خطب ومحاضرات
سلسلة شرح صحيح البخاري [15]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
فأيها الإخوة الكرام الأحباب! لا زلنا مع كتاب الجنائز من صحيح الإمام البخاري.
وقبل أن نبدأ في الموضوع سألني أخ كريم: هل يجوز أن يقترض مبلغاً من الدولارات ويردها بالعملة المصرية؟
فأقول: إن الأصل أن ترد الدولار بالدولار، وليس لك أن تردها غير ذلك، والصواب من أقوال أهل العلم بلا خلاف: أن الجنيه جنس، والدولار جنس، ويشترط عند مغايرة جنس ربوي بآخر ربوي التقابض في مجلس العقد، وإذا اقترضت دولاراً -وهذا كلام الشيخ ابن عثيمين في المجلد الثامن من الشرح الممتع- فرده دولاراً بعد عام أو بعد عامين أو بعد ستة أشهر حسب الأجل، وهذا لا شيء فيه حسب القيمة، وإن ارتفع أو قل فيلزمك العدد الدولار بالدولار، وهذا يسمى عند الفقهاء قرضاً، وأما أن يكون الدولار بجنيه مصري فهذا بيع وليس بقرض، فلا بد من التقابض في مجلس العقد، ولا يجوز الأجل.
وعلى هذا فتوى أهل العلم من السلف، فلا يجوز أن تستبدل عملة بعملة أخرى بأجل إلا بالتقابض في مجلس العقد.
والشيخ ابن عثيمين له رأي مرجوح وضعيف جداً، وهو أنه يجوز أن تستبدل الريال الورقي بقيمة أقل من الريال الفضي، مثل أن تستبدل 100 ريال ورقية بـ 90 ريالاً فضية أو أقل، ويعتبر أن هذه جنس وهذه جنس، ولكن جمهور العلماء على أنهما جنس واحد، وقوة شرائية واحدة.
قال البخاري رحمه الله: [ باب فضل اتباع الجنائز ].
يدلل البخاري بهذا الحديث على الترغيب في اتباعها. وكلمة الاتباع لها معنى حسي ومعنى معنوي، فالحسي: أن تكون الجنازة في المقدمة ونحن خلفها، ولكن المقصود هنا هو المعنى المعنوي، وهو أن تسير مع الجنازة في أي جهة عن يمينها أو يسارها أو أمامها أو خلفها، وتسمى متبعاً للجنازة ولا شك؛ فإن سرت أمام الجنازة فإنك تسمى متبعاً بالمعنى المعنوي وليس بالمعنى الحسي.
قال البخاري : [ وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك ].
فـزيد بن ثابت كان يرى أن من تبع الجنازة حتى يصلى عليها كفاه ذلك، ثم بعد ذلك هو بالخيار، فإن دفن الجنازة متروك لأهل الميت، وهذا ليس فيه استئذان، بخلاف الإمام مالك فهو يرى أنه لا بد أن تستأذن من أهل الميت إذا صليت وانصرفت.
والقيراط والقيراطان أجران ثابتان لمتبع الجنازة، والقيراط من الاشتراك اللفظي؛ لأن القيراط يطلق ويراد به مساحة من الأرض، وهو جزء من 24 جزءاً، ويطلق ويراد به الأجر العظيم، فقد كان معروفاً في لغتهم، فحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بلغتهم، وأراد أن يقرب المعنى إلى الأذهان.
قال البخاري : [ حدثنا أبو النعمان حدثنا جرير بن حازم قال: سمعت نافعاً يقول: حدث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول: من تبع جنازة فله قيراط ].
قال ابن حجر : والقيراط لا يتحقق إلا بشرط، وهو: أن يتّبع ويصلي، أو أن يتّبع ويدفن فيحقق القيراط؛ لأن اتباع الجنازة وسيلة وليست غاية، فلا بد أن تشهد الصلاة وتنتظر حتى تدفن، وأما من يتبع الجنازة دون صلاة ولا يحضر الدفن فليس له قيراط. فالاتباع هنا معناه أنه وسيلة لغاية.
وهذا اليوم نشرت الأخبار في الصفحة الأولى: أن رجلاً في الكويت عملت له عملية جراحية في معدته أو في جهاز آخر، فحمل في بعض الأشهر في زمن يحيض فيه الرجال.
