بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ | زماناً وهنَّتني لديك المطالبُ |
فأصبحت لا أجرو سوى ما رجوته | مراماً وما لي في سواك مآرب |
وقد كنت من غيظي على الدهر عاتباً | فما أنا في شيء على الدهر عاتب |
لئن كان قبل اليوم والأمس مُذنباً | فقد جاءني من ذنبه وهو نائب |
وجدتُ بك الأيام مولاي طلقة ً | وسالمني فيك الزمان المحارب |
وقد شمتُ من جدواك لي كلَّ بارق | ونوؤك مرجوٌّ وغيثُك ساكب |
فلا الأملُ الأقصى البعيدُ بنازح | لديَّ ولا وجهُ المطالب شاحب |
وهل تنجح الآمال وهي قصيَّة | وتبلغ إلا في نداك الرغائب |
لقد حسنتْ فيك الرعية بعدما | أساءَت إليها بالخطوب النوائب |
وألهمتها فيما تصدَّيتَ رشدها | ألا إنَّ هذا الرشدَ للخير جالب |
كففتَ يدَ الأشرار من كلِّ وجهة ٍ | فلا ثمَّ منهوب ولا ثمَّ ناهب |
ومن لوزير قلَّد الأمر ربَّه | نظيرك شيخاً حنكته التجارب |
بصيرٌّ بتدبير الأمور وعارف | بمبدئها ماذا تكون العواقب |
أذلَّ بك الأخطارَ وهي عزيزة | فهانت عليه في علاك المصاعب |
تريه صباح الرأي والأمر مبهم | ألَنْتَ له في قسوة البأس جانباً |
فأصبح لم يعرض عن الناس لطفه | ويحضر فيهم بأسه وهو غائب |
وبأسك لا البيض الصوارم والقنا | وجودك لا ما تستهل السحائب |
وما زلت حتى يدرك المجدُ ثأرَهُ | وتشرق في آفاقهن المناقب |
بأيديك سحرُ الخط لا الخط تنثني | فتثني عليها المرهفات القواضب |
تخرّ لك الأقلام في الطرس سُجَّداً | لما أنت تمليه وما أنت كاتب |
إذا شئت كانت في العداة كتايباً | وهيهات منها إذ تصول الكتايب |
تقرّط آذانَ الرجال بحكمة ٍ | حكتها اللئالي رونقاً أو تقارب |
متى أفرغتْ في قالب الفكر زيَّنتْ | وزانت من الألباب تلك القوالب |
بهنَّ غذاء للعقول وشرعة ٌ | تسوغ وتصفو عندهن المشارب |
تصرفتَ في حلوَ الكلام ومرّهِ | فأنت مجدٌّ كيف شئت ولاعبُ |
ذَهَبْتَ بكلٍ منهما كلَّ مذهب | ذهاباً وما ضاقت عليك المذاهب |
فمن ذكر وجدٍ يسلب المرءَ لبَّه | على مثله دمع المتيَّم ذائب |
ومن غزلٍ عذب كأن بيوته | مسارحُ آرام النقا وملاعب |
وفي الباقيات الصالحات مثوبة | من الله ما يبدو من الشمس حاجب |
دمغتَ بها من آل حربٍ عصابة ً | تناقشهم في صنعهم وتحاسب |
تناقلها الركبانُ عنك فأصبحت | تجابُ بها أرض وتطوى سباسب |
مغيظاً من القوم الذين تقدَّمت | لهم في المخازي الموبقات مكاسب |
غضبت بها لله غير مداهنٍ | وغيرك يخشى كاشحاً ويراقب |
ومواهب من رب كريم رزقتها | وما هذه الأشياء إلا مواهب |
أروح أجرّ الذيل أسحب فضله | وإني لأذيال الفخار لساحب |
بمن لم يقم في الأكرمين مقامه | ولا ناب عنه في الحقيقة نائب |
فقد وجدت بغداد والناس راحة ً | وقد أتعبتها قبل ذاك المتاعب |
قضى عمري طال في العز عمره | أقاربه مسرورة والأجانب |
وإن قلتُ ما جاء العراق ولا نرى | نظيراً له فينا فما أنا كاذب |
بنادرة الدنيا وفرحة ِ أهلها | أضاءت لنا أقطارها والجوانب |
أمولاي ما عندي إليك وسيلة | تقرّبني زلفى وإني لراغب |
محاسنُ شعري ما إذا أنا قستها | بشعرك والإنصاف فهي مثالب |
وإني مع الإطناب فيك مقصِّرٌ | وإن كان شعري فيك مما يناسب |
أهنّيكَ فيه مَنصِباً أنت فوقَه | بمرتبة لو أنصفتك المراتب |
فإنك شرَّفت المناصبَ كلَّها | وما أنت ممن شرَّفَتْه المناصب |
وهنَّيت نفسي والعراق وأهله | وكلَّ أمرىء أهل لذاك وصاحب |
وزفَّت إلأيه كل عذراء باكرٍ | كما زفت البيضُ الحسانُ الكواعب |
قواف بها نشفي الصدورَ وربمَّا | تَدُّب إلى الحساد منها عُقارب |
شكرتكَ شكر الروض باكره الحيا | وشكرك مفروض ومدحك واجب |
وليس يفي شعري لشكرك حقَّهُ | ولو نُظمتْ للشعر فيك الكواكب |
ومما حباه الله من طيِّب الثنا | مشارقها مملوءة والمغارب |
وكليّ ثناء في علاك وألسن | إذا كنت ممدوحي وأنت المخاطب |
وإني لأبدي حاجة ٌ قد حجبتها | إليك وما بيني وبينك حاجب |
سواي يروم المال مكترثاً به | ويرغب في غير الذي أنا راغب |
وإنك أدرى الناس فيما أريده | وأعلمهم فيما له أنا طالب |
وكيف وهل يخفى وعلمك سابق | بمطلبي الأسنى وفكرك ثاقب |
فلا زلت طلاّع الثنايا ولم تزل | تطالعني منك النجوم الغوارب |