مشكلات وحلول


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه بين يدي الساعة بالحق بشيراً ونذيراً: وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه، وسار على نهجه وطريقته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام؛ تحية طيبة مباركة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والشكر لله عز وجل على ما منَّ به ويَمُنُّ من نعم عظيمة، وآلاء جسيمة، أعظمها وأفضلها وأكبرها وأجلها نعمة الإسلام؛ فأكرم بها وأعظم من نعمة! ثم ما ييسره سبحانه بمنه وفضله من لقاءات واجتماعات بمثل هذه الوجوه الطيبة في مناسبات كريمة، ومن خيرها ما يعقد في بيوت الله عز وجل من اجتماع لذكر الله عز وجل، والتذاكر فيما ينفع المسلمين، وفيما يفيد المجتمع بإذن الله.

ثم الشكر لكل من أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، أو أقام في الأمة خيراً أو دعا إلى هدى؛ ومن هؤلاء مكتب الدعوة في جدة جزاه الله خيراً، فإن له نشاطه الملحوظ، وله عمله المشكور؛ فهو يجمع الإخوة بمحبيهم؛ ليتذاكروا فيما ينفعهم، وفيما يحفظ عليهم أوقاتهم ويذكرهم بأمور دينهم ودنياهم.

كما يزجى شكر خاص لأخينا: فضيلة إمام هذا المسجد الشيخ عدنان شاكر، فقد أحرجني كثيراً، لا لأن الموقف محرج، ولكن لأنني كنت أرده كثيراً وإن كان لحوحاً، والإلحاح في مثل هذه المواقف محمدة ومطلوب، وأرجو أنني لم أكن لئيماً، فقد كنت أعتذر كثيراً، ويعلم الله أن اعتذاري لكثرة المشاغل لا رغبة عنكم، ولا عزوفاً عن مثل هذه اللقاءات الطيبة، ولكنها ظروف ومشاغل قد تكون في مكة شرفها الله، وقد تكون خارج مكة ، ولكن الله سبحانه وتعالى قد أذن بهذا اللقاء؛ فالشكر له سبحانه، ثم لكل من كان سبباً في مثل هذا التجمع الطيب المبارك.

أيضاً العنوان اختاره الشيخ عدنان، ورغب أن يكون تحت العنوان الذي سمعتم: مشكلات وحلول، وأشار أيضاً إلى بعض المشكلات التي يستحسن أن يكون الحديث عنها كبعض مشكلات الزواج، سواء فيما يتعلق بالزواج ابتداءً أو انتهاءً، وما بين ذلك من أمور الأبناء وتربيتهم، ونحو هذه المشكلات، ولعلي أعرض إلى شيء منها بطريقة أرجو أن تكون واضحةً ومفيدة إن شاء الله، وإن كنتم قد سمعتم في هذا كثيراً، ولكنها أمور ينبغي أن نتذاكر بها، وأن نذكر أنفسنا، وبخاصة أننا أحياناً -مع الأسف- نلاحظ في بعض المعالجات -وبخاصة المعالجات عن طريق بعض وسائل الإعلام- أنها معالجات غير حكيمة، وتصوير لبعض المشكلات تصويراً خاطئاً، أو تكبير للشيء أكبر من حجمه، أو تهوين للشيء بينما حجمه أكبر من ذلك.

فمن هذه المشكلات الاجتماعية على سبيل المثال: غلاء المهور.. العنوسة.. الطلاق.. تعدد الزوجات، وهذه كثيراً ما تجعلها بعض وسائل الإعلام سبيلاً لبعض المغرضين والمناوئين؛ ليبثوا بعض ما يريدون من سوء، من خلال تصوير هذه المشكلات وإثارتها.

على سبيل المثال -وإن كنت قد لا أتعرض له هنا، لكن حتى أريكم كيف يكون الخطأ في الطرح لبعض المشكلات-: تعدد الزوجات يتكلمون عنه وكأنه قضية تقبل النقاش، بل أحياناً قد نرى من السماجة والسذاجة أنهم يقيمون استفتاءً يسألون الشاب فيه: ما رأيك في التعدد؟

ويسألون بنتاً أو فتاة: ما رأيك في التعدد؟

والتعدد مشروع، ولا يجوز أن يطرح هذا السؤال في مجتمع مسلم؛ لأن القضية ليست قضية أن التعدد جائز أو غير جائز، فهذا لا يطرح بهذا الشكل ولا يجوز أصلاً، ومن اعتقد أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين اثنتين -أحياناً- أخشى أن يكون كافراً، إنما القضية هل الرجل هذا مستعد؟ وهل توفرت فيه العدالة؟

أما أن يطرح السؤال بهذه الطريقة فهذا خطأ! والله عز وجل يقول: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] فالقضية محسومة في أصل التعدد، إنما القضية هل الإنسان بذاته قادر أم غير قادر؟ هل هو يستطيع؟ وهذه قضية فردية. فالقضية لا يجوز أن تطرح بهذا الشكل. فقد نحسن الظن في كثير من أصحاب هذا الطرح لكنهم يغفلون لأنهم لا يفقهون، وقد يكون فيهم السيئ أحياناً.

