رضيتُ بالدُّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رضيتُ بالدُّونِ لمّا لم أجدْ وَزَراً | ولو وجدتُ لما أُرضيتُ بالدُّونِ |
كم ذا أعالجُ إمّا كاشحاً حنقاً | أَوْ أُبتَلى بصديقٍ غيرِ مأمونِ |
ما زلتُ بُقياً على الأحوالِ تجمعُنا | أطيعه وهو طولَ الدّهرِ يعصينى |
بعداً وسحقاً لقومٍ لا حفاظَ لهمْ | كنزْتُ عندهمُ وُدّاً فملُّوني |
ما زلتُ فيهمْ وصولاً من يقاطعنى | ورائشاً عندهمْ مَن كان يَبْريني |
منّوا على َّ بأن لم يسلبوا نسبى | سَقْياً ورَعْياً لفضلٍ غيرِ ممنونِ |
من كلِّ أَخْرَقَ مأْسورٍ بشهوتِهِ | مُخَدَّعٍ برخاءِ العيشِ مفتونِ |
ظنّوا وليس لهمْ فضلٌ يقدِّمُهمْ | إِنَّ التقدُّمَ في أَيدي السَّلاطينِ |
هيهاتَ ما الفضلُ إلاّ ما حبَتْك به | أمُّ الفضائلِ من عقلٍ ومنْ دينِ |
ما كان مبتاعهمْ إلاّ أخا ندمٍ | وليس بائعهمْ إلاّ بمبغونِ |
جَنَوْا سَقامي وكم فيهمْ وعندَهُمُ | طَبٌّ بدائي ولكنْ لا يُداويني |
يقولُ قومٌ ومالى فيهمُ دولٌ | أجفوهُ بَذْلاً له فيهمْ ويجفوني؟ |
كم بين فقرٍ وإثراءٍ ؟ فقلت لهمْ : | أينَ الذي رفع الإِيوانَ تسحبُه |
عشْ مفرداً غيرَ مقرونٍ فلا جَذَلٌ | إلاّ بأنِّيَ فردٌ غيرُ مقرونِ |
لوكنتُ أعلمُ أنّ البعدَ يؤمنني | بعدتُ لكنّ بعدى لا ينجّينى |
مَنْ مُخرِجي من بلادي فهْيَ مَوبئة ٌ؟ | وكلّ داءٍ بها فى الخلقِ يعدبنى |
وقد عمرتُ زماناً فى مرابعها | أعدو المحاذرَ فيها وهى َ تعدونى |
وقد صحبتُ الذي بالغيِّ يأمرني | وبالّذي يُدْنِسُ الأعراضَ يُغريني |
إنّي لأعجبُ منه وهو ذو عَجَبٍ | يَبيعني قبلَ أن يَلقى ويَشْريني! |
يقيهِ نحرى من رامٍ فريسته | يومَ الوغَى هو عُمْرَ الدَّهْرِ يرميني |
وكلّما أخرجتْ كفِّي القَذاة َ له | من جَفْنِهِ باتَ يَشْجيني ويُقذيني |
وكم ألبّيهِ فى ضرّاءَ يركبها | ولم يكن يومَ سرّاءٍ يلبّينى |
مَن لي بِحُرٍّ منَ الإِخوانِ ذي أَنَفٍ | أكفيه أثقاله طوراً ويكفينى ؟ |
لا يلتقى بى َ إلاّ عند نائبة ٍ | يُعينُ فيها ومكروهٍ يُعنِّيني |
فهو المُؤاتي، ولكنْ في مُذَمَّمَة ٍ | يثنى على َّ "ونردى " لا يؤاتينى |
خذْ كيف شءتَ فما الدّنيا بخالدة ٍ | ولا البقاءُ على خلقٍ بمضمونِ |
خلقتَ من طينة ٍ لمّا خلقتَ فلمْ | تربأ بنفسكَ أنْ تهدى إلى الطّينِ ؟ |
إلى التّراب يصير النّاسُ كلّهمُ | مِن مُفْهَقٍ بالغِنى كفّاً ومِسْكينِ |
مبدّلين بتربٍ عن ملابسهمْ | |
يغنى مويلك مفنى مالِ قارونِ | |
إذا بدا لك طوداً لاح فى بينِ ؟ | |
وأين عالٍ على غمدانَ محتقراً | من كِبْرياءٍ به، غُرَّ العَثانينِ؟ |
وأينَ مَن حلَّ في خَفّانَ مُحْتَكِماً | على الملوكِ مُحَيّاً بالرَّياحين؟ |
كأنّهمْ ساكنى غبر القبورِ لهمْ | لم يسكنوا بيننا غُبْرَ البساتين |
بادوا فلا أثَرٌ منهمْ ولاخبرٌ | إلاّ أساطيرُ تقريظٍ وتأبينِ |
يا ليتَ شعرى َ أى ُّ الأرض تنبتُ لى ؟ | وأى ُّ تربٍ من البوغاءِ يعلونى ؟ |
وأى ُّ وقتٍ من الأوقاتِ أكرههُ؟ | أجيبُ فيه حمامى إذْ ينادينى |
إنْ كنتُ لم أعْيَ من خَطْبٍ رُميتُ به | فإِنَّ خَطْبَ صُروفِ الدَّهرِ يُعْييني |