ومجدِكَ ما خلتُ الردى منك يقربُ
مدة
قراءة القصيدة :
8 دقائق
.
ومجدِكَ ما خلتُ الردى منك يقربُ | لأنكَ في صدر الردى منه أهيب |
أصابكَ، لا من حيث تخشى سهامه | عليك، ولا من حيث يقوى فيشغب |
ولكن رمى من غرَّة ٍ ما أصابها | بمثلك رامٍ منه يرمي فيعطب |
وما خلتُ منك الداءَ يبلغ ما أرى | لأنك للدهر الدواءُ المجرَّب |
ولا في فراش السقم قدَّرتُ أنني | أرى منك طوداً بالأكفِّ يقلَب |
أمنتُ عليك النائبات، وأنها | لعن كلّ من آمنته تتنكَّب |
وقلت شغلن الدهرَ في كل لحظة ٍ | مواهبُ كفَّيك التي ليس توهب |
ولم أدر أن الخطب يجمع وثبة | وأن عشار الموت بالثكل مقرب |
إلى حين أردتني بفقدك ليلة ٌ | تولَّد منها يومُ حزنٍ عصبصب |
فقام بك الناعي وقال وللأسى | بكل حشاً يدميه ظفرٌ ومخلب |
هلمَّ بني الدنيا جميعاً إلى التي | تزلزل منها اليوم شرقٌ ومغرب |
شكاة ٌ، ولكن في حشا المجد داؤها | وندبٌ ولكن هاشمٌ فيه تندب |
صهٍ أيها الناعي فنعيك يعطب | عضضت الصفا لا بل حشا فاك إثلب |
لسانك يا جفَّت لهاتُكَ أو غدت | بريقِ الأفاعي لا بريقكِ ترطب |
رويدك رفَّه عن حشاشة أنفسٍ | هفت جزعاً عما تعمَّى وتعرب |
فدع صالحاً لي وانع من شئت إنها | ستذهب أحشاء الهدى حين يذهب |
فليتك لي في نعيك الناس كلها | صدقت وفي فردٍ هو الناس تكذب |
وداعٍ دعا والرشد يقبر والهدى | يسوف ثرى واراه والوحيُ ينحب |
ألا تلكم الأملاكُ شعثاً تزاحموا | على من؟ فهل منهم توارى مقرَّب؟ |
أمستعظمَ الأملاك لا بل هو الذي | إلى الله فيه كلُهم يتقرَّب |
لقد رفعوا منه مناكبَ لم يكن | لينهضَ، لولا الله، فيهن منكب |
مناكبَ من جسم النبوَّة حمّلت | إمامة حقٍّ فضلها ليس يحسب |
لقد دفنوا في دفنها العلمَ ميّتاً | وحسبُكَ نارٌ في الجوانح تلهب |
ويا رافديَّ اليوم قوماً على ثرى ً | توارى به ذاك الأغرُّ المهذَّب |
قفا عزياً المهديَّ بابنٍ هو الأبُ | لذي الدين، فالدين اليتيم المترَّب |
سلا كثبَ ذاك القبر يندي صعيدُه | بريٍّ بني الآمال هل راح ينضب؟ |
وهل روِّضت خصباً بكفٍ عهدتُها | تنوب منابَ الغيث والعامُ مجدب؟ |
وهل زال من ذاك المحيّا وضاؤه | فقد راح وجه الدهر للحشر يشحب؟ |
ضعى هاشمٌ سرجَ العلى وترجَّلى | فما لكِ في ظهر من العزّ مركب |
ودونك تقليب الأكفّ تعللاً | فقد فات منك المشرفيُّ المذرَّب |
ويا ناهبى دمعي اعذراني على البكا | فما الناسُ إلا عاذلٌ ومؤنب |
قفا واندبا أو خليّاني ووقفة ً | يدكّ الرواسي شجوُها حين أندب |
أجامعَ شمل الدين شعّب صدعُه | ليومك صدغٌ في الهدى ليس يشعب |
وأعجب شيءٍ أن نعشك في السما | ومنك توارى في ثرى الأرض كوكب |
رمتك بها أيدي المقادير علّة ً | عييتَ بها ما طبَّها متطبِّب |
رجونا وقد أكدى "الرجاء المخيب" | نهنِّيك منها بالشفاء ونطرب |
