أكرم بطيف خيالكم من زائرِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أكرم بطيف خيالكم من زائرِ | ما زار إلاّ مُؤْذناً ببشائر |
وافى على بُعد المزار وربما | بلَّ الغليل بغائب من حاضر |
والنجم يصرف للغروب عنانه | حتى بصرت به كليل الناظر |
وكأنَّ ضوءَ في أثرَ الدجى | إظهارُ حُجّة ِ مسلمٍ للكافر |
لا تحسبوا أنّي سلوت غرامكم | هجراً فبعداً للمحب الهاجر |
جمراك ذاك الوجد حشو جوانحي | وجمال ذاك الوجه ملء نواظري |
أعِدِ ادّكارك يوم مجتمع الهوى | إنّي لأصبو عند ذكر الذاكر |
أيام نرفل بالنعيم ونصطلي | نار المدامة من عصير العاصر |
ولقد ذكرت العيش وهو كأنّما | برزت محاسنه بروض ناضر |
ومليكه الأفراح في أقداحها | قد رصعت تيجانها بجواهر |
صبغت بإكسير الحياة لجينها | فكأنها ملكت صناعة جابر |
خلع العذار لها النزيف وبان في | جنح الظلام منادمي ومسامري |
متجاهر يهفو إلى لذاته | أحبب إلى اللذات من متجاهر |
ذهبت لذاذات الصبا وتصرّمت | أوقات أُنْسِكَ في الزمان الغابر |
وإذا امرؤ فقد الشباب فما له | في اللهو بعد مشيبه من عاذر |
ولقد أقول لطامع برجوعها | كيف اقتناصُك للغزال النافر؟ |
لله ما أورى بنا متلفت | يوم الفحيم بجيد أحوى الناظر |
والركب مرتحل بكل غريرة | تبني الكناس بغاب ليث خادر |
أرأيت ما فعل الوداع بمقلة | ما قرّحت بالدمع غير محاجري |
وجَرَتْ على نَسَقٍ مدامعُ عبرة | شبّهتها باللؤلؤ المتناثر |
شيعت هاتيك الظغون عشية | ورجعت بعدهم بصفقة خاسر |
لا كان يوم وداعهم من موقف | وقف المتيم فيه وقفة حائر |
والدمع يلحق آخراً في أوّلٍ | والبين يرفق أوّلاً في آخر |
مَن ناصري منكم على مضض الهوى ؟ | هيهات ليس على الهوى من ناصر |
لا تعذلنّ فللغرام قضية | سدَّت عليَّ مسامعي ومناظري |
يا سعد حين ذكرت شرقيّ الحمى | هل كان قلبي في جناحي طائر |
كشفت لديك سريرة أخفيتها | فعرفت ثمة باطني من ظاهري |
وجفا الخيال ولم يزرني بعدها | أين الخيال من الكئيب الساهر |
يا أهل هذا الحي كيف تصبري | عنكم ومن لي بالفؤاد الصابر |
ولقد طربت لذكركم فكأنني | بغداد يوم قدوم عبد القادر |
وافى من الشام العراق بطلعة | شمنا بها برق الحيا المتقاطر |
فزها بطلعته العراق وأهله | والروض يزهو بالسحاب الماطر |
وتقدمته قبل ذاك بشارة | ما جاءت البشرى لها بنظائر |
وافى فأشرق كل فجٍّ مظلم | فيه وأحيا كل فضل داثر |
وضفا السور على أفاضل بلدة | سرُّوا بمحياه البهي الباهر |
نعموا بوجه للنعيم نضارة | فيه وقرّت فيه عين الناظر |
بأغرَّ أبيضَ تتجلى بجنبينه | ظلمات سجف ستائر لدياجر |
يبتاع بالمال الثناء وإنّما | في سوقه ربحت تجارة تاجر |
صعب على صعب الخطوب وجائر | أبداً على جور الزمان الجائر |
إن كان ذا البأس الشديد فرأفة | فيه أرقّ من النسيم الحاجري |
حُيّيتَ ما بين الورى من قادم | ونعمت بين أكارمة وأكابر |
قد زعزعت بك عن دمشق أبوَّة ً | نتجت به أمُّ الزمان العاقر |
وشحذت عزمك للمجيئ غرتره | ولرب عزم كالحسام الباتر |
وطلعت كالقمر المنير إذا بدا | زاه بأنوار المحاسن زاهر |
واخترتَ من بغداد أشرفَ منزلٍ | ما بين خير عصابة وأخاير |
فانزل على سعة الوقار ورحبه | في منزل رحب وبيت عامر |
بنيت قواعده على ما ينبغي | من سؤدد سامي العلى ومفاخر |
فلئن تعبت فبعد هذا راحة | أو قيل ما قالوا فليس بضائر |
ولسوف تبلغ بعد ذاك مآرباً | ما ليس يخطر بعضها بالخاطر |
وكفاك ربك شر كل معاند | ركب الغرور فلا لعاً للعاثر |
أبي جميلٍ إنَّني بجميلكم | ميزت بين الناس دون معاصري |
إني لأفخر فيكم فيقال لي | لله شاعر مجدهم من شاعر |
فلو کنني آتي بكل قصيدة | عذراء من غرر القصائد باكر |
وجلوتها فكأنما هي غادة | حلّيتها من مدحكم بأساور |
وإذا تناشدها الرواة حسبتها | أرواح انفاس النسيم العاطر |
لم أقضِ حق الشكر من إحسانكم | لكن أطاوله بباع قاصر |
عذبت لديكم في الأنام مواردي | حتّى رأيت من الغريب مصادري |
هاتكم الأيدي التي لا ينقضي | مدح الجميل لها وشكر الشاكر |