وربنا عز وجل جعل الحمل للنساء، وجعل لهن عدة، ومن علامات الأنوثة أن تحمل، وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]. وفي تقدم العلم المعاصر أرادوا للرجل أن يحمل، فأجروا عمليات معينة طبية لرجل كويتي، واستطاع الأطباء أن يجعلوه يحمل بدلاً من زوجته. أرأيتم إلى خبل كهذا الخبل، وإلى عته كهذا العته؟
فمن مشى وراء الجنازة ووقف خارج المسجد، ثم تبع الجنازة إلى القبر وانصرف قبل الدفن ليس له أجر؛ لأنه لم يصل ولم يحضر الدفن، فالعلة في الاتباع هي أن تصلي على الجنازة وأن تحضر الدفن.
قال البخاري : [ لما بلغ ابن عمر أن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تبع جنازة حتى يفرغ من دفنها كان له من الأجر قيراطان، فقال ابن عمر
لأن ابن عمر كان يكتفي أولاً قبل أن يبلغه هذا الحديث بالصلاة عليها، ولا يتبعها إلى الدفن، فكان يصلي وينصرف، هذا فعل ابن عمر في أول الأمر، وقال: لقد أكثر علينا أبو هريرة ، أي: أنه خشي عليه من أن يسهو، أو أن يبلّغ ما لم يسمع، أو أن لا يثبت ما ينقل، فقال: لقد أكثر علينا أبو هريرة ، فأخذه -كما في رواية- إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: صدق أبو هريرة ، وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله.
فصدّقت أبا هريرة في قوله، وأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه أكثر الصحابة تبليغاً لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
قال البخاري : [ فرطت: ضيعت من أمر الله ].
والبخاري في مصنفه يفسّر الكلمات المبهمة بلغة القرآن حتى يقربها إلى الأذهان، وكلمة فرطت في جنب الله جاءت في كتاب الله، ومعناها ضيعت، فـابن عمر يقول: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.
ومما يستفاد من الحديث: أولاً: مراجعة الذي يسمع للمتكلم، فإن ابن عمر راجع أبا هريرة .
ثانياً: حرص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أعمال الخير.
الباب الثامن والخمسين:
قال البخاري رحمه الله: [ باب من انتظر حتى تدفن:]
حدثنا عبد الله بن مسلمة ... إلى أن قال: أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
ثم أورد حديث ابن شهاب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلي فله قيراط، ومن شهد حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين، كل قيراط كجبل أحد).
وشبّه القيراط بأحد لأنه أولاً: يعرفه الجميع.
ثانياً: أنه يحبهم ويحبونه.
ثالثاً: للتعبير عن الأجر العظيم.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً يخاطب المستمع بما يفقه، فليس كل قيراط كأحد، بل المقصود بيان عظم الأجر. وفيه أيضاً: أن الأعمال توزن، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) وهذا فيه إشارة إلى أن الأعمال توزن.
وكلمة قيراط لها أكثر من معنى.
قال البخاري رحمه الله: [ باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز: ].
هذا الباب قد مضى شرحه، لكن البخاري أعاده هنا، وهذا من فقهه، فقد أراد أن يقول: كما يتحقق الأجر للكبير باتباع الجنائز فكذلك يتحقق للصبي، فلا يجوز أن نحرم الصبي من اتباع الجنائز.
فترجم قبل ذلك أن الصبي يصلي على الجنازة، وذكر فيه حديث ابن عباس ، ثم أعاد الحديث هنا لبيان أن الصبي الصغير يشرع له أن يتبع الجنازة وله نفس الأجر.
قال البخاري رحمه الله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبراً فقالوا: هذا دفن أو دفنت البارحة. قال
أي: على القبر. وهذا الحديث ذكرناه مراراً، وهو حديث المرأة التي كانت تنظف المسجد، فقد ذهب إلى قبرها وصف الصحابة خلفه، وكان فيهم ابن عباس وهو صغير. وفي الحديث: جواز وقوف الصبي بجوار الكبير في صلاة الجنازة.
الباب الستين:
قال البخاري : [ باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد ].