وأيضاً هناك مشكلات سوف نعرض لبعضها لنرى كيف ينبغي أن تطرح وتعالج.

وأنا أثرت بعض أسئلة، وأحببت أن يكون طرحي إليكم عن طريق تساؤل ثم إجابات.

فمثلاً: بعض الأسئلة التي تلمست أنها توجد إما عن طريق الصحافة، أو حتى أحياناً عن طريق بعض المجالس، أو من بعض الإخوة حينما يعالجون بعض المشكلات، مثلاً هذا السؤال: ما مدى تأثير الجوانب المادية في إقدام أو عزوف الشباب عن الزواج؟

وهو يعني قضية المهر مثلاً.

السؤال: هل المهر مشكلة أو غير مشكلة؟

بل قد يُقال: هل هو مشكلة جوهرية، وهل تعالج القضية بالحد من غلاء المهور؟

إذاً هذه قضية. ولهذا قلنا: وهل غلاء المهور هو المشكلة الرئيسية أو الأساسية في العزوف عن الزواج؟

نقول في الإجابة: يبدو من هذا السؤال بحسب من طرحه؛ أن عزوف الشباب الملحوظ عن الزواج ليس بسبب الجانب المادي، إذا كان المراد بالمادة قلة ذات اليد -يعني: ما عنده فلوس- أما إذا كان الماديات في المصطلح المعاصر معناها أنه تغيرت أفكار الناس، بحيث صارت مرتبطة بالمادة. ولهذا أقول: إن الأمر في تقديري أكبر من ذلك، أي: أن القضية ليست مالية، بل عنده مشكلة زواج، إذ أن التأثير جاء من الآثار الكبيرة للمدنية المعاصرة بكافة معطياتها، وتكاد تكون في أغلبها معطيات سلبية، ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الروحية والفكرية، والعلاقات الاجتماعية.

إذاً: فيجب أن نفقه أن القضية تكاد تكون تحولاً فكرياً عند كثير من الناس.. في الشباب.. في الفتيات.. بل حتى في الآباء والأمهات. تغيروا بحيث جعلوا القضية مادية، فيرددون: تأمين المستقبل لبنتنا! وهذا طيب. لكن هذه النظرة يلاحظ أنها ناشئة عن بُعدٍ عن رسوخ العقيدة بتوجيهات القرآن، فالله عز وجل يقول: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].

إذاً: لا نمنع الزواج من أجل فقر الزوج؛ لأننا لو كنا نعالج القضية علاجاً جوهرياً وصحيحاً لكنت أزوج الفقير وأعينه، لماذا أزوجه وأنا أتطلع لأن آخذ منه للأم وللبنت وللخالة وللعمة وغيرهن من أقارب الزوج.

إذاً لن نحلَّ المشكلة بهذه الطريقة؛ لأن نظرتنا قاصرة، ونظرتنا إما أن تكون نابعة من تقاليد بائدة وبالية، وإما أنها بعيدة عن النظرة الإسلامية الصحيحة، أو أنها نابعة من مدنية معاصرة ترتبط بماديات، وبشهادات، ووظيفة، وتأمين مستقبل ونحو ذلك.

ولا شك أننا لا نريد العاطل، ولا المهمل، ولا نريد المتسيب، ولا شك أن لنا فيه نظرة؛ لكن لا نحجم ونحجب شبابنا وفتياتنا عن الزواج بحجة هذا؛ لأنه لو تعاونا حقيقة، ولم نجعل المادة أو الفقر مقياساً؛ لما كنا في مثل هذا.

ولهذا نقول: إن الذي أثر في نظرتنا وغير مقاييسنا، جاء من الآثار الكبيرة للمدنية المعاصرة بكافة معطياتها، وتكاد تكون في أغلبها معطيات سلبية، ولا سيما فيما يتعلق بالجوانب الروحية والفكرية والعلاقات الاجتماعية؛ فنظرة الشباب إلى الحياة قد تغيرت تغيراً سيئاً، غير محمود، تغيراً مقروناً بكثير من الخطأ والخلط، وأصبحت أغلب المقاييس عندهم مادية؛ فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، بل إن تقييمه لشريكة حياته يكاد يكون مادياً أو شبه مادي؛ ولهذا تجدون في الصحافة: الزواج بالمتعلمة.. الزواج بالموظفة.. الزواج بالعاملة؛ لأن المقاييس تغيرت، حتى صارت الصحافة تطرح هذه الأطروحات.

إذاً تغيرت عندنا النظرة والتفكير؛ تغيرت تغيراً مشوباً بكثير من الخطأ والخلط، وأصبحت أغلب المقاييس مادية؛ فالمستقبل مادة، والتخطيط مادة، بل إن تقييمه لشريكة حياته يكاد يكون مادياً أو شبه مادي، فما يتلقفه الشباب من معلومات وأخلاقيات بطريق مباشر أو غير مباشر، عن طريق وسائل الإعلام بشتى أنواعها؛ مقروءة ومنظورة ومسموعة، له أثره الكبير في النظرة إلى الحياة، نظرة فيها بعد كبير عن التوجيهات والمقاصد الإسلامية؛ فالزواج في المجتمع المسلم يدين بتعاليم الإسلام ويتشربها في فكره وفي قلبه، ويفقهها ويمارسها سلوكاً.

