إذا عنَّ لي برقٌ يضيء على البعدِ
إذا عنَّ لي برقٌ يضيء على البعدِ | نزت كبدي من شدّة الشوقِ والوجد |
وناديتُ معتلَّ النسيمِ بلا رُشد | «نسيمَ الصَبا استنشقتُ منك شذا الندِّ |
فهل سرتَ مجتازاً على دِمنتي هند؟» | |
وهل لسليمِ الحبِّ أقبلتَ راقيا؟ | بنشرِ فتاة الحيِّ إذ كان شافيا |
فما كنت إلاّ للصبابة ِ داعيا | «فذكّرتَني نجداً وما كنتُ ناسيا |
ليالٍ سرقناها مِن الدهرِ في نجدِ" | |
نواعِمَ عيشٍ مازَجَ الأُنس زَهرها | رِطابَ أديمٍ خالطَ المسكُ نشرهَا |
رقاقَ حواشٍ قرَّب الوصلُ فجرَها | "ليالٍ قصيراتٍ، ويا ليت عُمرهَا |
يُمدُّ بعمري فهو غاية َ ما عندي" | |
رياحُ الهنا فيها تنشَّقتُ عَرفَها | وفيها مدامُ اللهوِ عاقرتُ صِرفَها |
لدى روضة ٍ لا يبلغُ العقلُ وصفَها | «بها طلعت شمسُ النهارِ فلفَّها |
ظلامانِ من ليلٍ ومن فاحمٍ جعد» | |
سوادانِ يعمى الفجرُ بينَ دُجاهما | هما اثنانِ لكن واحدٌ منتماهُما |
أتت تتخّفى خيفة ً في رداهما | «ولو لم تُغطّي خدَّها ظُلماتها |
لشُقَّ عمودُ الصبحِ من وجنة ِ الخدِّ" | |
فأبصرتُ منها إذا سهت منه غُرّة ً | محيًّا هو الشمسُ المنيرة ُ غُرّة ً |
ولاحَ لها خدٌّ، هو النورُ نُضرة ً | «قد اختلست منها عيونيَ نظرة ً |
أرتني لهيبَ النارِ في جَنَّة الخُلد» | |
تَحيَّرتُ في بدرٍ من الوجهِ زاهرِ | يلوحُ على غصنٍ من القدّ ناضرِ |
وأسيافِ لحظٍ في الجفونِ بواتر | "في وجنتيها حمرة ٌ شكَّ ناظري |
أمن دمِ قلبي لونُها أم من الورد» | |
فبالشذرِ أيدي الحُسن طرَّزن صدرها | وبالنجمِ لابالدرِّ وشحّن خصرَها |
لها مقلّة هاروتُ ينفثُ سحرَها | "وفي نحرها عقدٌ توهمت ثغرَها |
لئالئهُ نُظّمن من ذلك العِقد» | |
بنفسي هيفاءَ الوشاحِ من الدُمى | سقتني حمّيا الراح صرفاً من اللّمى |
فأمسيتُ من وصفِ المدام متيَّما | "وما كنت أدري ما المدامُ، وإنّما |
عرفتُ مذاق الراح من ريقها الشهدَ" | |
وقبلَ ارتشافُ الثغر ما لذّة ُ الهنا | وقبل سنا الخدينِ ما لامعُ السنا |
وقبل رنينِ الحُلي مارنَّة ُ الغِنا | «وقبل اهتزازِ القدِّ ما هزّة ُ القَنا |
وقبل حسام اللحظِ ما الصارمُ الهندي» | |
لها كلَّ يومٍ عَطفة ٌ ثم نَبوة ٌ | وما علقت فيها بقلبي سَلوة ٌ |
فمِن بُعدَها زادت بقلبي صبوة ٌ | "ومن قُربِها مالت برأسي نَشوة |
صحوتُ بها ياميُّ من سكرة ِ البعد» | |
ولا عجبٌ إن يشفَ في عَطفِ قلبها | سقامُ جفاها يومَ بتُّ بجنيها |
هي الداءُ طوراً والشفاءُ لصبِّها | «وإن زالَ سكرُ البعدِ من سكرُ قربِها |
فلا طب حتى يُدفعُ الضدُّ بالضدِّ» | |
فمذ كنتُ ذرًّا قد تعشّقتُ زينبا | وفي عالمِ الأصلابِ زدت تعذُّبا |