ونجلسُ زهواً مستعدِّين للهنا | بنادٍ به الأمثالُ في الفخر تضرب |
بحيث قلوبُ الناس، هذا منعمٌ | سروراً بإنشادي، وهذا معذَّب |
بلى قد جلسنا مجلساً ودّت السما | أسرَّتُها من شهبها فيه تنصب |
كأنا تأهبنا لأوبة مقبلٍ | وكان ليأسٍ منك هذا التأهب |
وهل أملٌ في عود مَن ذهبتْ به | بقاطعة الآمال عنقاءُ مغرِب؟ |
وأقتل ما لاقيتُه فيك أنني | حضرت ومنك الشخص ناءٍ مغيَّب |
وعندي مما أسأر البين لوعٌ | تجدُّ بأحناء الضلوع وتلعب |
أقلَّب طرفي لا أرى لك طلعة ً | يضيء بها هذا النديُّ المطيَّب |
وأنصبُ سمعي لامتداحك لا أعي | به خاطباً بين السماطين يخطب |
ومما شجاني أن بدأ المجدُ ماثلاً | يصعدُّ مثلي طرفه ويصوّب |
وقال: وأرخاها جفوناً كليلة ً | برغمى خلا منك الرواقُ المحجب |
رزيتُ أخاً إن أحدث الدهر جفوة | عتبت بها فارتدَّ لي وهو معتبِ |
وددّتُ بأن تبقى ، وأن لك الردى | فداءاً بمن فوق البسيطة يذهب |
حُجَبتَ عن الدنيا، ولو تملك المنى | إذن لتمنَّت في ضريحك تُحجب |
فلا نفضت عن رأسها تربَ مأتمٍ | وخدُّك من تحت الصعيد مترْب |
ثكلتُكَ بسّامَ المحيّا طليقه | فبعدك وجهُ الدهر جهمٌ مقطّب |
أوجهُك حيا أم بنانك أرطبٌ؟ | وذكرُك ميتاً أم حنوطك أطيب؟ |
وما نزعوه عنك أم ما لبسَته | لدار البلى أنقى جيوباً وأقشب؟ |
سأبكيك دهراً بالقوافي ولم أقلْ | من اليأس وجداً ما يقول المؤنّب |
لسان القوافي باسم مَن بعد تخطبُ | فلا سمعَ بعد اليوم للمدح يطرب؟ |
مضى من له كنَّ القرائحُ برهة ً | إذا استولدتها قالة الشعر تنجب |
أجل فلها في المجد خيرُ بقيَّة ٍ | لها الفضلُ يعزى والمكارمُ تنسب |
لئن عزبت تلك الخواطر نبوة ً | فلا عن ثناهم، والخواطر تعزب |
وإن رغبت عن نظمها الشعر في الورى | فليس لها عن أهل ذا البيت مرغب |
مضى من له كانت تهذّب مدحها | وأبقى الذي في مدحه تتهذّب |
لئن أغرب المطرى بذكر محمدٍ | فما انفكَّ في كسب المحامد يغرب |
فتى ً تقف الأكفاء دون سماطه | وقوف بني الآمال ترجو وترهب |
أقلُّ علاه أنَّ أذيال فخره | لهنَّ على هام المجرّة مسحب |
زعيم قريشٍ، والزعامة فيهم | من الله في الدنيا وفي الدين منصب |
حمولاً لأعباء الرياسة ناهضاً | بأثقالها في الحق يُرضى ويغضب |
يقلِّب في النادي أناملَ سؤددٍ | مقبّلها زهوراً يتيه ويعجب |
إذا احتُلِبت يوماً أرت أضرع الحيا | على بُعد عهد بالحيا كيف تحلب |
أخفُّ من الأرواح طبعاً وإنه | لذو همة ٍ من ثقلها الدهر متعبُ |
له شيمٌ ، لو كان الدهر بعضها | لأضحى إلينا الدهرُ وهو محبَّب |
وخلْقٌ، فلولا إنَّ في الخمر سورة ٌ | لقلتُ الحميّا منه في الكأس تسكب |
لنعم زعيمُ القوم إن يثر لم يكن | ليلبسَ إلا ما الندى منه يسلب |
لنعم شريكُ السحب يبسط مثلها | بناناً به روض المكارم معشب |
تهذّبُ أخلاقَ السحاب، وإنها | متى يجنِ هذا الدهرُ نعم المؤدِّب |
