أجدك ما ينفك يسري لزينبا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أجِدَّكَ مَا يَنْفَكُّ يَسرِي لزَيْنَبَا | خَيَالٌ، إذا آبَ الظّلامُ تأوّبَا |
سرَى من أعالي الشّامِ يَجْلُبُه الكَرَى، | هُبُوبَ نَسيمِ الرّوْضِ تَجلُبُه الصَّبَا |
وَمَا زَارَني، إلاّ وَلِهْتُ صَبَابَةً | إلَيْهِ، وإلاّ قُلْتُ: أهْلاً وَمَرْحَبَا |
وَلَيْلَتَنَا بالجِزْعِ بَاتَ مُساعفاً، | يُرِيني أنَاةَ الخَطْوِ، ناعمَةَ الصِّبَا |
أضَرّتْ بضَوْءِ البَدرِ، والبَدْرُ طالعٌ، | وَقَامَتْ مَقَامَ البَدْرِ لَمّا تَغَيّبَا |
وَلَوْ كَانَ حَقّاً ما أتَتهُ لأطْفَأتْ | غَليلاً، ولافتَكّتْ أسيراً مُعَذَّبا |
عَلمْتُكِ إنْ مَنّيتِ مَنّيتِ مَوْعداً | جَهَاماً، وإنْ أبْرَقْتِ أبْرَقْتِ خُلَّبَا |
وَكنتُ أرَى أنّ الصّدُودَ الذي مضَى | دَلالٌ، فَما إنْ كَانَ إلاّ تَجَنُّبا |
فَوَا أسَفي حَتّامَ أسْألُ مَانِعاً، | وآمَنُ خَوّاناً، وأُعْتِبُ مُذْنبَا |
سأتني فُؤَادي عَنكِ، أو أتبَعُ الهَوَى | إلَيكِ، إنِ استَعصَى فُؤاديَ أوْ أبَى |
أقُولُ لرَكْبٍ مُعْتَفينَ: تَدَرّعُوا | على عَجَلٍ قَطْعاً منَ اللّيلِ غَيْهَبَا |
رِدُوا نائلَ الفَتحِ بنِ خَاقَانَ إنّهُ | أعَمُّ نَدًى فيكُمْ، وأقْرَبُ مَطلَبَا |
هُوَ العَارِضُ الثَّجّاجُ، أخضَلَ جُودهُ، | وَطَارَتْ حَوَاشِي بَرْقهِ فَتَلَهّبا |
إذا ما تَلَظّى في وَغًى أصْعَقَ العِدَى، | وإنْ فَاضَ في أُكرُومَةٍ غمرَ الرُّبَا |
رَزِينٌ، إذا ما القَوْمُ خَفّتْ حُلُومُهمْ، | وَقُورٌ، إذا ما حادثُ الدّهرِ أجْلَبَا |
حَياتُكَ أنْ يَلقاكَ بالجُودِ رَاضِياً، | وَمَوْتُكَ أنْ يَلقَاكَ بالبأسِ مُغضَبَا |
حَرُونٌ، إذا عازَرْتَهُ في مُلمّةٍ، | فإْن جئْتَهُ من جانبِ الذّلّ أصْحَبَا |
فَتًى لمْ يُضَيِّعْ وَجْهَ حَزْمٍ، وَلم يبتْ | يُلاحظُ أعجازَ الأمُورِ تَعَقُّبَا |
إذا هَمّ لمْ يَقْعُدْ بهِ العَجْزُ مَقعَداً، | وإنْ كَفّ لم يَذهَبْ بهِ الخَرْقُ مذهَبا |
أُعيرَ مَوَدّاتِ الصّدُورِ، وأُعطيَتْ | يَداهُ على الأعداءِ نَصْراً مُرَهَّبَا |
وَقَيْنَاكَ صَرْفَ الدّهرِ بالأنفُسِ التي | تُبَجَّلُ، لا نَالُوكَ أُمّاً وَلاَ أَبَا |
