منهُ لا تَلْقَ حَدّهُ، | فمَوْتُكَ أنْ تَلقاهُ في النّقعِ مُعلَمَا |
فَتًى لَبِسَتْ منهُ اللّيالي مَحَاسِناً، | أضَاءَ لَها الأُفْقُ الذي كانَ مُظِلْمَا |
مُعاني حُرُوبٍ قَوّمَتْ عَزْمَ رَأيِهِ، | وَلَنْ يَصْدُقَ الخَطّيُّ، حتّى يُقَوَّمَا |
غَدا وَغَدَتْ تَدْعُو نِزَارٌ وَيَعرُبٌ | لَهُ أنْ يَعيشَ الدّهرَ فيهِمْ، وَيَسْلَمَا |
تَوَاضَعَ مِنْ مَجْدٍ لَهُمْ وَتَكَرّمٍ، | وَكُلُّ عَظيمِ لا يُحِبُّ التّعَظّمَا |
لِكُلّ قَبيلٍ شُعْبَةٌ مِنْ نَوَالِهِ، | وَيَختَصُّهُ منهُمْ قَبيلٌ، إذا انتَمَى |
تَقَصّاهُمُ بالجُودِ، حتّى لأقْسَمُوا | بأنّ نَداهُ كانَ والبَحْرَ تَوْءَمَا |
أبَا القَاسِمِ! استَغْزَرْتَ دَرّ خَلائقٍ، | مَلأنَ فِجَاجَ الأرْضِ بُؤسَى وأنْعُمَا |
إذا مَعشَرٌ جَارَوْكَ في إثرِ سُؤدَدٍ، | تأخّرَ مِنْ مَسعاتهِمْ ما تَقَدّما |
سَلامٌ، وَإنْ كَانَ السّلامُ تَحِيَّةً، | فوَجْهُكَ دونَ الرّدّ يكفي المُسَلِّمَا |
ألَستَ تَرَى مَدّ الفُراتِ كأنّهُ | جبالُ شَرَوْرَى جِئْنَ في البَحرِعُوَّمَا |
وَلَمْ يَكُ مِنْ عاداتِهِ غَيرَ أنّهُ | رَأى شِيمَةً مِنْ جَارِهِ، فَتَعَلَّما |
وَمَا نَوّرَ الرّوْضُ الشآميُّ بَلْ فَتًى | تَبَسّمَ مِنْ شعرْقِيّهِ، فَتَبَسّما |
أتَاكَ الرّبيعُ الطّلقُ يَختالُ ضَاحِكاً | منَ الحُسنِ حتّى كادَ أنْ يَتَكَلّمَا |
وَقَد نَبّهَ النّوْرُوزُ في غَلَسِ الدّجَى | أوائِلَ وَرْدٍ كُنّ بالأمْسِ نُوَّمَا |
يُفَتّقُهَا بَرْدُ النّدَى، فكَأنّهُ | يَنِثُّ حَديثاً كانَ قَبلُ مُكَتَّمَا |
وَمِنْ شَجَرٍ رَدّ الرّبيعُ لِبَاسَهُ | عَلَيْهِ، كَمَا نَشَّرْتَ وَشْياً مُنَمْنَما |
أحَلَّ، فأبْدَى لِلْعُيونِ بَشَاشَةً، | وَكَانَ قَذًى لِلْعَينِ، إذْ كانَ مُحْرِما |
وَرَقّ نَسيمُ الرّيحِ، حتّى حَسِبْتُهُ | يَجىءُ بأنْفَاسِ الأحِبّةِ، نُعَّمَا |
فَما يَحبِسُ الرّاحَ التي أنتَ خِلُّهَا، | وَمَا يَمْنَعُ الأوْتَارَ أنْ تَتَرَنّما |
وَمَا زِلْتَ خِلاًّ للنّدَامى إذا انتَشُوا، | وَرَاحُوا بُدوراً يَستَحِثّونَ أنْجُمَا |
تَكَرّمتَ من قَبلِ الكؤوسِ عَلَيهِمِ، | فَما اسطَعنَ أنْ يُحدِثنَ فيكَ تَكَرُّمَا |