هذه الدارُ ما عسى أنْ تكونا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
هذه الدارُ ما عسى أنْ تكونا | فاقضِ فيها لها عَليك دُيونا |
كان عهدي بها ومن كان فيها | أشرقت أوجهاً ولانت غصونا |
يا دياراً عهدتها قبل هذا | جنَّة ً أزلفت وحوراً وعينا |
كنتِ للشادن الأغن كناساً | مثلما كنتِ للهزير عرينا |
قَد وقفنا على بقايا رسومٍ | دراساتٍ كأسطرِ قد محينا |
فبذلنا لها ذخائر دمعٍ | كانَ لولا الوقوف فيها مصونا |
ذكَّرتْنا الهوى وعهدَ التصابي | فذكرنا من عهدها ما نسينا |
هلْ عَجِبْتُم والحبُّ أمرٌ عجيبٌ | كيفَ يَستعذبُ العذابَ المهينا |
أو سألتم بعد النوى عن فؤادي | فسَلوا الظاعنين والنازحينا |
وبنفسي أحبَّة يومَ بانوا | حرَّموا النومَ أنْ يمسَّ الجفونا |
عَرِّضوا حين أعرضوا ثم قالوا | قَدْ فتنّاك في الغرام فتونا |
إنْ أطلنا الحنينَ شوقاً إليكم | فعلى الصّبِّ أنْ يطيل الحنينا |
ربَّ ورقاءَ غرَّدتْ فشجتني | وكذاك الحزين يشجي الحزينا |
ردَّدَت نَوحَها فردَّدت مني | جنَّة ً أزْلِفَتْ وحوراً وعِينا |
ردّدي مااستطعت أيتَّها الورقُ | شجوناً منالأسى ولحونا |
وأعيدي شكوى الغرام عَلَينا | أشرَقَتْ أوجهاً ولانتْ غصونا |
لو شكوناك ما بنا لشرحنا | أنْ يطيعَ المتيَّمُ اللاّئمينا |
ما أطعنا اللّوامَ والحبُّ يأبى | أنْ يطيعَ المتيَّمُ اللاّئمينا |
لهفَ نفسي على مراشف ألمى | أوْدَعَ الثغرَ منه دراً ثمينا |
أنَ عطفاً مهفهفُ القدّ قاسٍ | كلّما زاد قسوة ً زدْتُ لينا |
يا شفائي من علّة ٍ برَّحت بي | إنَّ في القلبِ منك داءً دفينا |
يا ترى تجمع المقادير ما كان | وأنى لنا بها أن تكونا |
في ليالٍ أمضيتُها بعناق | لا يظنُّ المريب فينا الظنونا |
فرَّقتنا أيدي النوى فافترقنا | ورمينا ببينها وابتلينا |
بينَ شرقٍ ومغربٍ نَنْتَحيه | فشمالاً طوراً وطوراً يمينا |
أسعدَ الله فِرقَة َ العزِّ لمّا | فبذلنا لها ذخائر دمعٍ |
قدَّمتْه الولاة واتَّخَذَتْه | في الملمّات صاحباً ومعينا |
واستمدَّت من رأيه فلقَ الصُّبحِ | بَياناً منه وعلماً رصينا |
جذبَ الناسَ بالجميل إليه | وحباهم بفضله أجمعينا |
فرأتْ ما يَسُرُّها من كريم | من سُراة الأشراف والأنجبينا |
شِيمٌ عن إبائه في المعالي | أسلكته طريقها المسنونا |
تَستَحيل الحزونُ فيه سهُولا | بعدَ ما كانت السهول حزونا |
ويهون الأمر العظيمُ لديه | وحَرِيٌّ بمثلِه أنْ يهونا |
زان ما شان في حوادث شتى | ومحا ما يشين في ما يزينا |
فإذا قسته بأبناء عصري | كان أعلى كعباً وأندى يمينا |
قد وجدناك والرّجال ضروبٌ | والتجاريبُ تظهرُ المكنونا |
عروة ٌ من عرا السّعادة وثقى | قد وثقنا بها وحبلاً متينا |
هذه الناس منذ جثت إليها | زجرت منك طائراً ميمونا |
كلّ أرض تحلُّها كان أهلو | ها بما ترتجيه مستبشرينا |
وإذا روّعتْ ومثلك فيها | أصبحوا في ديارهم آمنينا |
يا شريفَ الأخلاق وابن شريفٍ | أشرفَ الناس أثبتَ الناس دينا |
أحمدُ الله أن رأتكَ عيوني | فرأتْ ما يَقُرُّ فيك العيونا |
وشممنا من عرف ذاتك طيباً | فكأنّي إذ ذاك في دارينا |
وَوَرَدْنا نداك عذباً فراتاً | إنّما أنتَ منهلُ الواردينا |
لك في الصالحات ما سوف يبقى | ذكرها في الجميل حيناً فحينا |
حزتَ فهماً وفطنة ً وذكاءً | وتَفَنَّنْتَ في الأمور فنونا |
وتوّليتَ في الحقيقة أمراً | كان من لطفه المهيمن فينا |
سيرة ترتضى جبلتَ عليها | ومزايا ترضي بها العالمينا |
فاهنا بالصَّوم والمثوبة فيه | وجزيل الصيّام في الصائمينا |
وبعيدٍ يعودُ في كلِّ عامِ | لكَ بالخيرِ كافلاً وضمينا |