والبعض يصر على الصلاة على الجنازة في المصلى، والبعض يصر على الصلاة عليها في المسجد، فبعضهم يقول: لا تشرع في المسجد، وبعضهم يقول: إنما تشرع في المسجد ولا تشرع في المصلى، فأخبر البخاري أنه يجوز أن نصلي على الجنازة في المصلى -مصلى العيدين والكسوف والاستسقاء ومصلى الجنائز- وفي المسجد، ولكن الأصل أن يصلى عليها في المصلى، وإن صلينا في المسجد لم نخالف. وقد صلى عمر على الصديق في المسجد، وصلى صهيب على عمر رضي الله عنهم في المسجد، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء في المسجد، ولما أنكر الصحابة على عائشة هذا، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل إلا في المسجد. ومن السنة أن يكون للجنائز مصلى حتى يزداد عدد المصلين، فالخلاف سائغ، فإذا صلينا في المسجد فلا بأس، وإن صلينا في المصلى فهذا هو السنة؛ لأن الناس يظنون أننا إذا صلينا في المصلى قد خالفنا السنة، والجمهور على جواز الصلاة في المسجد قولاً واحداً.
وذكر البخاري في هذا الباب ثلاثة أحاديث.
الأول: حديث أبي هريرة قال: (نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثاني: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم صف بهم بالمصلى فكبر عليه أربعاً).
فصلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وعلى بعض الصحابة في المصلى لبيان الجواز.
فإن قال قائل: هذا آخر فعله صلى الله عليه وسلم، وهو الصلاة في المصلى، قلنا: لا، إن الصحابة حينما ذكرتهم عائشة بالواقعة أقامت عليهم الحجة، وما أجابوها.
الثالث: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (إن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فأمر بهما، فرجما قريباً من موضع الجنائز) ]، أي: المصلى.
وهناك من يفتري الكذب على الله عز وجل، ويقول: إن الرجم ليس في شرع الله، ويؤلف الكتب والرسائل والمقالات على أن الرجم ليس من الشرع، وأن القرآن ليس فيه رجم.
واليهود في شريعتهم الرجم، فلما زنا رجل يهودي بامرأة يهودية، وكان الرجل متزوجاً، أي: محصناً، والمرأة كذلك جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: كيف تجدون حكم الزاني المحصن عندكم؟ قالوا: الجلد، أي: أنهم غيروا وحرفوا، فقال: ائتوني بالتوراة، فجاءوا بالتوراة، فقام رجل ووضع يده على آية الرجم، فقال له عبد الله بن سلام وكان من أحبار اليهود: ارفع يدك يا أعور! فرفع يده فوجدوا الرجم في التوراة، فأنزل الله: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ [المائدة:43]. فحكم الله في التوراة للزاني والزانية هو الرجم. وقد ذكر الإمام النووي في رياض الصالحين: أن قرداً زنا بقردة، فاجتمعت القرود على القرد فرجموه، فحكم الرجم حتى عند القرود.
ومصطفى محمود يقول: لا رجم في الإسلام، ولذلك الواجب أن نرجم هذا الفكر، فهذا فكر الخوارج ولا شك في هذا. ولقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم، ورجم أبو بكر ، ورجم الصحابة، وآية الرجم في القرآن ولكنها نُسخت تلاوة وبقيت حكماً، وقد تواتر الرجم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل لسوء فهمه وعدم علمه قال: إن الأمة يوم أن تزني عليها نصف ما على المحصنة، وطالما أن الرجم لا ينصف لأنه لا يمكن أن يقام عليها نصف الرجم، فإذاً المحصنة ليس لها إلا الجلد، والمحصنة عنده بمعنى المتزوجة. ونقول: المحصنة بمعنى الحرة يا دكتور! فالمحصنات هن الحرائر، فكلمة المحصنات تأتي على معان عديدة، فهي من الاشتراك اللفظي، فتأتي بمعنى الحرة، وتأتي بمعنى المتزوجة ... إلى غير ذلك من معانيها، ولكنه لا يفرق بين لفظ ولفظ.
والرجم له شروط، إما بشهود أربعة، أو بالإقرار، أي: أن يقول الرجل: أنا فعلت كذا، وهذا إقرار إن كان محصناً.
