حَثْثتُ على عنيف السَّير نُوقي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حَثْثتُ على عنيف السَّير نُوقي | وقدَّمت الطَّريق على الرفيق |
وقد فتق الزمان على فؤادي | هموماً فهي بارزة الفتوق |
خرجت إلى جميل أبي جميل | إلى الرحب الفضاء من المضيق |
ولولا تمره والبرّ منه | بقينا صابرين على السويق |
فلو جاد النقيب لنا بسمنٍ | حَمِدْنا التمر يعجن بالدقيق |
رأت عيناي في سفر عجيب | أعزّ لديّ من بيض الأنوق |
أخا رشد يغض من المعاصي | وزنديق يتوب من الفسوق |
وقالوا إنّ قدّوري تردّى | رواء الناس كالبر الصدق |
فآونة يصلّي في فريقٍ | وآونة يسبّح في فريق |
وأخبرني ثقاتُ الناس عنه | بأن لا زال في كرب وضيق |
فكاد الشوق يحملني إليه | فيستشفي مشوقٌ من مشوق |
ولكنّي كتبت له كتاباً | كما كتب الشفيق إلى الشفيق |
أعزِّره على ترك الحميّا | وأهديه إلى بئس الطرق |
أقول له وبعض النصح غشٌّ | بما بيني وبينك من حقوق |
وثوقك بالعذاب عنها | وعفو الله أولى بالوثوق |
وكم لله من فرجٍ قريب | وكم للعبد من سعة وضيق |
أتنسى لا اقترفت الإثم إلاَّ | كبيراً بين مزمار وبوق |
ليالينا الّتي انصرمت وولت | حَلَتْ إلاّ بكأس من رحيق |
وكان مكاننا أنّى سكرنا | مكان الكلب قارعة الطريق |
يمرّ بنا الشقيّ فنبتليه | ونزهد بالتقيّ المستفيق |
وقولك للتي سكرت ونامت | فعلت بك المقابح أو تفيقي |
سددت مسامع الحسناء قهرأ | بمثل الجذع من نخل سحوق |
تخبّرني ضيوفك أين جاءت | بأنك قد بعدت عن اللحوق |
تنادي بالطعام بلا شراب | كما نهق الحمار على العليق |
وما هذا الذي عوّضت عنها | وهل يُغني الحديث عن العتيق |
ألم تك بالفساد كما تراني | يشقّ عليّ أن أعصي شقيقي |
فلا طابت أُوَيقات لصاحٍ | رمى أمَّ الخبائث بالعقوق |
لقد كدَّرت يومئذ صفائي | وقد أيبست بالتأنيب ريقي |
وأصبح عنك راضي غير راضٍ | فلا تركْن إلى سخط الصديق |
وقد رزق لسعادة بالمعاصي | بسلطنة ابن سلطان رزوقي |
وكم خمرٍ معتقة ٍ رأها | ففضلها على الخلّ العتيق |
وكان الدنّ لا يروي مناها | فأصبح يشمئز من النشوق |
وكم من تائب من قبل هذا | مروع من كبائره فروق |
وحدّ التائبين اليوم عندي | اختياراً رميهم بالمنجنيق |
فيا لك توبة عادت عليه | بأن يهوي سحيقاً من سحيق |
رأيناهُ يصلّي الخَمْسَ باقٍ | بمحراب الصلاة على الشهيق |
فسلّطنا شياطين القوافي | عليه بالصَّبوح وبالغبوق |
وأغوينا في سحرٍ مبينٍ | من التبيان بالشعر الرقيق |
إلى أن عاد أفسق من عليها | وأسرع بالإجابة من سلوقي |
فما يدنو من الشيطان إلاّ | تمسَّكَ منه بالحبل الوثيق |
وكان بنعمة لو كان يرعى | لها حقاً ويوفي بالحقوق |
وها هو بعدما في كلّ حال | تغيّر بالمجاز عن الحقيقي |
قضى في خدمة النقباء عمراً | وتلك نضارة العيش الأنيق |
غريقك يا أبا سلمان فيها | وكم في بحر جودك من غريق |
يقول رجاء من آوي إليه | لقد حنَّتْ ألى الخيرات نوقي |
يؤمّل من مكارمك الأماني | ويرقب منك صادقة البروق |
فلا غابت شموس بني عليّ | وقد أذِنَتْ علينا بالشروق |
تلوح لنا بهم صور المعالي | فتهدينا إلى المعنى الدقيق |
لبابك سيّد النقباء وافت | منبئة ً علاك عن العلوق |
وتكشف عندك الأستار كشفاً | بحرّ القول عن حال الرقيق |
تحثّ السير مسرعة تهادى | إلى علياك من فجٍّ عميق |
تقوم على الرؤوس لهم أناس | تساويهم على قدمٍ وسوق |