أرشيف المقالات

رسالة إلى شيخنا السجين بظلم.. العلامة محمد الحسن بن الددو - محمد الأحمري

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
في أواسط التسعينات اتصل بي صديق مثقف من مدينة بتسبرج في الولايات المتحدة, وطلب مني أن نستضيف في مؤتمر التجمع القادم الشيخ محمد الحسن ابن الددو الشنقيطي، وأثنى عليه ثناء كثيراً، وعند قرب موسم المؤتمر حاولنا دعوته ولم يتيسر حتى كان مؤتمر عام 2000م ثم مؤتمر عام 2001، وحضرهما الشيخ في مدينة شيكاغو, فكان الخُبر أصدق من الخَبر !!

وقد كان مهوى قلوب الحاضرين في المؤتمر، ولفت انتباه الجميع علماء ومشاركين ومشاركات لما وهبه الله من ذاكرة من أعجب ما وهب البشر، ومن اتساع معارفه في علوم الإسلام، مع حداثة سنّه.

وفي إحدى أمسيات المؤتمر عقدت جلسة ثقافية أدبية حوارية شارك فيها الشيخ الددو إلى جانب الشيخ جعفر إدريس، وأدراها الأستاذ خالد حسن, رئيس تحرير هذه المجلة، وقد كانت أمسية في غاية الفائدة والطرافة، وانتشرت أخبارها.

فقد استمتع الناس بعلم الشيخ وغرائب حفظه، كما استمتعوا بحديث الشيخ جعفر وعقله المكين, وكل منهما ساق من طرائف حياته وطلبه للمعرفة ما أبدع فيه، فلما سئل الشيخ الددو عن محفوظاته من الكتب ألمح بتواضع لكثرتها، وأشار لحفظه بعض المتون في النحو وغيره هو بعد في الخامسة من عمره، ولما حلق السامعون في سماء المحفوظات ، عقب الشيخ جعفر قائلاً "أما أنا فلا أحفظ أي كتاب" فضجت القاعة بالضحك، لشدة التناقض، فإن فات الشيخ الحفظ فلم يفته عقل فيلسوف مؤمن..

وقد أبان اللقاء مع علمين من أعلام عصرنا عن تعدد المواهب بين العلماء ، وتنوع الطرق للمعرفة والإصلاح والتأثير, وسماحة العلماء، وعمقهم وتأثيرهم.


وحديثنا هنا عن الشيخ محمد الحسن، ففي كل مكان ذهب إليه ترك أثراً وعجباً وحباً وتقديراً، فمن لم يلمح ذاكرته العجيبة رأى دينه المكين، ومن لم يدرك سعة علمه رأى سماحة خلقه، وحسن تصرفه.



وقد أثنى الشيخ بكر أبو زيد في تقديمه لبحث "مقومات الإخوة الإسلامية"على الددو وقال عنه بأن: "هذه مقدرة يندر توفرها" ص 3.


أما الآن وقد وقع الشيخ وصحبه من العلماء والمصلحين في محنة السجن، والتعذيب والتشهير فإن من واجب كل مسلم مناصرتهم على من ظلمهم, وشرح قضيتهم، وتنبيه الناس لها، عسى أن ترتفع عنهم المحنة، ونخفف من الزحف على المسلمين في ودينهم في موريتانيا، ولا نخذلهم ولا نسلمهم ولا نسكت عن مظالمهم، قال الددو: "حتى في أضيق الظروف والأزمات في الحروب منع الإسلام الفرار من الزحف وجعله إحدى الموبقات.
ومن ذلك عدم فرار الأخ المسلم عن أخيه ورغبته بنفسه عن نفسه" ص 16.

قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ التوبة :71]


ونقول لإخواننا في موريتانيا: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور:55].

إن واجب المسلمين في كل مكان الاهتمام بمحنة الإسلام في موريتانيا، متمثلاً في رموز علماء الإسلام وقيادات الأمة، ونوابغها في ذلك البلد. فحقّ هؤلاء المصلحين على علماء الأمة ومفكريها وأهل الرأي والشهامة عامة وخاصة، أن يقفوا مع المصلحين المضطهدين، وحقّ هؤلاء العلماء والدعاة المساجين على الأمة أن تسارع بطلب تخليصهم من السجون وإنهاء محنتهم، والاتصال بالسفارات الموريتانية، والحكومة وبعث الرسائل، والفاكسات والبريد الإلكتروني، وأن تصاغ بلغة هادئة ومؤدبة مؤثرة، جرياً على سنّة { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} .

إن من حق الشيخ وإخوانه أن يقف معهم المسلمون، وأهل الإنصاف من كل أمة، ولو كان المظلوم يهودياً أو نصرانياً للزم رفع الظلم عنه، فكيف بمن عرف عنهم الخير والعلم والإصلاح، وعلى كل مؤمن أن يناصر العدل، وأن يحقق واجبه وولاءه للمؤمنين: قال تعالى { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة:55].

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير