خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/45"> الشيخ صالح بن حميد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/45?sub=19708"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
حقوق الإنسان .. نظرة متوازنة
الحلقة مفرغة
الحمد لله خلق الإنسان فسواه فعدَّله، في أي صورة ما شاء ركبه، هدى البشرية النجدين، فكان منهم برٌ تقي همته طلب الخيرات، وبغيته الزلفى وحسن المآب، ومنهم فاجرٌ شقي منصرفٌ إلى المتع واللذائذ، اتبع هواه، وتقطعت به الأسباب.
أحمد ربي سبحانه وأشكره، له الحكمة البالغة، وإليه يُرجع الأمر كله وهو الكريم الوهاب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُنجي قائلها يوم الحساب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خُتِم به النبيين، وأنزل عليه أشرف كتاب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خيرُ آلٍ وأكرم أصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعــد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- وأذلوا الدنيا بالزهد فيها، وأعزوا الآخرة بالإقبال عليها، واحذروا المعاصي وكفر النعم، فقلَّما كفر قومٌ بنعمة ولم يرجعوا إلى التوبة؛ إلا سُلِبوا عزهم، وسُلط عليهم عدوهم، ومن خاف اليوم أمن غداً، والربح المضمون لمن باع قليلاً بكثير، وفائتاً بباقي: ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:94].
أيها المسلمون: الإنسان السوي يتطلع بفطرته إلى مرجعية تُنظِّم أموره، وتضبط موازينه، وترتب حياته، وتنتشله من دوامات الضياع، وتحفظ له حقوقه، وتبسط له أمنه في دينه ودمه وماله وعرضه، في شمولية متماسكة متناسقة، هذه الحقوق المحفوظة، والأمن المبسوط مردها إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها .. حقٌ في الحياة .. وحقٌ في الحرية .. وحقٌ في العدل .. وحقٌ في العيش الكريم، حقهم في أن يحُفظوا في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقائدهم، كل ذلك منحٌ من الله عز وجل، فالناس قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
إن حقوق الإنسان لا تستورد ولا تقرض، ولكنها تنمو نمواً، وتولد ولادة طبيعية، رحمها المجتمع، ورأسها الدين الذي يرتضيه الله للناس، وركناها القائمان عليها: الدولة والأمة، يُسيرها عقدٌ مُبرم بين ولي الأمر ورعيته.
أيها المسلمون: وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يتصور أن يكون أحدٌ ضد حقوق الإنسان، ولا ضد من يقوم على حراستها وحمايتها والدفاع عنها، وإذا كان من الشنيع والفظيع أن يكون أحدٌ ضدها، فإنَّ من الأشنع والأفظع أن يضطرب في تحديدها، وبيان حقائقها، وضبط معاييرها وموازينها، والأشد شناعة والأكثر فظاعة أن تكون ميداناً للمساومة والمزايدة.
إنَّ كل من يحترم نفسه هو مع حقوق الإنسان بلا حدود وبلا تحفظات ما دامت منضبطة بضوابط النظام واضحة المعالم، فالحرية لا تعني التفلت من المسئولية، وحرية القول لا تعني حرية السب والشتم، وحرية الفكر لا تعني حرية الكفر والهدم، وحرية الانتقال لا تعني حرية الاستيلاء والاحتلال.
نعم! إنَّ مما يجب تأكيده: أن هذه الحقوق يجب أن تُحفظ وتُصان، وما يقع من ممارسات يُهضم فيها حقوق الإنسان فيجب أن يُحاسب مرتكبها والمقصر فيها، كما يجب أن يتقرر أن هناك اختلافاً وتبايناً بين الأمم في ديانتها ومعتقداتها، ويجب احترام عقيدة كل أمة ومستلزمات هذه العقيدة، وإنَّ من الإنصاف التوجه إلى معرفة ما لدى الآخرين بحيادية، ومن حق كل أحدٍ أن يسأل ويستفسر، وعلى من سُئِلَ أن يُوضح ويبين، غير أنَّ من دواعي الاستغراب أن يُوجد إعراض لدى بعض الجهات أو الهيئات والمنظمات في إدراك حقوق الإنسان في الإسلام، وإصرارها على عدم تفهم خصوصيات المجتمعات الإسلامية.