وموَّهتُ في ضربٍ من اللحنِ مطربٍ | «تعشّقتُها طِفلاً وكهلاً وأشيبا |
وهِمًّا عرته رعشة ُ الرأسِ والقدِّ» | |
أغارُ عليها أن يمرَّ بشعبها | نسيمُ الصَبا أو يكتسي طيبَ تُربها |
وأدري بحبي كيف بات بقلبها | "ولم تدرِ ليلى أنني كَلِفٌ بها |
وقلبيَ من نار الصبابة في وقدِ" | |
وأخفيتُ عن نفسي هوى سقمه شكت | ولم تدرِ أحشائي بمن نارُها ذكت |
وكفّي لأسناني لمن أسفاً نكت | "وما علمت من كتمِ حبي لمن بكت |
جفوني ولا قلبي لمن ذابَ في الوجدِ» | |
إذا ما تذاكرنا الهوى بتشبُّبٍ | أتيتُ بتشبيبٍ عن الشوقِ معربٍ |
وأدفعُ في هندٍ وميَّة عن دعدِ | |
وإن قلتُ إني واجدٌ في جآذرِ | فوجدي بريّا لا بوحشٍ نوافرِ |
وإن قلتُ أروى فالمنى أمُّ عامرِ | وإن قلتُ شوقي باللوى فبحاجر |
أو المنحنى فاعلم حننتُ إلى نجدِ | |
فيحسب طرفي في هوى تلك قد قذي | وأنَّ بهاتيك العَذارى تلذُّذي |
وفي ذكرِ أوطانٍ لها القلبُ يغتذي | "وما ولعت نفسي بشيء سوى الذي |
ذكرتُ، ولكن تعلمُ النفسُ ما قصدي» | |
وأكرمُ أربابِ الغرامِ الأُلى خلوا | أناسٌ أسرَّوا سرَّه مُذ به ابتلوا |
وقال لقومٍ للأذاعة ٍ ما قلوا | "كذا من تصدّى للهوى فليكن ولو |
تجرَّع من أحبابهِ علقمَ الصدِّ" | |
فانَّ الفتى مَن يحكم الرأي فكرهُ | ويعجزُ أربابَ البصيرة ِ سبرهُ |
وذو الحزمِ من يخفى على الناسِ أمرهُ | "وليس الفتى ذو الحزمِ من راح سرَّه |
تناقُلهُ الأفواهُ للحرِّ والعبد" | |
إذا لم يصنهُ عن خليل وحُسَّد | تحدَّثَ فيه الناسُ في كلِّ مشهد |
وغنَّت به الركبانُ في كلِّ فِدفد | «فيسري إلى القاصي كما بمحمد |
سرت بنتُ فكري بالثناءِ وبالحمد" | |
لقد جمدت دون القِريضِ القرايحُ | وماتت بموتِ الماجدين المدايُح |
فما لرتاج الشعرِ إلاّيَ فاتُح | "وما للثنا إلاّ محمَّدُ صالح |
لقد ضلَّ مهديه لغير أبي المهدي | |
ظهورُ العُلى في مثله ما استقلّتِ | له رتبة ٌ عنها الكواكبَ خُطّت |
فتى ً إن يرم إدراكه العقلُ يَبهتِ | "همامٌإلى العلياءِ حدّة فكرتي |
بعثتُ فلم تُبصِر لعلياهُ مِن حدّ» | |
مليكٌ عليه طائرُ الوهمِ لم يحمُّ | وكلُّ ابنِ مجدٍ شأوَ علياهُ لم يَرمُ |
تحدَّر من أصلابِ فخرٍ غدت عُقم | «وعن مثله أمُّ المكارمِ لم تقُم |
فأَبّى ترى ندَّا لجوهرهِ الفَردِ" | |
لهُ خلقٌ ما شابَ سلساله القذا | ولا هو في غيرِ الفخارِ تلذَّذا |
وغيرَ العُلى منذُ الولادة ِ ما اغتذى | "ترَّبى بحجرِ المجدِ طفلاً وقبلُ ذا |
براهُ إلهُ العرشِ من عنصرِ المجدِ" | |
فعلَّمَ صوبَ الغيثِ أن يتهلَّلا | ووازنَ منه الحلمُ رضوى ويذبلا |
وفات جميعَ السابقين إلى العُلى | «ترقّى النهى قبل الفِطامِ به إلى |