فَلَمْ تَخلُ من فَضْلٍ يُبَلّغُكَ التي | تروم، وَمنْ رأيٍ يُرِيكَ المُغَيَّبَا |
وَمَا نَقِمَ الحُسّادُ إلاّ أصَالَةً | لَدَيْكَ، وفعْلاً أرْيحيّاً مُهَذَّبا |
وَقَدْ جَرّبُوا بالأمسِ منكَ عَزِيمَةً | فَضَلْتَ بها السّيفَ الحُسَامَ، المُجَرَّبَا |
غَداةَ لَقيتَ اللّيثَ، واللّيثُ مُخدِرٌ | يُحَدّدُ نَاباً للّقَاءِ وَمُخْلَبَا |
يُحَصّنُهُ منْ نَهْرِ نَيْزِكَ مَعْقِلٌ | مَنيعٌ، تَسَامَى غابة وَتَأشّبَا |
يَرُودُ مَغاراً بالظّواهِرِ مُكثَباً، | وَيَحْتَلُّ رَوْضاً بالأباطِحِ مُعْشِبَا |
يُلاعِبُ فيهِ أُقْحُواناً مُفَضَّضاً، | يَبِصُّ، وَحَوْذاناً على المَاءِ مُذْهَبَا |
إذا شاءَ غَادَى عَانَةً، أو غَدا عَلى | عَقَائِلِ سِرْبٍ، إنْ تقنّصَ رَبرَبا |
يَجُرُّ إلى أشبالِهِ كُلَّ شَارِقٍ، | عَبيطاً مُدَمًّى، أوْ رَمِيلاً مُخَضَّبَا |
وَمَنْ يَبْغِ ظُلماً في حرِيمِكَ يَنصرِفْ | إلى تَلَفٍ، أو يتنَ خَزْيانَ، أخْيَبَا |
شَهدْتُ لقَدْ أنْصَفْتَهُ يَوْمَ تَنبَرِي | لهُ مُصْلِتاً عَضْباً من البِيضِ، مِقضَبَا |
فلَمْ أرَ ضِرْغَامَينِ أصْدَقَ منكُمَا | عرَاكاً إذا الهَيّابَةُ النّكسُ كَذّبَا |
هِزَبْرٌ مَشَى يَبغي هِزَبْراً، وأغلَبٌ | منَ القَوْمِ يَغشَى بَاسلَ الوَجهِ أغلَبَا |
أدِلَّ بِشَغْبٍ ثُمّ هَالَتْهُ صَوْلَةٌ، | رَآكَ لها أمضَى جَناناً، وأشغَبَا |
فأحجَمَ لَمّا لَمْ يَجدْ فيكَ مَطمَعاً، | وأقدَمَ لَمّا لمْ يجدْ عَنكَ مَهرَبَا |
فَلَمْ يُغْنِهِ أنْ كَرّ نَحوَكَ مُقبلاً، | وَلمْ يُنجِهِ أنْ حَادَ عَنكَ مُنَكِّبَا |
حمَلتَ عَليهِ السّيفَ لا عَزْمُكَ انثنى، | وَلاَ يَدُكَ ارتَدّتْ، ولا حَدُّهُ نَبَا |
وكنتَ متى تَجمَعْ يَمِينَكَ تَهتِكِ الـ | ـضّرِيبَةَ، أوْ لا تُبقِ للسّيفِ مَضرِبا |
ألَنْتَ ليَ الأيّامَ من بَعدِ قَسوَةٍ، | وَعَاتَبتَ لي دَهرِي المُسِيءَ فأعْتَبَا |
وألْبَستَني النُّعمَى التي غَيّرَتْ أخي | عَليّ، فأضحى نازِحَ الودِ، أجنَبَا |
فَلا فُزْتُ منْ مَرّ اللّيَالي بَرَاحَةٍ، | إذا أنَا لم أُصْبحْ بشُكرِكَ مُتْعَبَا |
عَلَى أنّ أفْوَافَ القَوَافي ضَوَامِنٌ | لشكرِكَ ما أبدَى دُجَى اللّيلِ كَوْكَبا |
ثَنَاءٌ تَقَصّى الأرْضَ نَجداً وغائراً، | وَسَارَتْ بهِ الرُّكبانُ شَرْقاً وَمَغرِبا |