إنَّ عدم فهم هذه المنظمات والهيئات للإسلام وأحكامه، أو عدم استعدادها لسماع الإيضاحات لا يُعطيها الحق في تشويه صورته أو الطعن في مبادئه، وهي مبادئ وقيم من المؤكد وبكل ثقة وإصرار أن غايتها رُقي الإنسان والحفاظ على كرامته وحقوقه.
أيها المسلمون: أيها الناس! وتنبع الخصوصية في المجتمعات الإسلامية من اختلافها عن غيرها من المجتمعات في المنطلقات والمفاهيم، وفي التكوين الفكري والثقافي المميز لأهل الإسلام، فالإسلام هو الذي صاغ الشخصية المسلمة والإنسان المسلم على امتداد القرون، ومستند ذلك: الوحي الرباني كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بينما مع الأسف! لا يمثل الوحي الإلهي جانباً ذا بال في الفكر المعاصر، بل الذي يجري عندهم هو إبعاد الدين عن الحياة، فقامت أنظمتهم على فصل الدين عن الحياة والحكم للدولة، وفي مقابل ذلك فإن المسلم يعتبر الدين والمحافظة عليه، والالتزام به، هو أول الحقوق وأولاها وأهمها، فالدين أول الضروريات، بل هو منطلق الحقوق كلها، ومنه تنبثق ضوابط الأخلاق وقيم السلوك الاجتماعي عند المسلمين، كما أن أصول الشريعة ونصوصها هي النظام التشريعي للمجتمع المسلم في علاقاته وحقوقه كلها.
أيها الناس: وإن شئتم قبسات من قبسات ديننا فتأملوا قصة تكريم الإنسان في قرآننا، عندما أذن الله -سبحانه وتعالى- أن يخلقه ويستخلفه في هذه الأرض.
إن كرامة الجنس الإنساني في ديننا ثابتة مقررة، لا تسقط ولا تنتقص بسبب أخطاء إنسان، أو تقصيره وذنوبه؛ فلقد سأل الملائكة الكرام ربهم عز شأنه: أيستحق هذا المخلوق كرامة الوجود والتفضيل والتكريم مع ما يشوب تاريخه الطويل من آثام؟ اقرءوا قول الله عزَّ وجل: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ [البقرة:30] فكان الجواب الرباني: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:30]
فالجنس الإنساني جديرٌ بالحياة والتكريم، وإن زيغ أفرادٍ منه أو جماعات لا يسلب أبناء آدم المكانة التي بوأهم الله إياها: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70]
وهكذا يرسم ديننا قافلة البشرية وقد بدأت تشق طريقها في الحياة، وقد استخلفها الله في أرضه، لتعمرها وتصلح فيها وتبني: هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61].
ومن أجل هذا! فإن أهل الإسلام يُقررون -وبكل ثقة- أن الإسلام هو أول من قرَّر مبادئ حقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، كما يُقررون كذلك أنهم هم الذين صدروها للناس، ثم هاهو يعاد تصديرها على أنها كشفٌ إنساني كأننا ما عرفناها يوماً، ولا عشنا بها دهراً، وإنَّ مثلنا ومثلهم كماءِ المطر ينزل من السماء فيمكث في الأرض ليظهر بعد حين نبعاً جيَّاشاً أو عيناً جارية، كَمُنْتَ آثارنا ثم انبجست بهذا الري العظيم.
كما يُؤكد أهل الإسلام أن الضمان الحقيقي لحقوق الإنسان وحسن تطبيقها هو الحكم بشريعة الله على عباد الله، والتزام الهيئات الإسلامية والدول والأفراد بالإسلام، وهذا ليس انغلاقاً ولا تقوقعاً على الذات، بل انفتاحٌ عن الحضارة الإنسانية في تراثها النافع، وتوجهاتها الراشدة.
وعلى هذا؛ فإنَّ ما صدر من إعلانٍ عالمي لميثاق حقوق الإنسان فيه إيجابياتٌ كثيرة، وقد مضى عليه أكثر من خمسين عاماً، لكنه ميثاقٌ لم يُطَّبق تطبيقاً عادلاً، ولم يمنع وقوع مظالم واعتداءات على شعوب كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وإن المسلمين قد نالهم من ذلك الظلم النصيب الكبير.
