أعمال القلوب في أوقات الشدة


الحلقة مفرغة

الصبر هو حث النفس على ما تكره، وله ثمرات كثيرة أعلاها معية الله تعالى، وهو على ثلاثة أنواع: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على البلاء والأقدار، وتكمن أهمية الصبر في كون النفس الإنسانية أمارة بالسوء، ولا تروض إلا بالمجاهدة والصبر لتصبح نفساً لوامة على فعل المعاصي وترك الواجبات، ومطمئنة لدين الله وجزائه.

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فلما كان لابد للمسلم أن يجتمع بإخوانه ليذكر الله وإياهم؛ خصوصاً في أوقات الشدة التي يحتاج فيها الناس كثيراً للتبصرة والتذكرة؛ التبصير بما يجب عليهم أن يعملوه، والتذكير بما ينبغي عليهم أن يتذكروه.

إن تصرفاتنا وحركاتنا وسكناتنا ينبغي أن تكون لله رب العالمين؛ إن تحركات المسلم ليست تحركاتٍ طائشة، وإن تصرفات المسلم ليست تصرفاتٍ هوجاء؛ لأنها يجب أن تكون منضبطةً بنور هذه الشريعة، وينبغي أن يكون نور الوحيين هو الذي يعمل عمله وفعله في قلوب الناس في أوقات الشدائد، وإذا كان للجوارح أعمالٌ كالصلاة والحج والجهاد، فإن للقلوب أعمالاً أعظم من ذلك بكثير؛ لأن عمل القلب ينبني عليه صلاح عمل الجوارح أو فسادها.

ولذلك فينبغي للمسلم أن يهتم بقلبه جداً في أوقات المحن -ونحن نمرُ ولا شك بمحنة- وإن الحوادث من حولنا تُوجب علينا أن نكون أكثر بصيرةً من ذي قبل، وينبغي أن تكون قلوب المسلمين حية؛ لأن القلب الميت لا خير في صاحبه.

أيها الأخوة: إن الله سبحانه وتعالى نزّل هذا الكتاب ليحيي به القلوب كما تحيا الأرض بماء المطر، وإنه عز وجل أنزله غيثاً وهدىً وشفاءً ورحمةً للمؤمنين، وقد قال الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23] ولذلك فإن الخراب إذا حصل والفِرار إذا نزل، يكون مرْجع ذلك كله إلى هذه القلوب إذا كانت خاوية، فما هي الأعمال التي ينبغي أن يعملها القلب في أوقات الشدة؟ وماذا ينبغي أن تكون حالنا عندما يبتلينا الله عز وجل بمحنة؟

يقول الله عز وجل: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35] فينظر كيف تعملون! وهذه التحركات والتصرفات محسوبةٌ علينا، وسنبعث ونرجع جميعاً إلى الله عز وجل: ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الزمر:7].

ما مدة لبثنا في هذه الدنيا؛ وما طول مقامنا فيها؟

لا شيء بالنسبة لما سيأتي بعد الموت من الحياة الدائمة الخالدة المستقرة في الدار الآخرة، ولذلك لابد أن نُري الله من أنفسنا خيراً، ولابد أن نأخذ للأمر أهبته، وللميدان عدته حتى تتحد هذه القلوب في مواجهة الشر والكفر، وليكون المسلمون يداً واحدة أمام عدوهم.

أيها الأخوة: إن القلوب في أوقات الشدة هي التي تعمل، ومن أعمال القلوب المهمة إذا حصلت الشدائد: الإنابة إلى الله عز وجل كما قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر:54].

ولما مدح الله تعالى داود قال: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ [ص:24] وقوله تعالى: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق:31-33].

فإذا أنابت القلوب إلى الله في وقت الشدة حصل الخير وثبت الناس، الإنابة إلى الله هي الرجوع إليه والأوبة، والتوبة إليه سبحانه وتعالى.

قال تعالى: وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ [غافر:13] ولذلك فإن مما يمتد من أثر الإنابة التذكر؛ والتذكر عملٌ آخر من أعمال القلب، كما قال عز وجل: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة:269].. وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [الحاقة:48].. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

فمن كان له قلب يتذكر، ومن ليس له قلب لا يتذكر، ولذلك فإن القلوب على ثلاثة أنواع:

القلب الأول : ميت لا خير فيه، ولا يُرجى منه شيءٌ أبداً.

القلب الثاني: حيٌ لكنه لم يستمع للآيات، إما لأنها لم تصل إليه، وإما لأنه انشغل عنها.

القلب الثالث: حيٌ مستعدٌ تليت عليه الآيات فأصغى بسمعه، وأحضر قلبه فهو شاهد القلب ملقٍ للسمع، فهذا هو الذي ينتفع، فصاحب القلب الأول مثله كمثل الأعمى لا يرى شيئاً.

صاحب القلب الثاني بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير الجهة التي تنفعه.

وصاحب القلب الثالث هو البصير المحدق إلى جهة المنظور، فهو يرى وينتفع.

