عارضننا أصلا فقلنا الربرب
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عَارَضْنَنا أُصُلاً، فَقُلْنَا الرّبْرَبُ، | حتّى أضَاءَ الأُقْحُوانُ الأشنَبُ |
واخضَرّ مَوْشِيٌّ البُرُودِ، وقَدْ بَدا | مِنْهُنّ ديبَاجُ الخُدودِ المُذْهَبُ |
أوْمضْنَ مِنْ خَلَلِ الخذورِ، فرَاعَنا | بَرْقانِ: خالٌ مَا يُنَالُ وَخُلَّبُ |
ولَوَ انّني أُنْصِفْتُ في حُكمِ الهوَى، | ما شِمْتُ بارِقَةً، وَرَأسِي أشيَبُ |
وَلقَدْ نَهَيتُ الدّمعَ، يوْمَ سُوَيقَةٍ، | فَأبَتْ غَوَالِبُ عَبرَةٍ ما تُغلَبُ |
وَوَرَاءَ تَسْدِيَةِ الوُشَاةِ مَلِيّةٌ | بالحُسنِ، تَملُحُ في القلوبِ، وَتَعذُبُ |
كالبَدْرِ، إلاّ أنّها لا تُجْتَلَى، | وَالشّمْسِ، إلاّ أنّهَا لا تَغْرُبُ |
رَاحَتْ لأرْبُعِكِ الرّياحُ مَرِيضَةً، | وَأصَابَ مَغنَاكِ الغَمَامُ الصّيّبُ |
سَأعُدُّ ما ألْقَى، فإنْ كَذّبتِني، | فسَلي الدّموعَ، فإنّها لا تَكْذِبُ |
أعرَضْتِ حتى خِلْتُ أنّي ظَالِمٌ، | وَعَتَبْتِ، حتى قُلْتُ إنّي مُذنِبُ |
عَجَباً لهَجْرِكِ قَبْل تَشْتيتِ النّوَى | مِنّا، وَوَصْلُكِ في التّنَائي أعجَبُ |
كَيفَ اهتَديتِ وَما اهتَديتِ لمُغْمَدٍ | في لَيلِ عَانَةَ، والثّرَيّا تُجْنَبُ |
عَفَتِ الرّسومُ، وَما عفَتْ أحشاؤهُ | مِن عَهدِ شَوْقٍ ما يحُولُ، فيَذهَبُ |
أتَرَكْتِهِ بالحَبْلِ، ثُمّ طَلَبْتِهِ | بخَليجِ بارِقَ، حَيثُ عَزّ المَطْلَبُ |
من بعدِ ما خَلُقَ الهوَى، وتَعَرّضَتْ | دون اللّقَاءِ مَسَافَةٌ ما تَقْرُبُ |
وَرَمَتْ بِنَا سَمْتَ العِرَاقِ أيَانِقٌ | سُحمُ الخُدودِ، لُغامُهنّ الطُّحلُبُ |
مِنْ كلّ طائرَةٍ بخَمسِ خَوَافِقٍ | دُعْجٍ، كما ذُعِرَ الظّليمُ المُهْذِبُ |
يَحْمِلْنَ كُلَّ مُفَرَّقٍ في هِمّةٍ | فَضْلٍ يَضِيقُ بها الفَضَاءُ السّبسَبُ |
رَكِبُوا الفُرَاتَ إلى الفُرَاتِ، وَأمّلوا | جَذْلانَ يُبدِعُ في السّماحِ، وَيُغرِبُ |
في غَايَةٍ طُلِبَتْ، فَقَصّرَ دُونَها | مَنْ رَامَها، فَكَأنّهَا ما تُطْلَبُ |
كَرَماً، يُرَجّى منه ما لا يُرْتجَى | عِظَماً، وَيوهَبُ فيه ما لا يوهَبُ |
أعْطى، فَقيلَ أحَاتِمٌ أمْ خالِدٌ؟ | وَوَفَى، فقيلَ أطَلحَةٌ أمْ مُصْعَبُ؟ |
شَيْخَانِ قَدْ عقدا لقَائِمِ هَاشِمٍ، | عقدَ الخِلافَةِ، وَهيَ بِكرٌ تُخطَبُ |
نَقَضَا ببرَأيِهِما الذي سَدّى بِهِ، | لبَني أُمَيّةَ، ذو الكَلاعِ وَحَوْشَبُ |
فَهُمَا إذا خَذَلَ الخليلُ خَليلَهُ، | عَضُدٌ لمُلْكِ بَني الوَليّ وَمَنْكِبُ |