ومما يستحق المراجعة في هذا الميثاق: أنه لم يُراعِ الخصوصيات الدينية والثقافية المختلفة، والأعراف الصحيحة للمجتمعات الإنسانية، مما يستدعي مراجعته، والعمل على إغنائه، وتطويره ليستطيب لتطلعات الشعوب،وينسجم مع معتقداتها الصحيحة وثوابت دينها؛ ليكون صالحاً للتطبيق مع التأكيد على مبادئ العدل والحرية والإخاء.
ومن الحقوق التي نأسى على فواتها، والتي لا تزال جماهير غفيرة من البشر محرومة منها، وهي حقوقٌ لا يستقيم الوجود الإنساني إلا بها: إنها الحقوق التي دعا إليها الأنبياء، والمصلحون، وجاهدوا من أجل تقريرها وتثبيتها، ألا ترى مئات الملايين من البشر يُكرهون على الكفر بربهم إكراهاً، ويُجبرون على الانتظام في تعليمٍ يزدري الديانات، وينال نيلاً أنكى من المقدسات، هناك في قارات الدنيا استعمارٌ كالح متعصب كما يسرق الأقوات فإنه يسرق العقائد، ويسلب الأفكار، ويسعى في فك الأمم عن إيمانها، وتضليلها عن أهدافها.
إن العالم يتطلع إلى تقرير هذه الحقوق التي يتطابق فيها العقل السليم مع الوحي الإلهي، ومن ثمَّ توكيدها واحترامها.
إن المطلوب من المنظمات والهيئات الدولية والأهلية التي ترفع شعارات إنسانية أن تراجع دعواتها ومواقفها؛ وبخاصة موقفها من الدين، وعلاقة الإنسان الفطرية بربه، وما يترتب على هذه العلاقة من استجابةٍ وطاعة، وخضوعٍ لله رب العالمين لا شريك له، كما يجب عليها أن ترصد النتائج الوخيمة على الإنسانية بسبب تمييع الحياة وذوبانها بعد أن تمَّ تجريدها في كثيرٍ من المجتمعات البشرية من التوجيه الديني.
يجب عليها أن تُحصي المآسي الإنسانية التي نتجت عن المروق والتفلت، وأن تراجع مواقفها من عمليات القتل الجماعي التي أوقعت مئات الألوف من الأرواح البشرية، وهاهي الدماء الإسلامية تُهراق أودية وأنهاراً في القوقاز بعد الدماء التي أريقت في البلقان ، ولا تزال تراق في فلسطين المحتلة، وجنوب لبنان ، وكشمير ، وبورما ، والفلبين ، وبقاع أخرى من الدنيا.
ماذا عن مآسي التجارة بالنساء والأطفال؟
هل من حقوق الإنسان أن يكون اقتصاد الشر والجريمة والمخدرات نصف حجم الاقتصاد العالمي؟!
أليست إهانة بشرية مريعة أشكال الدعارة وأرقامها المتعاظمة؟
ماذا عن الأسرة وتماسكها ورعاية الأطفال في أحضانها؟
وماذا عن ملايين الأجنة التي يتم إجهاضها؟!
وماذا عن الإباحية باسم الحرية، حتى بلغ ما يقرب من ثلث المواليد من علاقات سفاح وزنا؟!
انحطت الأخلاق، وعُدم الحياء، حتى أباحوا اللواط والسحاق، وأصبح للوطية جمعيات وأحزاباً، وسنت من أجلهم القوانين، ووضعت التشريعات، مخالفة لسنن الله وسنن الفطرة، حتى أقروا شريعة زواج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ [الشعراء:166].
والمسلمون -بحمد الله- محفوظون بدينهم من حرية العهر والسفاح ومن أن ينحدروا في هذا المجون المشين.
لقد عاش المسلمون آمنين وهم يُطبقون شريعة ربهم التي عرفوا عدالتها، وكفلت جميع حقوق أفرادها، رحمت المجتمع المسلم من التفلت والانهيار والتفكك، نظمت حياة الأسرة، وحضنت الطفل برعاية مناسبة، وسنت أحكاماً بحراسة الحقوق، وضمان الواجبات المترتبة عليها من أحكام العقوبات، والتعازيز، وإقامة الحدود، مما يبسط الأمن، ويُوفر الحياة الهانئة المحفوفة بالأخلاق الحميدة، وطهارة العلاقات الاجتماعية.