نهاية إدراك الأنامِ من الرشدِ" | |
تجمَّع شملُ الزهدِ لمَّا تشتَتَا | وعاشَ التقى من بعدِ ما كان ميّتا |
بذي نُسِكٍ ما زال للهِ مُخبتا | «ومعتصمٍ ممّا يُشانُ به الفتى |
بعفّة نفسٍ تِربِهِ وهو في المهد" | |
فلا غروَ إن عمَّت نوافلهُ الملا | وطبقَّن ظهرَ الأرضِ سهلاً وأجبلا |
وفاتَ الورى فخراً ومجداً مؤثّلا | "فذا واحدُ الدنيا انطوى بردُه على |
جميعِ بني الدنيا فبورُكَ من بُردِ" | |
عليه العُلا قد دار إذ هو قطبُه | وفي فخرهِ من دهرِه ضاقَ رحبهُ |
وبيتُ علاهُ سامَت الشُهب كثبُه | «رفيعُ مقامٍ أين ما حلَّ تُربُه |
من الشهبِ تمسي تِربَها أنجمُ السعد" | |
عظيمُ محلٍّ كان للفضلِ جوهرا | له رتبة ٌ طالت على الشمِّ مفخرا |
لتأنف أن يستام عزَّة َ نخوتي | "على شرفاتِ المجدِ مغناهُ والورى |
بحصبائه، لا بالكواكب، تستهدي" | |
إذا هو بالايحاش بدَّلَ أُنسَه | تبيتُ صروفُ الدهرِ تُنكر مسَّه |
همامٌ عليهِ يَحسِدُ الغدُ أمسَه | «تراه، ولو قد كان يخفض نفسَه |
لآملهِ عِطفاً ويبسمُ للوفدِ" | |
رفيعاً بحيثُ النجمُ لم يكُ ممسكا | بأَذيالهِ والفكرُ لم ير مَسلَكا |
ثبيراً على جنبِ الوثير قد اتكا | |
ودون لقاه هيبة ُ الأسد الورَدِ | |
أعزُّ الورى نفساً وأزكى نجابة ً | وأسبقُ في الآراءِ منهم إصابة ً |
وأبلَغُهم وسط النديِّ خِطابة ً | "له الفصحاءُ المفلقونَ مهابة ً |
إذا سُئِلوا لا يستطيعونَ للردِّ" | |
عليمٌ له نفسٌ عنِ الله لم تمل | ومن ذكرِ ما لم يرضِه لم يزَل وَجِل |
ومنه وعنه العلمُ بين الورى نُقِل | "لقد ضاقَ صدر الدهر من بعض بثَّه الـ |
ـعلومَ، وما يخفيه أضعافُ ما يبدي" | |
وعمياءَ سُدَّت عن ذوي الرشدُ سُبُلها | تساوى بها علمُ الأنامِ وجهُلها |
جلاها فتى ً تدري العلومُ وأهلُها | «إذا انعقدت عوصاء أُشكلَ حلُّها |
فليس لها إلاّهُ للحلِّ والعقد" | |
وغامضة ٍ فهمُ الورى دونها انقطع | وليس لهم في حلِّ معقودِها طمع |
إذا أعوصت في كشفِ غامضها صَدع | «فيوضحها بعد الغموضِ ولم يَدع |
لمعترضٍ بابا لها غير مُنسدّ» | |
وكانت متى فاهت ذوو الحزم تخزِهم | فيرضوا بذلِّ العجزِ من بعدِ عزِّهم |
وحتى تحاماها الفحولُ برمزِهم | وعنه أرَّم الناطقونَ لعجزِهم |
ومذوُده فى القولِ منشحذُ الحدِّ» | |
تراه به عضبَ المضاربِ مُرهفا | إذا هو أمضى الحكمَ لن يتوقفا |
فيمسي عليه طالبوا العلم عُكَّفا | "فيلقي إلى أذهانِها علمَ ما اختفى |
ويُفرغ فى آذانها لؤلؤَ العِقد» | |
ومن كلِّ طخياءٍ جلا كلَّ غبرة ٍ | بايضاحِ قولٍ عن لسانٍ كزبرُة ٍ |
ولم يكُ إلاّهُ بحدّة ِ فكرة ٍ | «رشيدٌ بعينِ الحزمِ أوَّل نظرة ٍ |
