قدحت في مزجها بالماء ناراً
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قدحت في مزجها بالماء ناراً | فأعادت ظلمة َ اللَّيل نهاراً |
شمس راحٍ في الدجى يحملها | طلعة البدر إذا البدر استنارا |
عُتِّقَتْ في الدَّنِّ حتى إنها | لتعي ما كان في الماضي وصارا |
فسلوها كيف كانت قبلنا | عادٌ الأولى صغاراً وكباراً |
أيّ نادٍ للهوى يومئذٍ | يوم نادينا إلى اللهو البدارا |
وجلوناها عروساً طالما | حبيت من حبب المزج نثارا |
وكسونا بالسَّنا جسم الدجى | وخلعنا في اللذاذات العذارا |
وسعى ساقٍ بها تحسبهُ | غصناً يهدي إلينا الجلَّنارا |
علَّم الغصن التثني والصّبا | طرب الأنفس والظبي النفارا |
وبما فضِّل من بهجته | تفضل المرو على البيض العذارى |
سمحٌ ممتنعٌ قيل له | أدرِ الكأسَ علينا فأدارا |
فترى الناس سكارى في هوى | ذلك الساقي وما هم بسكارى |
يا شبيه الورد والآس وما | أحسن التشبيه خداً وعزارا |
بأبي أنت وإن جلّ أبي | عاطنيها مثل خديك احمرارا |
واسقني من فيك عذباً سائغاً | إنَّ بي منك وما لسكر خمارا |
بين ندمانٍ أراقوا دَمَها | بنتَ كرم تسلب الشيخ الوقارا |
حنفاءٍ حللوا ما حرّمت | ورأوا في أخذها رأي النصارى |
ركبوا لِلَّهو في مضماره | أشقراً يصدم أجراهم عثارا |
وكميتاً ما جرت في حلبة | للوغى يوماً ولا شقت غبارا |
فكأن الكأس فيما فعلتْ | أدركتْ عند عقول القوم ثارا |
كلُّ مختال بها في عزَّة ٍ | قد مضى يسحب في الفخر الإزارا |
وإذا ما عاودته نشوة ً | ألبسته تاج كسرى والسوارا |
خفَّ بالراح فلو طار امرؤ | قبل هذا اليوم بالسراح لطارا |
وسمرنا بالذي يطربنا | من حديث وشربناها عقارا |
وتناشدنا على أقداحها | مِدَحاً تزهو نظاماً ونثارا |
بأغرٍّ أبلج من هاشم | أبلجَ المحتد فرعاً ونجارا |
تشرق الأقمار من غرَّته | فهو الشمسُ التي لا تتوارى |
سرّ رمز المجد مبنى بيته | علم السؤدد سراً وجهارا |
كالحيا المنصبِّ بل أندى يداً | والحسام العضب أو أمضى شفارا |
تلك أيديه التي إحداهما | تورث اليمنَ وبالأخرى اليسارا |
مستفاض الجود منهلّ الندى | يوم لا تلقى به إلاّ الأوارا |
والقوافي الغرّ في أيامه | يجتنيها بأياديه ثمارا |
في زمانٍ مذنبٍ لم يعتذر | بكريم لبني الفضل اعتذارا |
ترك الدهر ذليلاً طائعاً | لمنيع من أعزّ الناس جارا |
ولي الفخر بأني شاعر | لأناس لبسوا التقوى شعارا |
هم أقاموا عَمَدَ الدين وهم | أوضحوا في الحق للخلق المنارا |
كل حليْ من فخارٍ وعلى | كان حلياً من حلاهم مستعارا |
في سبيل الله ما قد أنفقوا | من أيادٍ فأسالوها نضارا |
أمَّة ٌ يستَنزَلُ الغيثُ بهم | وبهم تَستكشِف الناس الضرارا |
فإذا استنجدهم كانوا ظبا | وإذا استمطرتهم كانوا قطارا |
جبروا كل مهيض للعلى | وأنابوا الكفر ذلاً وانكسارا |
أجَّجوا نيرانها يوم الوغى | بمواضيهم وإن كانوا بحارا |
في مقام قَصُرَت فيه الخُطا | بالطَّويلات وما كنَّ قصارا |
فعليهم صلوات أبداً | تتولاهم غدوّاً وابتكارا |
أو لستَ الآن من بعدهم | قبساً من ذلك النور أنارا |
طالما سيّرتها قافية ً | غرة لم تتخذ في الأرض دارا |
حاملات مثل أرواح الصبا | من شذى مدحك شيحاً وعرارا |
هذه أيام أنواء الحيا | إن أنواءَكَ ما زالت غزارا |
فاسقني فيهن سحّاً غدقاً | أجلب العز واستقصي الفخارا |
واتخذني لك ممَّن لم يجد | عنك في معترض المدح اصطبارا |
وابق للعيد وحزْ في مثله | مفخراً يسمو وصيتاً مستطارا |