إننا نبرأ بهذه المنظمات والهيئات أن تُستغل ضد دين الله، وأحكامه وشرعه، أو ضد مجتمعٍ مسلمٍ آمن من خلال مفاهيم مغلوطة، أو قصور في التصور، أو نقص في الفهم، وإن من المرفوض توظيف دعاوى حقوق الإنسان على نحو يستهدف قيم الإسلام، وأحكام الشريعة، والعدوان على العقيدة الإسلامية ومعتنقيها.
لقد جعلوا قضية حقوق الإنسان بمفهومهم الخاص أحد الأسلحة التي يُشهرونها في وجه من شاءوا، جعلوها من مفهومهم وحدهم معياراً في تقديم مساعدات لمن يحتاج المساعدات، وجعلوها باباً واسعاً للتدخل غير المبرر في الشئون الداخلية للدول وانتهاك سيادتها، ومن ثمَّ الجرأة على دينها ومعتقداتها وأعرافها الصحيحة، كل ذلك تحت شعار حقوق الإنسان.
ومع الأسف كل الأسف! أن إثارة مثل هذه القضايا مرهونٌ بأحداثٍ سياسية، أو إملاء لمواقف معينة، نحو هذه الدولة أو تلك، فتتهم دول ويغض الطرف عن دولٍ أُخرى حسب المصالح والمواقف.
ومن غير المبالغ فيه إذا قيل: إنها ممارسة لإرهابٍ سياسي من أجل أغراضٍ سياسية، ومصالح اقتصادية، بتحريضٍ من بعض القوى ذات النفوذ والهيمنة، إنه هجومٌ مبطن من أجل الهجوم على الشريعة وأحكامها، وإن أهل الإسلام ليُؤكدون أنهم يُقدمون صورتهم الحقيقية، وإن لم تحز على رضا دعاة حقوق الإنسان حسب النموذج الذي يُريدون فرضه.
إنك لتعجب كل العجب حينما يتباكون على مجرمٍ نفذ فيه حكم الله وأقيم عليه القصاص؛ لأنه قتل نفساً بغير حق، أو لأنه أفسد في الأرض، أو حارب الله ورسوله، ولا يقولون كلمة حق، ولا يظهرون تعاطف صدق مع مسلمين أبرياء ضعفاء يقتلون بالآلاف بل بالملايين تزهق أرواحهم، وتهدم منازلهم، ويخرجون من ديارهم، وتشرد نساءهم وأطفالهم، بل لا يمكنون من الدفاع عن أنفسهم، والشيشان خير شاهد، بل الجرائم التي تقترف في حق هؤلاء العزل لا تدخل في قاموس هؤلاء؛ لأن هذا شأنٌ داخلي، بينما تنتهك سيادات دول باسم هذه الحقوق.
وبعــد: أيها الناس! ما قيمة الإنسان بلا أخلاق؟
وما معنى الحرية إذا ضاعت المسئولية؟
وما معنى الحق إذا ضيع الواجب؟
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين:1-8].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاًً فيه كما يُحب ربنا ويرضى، والشكر لله على ما أولى من نِعمٍ سابغة وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُقرب لديه زلفى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، كَرُمَ رسولاً، وشرف عبداً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه نجوم الدجى، ومصابيح الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجم فاهتدى.
أما بعــد:
أيها المسلمون: حقوق الإنسان شعارٌ باهر، ذو جمالية في العبارة، وبريقٍ أخاذ، إلا أن رصيده لدى الشعوب ضعيفٌ للغاية، ومرد ذلك إلى غلبة الهوى، واضطراب المصالح، واختلاف المعايير، وسلوك مسلك الانتقائية والتشهي، مما ينفي حالة الثبات والاستقرار على مبادئ واضحة، فهي مع الأسف شعارات وقتية متغيرة متقلبة، تجري حسب الأهواء والمصالح، وحسب أحوال الرضا والغضب، خاضعة لنسبية الزمان والمكان والظروف والأحوال، ومن أجل هذا فإن من المتحتم رعاية الخصوصيات الدينية والثقافية، والأعراف الصحيحة، والتقاليد الحسنة.