يرى ما به ضلَّت عقولُ ذوي الرُّشد" | |
تُرُّد أُمورُ الناس في كلِّ مشكلٍ | إلى قُلَّبٍ، إن أشكل الرأى ، حُوَّلِ |
ومن كلّ أمرٍ فاتحٌ كلَّ مُقفَلِ | «يُسدِّد سهمَ الرأى في كلِّ معضل |
إذا طاشت الآراءُ فيه عن القصد» | |
فتى ً معه المعروفُ يرحل رَحَل | وتنزل آمالُ الورى حيثما نزل |
ببُرد التقى فوق العفاف قد اشتَمل | "ترى نفَسه من حبها الله لم تزل |
بطاعَته لله في غاية ِ الجهدِ» | |
حليفُ التقى ما انفكَّ لله شاكرا | وللنومِ، من حبِّ العبادة ِ، هاجرا |
وفي وِردِه ما زال لليل عامرا | "يقوم إلى ما كان نَدباً مبادرا |
مبادرة َ الهيمِ العطاشِ إلى الوِرد» | |
فيجلو ظلامَ الليلِ منه إذا سجى | بغرّة ِ وجهٍ كالصباح تبلَّجا |
وعن قلبِ مسجور الحشى يظهر الشجا | "وفي عين عاضٍ نادمٍ يسهرُ الدجا |
وما همَّ بالعصيانِ للواحدِ الفردِ" | |
فكم شادَ بالتقوى بيوتَ هدى ً دُرس | وقام بعينٍ جفنَها النوم لم يُدس |
بأورادهِ يقضي دجا الليلِ في أُنس | «فيقصرَ عن أورادهِ ولو أنه اسـ |
ـتدام بجنحٍ سرمد الدهر مسوَّد" | |
إذا لم يُفض يوماً على الدهرِ عفوهَ | أتاه منيباً يقبضُ الخوفُ خُطوه |
ونادى بصوتٍ ليس يُرفعُ نحوَه | «فيا سابقاً لم يدرِكِ العقلُ شأوَه |
ولا تهتدي الأوهامُة منه إلى قصد" | |
ألا اسقِ رياضي، أنها اصفرَّ زهرُها | وضوء لياليَّ التي حُلن غرُّها |
أَنر وجه أيامي التي اسودَّ فجرُّها | «فشمس بني العلياءِ أنت وبدرها |
أخوك ربيعَ الخلقِ في الزمنِ الصلد" | |
ونفسكما من كلِّ إثمٍ تقدَّست | وداركما قدماً على الجودِ أُسّست |
وجودكما بالنورِ نته الربا اكتست | "وحلمُكما منه الجبالُ لقد رست |
ويُطبَعُ من عزميكما الصارمُ الهندي» | |
وإنكما عِقدانِ للفضل حليّا | وبدرانِ في أُفقِ المعالي تجلَّيا |
وصقران في جوِّ المكارمِ جليَّا | "وغيثا عطاءٍ أنتُما يفضحُ الحيا |
فيعولُ إعلاناً من الغيظِ بالرعدِ" | |
ضلالٌ لذي قصدٍ لغيرِ كما رحل | وأمسي له في غير جودِكما أمل |
ألم يدرِ مذ جودُ الكرام قد اضمحل | بقيّة جودٍ للورى ذَخرُ وكما الـ |
ـكرامُ لمن مِن بعدِهم جاءَ يستجدي | |
وأبقوكما في الأرضِ للخلقِ مقصدا | ليمسي عَلاهم فيكما مُتجدِّدا |
ويبقى نَداهم في الزمانِ مخلّدا | لعلمِهمُ في موتِهم يُدجُ الندى |
بأكفانِهم ميتاً ويدفَن في اللحد | |
كأَنَّ الورى كانوا بنيهم وأنتما | أقاموكما فيهمِ كفيلاً وقيِّما |
ومِن بعدِهم في ذلك العبء قِمتُما | فأحييتما ميتَ الندى فكأَنّما |
همُ بكما رُدُّوا إلى الجودِ والمجد | |
توارثتُما منهم سماءَ مفاخرٍ | وزينتمُوها في نجومٍ زواهرٍ |