لو كنا نعيش الإسلام حقيقة في صدورنا، ونعيشه في سلوكنا وتحركاتنا، وفي أفكارنا، وفيما نتلقى ونلقي؛ لتغير الأمر. ولهذا نقول: الزواج في الإسلام منظور فيه لعدة أمور، فليس مادياً بحتاً:

الزواج غذاء للعاطفة الفطرية

أولاً: أنه غِذاء للعاطفة الفطرية التي أودعها الله في بني آدم ذكوراً وإناثاً، والزواج أيضاً وضع لهذه الفطرة في الطريق الصحيح، لا سفاح، ولا انقطاع وتبتل، بل هو وضع لها في الطريق الصحيح المثمر، ولو أن ولي البنت أن الزواج غض وإعفاف وحشمة وكرامة؛ لما نظر نظرته هذه -الكبرى- للمادة، يريد أن يكسب من ورائها؛ ليعطي أمها، ويعطي خالتها، ويعطي عمتها، ويخطط لأمور يريد أن يكسبها عن طريق المهر، لو نظر نظرة حقيقية فيها كرامة، وفيها شهامة ودين من عفة، ومن غض بصر، ومن تثبيت للفضيلة، وإعمار للبيوت، وإكثار لنسل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لو نظر لهذه الأهداف؛ لكانت المادة جزءاً يسيراً. فقد شرعت المادة حتى يكون هناك نوع من القيمة التي لا تعدو أن تكون بنفس نسبتها.

الزواج إعمار للبيوت على أسس من الضبط والانضباط

فلا حرمان من فشو الزواج يؤدي إلى انتكاسات، ولا إباحية تحط إلى البهيمية، وتلغي العلاقات الاجتماعية، وتهدم المجتمعات البشرية، وتؤدي إلى التبذل والامتهان. هذا أساس من أساسيات الزواج الإسلامي.

أساس آخر لو أننا نفقهه كأولياء للبنات، وكدعاة للمجتمع وأولياء أمور وموجهين، ومسئولين أيضاً؛ البناء الآخر: وهو أن الزواج في الإسلام بناء للأسرة على أسس من الضبط والانضباط، فالأسر في العالم المعاصر تفككت، وفي الإسلام -إذا كنا نطبق الإسلام حقاً- يجب أن تبقى الأسرة متماسكة،ومع الأسف أن المد المعاصر خلخل الأسرة، ولو كنا نفقه الإسلام جيداً؛ يجب أن نحافظ على الأسرة، ونحوطها بسياج متين، ولا تكون المحافظة إلا حينما نزوج شبابنا وفتياتنا.

إذاً: غرض الزواج كما أنه إشباع للفطرة وضبط لها؛ كذلك هو بناء للأسرة على أسس من الضبط والانضباط، يعرف كل طرف ما له وما عليه، ولعل ذلك يلحظ من مثل قوله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21] لو كان الإنسان يفقه هذه الكلمة كزوج ويحترم هذه الكلمة التي جسدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {قد أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله } لعلم أن الأمر ليس سهلاً، فالعلاقة الزوجية علاقة كريمة، وميثاق غليظ، ولكن كثيراً من المسلمين لا يفقهون هذا، فضلاً عن الممارسات الخاطئة في قضايا الطلاق، وفي قضايا أخرى.

فإذاً المشكلة ليست مشكلة مهر إنما المشكلة أكبر من ذلك.

بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر

الأمر الثالث في نظرة الزواج في الإسلام: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر والنافع، المكافئ لما مُنحه الإنسان من عقل وتفكير، فالله عز وجل خلق الإنسان وكرمه، وجعل له مزايا يفوق بها الحيوان، بل لا مقارنة بينه وبين الحيوان إلا من حيث أنه ينمو ويأكل ويشرب؛ ولكن لا نسبة؛ لأنه أعطي العقل والتفكير، وأعطي مع ذلك التكليف، ولما أعطي التكليف وكان قادراً على تحمل التكاليف كان مستخلفاً. فهو مسئول؛ فالله عز وجل استخلفه في هذه الأرض وهو سائله: هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61]. يعني: طلب منكم عمارتها.

إذاً: النوع الإنساني يختلف عن سائر المخلوقات كلها، فخلق السماوات والأرض والجبال أكبر من خلق الناس، حتى الجمل أكبر من خلق الإنسان؛ ولكن الإنسان أعطي فكراً وصار هو المسئول: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ [الأحزاب:72] على كبرهن وضخامتهن: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ [الأحزاب:72].

وإذا كان مسئولاً فلن يقوم بالمسئولية على تمامها إلا حينما تكون الأسرة منضبطة ومحترمة؛ ولهذا نقول مرة أخرى: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر. فإن بقية الأنواع موجودة، وقد لا تنقرض بعض الحيوانات؛ لكن ليس هذا هو المقصود، بل المقصود أن يبقى النوع البشري على نحو مفيد، يعمر هذه الأرض على نحو ما أمره الله عز وجل، فيكون الإعمار المجدي والنافع مكافئاً لما منحه الله ووهبه، من عقل وتفكير، وليس مجرد -كما يقولون: بقاء النوع- فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل للحيوانات من غير بني البشر، فالحيوانات تتكاثر، ولا يوجد أكثر من الكلاب، فهي تتكاثر وتتوالد لكن هل هذه هي المهمة فقط؟

هل المهم أن يتكاثر الجنس البشري؟

لا. المهم أن يتكاثر تكاثراً منظماً يقوم على أساس القيام بمهمة التكليف، وهذا لا يكون إلا في أسرة كريمة.

ومن أهم أهداف الزواج: بناء الأسرة وبقاء النوع على نحو نافع، ولو فقه هذا أولياء الأمور، والمسئولون، وحفظوا هذا لما كانت القضية المادية هي كل شيء، فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل في الحيوانات من غير بني البشر؛ ولكن هذا لا يمكن أن يلائم الإنسان المستخلف لعمارة الأرض، والسير على أمر الله عز وجل.

القيام بمسئولية الأطفال

وبناءً على ذلك يكون هناك أمر آخر: وهي مسئولية تترتب على هذا، وهي قضية الأولاد، فالحيوانات ليست مسئولة عن أولادها إلا بمقدار ما هداها الله عز وجل من فطرة، بحيث تحميها صغاراً وترضعها فإذا رضعت نفرت، ولهذا أكبر طفولة هي في الإنسان فيبقى إلى أربع عشرة سنة وهو طفل؛ بينما ولد العنز في خمس دقائق يمشي على الأرض وانتهت القضية، وخمس دقائق ثم يضع فمه ويأكل، أما الطفل فيظل في حجر أمه فقط تسعة أشهر لا يكاد يتحرك فيها فضلاً عن أن يأكل بيمينه أو يأكل بيده.

فأربع عشرة سنة وأنت تربي فيه، وقد لا ينضج إلا في حدود خمس عشرة سنة، فخمسة عشر عاماً كلها فترة تربية وتوجيه.

إذاً هذا غير مفهوم للأسف، بل حتى يكاد يكون غير مفهوم في الأمم المتقدمة.

إذاً: قضية البيت والأسرة لو فقهناها لتغيرت نظرتنا.

ينبغي أن يفهم أبو البنت وأبو الشاب أن المهمة هي: العناية بالأولاد، والتربية، والحنو والعطف عليهم، من حيث الأبوة الكادحة، والأمومة الحانية.

أولاً: أنه غِذاء للعاطفة الفطرية التي أودعها الله في بني آدم ذكوراً وإناثاً، والزواج أيضاً وضع لهذه الفطرة في الطريق الصحيح، لا سفاح، ولا انقطاع وتبتل، بل هو وضع لها في الطريق الصحيح المثمر، ولو أن ولي البنت أن الزواج غض وإعفاف وحشمة وكرامة؛ لما نظر نظرته هذه -الكبرى- للمادة، يريد أن يكسب من ورائها؛ ليعطي أمها، ويعطي خالتها، ويعطي عمتها، ويخطط لأمور يريد أن يكسبها عن طريق المهر، لو نظر نظرة حقيقية فيها كرامة، وفيها شهامة ودين من عفة، ومن غض بصر، ومن تثبيت للفضيلة، وإعمار للبيوت، وإكثار لنسل أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لو نظر لهذه الأهداف؛ لكانت المادة جزءاً يسيراً. فقد شرعت المادة حتى يكون هناك نوع من القيمة التي لا تعدو أن تكون بنفس نسبتها.

فلا حرمان من فشو الزواج يؤدي إلى انتكاسات، ولا إباحية تحط إلى البهيمية، وتلغي العلاقات الاجتماعية، وتهدم المجتمعات البشرية، وتؤدي إلى التبذل والامتهان. هذا أساس من أساسيات الزواج الإسلامي.

أساس آخر لو أننا نفقهه كأولياء للبنات، وكدعاة للمجتمع وأولياء أمور وموجهين، ومسئولين أيضاً؛ البناء الآخر: وهو أن الزواج في الإسلام بناء للأسرة على أسس من الضبط والانضباط، فالأسر في العالم المعاصر تفككت، وفي الإسلام -إذا كنا نطبق الإسلام حقاً- يجب أن تبقى الأسرة متماسكة،ومع الأسف أن المد المعاصر خلخل الأسرة، ولو كنا نفقه الإسلام جيداً؛ يجب أن نحافظ على الأسرة، ونحوطها بسياج متين، ولا تكون المحافظة إلا حينما نزوج شبابنا وفتياتنا.

إذاً: غرض الزواج كما أنه إشباع للفطرة وضبط لها؛ كذلك هو بناء للأسرة على أسس من الضبط والانضباط، يعرف كل طرف ما له وما عليه، ولعل ذلك يلحظ من مثل قوله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21] لو كان الإنسان يفقه هذه الكلمة كزوج ويحترم هذه الكلمة التي جسدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {قد أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله } لعلم أن الأمر ليس سهلاً، فالعلاقة الزوجية علاقة كريمة، وميثاق غليظ، ولكن كثيراً من المسلمين لا يفقهون هذا، فضلاً عن الممارسات الخاطئة في قضايا الطلاق، وفي قضايا أخرى.

