أَدَارَ على النّدمان كأَسَ عقارِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أَدَارَ على النّدمان كأَسَ عقارِهِ | وحيى بوردِ الخدِّ من جلِّناره |
وفي طرفه للسكر ما في يمينه | فكلتاهما من خمرهِ واختماره |
وماس فمال البان إذ ذاك غيرة ً | عليه وأزرى فيه عند ازوراره |
على أَنَّه من روضة الحسن جَنَّة ٌ | ولكَّنه ما حفَّها بالمكاره |
وقد نسجت أيدي الربيع ملابساً | مفوَّفة ً من ورده وبهاره |
وسال لجين الماء فوق زمرد | يحلّيه من نّواره بنضاره |
وأصبح مخضراً من النَّبت شارب | يروق ويزهو بهجة بکصفراره |
وقد رَقَصَتْ تلك الغصون تطرباً | لبُلْبُلِه الشادي وصوت هزاره |
تألَّفَ ذاك الشكل بين اختلافه | وأبْدَعَ في إحسانه وابتكاره |
فهذا يَسُرُّ الناظرين کصفرارُه | وهذا زها مخضره باحمراره |
وكم راح يغني عن الزهر أغيدٌ | بنرجس عينيه وآس عذاره |
عَصَيْتُ عذولي في هواه ولائمي | وما زلت في طوع الهوى واختياره |
أطال بطول القدّ في الحبّ حسرتي | وحيرَّني في خصره واختصاره |
ولله مخضر العذار عشقته | وحمر المنايا السود عند اخضراره |
أُجادل عذَّالي على السخط والرضا | وإنّي لراض بالهوى غير كاره |
يقول الهوى العذريّ في مثل حبِّه | إذا لم تطقْ هجر الحبيب فداره |
وليلٍ كيومِ النَّقع أسودَ فاحمٍ | تخوص بكاسات الظّلا في غماره |
أَغَرْنا على اللّذات ما ذكرت لنا | وأَبْعَدَ كَلٌّ عندها في مغاره |
وقد زار من أهوى على غير موعدٍ | فيا قربَ منآه وبعد مزاره |
فآنسني في وَصْله بعد هجره | وقد آلفَ المشتاق بعد نفاره |
وما زال حتى صوَّب النجم وانطوى | رداءُ ظلام الليل بعد انتشاره |
ولاحت أسارير الصباح وبشَّرتْ | بأنَّ الدجى قد حان حين بواره |
ولم يبق من أبناء حام بقية | فما شقً عن حامٍ ولا عن غباره |
يدير علينا كأسَ راح رويّة | تجرِّدُ من يروى بها من وقاره |
تخبرنا عن نار كسرى لعهده | وقد برزتْ في طوقه وسواره |
فما نزلت والهمّ يوماً بمنزلٍ | وما أَقْبَلَتْ إلاّ لأجل فراره |
وقلنا له هاتِ الصَّبوح فكلُّنا | يُريدُ شفاءً بالطلا من خماره |
ونحن بروض رقَّ فيه نسيمه | وجرَّ على الأنفاس فضل إزاره |
وأهدت إلى الأرواح أرواحها الصبا | أريج خزاماه وطيب عراره |
وأنعمُ عيشٍ ما حظيتُ برغده | وكنتُ لعبد الله ضيفاً بداره |
أمنتُ طروق الهم من كل وجهة | إذا كنتُ يوماً نازلاً في جواره |
أقرُّ به عيناً وأشرح خاطراً | وأشرك شكر الروض وبل قطاره |
فمن فضله أنّي أبوء بفضله | وأفخر ما بين الورى بافتخاره |
ولا خير فيمن لا يؤمَّل نفعه | ولا يتّقى من بأسه وضراره |
ومنذُ رأيتُ اليُمن طوعَ يَمينه | وَجَدْتُ يَساري حاصلاً في يساره |
وقيَّدني منه رقيقُ جميله | فَلَسْتَ تراني مطلقاً من إساره |
أبرَّتْ به في الأنجبين ذخيرة | وحسبُك ما كان الغنى بادخاره |
أنزّه طرفي في محاسن وجهه | وإنْ غاب عَنِّي لم أزل بانتظاره |
وإنّي لأهواه على القرب والنوى | وأطربُ في أخباره وادِّكاره |
جَنَيْتُ به غرس المودَّة يانعاً | وكل جميل يجتنى من ثماره |
سريع إلى الفعل الجميل مبادر | إلى الخير في إقباله وبداره |
رعى الله من يرعى من الخلّ عهده | وأدّى له ما ينبغي لذماره |
إذا دار في زهر العلى فلك العلى | فآل زهير الصّيد قطب مداره |
صناديدُ يشتارون من ضربِ العلى | وشوك القنا الخطيّ دون اشتياره |
لقد عرف المعروف من قبلها بهم | وشيد بفضل الله عالي مناره |
وهل تجحد الحساد آية مجدهم | وَقَد طلَعت في الكون شمس نهاره |
بهم كلّ مقدام على الرّوع فاتك | بسطوته في جنده وکقتداره |
ويفترّ في وجه المطالب ضاحكاً | ولا الأقحوان الغض عند افتراره |
إذا استنصر الصمصام أيّد حزبه | وقام اليماني قائماً بانتصاره |
إذا قيل رمح حدّ سنانه | وإنْ قيل عضبٌ كان حدَّ غراره |
وإنْ عدَّ كبّار الأنام فإنّما | أصاغرهم معدودٌ من كباره |
همُ خيرُ من لا يبرح الخيرُ فيهم | وما كلُّ من ألْفَيْتَه من خياره |
تضوّعَ مسكيّ الشذا من ردائه | بعنصره الزاكي وطيب نجاره |
فهم أبحرُ الجدوى تفيض ولم تغضْ | فكم وارد عذب الندى من بحاره |
يهون عليه المال إنْ عزّ أو غلا | وينظر أسناه بعينت احتقاره |
صفا مثل صفو الراح لذَّتْ لشارب | ودارت كما شاء الهوى في دياره |
فلا زالت الأفراح حشوَ ردائه | ولا برحتْ عن برده وشعاره |