وقد حزتما ما أحرزا من ذخائرٍ | وأحرزتما ما خلّفوا من مآثرٍ |
ولم تدعا شيئاً من الحسبِ العدِّ | |
كرامٌ على كلِّ الأَنام لهم يدُ | وبيتٌ علاهم في الزمانِ مُشيَّدُ |
وليس عليهم زادَ في الفضلِ سيّدُ | لئن زادَ في معنى طريفٍ محمّدُ |
عليهم فذا فرعٌ لمجدِهم التَلد | |
وإن هم ببطنِ الأرضِ من قبلُ أضمروا | فإنَّ لعلياهُم معاليه مظهرُ |
وطيُّ مساعيهم به عادَ يُنشرُ | وإن دُرِجوا موتى بعلياه عُمّروا |
بعمرٍ لأقصى غاية ِ الدهرِ ممتدِّ | |
فمن جوهرِ العلياءِ كانوا فِرندَه | وأوَّل من أورى من الجودِ زندَه |
درى الحيِّ فيهم والذي حلَّ لحده | هم شَرَعوا للجودِ في الناسِ نجدَه |
ولولاهم ما كانَ للجودِ من نجدِ | |
فهل لسواها الزاخراتُ قد اعتزت؟ | وهل غيرُها سحبٌ إذا السحبُ أعوزت؟ |
لقد أحرزت بالوفرِ حمداً فبرَّزت | ولو لم تحز بالوفر حمداً لأَحرزت |
حسانُ سجاياها لها أوفرَ الحمد | |
إذا في الشتاءِ الشولِ غبراءُ رُوَّحت | ومصّ الثرى ماءَ الرياضِ فصوَّحت |
فاّنهما فيها سيولٌ تبَّطحت | أناسٌ يرى في الكرخِ مَن فيه طوَّحت |
إليهم بناتُ الشدقميّاتِ من بُعدِ | |
سنا نارِهم قد صيَّروه نُعوتَهم | لمسترشدِ الظلماءِ كي لا يفوتَهم |
ويُبصر مَن وافى لكي يستبيتهم | |
لكعبة ِ جدواهم لمن أَمَّها تهدي | |
لهم أوجهٌ يستصبِحونَ بها الملا | كأنَّ بدورَ التمِّ منهنَّ تُجتَلى |
فلو قابلوا فيها دُجى الليلِ لانجلى | ولو وزنت فيهم شيوخُ بني العُلى |
لما عدلوا طفلاً لهم كان في المهدِ | |
فطفلِهمُ حذَو المُسنِّ قد احتذى | وعزّتُهم أضحت لعينِ العِدا قَذا |
وكلٌّ مِن الحسّادِ فيها تعوَّذا | وكلاًّ إذا أبصرتَ منهم تقولُ: ذا |
محمّدُ فيه شارة ُ الأبِ والجدِّ | |
رفيع عُلى ً لا يطلعُ الفكرُ نجدَه | حليفُ تقى ً لا يعلقُ الأثمُ بُردَه |
أخو الحزمِ ما حلَّت يدُ الدهرِ عقدِه | إذا انعقدَ النادي تراهُ ووِلدَه |
لناديه عِقداُ وهو واسطة ُ العقدِ | |
كأَنَّ عُقاباً فيه بين قشاعمٍ | وليثَ عرينٍ فيه بين ضراغمٍ |
وصلَّ صَفاة ٍ فيه بين أراقمٍ | على أنهم فيه نجومُ مكارمٍ |
تحفُّ ببدرِ المجدِ في مطلع السعدِ | |
بروقُ عُلاهم من سناها تكشَّفت | وكفُّهم للوفدِ من سيبهِ كَفت |
وفي رحمة ٍ منه عليهم تَعطّفت | وأخلاقهمُ من حسنِ أخلاقهِ صفت |
ومنها اكتسى لطفاً نسيمُ صبا نجدِ | |
فلو نَفحت ميتاً لأحيته حقبة ً | ولو كنَّ في المسبوبِ لم يرَ سبَّة ً |
ولو كنَّ في المكروبِ لم يرَ كربة ً | ولو ذاقها الأعداءُ كانوا أحبَّة ً |
لنوعينِ فيها من رحيقٍ ومن شهدِ | |
وجوُدُهم في المحل من جودِ كفِّه | وإن شمخت آنافُهم فبأنِفه |