فإذاً المشكلة ليست مشكلة مهر إنما المشكلة أكبر من ذلك.

الأمر الثالث في نظرة الزواج في الإسلام: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر والنافع، المكافئ لما مُنحه الإنسان من عقل وتفكير، فالله عز وجل خلق الإنسان وكرمه، وجعل له مزايا يفوق بها الحيوان، بل لا مقارنة بينه وبين الحيوان إلا من حيث أنه ينمو ويأكل ويشرب؛ ولكن لا نسبة؛ لأنه أعطي العقل والتفكير، وأعطي مع ذلك التكليف، ولما أعطي التكليف وكان قادراً على تحمل التكاليف كان مستخلفاً. فهو مسئول؛ فالله عز وجل استخلفه في هذه الأرض وهو سائله: هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود:61]. يعني: طلب منكم عمارتها.

إذاً: النوع الإنساني يختلف عن سائر المخلوقات كلها، فخلق السماوات والأرض والجبال أكبر من خلق الناس، حتى الجمل أكبر من خلق الإنسان؛ ولكن الإنسان أعطي فكراً وصار هو المسئول: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ [الأحزاب:72] على كبرهن وضخامتهن: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ [الأحزاب:72].

وإذا كان مسئولاً فلن يقوم بالمسئولية على تمامها إلا حينما تكون الأسرة منضبطة ومحترمة؛ ولهذا نقول مرة أخرى: بقاء النوع البشري على النحو المجدي والمثمر. فإن بقية الأنواع موجودة، وقد لا تنقرض بعض الحيوانات؛ لكن ليس هذا هو المقصود، بل المقصود أن يبقى النوع البشري على نحو مفيد، يعمر هذه الأرض على نحو ما أمره الله عز وجل، فيكون الإعمار المجدي والنافع مكافئاً لما منحه الله ووهبه، من عقل وتفكير، وليس مجرد -كما يقولون: بقاء النوع- فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل للحيوانات من غير بني البشر، فالحيوانات تتكاثر، ولا يوجد أكثر من الكلاب، فهي تتكاثر وتتوالد لكن هل هذه هي المهمة فقط؟

هل المهم أن يتكاثر الجنس البشري؟

لا. المهم أن يتكاثر تكاثراً منظماً يقوم على أساس القيام بمهمة التكليف، وهذا لا يكون إلا في أسرة كريمة.

ومن أهم أهداف الزواج: بناء الأسرة وبقاء النوع على نحو نافع، ولو فقه هذا أولياء الأمور، والمسئولون، وحفظوا هذا لما كانت القضية المادية هي كل شيء، فلو كان المقصود مجرد التزاوج؛ لحصل الأمر كما يحصل في الحيوانات من غير بني البشر؛ ولكن هذا لا يمكن أن يلائم الإنسان المستخلف لعمارة الأرض، والسير على أمر الله عز وجل.

وبناءً على ذلك يكون هناك أمر آخر: وهي مسئولية تترتب على هذا، وهي قضية الأولاد، فالحيوانات ليست مسئولة عن أولادها إلا بمقدار ما هداها الله عز وجل من فطرة، بحيث تحميها صغاراً وترضعها فإذا رضعت نفرت، ولهذا أكبر طفولة هي في الإنسان فيبقى إلى أربع عشرة سنة وهو طفل؛ بينما ولد العنز في خمس دقائق يمشي على الأرض وانتهت القضية، وخمس دقائق ثم يضع فمه ويأكل، أما الطفل فيظل في حجر أمه فقط تسعة أشهر لا يكاد يتحرك فيها فضلاً عن أن يأكل بيمينه أو يأكل بيده.

فأربع عشرة سنة وأنت تربي فيه، وقد لا ينضج إلا في حدود خمس عشرة سنة، فخمسة عشر عاماً كلها فترة تربية وتوجيه.

إذاً هذا غير مفهوم للأسف، بل حتى يكاد يكون غير مفهوم في الأمم المتقدمة.

إذاً: قضية البيت والأسرة لو فقهناها لتغيرت نظرتنا.

ينبغي أن يفهم أبو البنت وأبو الشاب أن المهمة هي: العناية بالأولاد، والتربية، والحنو والعطف عليهم، من حيث الأبوة الكادحة، والأمومة الحانية.

وأيضاً لو فقهنا مهمة البيت وعرفنا توزيع المسئوليات، ومع الأسف حصل خلط أثَّر كثيراً في التسيب حتى في الأمم المعاصرة التي تزعم التقدم، فتجد عندهم مشكلات نفسية، ومشكلات عصبية، ومشكلات إلى ما لا نهاية، بينما لو كان هناك سير على النحو الفطري الذي يدعو إليه الإسلام؛ المرأة لها وظيفة معينة، والرجل له وظيفة معينة، إذا تجاوز أحدهما الآخر حصل خلل، وبمقدار التداخل والفوضى تكون الانتكاسات، شئنا أم أبينا سنة الله عز وجل.

