عفا الله عن ذاك الحبيب وإنْ جنى
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عفا الله عن ذاك الحبيب وإنْ جنى | دعاني به المشتاقُ في صدِّه العنا |
قَسا قَلْبُه في قول واشٍ وحاسدٍ | وعهدي به رطب المحبّة ليّنا |
من الغيد فتّاك بقدٍّ ومقلة | إذا لاح وسنانُ النواظر بالسنا |
ففي لحظه استكفى عن الضرب بالظبا | وفي قدّه استغنى عن الطعن بالقنا |
فأَينَ غصونُ البان منه إذا انثنى | وأينَ الظباء العُفر منه إذا رنا |
فيا سالبي صَبري على البعد والنوى | ويا مُلبسي ثوباً من السُّقم والضنى |
لقد فتنتني منك عينٌ كحيلة ٌ | وما خُلِقت عيناك إلاّ لتفتنا |
وليلٍ بإرغام الرقيب سهرته | كأنَّ علينا للكواكب أعينا |
نَعْمنا به من لذّة العيش ليلة | وقد طافت الأقداح من طرب بنا |
فمنْ كأس راح للمسرات تحتسي | ومن ورد خدٍّ ما هنالك يجتنى |
إلى أنْ ذوى روض الدجى بصباحه | وبدَّلَ من وردِ البنفسج سوسنا |
أعدْ ذكر هاتيك الليالي وإنْ مضت | ولم تَكُ بعد اليوم راجعة لنا |
إذا ما جرت تلك الأحاديث بيننا | أَمالَ عليها غصنَه البانُ وکنحنى |
وإنْ عرض اللاّحي ولام على الهوى | فصرّح بمن تهوى ودَعْني من الكنى |
إلى الله أشكو من تجنّيه شادناً | أَحِلُّ مكاناً في الحشى فتمكّنا |
أشيرُ إلى بدرِ الدجنّة طالعاً | وإيّاه يعني بالإشارة من عنى |
ويا ويحَ قلبي كيفَ يرمين أعينٌ | تعلَّمنَ مرمى الصيد ثم رميننا |
خليليَّ هلْ أحظى بها سنة َ الكرى | لعلَّ خيالاً يطرقُ العينَ موهنا |
فما أنا لولا النازحون بمهرقٍ | فُرادى دموع ينحدرنَ ولا ثُنا |
رعَيْتُ لهم عهداً وإن شطّت النوى | بهم وکستبين الودُّ بالصدق معلنا |
وإنّي لأرعى للمودَّة حقّها | ولا يهدمنَّ الودَّ عندي من بنى |
ولا خير في ودّ امرئٍ إنْ تلوّنت | بيَ الحال من ريْب الزمان تلوُّنا |
حبيبٌ إليَّ الدهرَ من لا يريبني | ويرعى مودّات الأخلاّءِ بيننا |
وكلّ جواد يقتني المال للندى | وينفق يوم الجود أنفس ما اقتنى |
لئن كنت أغنى الناس عن سائر الورى | فما لي عن سلمان في حالة غنى |
إذا هَتَفَ الداعي مجيباً بکسمه | زجرتُ به طيراً من السعد أيمنا |
تأمَّلتُ بالأشراف حسناً ومنظراً | فلم أرَ أبهى من سناه وأحسنا |
بأكرمهم كفّاً وأوفرهم ندى ً | وأرفعِهم قَدَراً وأمنعِهم بِنا |
وكم حدَّثوا يوم الندى بحديثه | فقلتُ أحاديث الكلام إلى هنا |
وما زال يروي الشعر عن مكرماته | حديث المعالي عن علاه معنعنا |
بكلّ قصيدٍ يحسُد العقد نظمها | تفنَّنَ فيها المادحون تفنّنا |
بروحي من لا زال منذُ عَرَفْتُه | إذا ما أساءَ الدهرُ بالحرّ أحسنا |
نبا لا نبا عنّي بجانب ودّه | ومن لي به لو كان بالوَرْدِ قد دنا |
وبي فيه من حُرِّ الكلام وجَزله | مقالٌ من العتبى وعتبٌ تضمَّنا |
إذا برزت لي حجة في عتابه | أعادت فصيح النطق بالصدق ألكنا |
أبا مصطفى إني وانْ كنتأخرساً | فما زال كلّي في ثنائك أسنا |
أبا مصطفى أمّا رضاك فمُنْيَتي | ومن عَجَبٍ فيك المنيَّة والمنى |
إذا كان عزّي من لدنك ورفعتي | فلا ترتضِ لي موطن الذل موطنا |
ألستُ امرأً أنزلتُ فيك مقاصدي | بمنزلة تستوجب الحمد والثنا |
وشكرانُ ما أوليتنيه من النّدى | لمتخذِ المعروف في البرّ ديدنا |
وما كان ظنّي فيك تصغي لكاذب | وتقبل قول الزور من ولد الزنا |
فتبدلني بعد المودَّة ِ بالقلى | وتغضب ظلماً قبلَ أنْ تتبينا |
وأنْتَ الذي جَرَّبتني وَبَلْوتَني | وأَنْتَ الذي في الناس تعرف من أنا |
أبيٌّ أشمُّ الأنف غيرُ مداهن | قريب من الحسنى بعيدٌ عن الخنا |
صددت وأيم الله لا عن جناية | وما كان لا والله صدّك هيّنا |
أبنْ واستبن أمراً تحيط بعلمه | لعلك أنْ تَستكشِفَ العذر بيننا |
وهبني مسيئاً ما يزعمونني | بلائقة ٍ منهم فكن أنتَ محسناً |
وسرَّ إذنْ نفسي ودع عنك مامضى | فلا زلتَ مسروراً ولا زلتَ في هَنا |