ترى وفدَه منه تُطيف بمورقٍ | على جود كفيه الرجاء المشذّب |
فقد عرَّست حيث الندى ، لا سحابة | جهامٌ ولا برق المكارم خلَّب |
أبا القاسم اسمع لا وعي لك مسمعٌ | سوى مدحٍ ليست لغيرك تخطب |
تجلبت ثوب الدهر، فابقَ ومثله | لودَّي إذا أخلقتَه تتجلبب |
لئن ضاق رحب الأرض في عظم رزئكم | فصدرُك منه أي وعلياك أرحب |
وحلمُك أرسى من هضاب يلملمٍ | وعوُدك من ناب العواجم أصلب |
وما حلَّ رزءٌ عزم من شدَّ أزره | أخٌ كحسين والأخ الضرب يطلب |
فتى الحزم أما في النهى فهو واحدٌ | ولكنه في موكب الحزم موكب |
إذا القوم جدُّوا في احتيالٍ فُحوَّلٌ | وإن قلبوا ظهرَ المجنِّ فقُلَّب |
وإن غالبَ الخطبُ الورى فقريعه | أخو نجدة ٍ ما بين برديه أغلب |
فلو شحذت فهرٌ بحدّ لسانه | صوارَمها ما كلَّ منهنَّ مِضرب |
ولو تنتضي منه اللسانَ لصممّت | بأقطع من أسيافها حين تضرب |
يُصافي بأخلاقٍ يروقك أنها | هي الراحُ إلا أنها ليس تقطب |
تواضع حتّى صار يمشي على الثرى | وبيتُ علاه في السماء مطنّب |
قرى ضيفه قبل القِرى بشرُ وجهه | وقبل نزول النُزل أهلٌ ومرحب |
إذا احتلب السحب النسيمُ فكفُّه | على الوفد طبعاً جودُها يتحلَّب |
ألا مبلغٌ عنّي الغداة َ رسالة ً | للحد أبي الهادي يقول فيطنب |
أبا حسنِ إن تمسِ دارُك والسما | سمائين في أفقيهما الشهب تثقب |
فتلك السما سعدٌ ونحسٌ نجومها | على أنها بعضٌ عن البعض أجنب |
وهذي السما للسعد كلُّ نجومها | ويخلف فيها كوكباً منه كوكب |
فلو عاد للدنيا بشخصك عائدٌ | لأبصرتَ فيها ما يُسرُّ ويعجب |
فمن وجهك الهادي تروق بمنظر | لها حسنٌ والحمد بالحسن يكسب |
وأحمدُ فيها من بهائك لامعاً | لوفدك فيه عازبُ الأنس يجلب |
بكلِّ ابن مجدٍ ما نضا بردة َ الصبا | على أنه فيها لأضيافه أب |
أخو الحزم إما قتَه في لدأته | فطفلٌ، وإن مارسته فهو أشيب |
بنوكَ بنو العلياء أنجبت فيهم | لك الله هل تدري بمن أنت منجب؟ |
غطارفة ٌ لا تعقب الشمسُ مثلهم | ولو أنها في أفقها منك تعقب |
ذوو غررٍ يجلو الغياهبَ ضوؤها | وغيرهم في عين رائيه غيهب |
أأهلَ النفوس الغالبيات مولداً | لأنتم على كسب المكارم أغلب |
رقاق حواشي الطبع، طبتم شمائلاً | بها أرج من نفحة المسك أطيب |
لكم خلقا مجدٍ، فذلك للعدى | يمر، وهذا للمحبِّين يعذب |
طُبعتم سيوفاً لم يلقْ لنجادها | سوى منكب المجد المؤثل منكب |
وطنَّبتم أبياتَ فخرٍ أبي العلى | لكم عوضاً عنها النجومُ تطنَّب |
فما تلك إلا زينة لسمائها | وهذي بفرق المجد للوحي تضرب |
فدونكموها ثاكلاً قد تلسبت | ووشيُ بهاءٍ زانها ليس يسلب |
أتت لكم عذراء في ريق الصِبا | بعصرٍ سواها فيه شمطاءُ ثيّب |
فِداكم من الأرزاء حاسدُ مجدكم | وإلا ففيكم عاش وهو معذَّب |
طلعتم طلوع الشمس في مشرق العلى | فلا تغربوا ما الشمس تبدو وتغرب |