المرأة الأصل فيها أن تكون في البيت: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] وهذه قضية فطرية، وإخراجها لا بد أن يحدث آثاراً سلبية مهما كان، فالأصل أن المرأة مُنفقٌ عليها، والأصل أن المرأة تبقى في بيتها، والأصل في المرأة أن تكون مسئولة مسئولية أولية عن البيت في الداخل، والأب مسئول عنه في الخارج، فهذه قضية أساسية، الخلل فيها يؤدي إلى خلل في النسل، ويؤدي إلى خلل في الأبناء قطعاً.

نعم. وهناك أشياء قد تكون إلى حد ما قابلة للنظر، وقابلة للتغيرات على حسب المقتضيات؛ لكنها لا تؤثر على الأصل، فأحياناً قد يكون التعليم مطلوباً، وتختلف درجات التعليم، ولكن يبقى معلوم أنه لا يعلِّم النساء إلا نساء، وكذلك أمور النساء لا يفقهها ولا يمارسها إلا نساء؛ لكن أيضاً تبقى المسئولية الأساسية هي البيت مهما كان. ولهذا أيضاً يلاحظ أن بعض المسلمين الذين أغناهم الله عز وجل قد أوكلوا تربية أولادهم إلى غير الأمهات؛ إما إلى خادمة وإما إلى خادم وإما إلى مربية...إلخ، وهذا يؤثر كثيراً، فتجد عنده قدرة مادية على أن يأتي بخادمة ومربية؛ لكن الخادمة يتعلق عملها بأمور بيتية تتعلق بالماديات، كطبخ أو كنس؛ لكنها لا تحسن بتربية الأولاد، فهذه مسئولية الأم كما أنها مسئولية الأب مباشرة.

فبناء الأسرة وتكوينها في الإسلام مبني على أسس منها العناية بالأولاد والتربية، والحنو، والعطف، ولكن إذا سادت الماديات فعلى العطف السلام!

إذا كانت العلاقة بين الزوج والزوجة أن لها راتباً وله مثلها، أو أن الزوجة تدفع والأب يدفع أصبحت المسألة مقايضة، لا أدري كيف سيكون شعور الطفل والطفلة حينما يعلم أن أباه وأمه يتحاسبان مادياً؛ أنا دفعتُ وأنت ما دفعتَ، يفتقد الحنو والعطف، ويفتقد الرحمة التي تظل البيت: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21] وإذا قلبناها إلى ماديات ذهبت المودة والرحمة.

والتربية قضية أساسية في الأسرة ينبثق عنها حنو وعطف، أبوة تكدح في الخارج، وأمومة تحنو في الداخل، فيخرج الولد سوياً يرى أباه مكافحاً، عرقه يسيل من جبينه، ينفق ويكسب لأولاده، والأم يراها تدغدغ العواطف، وتحنو عليه في صدرها وفي حجرها، وغير خافٍ حرص الأبوين على تفوق أولادهم ونبوغهم؛ مما لا يتحقق في غير هذا الجو الأسري الحاني.

إذاً العامل الرئيسي في عزوف الشباب عن الزواج: هو هذا الزخم من الثقافات والانتكاسات الفكرية، والغزو المخلخل والمفسد للمقاييس والمعايير، وليس هو غلاء المهور، أو ثقافة المرأة كما يبدو من بعض الكتابات، وإن كان لهذه أثر فمعالجته أيسر بكثير من معالجة الغزو الثقافي، الذي تستدعي معالجته النظر في مجالات كثيرة في التربية والإعلام وسائر موارد الثقافة.

إذاً قضية المهور مشكلة، ولكن تبين لنا أنها ليست مشكلة أساسية، وكذلك قضية تعليم المرأة.

والمرأة ينبغي أن تعرف أمور دينها، ولا يكون ذلك -غالباً- إلا بالتعلم، وهي لا تفقه أحكام عباداتها، وأمور دينها، وحسن تفقيه أولادها في حدود مقدرتها إلا بالتعلم، فالتعلم ليس سوءاً لذاته لكن السوء فيما يصاحب التعلم من أشياء لا يجوز أن تتعلمها ونحو ذلك، ويحرم التعلم إذا كان وسيلة إلى محرم، كما أنه يجب إذا كان وسيلة لواجب، وإذا كان وسيلة إلى مستحب فهو مستحب، فتعلم الوضوء واجب؛ لأنه واجب، فللوسائل حكم المقاصد.

ومشكلة أخرى تثار كثيراً وهي قضية الزواج المبكر: فالزواج المبكر مشكلة من المشكلات، وتطرحه الصحافة أيضاً فتقول: ما رأيك في الزواج المبكر؟

من إيجابيات الزواج المبكر

ومعلوم أن الإسلام يتمشى مع الفطرة، والإنسان عادة إذا بلغ صار له ميل إلى الزواج إذا كان إنساناً طبيعياً وسوياً.

