أدار الكأس مترعة ً شرابا
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أدار الكأس مترعة ً شرابا | وأهداها لنا ذهباً مذابا |
وقد غارت نجوم الصبح لمّا | رأته وهو قد كشف النقابا |
وقال لي الهوى فيه اصطبحها | وطبْ نفساً بها فالوقت طابا |
ونحن بجنَّة ٍ لا خلد فيها | ولا واش نخاف به العقابا |
ونارُ الحسن في وجنات أحوى | من الغلمان تلتهب التهابا |
أدرها يا غلام عَليَّ صرفاً | وأرشفني بريقتك الرضابا |
أدرها مُزَّة تحلو وَدَعني | أقبل من ثناياك العذابا |
أراش سهامَ مقلته غريرُ | إذا أرمى بها قلباً أصابا |
وطاف بها على الندمان يسعى | كأنَ بكفهِ منها خضابا |
وشربٍ يشهدون الغيَ محصناً | إذا الشيطان أبصرهم أنابا |
عكفت بهم على اللَّذات حتى | قرعت بهم من الغايات بابا |
متى حجب الوقار اللّهو عنهم | رأوا أنْ يرفعوا ذاك الحجابا |
وقاموا للتي لا عيبَ فيها | يرَوْنَ بتركها للعاب عابا |
كأنَّ مجالس الأفراح منهم | كؤوس الراح تنظمهم حبابا |
تريك مذاهباً للقوم شتّى | وتذهب في عقولهم ذهابا |
تحرَّينا السرور وربَّ رأيٍ | إذا وطىء التراب بأخمصيه |
وما زلنا نريق دم الحميّا | ونشربها وقد ساغت شرابا |
إلى أن أقلعت ظلم الدياجي | كما طيَّرت عن وكر غرابا |
وغنَّتنا على الأغصان ورقُ | يطوّقني أياديه الرغابا |
وقد ضحك الأقاح الغضُّ منا | وأبصر من خلاعتنا عجابا |
وظلّ البان يرقص والقمارى | تغنّيه انخفاضاً وانتصابا |
وفينا كلُّ مبتهج خليعٍ | طروب شبَّ عارضه وشابا |
إذا شرب المدام وأطرابته | أعاد على المشيب بها الشبابا |
ألا بأبي من العشاق صبٌّ | متى ذكر الغرام له تصابى |
بكُلّ مهفهفِ الأعطاف يعطو | بجيد الظبي روع فاسترابا |
إذا وطئ التراب بأخمصيه | تمنّى أن يكون له ترابا |
وأيم الله إنك مستهام | إذا استعذبت في الحبّ العذابا |
أعدْ لي ذكر أقداح كبارٍ | ملاءً من شرابك أو قرابا |
وخلّ اليوم عنك حديث سلمى | فلا سلمى أريد ولا الربابا |
ومن قول الشجيّ سألت ربعاً | خلا ممن أحبّ فما أجابا |
وخذ بحديث سليمان فإنّي | أحبّ به الثناء المستطابا |
يهاب مع الجمال ولا يداري | ويوصف بالجميل ولا يحابى |
فلو فاكهته لجنيت شهداً | ولو عاديته لشهدت صابا |
ولم تر قبله عينٌ رأته | جميلاً راح محبوباً مهابا |
ينوب عن الصبّاح إذا تجلى ّ | وما ناب الصبّاح له منابا |
رغبت عن الأنام به فأضحى | |
فكان ليَ الثناء عليه داراً | وكان له الندى والجود دابا |
هم الرأس المقدَّمُ من قريش | يريك الناس أجمعها ذنابا |
وهم خير خلق الله أصلاً | وفرعاً واحتساباً وانتسابا |
ويرضى الله ما رضيت قريشٌ | ويغضب إنْ هم راحوا غضابا |
ففيهم شيَّد الله المعالي | وفيهم أنزل الله الكتابا |
أولئك آلُ بيتٍ أنزلوها | تراثاً عن أبيهم واكتسابا |
شواهق من جبال المجد تسمو | مفاخرها وأبنية رحابا |
وأخلاقاً مهذبة لداناً | وإيماناً من الجدوى رطابا |
إليكم ننتمي وبكم نباهي | من البحر الشرايع والعبابا |
وفي الدّارين ما زلنا لديكم | نجوز الأجر منكم والثوابا |
وأبلغ ما يكون به التمني | دنوّاً من جنابك واقترابا |
زماناً راعني بنواك شهراً | فما لي لا أريع به الركابا |
فليس العيدُ ما أوفى بعيدٍ | ولم أشهد به ذاك الجنابا |
وعاتبنا بفرقتك الليالي | على ما كان حزناً واكتئابا |
فأما أقصر الأشراف اعاً | فأطولهم مع الدنيا عتابا |
فيا قمراً عن الزوراء غابا | زماناً للتنزه ثم آبا |
طلعت طلوع بدر التِّمِّ لمّا | غَرَبْتَ فلا لقيت الاغترابا |
وجئت فجئتنا بالخير سيلاً | تُسيلُ به الأباطح والهضابا |
فإنك كلّما استُسقيت وبلاً | سقيت وكنت يومئذ سحابا |
فمن منح شرحتَ لنا صدوراً | ومن مِنَنٍ تقلدها الرقابا |
ولمّا أنْ نظمتُ له القوافي | ولجت بها على الضرغام غابا |
وقمتُ عليه أنشدُها وأهدي | لحضرته الدعاء المستجابا |
إذا منع اللئيم ندى يديهِ | أبى إلاّ انصباباً وانسكابا |