ألِّما على لَوْمي وَجدّاً مُجَدَّداً
مدة
قراءة القصيدة :
5 دقائق
.
ألِّما على لَوْمي وَجدّاً مُجَدَّداً | فإنّي لأدري ما الضلال وما الهدى |
فمن مبلغُ السلوان عنّي بأنني | فَنْيتُ وشَوقي لا يزال مُخَلَّدا |
عذولي انتصاح منك لا أستفيده | ومن عَدَّه عدلاً فقد جار واعتدى |
وما كان أدرى بالذي قد دَرَيْتُه | واخطأ ذاك العذل لما تعمّدا |
أعلِّل نفسي بالعذيب وكلَّما | أرَدْتُ به إطفاءَ وَجدي تَوَقّدا |
خليليَّ ضاع القلبُ هل تعرفانه | مشوق فؤادي عندما رحلوا فدى |
وما أسفي إلا على عمر مغرم | قضاه ولكنْ في تبعدكم سُدى |
ولم تدر أجفاني بكم سنة الكرى | وما زال طرفي في هواكم مسهدا |
وآهٍ على يوم قضى الأنسُ نحبه | توسَّد عرفان الهوى إذ توسدا |
ليالي فيها العيش كان اخضراره | رقيق الحواشي بالمطالب أوردا |
أخلاّي كم جاد الزمان بنيلها | وهل كان طرف الدهر عنهنّ أرمدا |
وأوْرَدَنا صفوَ المنى فكأنّه | على وجنة الأيام كان تورَّدا |
قسا قلبكم عني ولا غرو حيث لي | حظوظٌ تعيد الماءَ إذ ذاك جلمدا |
وما كنتُ لولا الحظّ أحظى لأنّني | قدحتُ زناد الجدّ فيكم فأصلدا |
تمادى مداكم استمرَّ على الجفا | وقد كادَ أن يقضي مداكم على المدى |
ومَن لعليل أنحفَ السقمُ جسمه | تردّى ولكن من ضنى وجده ردا |
وإنَّ اصطباري بعد طول بعادكم | دعا جلداً منه يبين التجلدا |
أعيدا لها ذكر الديار لعلها | تبلّغني تلك المعاهد مقصدا |
ولما أتَتْ تلك الطلول ورسمها | غدت تشتكي شكوى الفراق كما غدا |
أنادي الحمى بالنوح عن ساكن الحمى | فيا حبّذا لو أنَّه يسمع الندا |
تكرُّ به الأشواق من كلّ جانب | إذا كرر الذكرى لديه ورددا |
وما مر بالجرعاء إذ عاد ذكره | أعاد عليه وَجْدَه فتجددا |
بياض محيّا ذلك العيش بعدكم | فما زال ذاك الوجه أغبر أسودا |
رأى البين مجموعاً على القرب شملنا | فبدَّده منّا النوى فتبَّددا |
شذا ورد ذاك الوصلم روض قربكم | هار اشتياقي كلما هب غردا |
ونشواتكم ما قد أفاق ولا ارعوى | غدا مثل ما أمى اوأمسى كما غدا |
وقد جاب وعر الشوق في بيد هجركم | ومن زاد تقواه عن العزل زوّدا |
أضلُّ فإهدى في هواكم وينثني | إليَّ هوى ً يهدي عياناً ويهتدى |
رشاد عبيد الله للحقّ إنّه | سنا نورِ رشدٍ فيه يستأنس الهدى |
درى كل علم في الوجود وجوده | ولم تدر يمناه سوى السيف والندى |
يحل عقود المشكلات برأيه | إذا أشكل المعنى الدقيق وعقدا |
وأحيا دورس العلم درسه | بدت فيه آثار الفضائل مذ بدا |
لعمرك فليفخر على السؤدد امرؤٍ | يرى السؤدد العلياء مجداً وسؤؤدا |
وأفصحَ من نهج البلاغة منطقاً | تخرّ له الأقلام في الطرس سجّدا |
به استسهلوا حزن العلوم ووعرها | وأيسرُ شيء عنده ما تشدّدا |
إذ أضرمتْ أعداؤاه نارَ باطلٍ | أثار عليها الحقَّ يوماً فأخمدا |
فلو رام أسباب السماء لنالها | وسار بمضمار المرام وما كدا |
وما مال إلاّ للعبادة والتقى | كأنْ عنه شيطان الوساوس صُفِّدا |
وماهو إلاّ قطب دائرة العلى | إمامٌ لأرباب الطريقة مقتدى |
تنيل نوال اليمن يمناه بسطها | وما مدَّ إلا نحو خالقه يدا |
ولم تبلغ الآمال في غير ماله | وفي غير ذاك العذب لا ينقع الصدى |
ألا يا سحاباً أغرق الوفدَ غيثه | لظامي الندى كانت أياديه موردا |
فلو حاول المجد الأثيل مقامه | لحاول ذاك المجد بالمجد أمجدا |
مكارم طبع في علاه ظهورها | وكان لهاتيك المكارم موعدا |
وأنْبتَّ بالتقوى بأحسن منبتٍ | وقد طاب أصلاً مثلما طاب محتدا |
يقضي لعمر الله صوماً نهاره | ويحيي لياليه دعاً وتعبُّدا |
ولما أدَّعى ما إنْ أتى الدهر مثله | فأتبع فيما يدّعيه وقلدا |
وأشرع للشرع الحنيف مناهجاً | قواعد دين الله أضحى ممهدا |
تصرّفه في باطن الحال باطن | إلى الرشد أصحاب الحقيقة أرشدا |
ومتّبع شرعاً لما هو ذاهبٌ | ومَذْهَبُه ينحو طريقة أحمدا |
وما كان إلاّ حين يسأل رده | بأسرع من حاك يجاوبه الصدى |
وأدرك ممن فضله يملأ الفضا | تعد أياديه بألسنة العدى |
ولله فيما قد أنالك حكمة | فأعدم فيك الجهل والعلمَ أوجدا |
سَعَيْتَ ويجدي السعد بالسعي ربه | وأصبَحتَ في صدر السعادة أسعدا |
فيا زهر روض أنتم زهر كمِّهِ | لقد ماس غصن الفخر فيكم تأوّدا |
ظهرتم ولا يخفى ممن الشمس نورها | وحادي انتشار الذكر في ذكركم حدا |
إذا ما مضى منكم عن المجد سيّدٌ | أقام لكم في موقف الفخر سيّدا |
وذكرك حتى يقضي الله أمره | على طول ما طال الزمان تأبَّدا |
أبَّرتْ على ما تدعيه يمينها | مَتى تقسم الأيام إنَّك مفردا |
ولما دعاك الأصلُ يوماً لفرعه | وردتَ فما أبقيت للناس موردا |
رواة المعالي عن جنابك أخبروا | حديثاً عنالعلياء صحّ وأسندا |
ويورد عنك المدح والحمد كلّه | كمالك يروينا كما لك أوردا |
غياث وغوث لا يجارى جواده | وملجأ من آويت كنت ومنجدا |
ونلت بتوفيق العناية رتبة | عدوَّك يلقى دونها مورد الردى |
وحسب الذي عاداك فيما يرومه | جعلت عليه ليل هجرك سرمدا |
على رغم من عاداك قلت مؤرِّخاً | بفتوى عبيد الله لا زال يقتدى |