إذاً نقول: الذي يبدو أن الزواج المبكر فيه خير كبير، وإيجابيات تضمحل معها السلبيات إن وجدت، لماذا؟

لأن الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية، وأنتم تلاحظون في آبائنا إلى أمد قريب -قبل ثلاثين سنة- كان أغلب الناس يتزوجون في السابعة عشرة والثامنة عشرة، فتجده قبل أن يتزوج غير مستقر، فإذا تزوج استحى؛ لأنه صار رجلاً، يعيش عيشة الرجال، ويشعر أنه قد اكتملت رجولته، وأنه لا يجوز له أن يمارس ما كان يمارسه حينما كان عازباً، وهذا أمر معروف.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية، فبدل أن كان المرء خيالياً تجده بعد الزواج قد صار واقعياً، يعرف قيمة الريال، ويعرف قيمة الوقت، ويعرف أنه محاسب، وهذا شيء جميل.

وأنتم تلاحظون أولادكم، يكاد الواحد يبلغ ثلاثين سنة ولكنه صغير، مادام أنه يدرس في الجامعة، ولم يتزوج، ولو تزوج وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم أصبح عنده ولد، فإنك تجده يستحي، فقد أصبح رجلاً، بينما يمكن أن يصل إلى الثامنة والعشرين من عمره وهو في المرحلة الجامعية -مرحلة دراسات عليا- ولكنك تراه صغيراً، وهو يرى نفسه أنه عالة، ولا يشعر بالمسئولية، حتى الموظف المتزوج تجده -غالباً- يشعر بالمسئولية أكثر من الموظف العازب.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية؛ فلا يجنح به خيال، ولا يشق به تفكير، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر طالت في تقديرهم فترة المراهقة، ويصير الشخص اليوم ابن ثماني عشرة سنة أو عشرين ويقولون: هذا حدث من الأحداث، فإذا قبضت عليه الشرطة، قالوا: هذا حدث، بينما لو كان متزوجاً وقال لهم: أنا عمري ثماني عشرة سنة ومتزوج لحاسبوه حساباً عسيراً، وإذا كان في أربع وعشرين سنة ولم يتزوج لقالوا: ما زال من الشباب، وتعتبر هذه جنحة كما يسمونها في القانون، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر في هذه المدنية طالت في تقديرهم فترة المراهقة، حتى أصبح من بلغ خمساً وعشرين سنة أو أكثر من ذلك يعد مراهقاً، وإن كان طبعاً هذا قد يكون فيه نوع من التصوير التقريبي، وفي هذا إرهاق كبير، وهو لا يزيد المربيين إلا إرهاقاً ورهقاً، والله أحكم الحاكمين.

حينما خلق الله الإنسان وهو أعلم بمن خلق، ربطت شريعته حد التكليف بالاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة، فإذا بلغها الرجل حوسب محاسبة الرجال، وكذلك المرأة إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت.

لا شك أنها هي السن التي يصبح الإنسان فيها مكتملاً، قادراً على تحمل المسئولية، والتكاليف الشرعية والاجتماعية، وأظن القارئ والمستمع ومن يسمع الآن أو يسمع فيما بعد، ومن يقرأ يشارك في أن نسب الطلاق في المجتمعات المتقدمة أعلى منها في الأمم المحافظة، وكلما دخلت أمة في المعاصرة ارتفعت نسبة الطلاق والخلافات الزوجية.

إذاً: فالقضية ليست قضية مادية، أو قضية تأمين مستقبل، بل القضية قضية استقرار، وقضية استيعاب لمسألة البيت والأسرة، ومسألة الزواج، وليست هي قضية زواج مبكر وزواج غير مبكر.

وأقصد بالأمة المحافظة أي: محافظةً دينيةً، وليست عادات جاهلية، ولا تقاليد بائدة بعيدة عن الإسلام، فهذه لا ميزان لها، إنما المحافظة التي تعني التدين والاستقامة، وتعني القيام بالمسئولية على وجهها، فهذه إذا وجدت قلت نسبة الطلاق.

إذاً: نحب أن نؤكد هنا أنه لا ينبغي أن يعطى الجانب المادي أكثر مما يستحق في تقرير الزواج من عدمه، وقد قال الله عز وجل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] هذه آية حاسمة في أن الفقر لا يجوز أن يكون مانعاً لنا أن نزوج من يأتينا؛ ممن يُرضى دينه وأمانته وخلقه لما سبق ذكره.

إذاً: هذه قضية تتعلق ببعض مشكلات الزواج سواءً في المهر، أو الزواج المبكر، وما استتبع ذلك من كلامنا استطراداً على البيت والأسرة.

ومعلوم أن الإسلام يتمشى مع الفطرة، والإنسان عادة إذا بلغ صار له ميل إلى الزواج إذا كان إنساناً طبيعياً وسوياً.

إذاً نقول: الذي يبدو أن الزواج المبكر فيه خير كبير، وإيجابيات تضمحل معها السلبيات إن وجدت، لماذا؟

لأن الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية، وأنتم تلاحظون في آبائنا إلى أمد قريب -قبل ثلاثين سنة- كان أغلب الناس يتزوجون في السابعة عشرة والثامنة عشرة، فتجده قبل أن يتزوج غير مستقر، فإذا تزوج استحى؛ لأنه صار رجلاً، يعيش عيشة الرجال، ويشعر أنه قد اكتملت رجولته، وأنه لا يجوز له أن يمارس ما كان يمارسه حينما كان عازباً، وهذا أمر معروف.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية، فبدل أن كان المرء خيالياً تجده بعد الزواج قد صار واقعياً، يعرف قيمة الريال، ويعرف قيمة الوقت، ويعرف أنه محاسب، وهذا شيء جميل.