وَعرفُ عُلاهم فاحَ من طيب عرِفه | تضوَّع من أعطافِهم ما بعطفِه |
لطائمَ فخرٍ ينتسبن إلى المجدِ | |
أعزُّ بني الدنيا وأطيبُ عنصرا | لهم عاد عودُ الفضلِ فينانَ مُثمرا |
وفيهم غدا صبحُ المكارمِ مُسفِرا | "سلالة ُ مجدٍ هم مصابيحُ في الورى |
بكلٍّ إذا استهدت فذاك هو «المهدي» | |
له راحة ٌ للوفدِ تبسطُ أنملا | |
فتى ً مذ نشا تَدري جميعُ بني العُلى | «له مفخرٌ لو بعضَه اقتسمَ الملا |
لزادَ، وما قد زادَ جلَّ عن العدِّ" | |
وسادوا بما حارَ النُهى في عجيبه | وبدرُ السمَا استغنى بهم عن مَغيبه |
فأمسوا وكلٌّ مشرقٌ في غروبه | "وأصبح كلٌّ سامياً في نصيبه |
وشأوٌ ذوو العلياءِ لا يعلقونَه | وكنهٌ ذوو الأفهامِ لا يُدركونه |
وقدرٌ يغضُّ الدهرُ عنه جُفونَه | «وعزٌّ أكفُّ الدهر تُحسَمُ دونه |
فيرنوا إليه الدهرُ في مُقلٍ رمد" | |
وحلمٌ يُراديه الزمانُ بخطبِه | فيُلفيه أرسى من أبانٍ وهضبِه |
وفهمٌ لسقمِ الجهل شافٍ بطبّه | "ورأيٌ يرى ما غابَ من خلف حجبه |
كأَن بابُه عن رأيه غيرُ مُنسدِّ" | |
يَبيتُ على حفظِ العُلى غيَرها جد | ويبذلُ فيها من طريفٍ وتالد |
وتبصرُ منه عينُ كلِّ مُشاهد | «فتى ً قد رقى العليا بهمَّة ِ ماجد |
له أحرزت شأوَ العُلى وهو في المهد» | |
ومن ساعة ِ الميلادِ في حبِّها صبا | وكانت له أُمّاً وكان لها أبا |
فإن تعتجب مِن ذا تَجد منه أعجبا | «إذا ما تراءى محتبٍ شُكَّ في الحُبا |
على رجلٍ معقودة أو على أُحد" | |
فإن قلتَ: هذا مرهفٌ كان أرهفا | وأخلاقهُ: هنَّ الصبا كنَّ ألطفا |
وإن قلت: ذا ماءُ السما لستَ منصفا | «لعمرك ما ماءُ السماءِ وإن صفا |
بأَطيبَ ممّا منه قد ضمَّ في البُرد» | |
وَهوبٌ لو انَّ البحرَ في كفِّه فُني | وآملُه عن صيّبِ المزنِ قد غُني |
حميدَ سجاياً للمكارمِ يقتني | "فريدة ُ هذا الدهر لو لم نجد بني |
أبيه تعالى عن شبيهٍ وعن ندِّ» | |
كرامٌ بهم ربعُ المكارمِ رُوّضا | وصبحُ العلى من نورِهم عادَ أبيضا |
همُ في علاهم خيرُ من ضمَّه الفَضا | "فروُعُ على ً منها محمدُ الرضا |
مزايا علاه ليسَ تُحصرُ بالعدِّ " | |
سحابٌ على الوُفّادِ نائلهُ مُطِل | وسحبانُ يمشي في فصاحتِه ثَمِل |
فإن تُقصرَن في مدح علياهُ أو تُطِل | "فلا أحنفٌ يحكيه بالحلم لا وبالـ |
ـفصاحة قسّ بل ولا معن في الرفد" | |
وأسُّ العُلى مذ كان تربٌ لأُسّه | |
وإن يومُه أثنى عليهِ كأَمسه | «فهمّتهُ في الجودِ طبقٌ لنفسه |
ومذودُه والحزمُ سيّانِ في الحدِّ» | |
فلا وفدَ غيثُ جدواهُ عَمَّهُ | وشابَهَ في الجدوى أباهُ وعمَّه |
ومذ بَشَّرت فيه القوابلُ أُمَّه | "سعى طالباً أوجَ المعالي فأَمَّه |
تلوحُ إذا بالمصطفى فيهما اتَصل | |