والبخاري أعاد هذا الحديث في كتاب الحدود؛ ليبين حد الزاني المتزوج، أو الذي سبق له أن تزوج، مثل إذا كان قد تزوج ثم ماتت الزوجة أو طلق، ثم زنا بعد الطلاق أو بعد موتها فهذا محصن طالما سبق له الزواج.
قال البخاري رحمه الله تعالى: [ باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ].
ولا أدري هل قرأ رئيس جامعة الأزهر عالم الحديث هذا الحديث أم لا؟ فهو يقول: إن سيدي أحمد الرفاعي ذهب إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأخرج له النبي صلى الله عليه وسلم يده، ويقول هذا الخبل في الإذاعات للناس جميعاً، وما علم أن اتخاذ القبور مساجد أو بناءها داخل المساجد غير مشروعة. وهم يقرءون، ولكنهم يكتمون الحق وهم يعلمون.
قال البخاري : [ حدثنا عبيد الله بن موسى ... إلى أن قال: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. قالت: ولولا ذلك لأبرزوا قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً) ].
وأبرزوه يعني: أظهروه ورفعوه، فلم يبرز قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والآن أبرزوا قبور الأولياء ورفعوها أمتاراً، وأقاموا حولها السرج، ونسجوا لها الأقمشة، ونجد البعض يقول: لا يبغض الأولياء إلا السنية السفهاء. ونقول له: أما علمت أن سد الذريعة مطلوب شرعاً، ولو بقيت المقابر في المساجد لكانت سبباً في الشرك، فحتى ولو كان ذلك جائزاً لمنع من باب سد الذريعة، فلا يجوز أن يصلى فوق القبر، وأما إلى القبر فيجوز.
ولما مات الحسن بن الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رُفعت، ولم يقدم هذا الفعل أو يؤخر عن الميت شيئاً، فقد أرادت أن تؤنس وحدته وأن تكون قريبة منه، فلما رفعت الخيمة سمعت صائحاً يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟ فأجابه الآخر: بل يئسوا فانقلبوا، أي: أنهم يئسوا من إقامتهم هنا.
وعندما صلى أحد الصحابة إلى قبر قال أنس : القبر القبر! أي: احذر فالقبر بين يديك، وكان لا يراه، فتحرك وجعل القبر من خلفه، وقد يقول قائل: إذاً: لو كان الضريح في الخلف يجوز؟ فنقول: لا، وفعل هذا الصحابي لأسباب:
أولاً: القبر لم يكن مرتفعاً عن سطح الأرض.
ثانياً: إن الصحابي كان في صلاة فتحرك لأجل أنه في صلاة.
ثالثاً: إنه لم يكن يعرف أن هناك قبراً.
وأما القول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفن في مسجده فوالله إنه لم يدفن في مسجده، وإنما دفن في حجرة عائشة ، ولما وسع المسجد ألحقت الغرفة بالقبر، فأقاموا عليها ثلاثة جدران ليفصلوها عن المسجد.
هذا هو الدين والشرع، وإن اعتبر ذلك تطرفاً وتحجراً وانحرافاً في فهم الدين.
فلا يصلى في المساجد التي بها قبور، والدليل على ذلك ما ورد في البخاري وكتب السنة.
والنبي صلى الله عليه وسلم عندما بنى المسجد نبش قبور المشركين، فقد كان مكان المسجد النبوي مقبرة للمشركين فنبشها، أي: أخرج العظام التي في القبور ونقلها؛ حتى يبين للناس أن المسجد لا يبنى فوق القبور.
ولو خرج البدوي من قبره اليوم لقتلوه مرة ثانية؛ لمصلحة أصحاب النذور، وطالما المغفل موجود فالنصاب بخير، فترى الرجل يأخذ أمواله ويسافر من الشرقية إلى طنطا ليضعها في صندوق النذور. وفي آخر النهار تقسم هذه الأموال (75 %) لفلان، و(20 %) لفلان، و(5 %) لفلان، وقد يصل دخل سدنة القبر إلى 2 مليون من صناديق النذور، فهم يقولون: الصلاة في القبور مشروعة؛ لأنهم يحصلون على 2 مليون من نذور المغفلين والمغفلات.