لابد من الربط بين الآيات وبين الواقع، إذا كُنا نريد أن نكون أولي قلوب فعلاً ونتذكر، فينبغي أن نربط بين الآيات وبين الواقع، لأن هذه الآيات -أيها الإخوة- نزلت لعلاج الواقع، فهي تتلكم عن الواقع؛ لأن الله يعلم ماذا سيحدث في هذا الزمن، والله نزل القرآن لكي يستفيد منه المسلمون في كل زمن، ولذلك ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق من هذا القرآن، إن الذين لا يرجعون إلى القرآن في النظر إلى الأحوال الموجودة الآن يخيبون كثيراً، لا تسدد لهم رمية، ولا يكون لهم رأيٌ مصيب أبداً.

ولذلك فإن قراءة القرآن وتطبيقه على الواقع هو أن ننظر: ما المقصود من الآية بهذا الواقع؟ كيف نربط القرآن بالواقع؟ كيف نقرأ ونفكر في الواقع؟

ونحن نقرأ نتدبر ونربط بالواقع ونقول: نعم. هذا ما أخبرنا به ربنا، ونقول في آيةٍ أخرى: نعم. هذا ما حذرنا منه الله عز وجل، ونقول عند آية ثالثة: نعم. هذه سنة الله في الكون تعمل لحظةً بلحظة، وساعةً بساعة، ويوماً بيوم، ونقول في آيةٍ رابعة: نعم. هذه شروط النصر، لو تكاملت لتحقق النصر، ونقول في آيةٍ خامسة: نعم. هذا هو الجزاء الذي وعد الله به الفسقة المجرمين وهكذا، هذا جزاء ما توعدهم به ربنا يحصل الآن في الواقع، نعم. هذا الظلم بعينه، نعم. هذه عاقبة الظالم: إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً [آل عمران:178].

ونحن يمكن أن نعرف النتائج من القرآن سلفاً، صحيح أننا قد لا نعلمها بالتفصيل؛ لأن علم الغيب بالتفصيل مما اختص به رب العالمين، لكن الله أخبرنا عن أشياء، وقال: إذا حصل كذا، فسيحدث كذا.

ولذلك عندما ننظر في الواقع سنرى الآيات تتطبق فعلاً وتتحقق، فإذا كنا نعلم أن الله سبحانه وتعالى لابد أن يجعل لكل ظالمٍ نهاية، فإذا حدث ظلمٌ في الأرض فنحن نعلم حقيقةً ماذا ستكون النتيجة.

وإذا أخبر الله بسقوط مجتمعاتٍ بأكملها إذا فشت فيها أدواءٌ معينة، فإننا سنعلم أن هذه المجتمعات ستسقط ولا شك، نعلم هذا سلفاً.

ما من قريةٍ فشى فيها الربا والزنا إلا استحقت عذاب الله، نعلم أنه لابد أن يقع.

فإذاً يمكن للآيات أن تنبئنا بما سيحدث، وإذا أخبر الله بأن من يعتصم به ينجو، ومن يعتصم بغيره يهلك، فإننا سنعلم النتيجة سلفاً من خلال هذه الآيات.

وليس كل الناس ينظرون إلى الواقع من خلال القرآن، وإنما ينظرون بعينٍ مجردة عن أثر القرآن، فلذلك تخيب الأشياء وتصبح مجرد احتمالات بشرية، ولكن المؤمن لا يخيب نظره، ولذلك كان من أعمال القلب الاعتصام بالله سبحانه وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78].

والاعتصام به عز وجل: أي: التمسك بدينه، والتمسك بعهده وكتابه وحبله سبحانه وتعالى، وهذا القرآن حبلُ الله، طرفه الأول عند الله، وطرفه الثاني بأيدينا، فإذا تمسكنا به لن نضل أبداً، والاعتصام بكتاب بالله وعهد الله يعصم الإنسان من الضلالة ويُوجب له الهداية، ويُكسبه القوة، ويبعد عنه الهزيمة.

ولذلك كان لابد أن ندور مع القرآن حيثما دار، لابد أن نتمسك في وقت الشدة -أيها الأخوة- بهذا النور ولا نحيد عنه، وإن تصرفات العامة في الأزمات غير منضبطة بالقرآن في كثيرٍ من الأحيان، لكن يمكن أن تجد من بين الناس رجلاً حضرت لديه أنوار هذا التنزيل، فصار يتصرف من خلالها، فهو لا يخطو خطوة ولا يتقدم ولا يتأخر إلا على نورٍ من ربه.

ولذلك فإن الناس في مواقفهم وآرائهم قد يخيبون كثيراً، إلا الذين اعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله، فإنك تجد آراءهم سديدة، ومواقفهم لا تتغير مع الزمن، وتجد الموقف في أول الحدث هو الموقف عند نهاية الحدث لم يتغير؛ لأنه كان منطلقاً من الكتاب والسنة، ليس منطلقاً من الآراء ولا من كلام البشر، ولا من الحسابات الدنيوية.