وبلاد الحرمين الشريفين - المملكة العربية السعودية - نموذجٌ للخصوصية الإسلامية في الالتزام بالدين والتمسك بالعقيدة وتطبيق الشريعة، وفي التميز الفكري، والاجتماعي، والأخلاقي.
المملكة تضم أهم مقدسات المسلمين، مكة المكرمة ، والكعبة المشرفة، أول بيتٍ وضع للناس، والمدينة المنورة -طيبة الطيبة- ومسجد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
بلاد الحرمين : هي منطلق الإسلام ومنبعه، ومبعثه، فيها تكونت أول أمة أُخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
بلاد الحرمين ملتزمةٌ بدين الله، مستمسكة بشرعه حاكماً وموجهاً وضابطاً في كل شأنٍ من شئونها، يدخل في ذلك ما تحدثه من أنظمة تتطلبها حركة النمو والتطور، وهذا الالتزام يظهر الخصوصية الإسلامية بكل وضوح تعلنه الدولة في المحافل الدولية وفي كل مناسبة، ويُشرفها أن تكون النموذج الذي ينظر إليه في العلاقات الدولية بين العالم الإسلامي والعوالم الأخرى، ولقد نصَّ نظامها الأساسي الإسلامي على أن الدول تحمي حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
ومما ينبغي أن يُعلم، أن ميزة حقوق الإنسان التي نصَّ عليها هذا النظام أنها قواعد شرعية، وأحكامٌ دينية واضحةٌ المعالم، محددة المفاهيم، وليست شعاراتٌ تُردد، أو مبادئ باهتة تدخلها الإدِّعاءات الفارغة، مما يضيعها ويذيبها؛ بل قد يجعلها ضارة بالفرد والمجتمع.
ومن أجل هذا كله فليعلم أن أهل هذه البلاد أصحاب رسالة تنزلت من السماء، يحاكمون إلى تعاليمها كل شأنٍ من شئونهم، فما وافقها ولو كان مجلوباً إلى أرضنا فهو حق، وما خالفها ولو كان عُرفاً مقرراً لدينا فهو باطل، ولقد قال مسئول كبير في هذه البلاد كلمة فاصلة حين قال: إذا كانت هذه المنظمات تجادلنا في مدى تطبيقنا للشريعة كما هي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سار عليها الخلفاء الراشدون والتابعون لهم بإحسان، فمن حقهم المناقشة والمسائلة، أما إذا كان اعتراضهم على الإسلام عقيدة وشريعة فذلك ما نرفضه كل الرفض، ونأباه كل الإباء، ولسوف نستمسك بالإسلام، ونعيش على الإسلام، ولسوف يعيش عليه حاضرنا إن شاء الله، وتعيش عليه أجيالنا إن شاء الله حتى يرثَ الله الأرض ومن عليها، أحبَّ من أحب، وكره من كره؛ لأنه لا عز لنا إلا بالإسلام، فعلينا أن نعض عليه بالنواجذ.
إن على هذه الهيئات -والكلام لا يزال للمسئول- أن تعلن مواقفها: هل تطبيق الحدود الشرعية ضد حقوق الإنسان؟
وهل التعزيزات الشرعية لحفظ الأمن وسلامة المجتمع ضد حقوق الإنسان؟
وهل يرحم المجرم ليضيع حق المعتدى عليه؟
ولكن الذي يبدو أنه ليس هذا الوطن هو المستهدف، بل عقيدة هذا الوطن هي المستهدفة، ومن هنا فلا مكان للحوار حول عقيدتنا وشريعتنا التي رضيها لنا ربنا وارتضيناها شاكرين لربنا حامدين.
وبعــد: فمرةً أُخرى رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وعلى الله توكلنا، وكفى به هادياً ونصيراً.
ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون- ثم صلوا وسلموا على الرحمة المسداة، والنعمة المهداة، نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز قائلٍ عليم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك ومنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين، اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين!
اللهم وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وأصلح بطانته، واجعله نصرةً لأوليائك، وحرباً على أعدائك، وأعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك؛ لإعلاء كلمتك، وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم سدد سهامهم وآراءهم، وثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.
اللهم أنت الله لا إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أغثنا اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، واجعل اللهم ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ذِينَ سَبَقُ