فحلَّوا جميعاً رتبة ً دونَها زُحل | "وكلّهم جاءوا على نسقٍ من الـ |
ـعُلى واحدٍ ما عن تساويه من بُدِّ» | |
أُولي الحمدِ في عالي الثناءِ شفعتمُ | وإن عنه في معروفِكم قد غنيتمُ |
تهشُّون شوقاً إن دعا من دعوتمُ | "بني المجدِ من أبكارِ فكري خطبتمُ |
فتاة ً عن الخُطَّابِ تجنحُ للصدَّ» | |
بدايعُ أفكارٍ لها الصِيدُ أذعنت | وفي حجبِ الأفكارِ عنهم تحصَّنت |
لها مارَنوا يوماً ولا لهم رنت | «ولكن رأتكم كفوَها فتزيَّنت |
لكم وأتت تختالُ في حُللِ الحمدِ" | |
فلو شامَها الأعشى تحيَّر وامتحَن | وإن زُهيراً لو يراها بها افتتَن |
وأَبَّى لحسّانٍ كمنظومِها الحَسن | «لها من بديعِ القولِ نظمٌ بكم إذ النـ |
ـوابغُ في مضمارِ أعجازِه تكدي» | |
على فترة ٍ في الشعر إن قيل يُنبذِ | وإن قد بدا لا طَرفَ إلاّ وقد قُذي |
ظهرتُ بنظمٍ فيه ما قِتُهُ غّذي | «ولي أذعنت آياتُه وأنا الذي |
بقيتُ له من بعد أربابه وحدي" | |
فَنظَّم من ألفاظِه الدرَّ مِقولي | وفي النظمِ يبديه كعقدٍ مفصَّلِ |
بديعَ معانٍ إن أفه فيهِ يُنقل | «إذا ما تلوه في العراقِ بمحفل |
سرت فيه أفواه الرواة إلى نجدِ" | |
فكم قد تبدَّت فيهِ للناس دُرَّة ٌ | وكم قد تجلَّت منه للشمسِ ضَرَّة ٌ |
ومبصره قد قال: هل هو زُهرة ٌ | «وسامعهُ قد شكَّ هل فيه خمرة ٌ |
أو أنَّ بنظمِ الشعرِ ضربٌ من الشهدِ" | |
حكى الروضة َ الغنّاءَ حسنُ بهائه | وفاقَ على شهبِ الدُّجا بسنائِه |
وأخفى ضياءَ الشمسِ نورُ ضيائه | «وقد زاد في تضميخهِ بثنائِه |
عليكم شذا قد طبَّق لاأرضَ بالنّد" | |
أَرمَّ لدى إنشادها المفصحُ اللَسِن | وطاش حجى الفَهّامة ِ الحاذِقِ الفَطِن |
فما أنا في إنشائِه قَطُّ مغتبنِ | «ولستُ باطرائي له مزدهٍ وإن |
غدا طُرفة ُ ابنُ العبدِ من حسنِه عبدي» | |
ولا أنا مَن يُعلي القريضُ محلَّه | ولا مَن يزيدُ النظمُ والنثرُ فضلَه |
حويتُ بقومي المجدَ والفضلَ كلَّه | «وما في نظامِ الشعر حمدٌ لِمن لَه |
سنامُ عُلى َ ينمى إلى شيبة ِ الحمدِ" | |
ومفخرهُ سامي السما بعَليِّه | وعزتُه موصولة ٌ بقُصيِّه |
وسؤددُهُ إرثٌ له مِن لويَّه | «وبني النبي المصطفى ووصيِّه |
لنا النسبُ الوضّاحُ في جبهة ِ المجد» | |
وإن نظاماً انتجته رويَّتي | لنأنف أن يستام عزَّة َ نخوتي |
فما سمحت إلاّ لكم فيه فِكرتي | «فدونكموه فهو في زُبُري التي |
طوت ذكرَ من قبلي فكيفَ الذي بعدي" | |
ولا نضبتِ من كفّكم أبحرُ الندى | ولا أَفَلت من أُفقِكم أنجمُ الهدى |
ولا زَالَ ربعُ المجدِ فيكم مشيَّدا | "ولا برحت علياكمُ تُسخِطُ العِدى |
فتكثر عَضَّ الكفِّ من شدَّة الحِقدِ» |