وَعَلى الأمير أبي الحُسَينِ سَكِينَةٌ | في الرّوْعِ، يَسُكنُها الهِزَبرُ الأغلَبُ |
وَلِحَرْبَةِ الإسْلامِ، حين يَهُزُّهَا | هَوْلٌ يُرَاعُ لَهُ النّفَاقُ وَيُرهَبُ |
تِلْكَ المُحَمَّرةُ الذين تَهافَتُوا، | فَمُشَرِّقٌ في غَيّهِ، وَمُغَرِّبُ |
والخرمية إذ تجمع منهم | بجبال قران الحصى والأثلب |
جَاشُوا، فذاك الغَوْرُ مِنهُمْ سائِلٌ | دُفعَاً، وَذاكَ النّجدُ منهُمْ مُعشِبُ |
يَتَسَرّعُونَ إلى الحُتُوفِ، كأنّها | وَفْرٌ، بأرْضِ عَدُوّهِمْ، يُتَنَهّبُ |
حتّى إذا كادَتْ مَصَابيحُ الهُدَى | تَخْبُو، وَى كَادَ مَمَرُّهُ يَتَقَضّبُ |
ضَرَبَ الجِبَالَ بمِثْلِها مِنْ عَزْمِهِ | غَضْبانَ يَطعَنُ بالحِمامِ ويَضرِبُ |
أوْفَى، فَظَنّوا أنّه القَدَرُ الّذِي | سَمِعُوا بِه، فمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ |
ناهَضْتَهُمْ، وَالبَارِقَاتُ كَأنّهَا | شُعَلٌ على أيْديهِمِ، تَتَلَهّبُ |
وَوَقَفْتَ مَشْكُورَ المَكَانِ كَرِيمَهُ، | وَالبِيضُ تَطفُو في الغُبارِ، وَتَرْسُبُ |
ما إنْ تَرَى إلاّ تَوَقّدَ كَوْكَبٍ | في قَوْنَسٍ، قَدْ غَارَ فيه كَوْكَبُ |
فَمُجَدَّلٌ، وَمُرَمَّلٌ، وَمُوَسَّدٌ، | وَمُضَرَّجٌ، وَمُضَمَّخٌ، وَمُخَضَّبُ |
سُلِبُوا، وَأشرَقَتِ الدّماءُ عَلَيْهِمِ | مُحمَرّةً، فكأنّهُمْ لَمْ يُسْلَبُوا |
وَلَو أنّهُمْ رَكِبُوا الكَوَاكبَ لم يكنْ | لمُجِدّهِمْ، من أخذِ بأسِكَ، مَهرّبُ |
وَشَدَدْتَ عَقْدَ خِلافَتَين خِلافَةً | مِنْ بَعدِ أُخْرَى، والخلائفُ غُيّبُ |
حين التَوَتْ تلك الأمورُ، وَرُجّمَتْ | تلكَ الظّنونُ، وَماجَ ذاكَ الغَيهَبُ |
وَتَجَمّعَتْ بَغدادُ ثمّ تَفَرّقَتْ | شِيَعاً، يُشَيّعُها الضّلالُ المُصْحَبُ |
فأخَذْتَ بَيْعَتَهُمْ لأزْكَى قَائِمٍ | بالسّيفِ، إذْ شَغِبوا علَيكَ، فأجلبوا |
الله أيّدكُمْ وَأعْلى ذِكْرَكُمْ | بالنّصرِ، يُقْرَأ في السّماءِ، وَيُكتَبُ |
ولأنْتُمُ عُدَدُ الخِلافَةِ، إنْ غَدَا | أوْ رَاحَ مِنْهَا مَجْلِسٌ، أوْ موْكبُ |
وَالسّابِقونَ إلى أوائِلِ دَعْوَةٍ، | يَرْضَى لهَا رَبُّ السّماءِ، وَيَغضَبُ |
وَمُظَفَّرُونَ، إذا اسْتَقَلّ لوَاؤهُمْ | بالعِزّ، أدْرَكَ رَبُّهُ مَا يَطْلُبُ |
جَدٌّ يَفُوتُ الرّيحَ في درك العُلا | سَبْقاً، إذا وَنَتِ الجُدودُ الخُيّبُ |
ما جُهّزَتْ رَايَاتُكُمْ لمخالف | إلاّ تَهَدّمَ كَهْفُهُ المُسْتَصْعَبُ |
وَإذا تَوَثّبَ خالِعٌ في جَانِبٍ، | ظَلّتْ عَلَيْهِ سُيُوفُكُمْ تَتوَثّبُ |
وَإذا تَأمّلْتُ الزّمَانَ وجدْتُهُ | دُوَلاً، على أيديكُمُ تَتَقَلّبُ |