فيا قوم! البيّنة واضحة، والعلم واضح في هذا الأمر.
قال البخاري رحمه الله: [ باب: الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها ].
فإذا ماتت المرأة يقوم الإمام في وسطها، وإذا مات الرجل يقوم عند رأسه، وهذا مذهب علماء السلف، ورغم أن ابن حجر ضعّف الحديث وجعله خاصاً، إلا أن السلف قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في أكثر من حديث أنه كان يقوم في الصلاة على المرأة عند وسطها، وعلى الرجل عند رأسه، وهذا رواه أحمد في مسنده، وابن ماجة ، وقد صححه العلماء، ويقوم الإمام عند وسط المرأة؛ لأنه أستر لها.
وقوله: (الصلاة على النفساء)، النفساء وصف زائد، وهذا يسمى عند علماء أصول الفقه تنقيح المناط، أي: أن الحكم لا يتأثر بهذا الوصف، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره وينتف شعره، ويقول: (يا رسول الله! هلكت. قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة. قال: لا أملك إلا هذه الرقبة. قال: فصم شهرين متتابعين. قال: وهل فعل بي ذلك إلا الصوم؟ لا أستطيع. قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: ليس في بيوت المدينة من هو أفقر مني. قال: فاجلس حتى تأتي الصدقة) فعلق الحكم على الجماع، لا على ضربه صدره ونتفه شعره، ولا يشترط في كل من جامع امرأته أن يضرب صدره وينتف شعره، فهذا وصف ليس له علاقة بالحكم.
وكذلك هل العلة في تحريم الخمر هو اللون الأحمر أم السكر؟ فإذا أتى شخص يحرم الشاي بسبب أن لونه أحمر نقول له: لا، فهذه الصفة من الصفات التي لا تؤثر في الحكم.
وهكذا كون المرأة نفساء أو غير نفساء أو شابة أو صغيرة أو كبيرة لا يغير في الحكم، فالمهم أنها امرأة، ولا يؤثر أنها نفساء أو غير ذلك، لكن البخاري لفقهه أراد أن ينبه بهذا على أمر، وهو أنه بوّب قبل ذلك في الباب الستين باب الصلاة على الشهيد، وبيّن أن شهيد المعركة لا يصلى عليه، وبين في حديث آخر أن المرأة التي تموت في النفاس شهيدة، فأراد أن يقول: الشهيد الذي لا يصلى عليه هو شهيد المعركة، وأما المرأة التي تموت في حملها والذي يموت تحت الهدم أو الغرق فإنه وإن ثبتت له الشهادة بالنص إلا أنه يصلى عليه، وهذا هو فهم البخاري ، فـالبخاري وضع هذا الباب ليبين أن المرأة النفساء رغم أنها تأخذ حكم الشهيد إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها.
قال البخاري رحمه الله: [ في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها) ].
وفي هذا دليل على أن الوالي أحق من الولي في الصلاة؛ لأن الذي صلى عليها هو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصل عليها أخوها ولا أبوها ولا عمها، وإنما صلى عليها الوالي، فالوالي أحق من الولي كما قلنا.
قال البخاري : [ باب أين يقوم من المرأة والرجل:
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها) ].
أحكام الصلاة على السقط
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: إن الصلاة على السقط إذا بلغ أربعة أشهر مشروعة، خلافاً لـابن حجر في الفتح حينما رأى أن السقط لا يصلى عليه، ولكن الراجح أن السقط إن أتم أربعة أشهر ثم نزل ميتاً يصلى عليه، ويُدعى لأبيه وأمه، ويُسمى بعد أن ينزل. هذه أحكام السقط إن نزل بعد الأربعة أشهر؛ لأن الروح تكون قد نفخت فيه، وابن حجر هنا يرى عدم الصلاة. وحديث الصلاة على السقط أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي والنسائي عن المغيرة بن شعبة ، فلا داعي للنزاع.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
سلسلة شرح صحيح البخاري [20] | 2722 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [5] | 2703 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [11] | 2339 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [4] | 2203 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [9] | 2175 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [10] | 2038 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [1] | 1780 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [2] | 1707 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [18] | 1680 استماع |
سلسلة شرح صحيح البخاري [14] | 1661 استماع |