إطوياني ملامة وانشراني
مدة
قراءة القصيدة :
6 دقائق
.
إطوياني ملامة وانشراني | بلغ الوجدُ حيث لا تبلغاني |
قد عناني جويً يطول وفيه | يقصر اللومُ عن مردّ عناني |
كيف عيني لم تغدُ بيضاء حزناً | وهي قد أصبحت بلا إنسان؟ |
إنَّ صوت النعيِّ مذ خاض سمعي | خلته في حشاي غربَ سنان |
وعضضت البنانَ غيظاً ولكن | لا يفيد المكلوم عضُّ البنان |
فاعذراني إذا ربطتُ فؤادي | بيدي وانطويتُ ممّا دهاني |
إنَّ قلبي من دهشتي طار رعباً | فغدا وهو دائم الخفقان |
كفكفا عن حشاي غرب ملامي | من جراح الجوى بها ما كفاني |
أين منّي صبري لأرضى فأسلو | صبري اليوم والرضا ميّتان |
أنا يا لائميّ أدرى بطبّي | فاعذلاني ما عشتُ أو فاعذراني |
سليّاني بردً روحي وإلا | فبماذا عنه إذاً سلواني |
قرّباه فوق الثرى اليوم منّي | أو فمنه تحت الثرى قرَّباني |
واقبراه إذاً بقلبي وإلا | فخذاه بقبره واقبراني |
وإلى جنب مهجتي وسّداه | أو إلى جنب جسمه وسّداني |
فحياتي وموته رزآن | لم أقدّرْ عليَّ يجتمعان |
بل تخيلتُ أن يعيش وأفنى | أو سواءً تضمُّنا حفرتان |
لم أفارقه أجنبياً ولكنْ | هو روحي وفارقت جثماني |
قد نشرنا ما بيننا الودَّ دهراً | فطواه الردى وليت طواني |
غمّضا ناظري ما عشتُ غيظاً | فعلى مَن بعد "الرضا" تفتحان |
وزفيري ثقّف حنايا ضلوعي | فعلى ودِّ مَن تبين حواني |
وخطوب الزمان دونك شخصي | فلك اليوم قد كشفتُ عياني |
نزعت عنّي الحوادث درعى | فبمن أبَّقى شبا الحدثان |
فلكم قد لويت دهري وهذا | دهري اليوم كيف شاء لواني |
لك أسمحتُ يا خطوب الزمان | ذهبتْ نخوتي فهاك عناني |
قد أبانت حشاي فاستهدفيها | نكبة طوّحت ضحى ً بأبان |
راصدتني من حيث لست أراها | أعين النائبات وهي تراني |
فرمتني من حيث لا أتّقيها | بسهام الهموم والأحزان |
فأنا اليوم يا نوائبُ كلّي | مقتلٌ بارزٌ لمن قد رماني |
كنت قدماً أذودُ نبلك عنّي | ببناني فأين منّي بناني؟ |
قد نعاه الناعي إليَّ أيدري | لا درى أنه إلى َّ نعاني؟ |
فحسبت الفؤاد منّي أضحى | بين نابي ذي سورة ٍ افعوان |
لهف نفسي على صريع حمامٍ | ليس لي عنه بالدفاع يدان |
ودَّت المكرمات لو أنَّ منها | غسلته بدمعها العينان |
ومسجّى ً بنعشه في حبيرِ | هو والجودُ فيه ملتحفان |
حملوه وخلفه كلُّ عافٍ | بدماه عيناه فائرتان |
قائلاً: أيكة الرجاء اظمأي اليو | م وعودي مصفرَّة العيدان |
مصَّ منك الصعيدُ ماء سماحٍ | كنت فيه ريانة الأغصان |
عجباً خفَ نعشه وهو قد سار | ر بثقل المعروف والإحسان |
بل أراه ما خفَّ إذ سار لكن | حملته ملائكُ الرحمان |
شيَّعته الأنامُ بالأحزان | والتقته بالبشر حورُ الجنان |
هل كذا جلّ نعشُ ميتٍ سواه | أختلطا عند نعشه العالمان |
وعليه قد ودَّت الأرضُ يبقى | ويرى كلَ مَن عليها فان |
فاحملاني إلى ثراه أحملاني | وقفا بي عليه وقفة عان |
ودعاني خلف الصعيد أناديه | نداء المروَّع اللهفان |
يا فقيداً فقدتُ منه غماماً | كلما قلت قد ظمئت سقاني |
ودفيناً دفنتُ منه حساما | كنت أعددته لحرب الزمان |
أغمدتْه في الترب كفِّي فشلَّت | فات نصري وابتُ بالخذلان |
شغلت منطقي عليه المراثي | وخلا من هوى سواه جناني |