وأنتم تلاحظون أولادكم، يكاد الواحد يبلغ ثلاثين سنة ولكنه صغير، مادام أنه يدرس في الجامعة، ولم يتزوج، ولو تزوج وهو ابن سبع عشرة سنة، ثم أصبح عنده ولد، فإنك تجده يستحي، فقد أصبح رجلاً، بينما يمكن أن يصل إلى الثامنة والعشرين من عمره وهو في المرحلة الجامعية -مرحلة دراسات عليا- ولكنك تراه صغيراً، وهو يرى نفسه أنه عالة، ولا يشعر بالمسئولية، حتى الموظف المتزوج تجده -غالباً- يشعر بالمسئولية أكثر من الموظف العازب.

ولهذا نقول: الزواج في أي مرحلة من مراحل العمر يؤدي إلى الاستقرار والواقعية في التفكير، والشعور التام بالمسئولية؛ فلا يجنح به خيال، ولا يشق به تفكير، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر طالت في تقديرهم فترة المراهقة، ويصير الشخص اليوم ابن ثماني عشرة سنة أو عشرين ويقولون: هذا حدث من الأحداث، فإذا قبضت عليه الشرطة، قالوا: هذا حدث، بينما لو كان متزوجاً وقال لهم: أنا عمري ثماني عشرة سنة ومتزوج لحاسبوه حساباً عسيراً، وإذا كان في أربع وعشرين سنة ولم يتزوج لقالوا: ما زال من الشباب، وتعتبر هذه جنحة كما يسمونها في القانون، غير أن الناس كلما تقدم بهم عصر في هذه المدنية طالت في تقديرهم فترة المراهقة، حتى أصبح من بلغ خمساً وعشرين سنة أو أكثر من ذلك يعد مراهقاً، وإن كان طبعاً هذا قد يكون فيه نوع من التصوير التقريبي، وفي هذا إرهاق كبير، وهو لا يزيد المربيين إلا إرهاقاً ورهقاً، والله أحكم الحاكمين.

حينما خلق الله الإنسان وهو أعلم بمن خلق، ربطت شريعته حد التكليف بالاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة، فإذا بلغها الرجل حوسب محاسبة الرجال، وكذلك المرأة إذا بلغت خمس عشرة سنة أو حاضت.

لا شك أنها هي السن التي يصبح الإنسان فيها مكتملاً، قادراً على تحمل المسئولية، والتكاليف الشرعية والاجتماعية، وأظن القارئ والمستمع ومن يسمع الآن أو يسمع فيما بعد، ومن يقرأ يشارك في أن نسب الطلاق في المجتمعات المتقدمة أعلى منها في الأمم المحافظة، وكلما دخلت أمة في المعاصرة ارتفعت نسبة الطلاق والخلافات الزوجية.

إذاً: فالقضية ليست قضية مادية، أو قضية تأمين مستقبل، بل القضية قضية استقرار، وقضية استيعاب لمسألة البيت والأسرة، ومسألة الزواج، وليست هي قضية زواج مبكر وزواج غير مبكر.

وأقصد بالأمة المحافظة أي: محافظةً دينيةً، وليست عادات جاهلية، ولا تقاليد بائدة بعيدة عن الإسلام، فهذه لا ميزان لها، إنما المحافظة التي تعني التدين والاستقامة، وتعني القيام بالمسئولية على وجهها، فهذه إذا وجدت قلت نسبة الطلاق.

إذاً: نحب أن نؤكد هنا أنه لا ينبغي أن يعطى الجانب المادي أكثر مما يستحق في تقرير الزواج من عدمه، وقد قال الله عز وجل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] هذه آية حاسمة في أن الفقر لا يجوز أن يكون مانعاً لنا أن نزوج من يأتينا؛ ممن يُرضى دينه وأمانته وخلقه لما سبق ذكره.

إذاً: هذه قضية تتعلق ببعض مشكلات الزواج سواءً في المهر، أو الزواج المبكر، وما استتبع ذلك من كلامنا استطراداً على البيت والأسرة.


استمع المزيد من الشيخ صالح بن حميد - عنوان الحلقة اسٌتمع
حق الطريق وآداب المرور 3701 استماع
وسائل الإعلام والاتصال بين النقد الهادف والنقد الهادم 3092 استماع
اللغة .. عنوان سيادة الأمة 3073 استماع
الطلاق وآثاره 3020 استماع
لعلكم تتقون 3005 استماع
الماء سر الحياة 2961 استماع
من أسس العمل الصالح 2937 استماع
الزموا سفينة النجاة 2886 استماع
قضية البوسنة والهرسك.. المشكلة والحل 2875 استماع
بين السلام وإباء الضيم 2855 استماع