بَلَغْتُم كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بَلَغْتُم كمالَ الرُّشد أبناءَ راشدِ | فبورِكْتُمُ أَولاد أكرمِ والدِ |
إذا ما دعيتم دَعوة المجد كلّها | أقمتم على دعواكم ألفَ شاهد |
وقُمْتم إليها رتبة ً تَبْتَغُونها | فما قائم يبغي العلاءَ كقاعد |
على أنّها فيكم لديكم وراثة ٌ | وما هي في زيد وبكر وخالد |
كَنَزْتُمْ من الفِعل الجميل صنائعاً | وقد تنفدُ الدنيا وليس بنافد |
وما زالت الدُّنيا بحسن صنيعكم | مقلّدة أعناقها بالقلائد |
أَرَدْتُم صلاح الناس بعد فسادها | وبالصارم الهندي إصلاح فاسد |
فأجَّجتُم ناراً تسعَّر جمرُها | ولكنْ بحدِّ المرهفات البوارد |
تسلُّونها في الخطب في كل شدّة ٍ | ألا إنّها معروفة ُ بالشدائد |
وما فات قصدٌ من جسور الرَّعيَّة بينهم | وقد أوسع الطغيان خرق المفاسد |
وقلّمتَ أظفارَ الطغاة وسُسْتَهم | بأَبيضَ حاد الزيغ عن كل حاسد |
ولولاك ظلَّت في المجرَّة أهلُها | تُناشُ بأيدي اللوى قلبُ الأوابد |
أَعدْتَ لنا أيامَ فهدٍ وبندرٍ | ومن قلبها أيّام عيسى وماجد |
وأضحكتَ سنَّ المجد بعد بكائه | طويلاً على أجداث تلك الأماجد |
ومنْ بعدِ ما كانت أمورٌ وأقلعتْ | تَذوبُ لها إذ ذاك صمُّ الجلامد |
إذا ذَكَرَتْ ثار الغرام وهيَّجَتْ | كوامَن نيرانِ القلوبِ الخوامد |
وهلْ يُفْلحُ القومُ الذين تسُوسُهم | بنو الجهل في عار من الحلم فاقد |
وما كلّ مَن ساس الرعيَّة ساسَها | ولا كلّ من قاد الجيوش بقائد |
تولَّيتها والطعنُ بالطعن يلتقي | وأخذ المنايا واحداً بعد واحد |
فما بين مقتول وما بين قاتل | وما بين مطرودٍ وما بين طارد |
وقد نزغَ الشَّيطان إذ ذاك بينهم | إذ الناس فوضى لا تدين لواحد |
فأَرْشَدْتَهم للخير حتّى تركتَهم | يقولون إنَّ الرُّشْدٍ فعل کبن راشد |
عَفَوْتَ بها عمّا جنى ذو قرابة | رماك بسهم القطع رمي الأباعد |
ورحت وما في صدرك الحقد كامن | على حاقد جهلاً عليك وواجد |
وقلت لمن يطوي على المكر كشحه | دع الزيف لا تنفقه في سوق ناقد |
وما ساد في قوم حقودٍ عليهم | ولا حيزت النعماءُ يوماً لحاسد |
فأسهرتَ عين الخط والخط ساهر | وما أَنْتَ عن ثار العدوّ براقد |
أخو الحزم من يخشى شماتة كاشحٍ | ولا زال مشحوذاً غرار الحدائد |
ولا يطأ الأَرضَ الفسيحة بقعة ً | إذا اتصلت فيها حبال المكائد |
لك الله منصورٌ لك الله ناصرٌ | وحسبك من حزب معين مساعد |
وَثَبْتَ وثوبَ اللّيث تستفرس المنى | وما كنت عنها مُنْذُ كنتَ بلابد |
وساعَدَك المقدورُ فيها وربّما | سعى قبل ما تسعى لنيل المقاصد |
ومن لم تساعده العناية لم يكن | له ساعد يشتدُّ عن لين ساعد |
لقد صلتَ حتى كان أوّلُ قائم | لسيفك يوم الرَّوع أوّلَ ساجد |
وَجدْتَ وأعْطَيْتَ المكارم حقّها | برغمٍ على أنف الحسود المعاند |
فأرغمتَ آنافاً وأكبتَّ حسَّداً | فأكرمْ وصلْ واقطع وقرِّب وباعد |
وما فيكم إلاّ طموح إلى العلى | جموحٌ إلى مجد طريف وتالد |
عقائدنا فيكم كما تشتهونها | وكلُّ بكم منا صحيح العقائد |
فلم نَرَ في إحسانكم غير شاكر | مليٍّ بما يملي لسان المحامد |
عرفناكم فيمن سواكم وهكذا | يكون امتياز الشيء عند التضادد |
ومن جرّب الأيام والناس غيركم | رنا نحوهم لكن بناظر زاهد |
وإنَّك ممَّن يشْفَع البأس بالندى | ويقبل با لبشرى على كلّ وافد |
وقد كان تأسيس الوائل فيكم | فشَيدوا على تأسيس تلك القواعد |
لئِن كنتَ أفْنَيْتَ الحُطام فإنما | حظيت على بيت من الذكر خالد |
وعدتُ بك الجدوى إذا زرت والغنى | ولم يخلفِ الميعادَ نوءُ العوائد |
فزرتَ فحيّى الله طلعة زائر | تعود على وفّادها بالفوائد |
وأقبلتَ إقبال الغمام ببارق | تولَّيْتَ إصلاح الرَّعيَّة بينهم |
فما کحتَجْتُ بعد السيل شرعة وارد | ولا احتجتُ بعد الروض ندى لرائد |
بَلَغْتُ بك الآمال حتى كفيتَني | ركوبَ المطايا واجتناب الفدافد |
ويا ربَّ يومٍ مثل وجهك ضاحكٍ | عَرَضْنا على علياك غُرَّ القصائد |
وأمّا نداك العذب ما إنْ وردته | على كبدي الحرّى فأعذب بارد |
مَلَكْتُم على أمري فؤادي ومِقْوَلي | وأصبح فيكم غائبي مثل شاهدي |
رَفَعْتُم مناري بعد خفضٍ ورشْتمُ | جناحي وامْلأْتُمْ فمي بالغرائد |
وأطْلَقْتُموني من وثاقٍ خصاصة | فلا غروَ إنْ قيّدتُ فيكم شواردي |