يا تراني أثني على مَن بمدحٍ | وهوى من أحبُّه يا تراني |
مات محي الثنا ولولا أبوه | قلت في لحده دفنت لساني |
ذاك منه صفاته الغرِّ جاءت | في مزايا علاه طبق المعاني |
صالح الفعل راجحُ الفضل غوث الـ | ـمستغيثين غيثُ أهل الأماني |
ورعٌ ناسكٌ تفرّغ لله | بقلبٍ من خوفه ملآن |
جامعٌ قسوة الحميَّة للدين | انتصاراً ورقّة الإيمان |
وبعزِّ الملوك يصبح مرهو | باً ويمسي بذلَّة الرهبان |
صدق المدحُ في علاه فقل ما | شئت في مجده العظيم الشان |
هو في الخير من قديم الليالي | خيرُ من قد مشت به قدمان |
أثقلت كاهل الزمان أياديه | فأمسى عياله الثقلان |
وعلى الأرض كلها من نداه | أثرٌ طيبٌ بكل مكان |
قد بنى للقرى على الكرخ بيتاً | والتقى اسُّ ذلك البنيان |
شارعَ الباب تلتقي طرقُ الأر | ض جميعاً لديه بالضيفان |
رافعاً تحت ظلمة الليل للسا | رين فيه ذوائبَ النيران |
كرماً قد أعدَّ للضيف فيه | عدد الطارقين غرَّ الجفان |
مكرماتٌ ترى رضيع سماحٍ | عندها الدهرَ لا رضيع لبان |
شكرُها أعجز الأنام فأنّي | قابلتها الأيامُ بالكفران؟ |
قلتُ للبحر هل تساويه يوماً | قال كلا: لا يستوي البحران |
وسألتُ الحيا أتحكيهُ جوداً | قال: أين الباكي من الجذلان؟ |
ليس يحكيه في سماحة كفٍ | غيرُ من قد حكاه عزَّة شان |
ذاك «عبد الكريم» من قد تسامى | شرفاً حطَّ دونه النَّيران |
فهما فرقدا علاءٍ ومجدٍ | وهما ديمتا ندى ً وامتنان |
كلما عنّ مفخرٌ يوم سبقٍ | فيه تلقاهما شريكي عنان |
ولدا فتية ً هُم شهبُ الفخر | وإلا جداولُ الإحسان |
متساوين في المكارم قد فا | قوا بفضل النهى على الفتيان |
ينشر الحيُّ من طوى الموت منهم | ويعيد الباقي حياة الفاني |
ما فقدت «الرضا» وذلك باقٍ | «مصطفى » الجود يا ركاب الأماني |
فرديه خفائفاً تصدرى منه | ثقال الخطى على الركبان |
هو صبحُ الأيام سعد الليالي | بهجة الدهر نور عين الزمان |
تتلقاه من شذا حسبيه | عطرَ الجيب طيّب الأردان |
ومن البشر في محيّاه بدرٌ | وبكفيه للندى «جعفران» |
والأغرُّ "الهادي" إذا حار وفدٌ | فسناه دلالة الحيران |
هو طلقُ العنان في الجود طلق الـ | ـوجه طلق اليدين طلق اللسان |
ومزاياه في سما المجد شهبٌ | وهو فيها وصنوه القمران |
و"أمين التقى وهل ضمّ مثلاً | لأمين في عصرنا المشرقان؟ |
طاهر النفس طاهر الجيب والأبـ | ـراد عفٌّ في السر والإعلان |
أبداً في تقاه لم تتغبَّر | بغبار الآثام منه اليدان |
وهو في صدق لهجة ٍ «كأبي ذرٍ» | وتقوى ً تحكى تقى "سلمان" |
والمرجّى «محمدٌ حسنُ» الطلـ | ـعة ينضو اللثام عن كيوان |
مخبراتٌ مخايل الفضل فيه | أن سيسموا فخراً على الأقران |
يا «أبا المصطفى » وحلمك أرسى | في لقاء الخطوب من ثهلان |
لك نفسٌ قدسية الذات فيها | حزتَ أعلى مراتب العرفان |
وصف الله أن قلبك للتقـ | ـوى مشيراً بآية الامتحان |
وأرى الصابرين في عصرنا أنت | عناك الإلهُ في القرآن |
حيث لو قيل عددّوهم عددنا | ك ونعيا عن أن نجيء بثاني |
هو جمعٌ اُريد بالذكر منه | واحدٌ وهو أنت عند البيان |
فرِّغ القلب من جوى الثكل يا من | هو في الفضل ملءُ عين الزمان |