ثم إن من أعمال القلب الخوف من الله لا من غيره، وإذا نزلت الشدائد وادلهمت الخطوب، فإن كثيراً من الناس يخافون، قد يخافون من قعقعة السلاح، وقد يخافون من خطرٍ وشيكٍ يوشك أن يُحدق بهم، وقد يخافون من عدوٍ أو مرضٍ أو سيلٍ ونحو ذلك من أنواع المصائب الحادثة.

ولكن القلوب تختلف، فمن الناس مَنْ قلوبهم موصولةٌ بالله، فإذا نزلت المصيبة وجاءت الأحداث لا تتزلزل كياناتهم، ولم تضطرب مواقفهم وتتزعزع، ولا يجرون في جميع الاتجاهات لا يدرون إلى أين يذهبون! ولا ترى الواحد منهم إذا نزل الخوف يفر فراراً لا يلوي على شيء، حتى إذا ابتعد بمسافةٍ طويلة توقف وقال: إلى أين أذهب الآن، وماذا أفعل؟!

خطوات غير محسوبة، لأن الخوف كان مهيمناً على قلبه فنتج هذا الاضطراب، ولكن المسلم الذي يُسلم أمره لله ويعلم قول الله عز وجل: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] الذي يخشى الله فقط ولا يخشى أحداً إلا الله، فإن الله يثبته؛ لأن الشرور -أيها الأخوة- لا تنتهي، قد يحصل بك شر وتعتصم بأحد البشر فينقذك، لكن غداً يحصل لك شرٌ آخر فلا ينجيك أحد.

خوفك من الله يجعلك تفر إليه

لن تجد من يقف بجانبك طيلة حدوث الأحداث المتكررة إلا الله عز وجل، إذا خفت منه وهربت إليه سبحانه وتعالى فإن الله يكون معك في جميع الأحداث، ولذلك فإن الله يداول الأيام بين الناس، والذي يحسم مادة الخوف ويقضي على الخوف والذعر هو التسليم لله، فإن من سلم لله واستسلم له وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضعٌ أبداً.

فإن النفس التي يخاف عليها قد سلمها إلى وليها وبارئها وخالقها سبحانه وتعالى، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما قدر الله لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، وأن ما لم يكتب فلا يمكن أن يصيبها، هذا الذي يحسم مادة الخوف نهائياً وهذا هو الذي يجعل الإنسان مطمئناً.

من نتائج الخوف من الله الطمأنينة

مشكلتنا -أيها الأخوة- أننا نُذعر ونخاف وننسى بسرعة، تصرفاتنا غير موزونة وغير مضبوطةٍ بموازين الشريعة، ولذلك فإذا كان الخوف من الله لا من غيره؛ فإن الطمأنينة تنزل تلقائياً في القلب والطمأنينة عملٌ آخر من أعمال القلوب: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ذكر الله هو القرآن.

والذي يُعرض عن القرآن يتزلزل قلبه، ويضطرب عيشه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي كلامي ، القرآن : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا [طه:124-126] هذه التي من المفروض أن تتذكرها لتنجو وتثبت، وتكون لك حياةٌ سعيدة، وعيشة رغيدة، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127].

وكان من دعاء بعض السلف: اللهم هب لي نفساً مطمئنةً إليك، وإذا طال الخوف على الإنسان واشتد به وأراد الله أن يريحه ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمئن به، وسكن لهيب خوفه.

ولذلك كان للعلماء المذكرين بالله أدوارٌ مهمة في تثبيت الناس، فلما كان ابن القيم رحمه الله يتكلم عن نفسه وعن صحبه عندما تنزل بهم الخطوب، وكان لهم أعداء كُثر بسبب تمسكهم بالسنة، فإنهم عند تزلزل الأمور كانوا يذهبون إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيجلسون إليه، يقول: فما هو إلا أن نسمع كلامه حتى ترتاح القلوب وتهدأ النفوس وتطمئن، والطمأنينة بذكر الله وبمجالسة أولياء الله من الأسباب التي تُحدث الثبات في القلب.

ومن أنواع الطمأنينة: الطمأنينة إلى حكم الله وما يقع من المصائب والأحداث، وإذا علمت أن ما شاء الله كان وأن ما لم يشأ لم يكن، فلا معنى للجزع والقلق، فإن الشيء المحذور إذا قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه.

لقد هرب أناسٌ كثيرون خوفاً من هذه المنطقة، فلما ركبوا الطريق ساروا في سياراتهم وحصل على بعضهم من الحوادث ما قضى به نحبه، وقد كان خائفاً من شيء، فإذا منيته تكون في أمرٍ آخر، وإذا بالشيء الذي هرب منه قد ساقه إلى أمرٍ آخر كان فيه هلاكه وحتفه:

ما قد قضى يا نفس فاصطبري له     ولكِ الأمان من الذي لم يقدرِ

وتحققي أن المقدر كائنٌ     يجري عليك حذرتِ أم لم تحذري

الخوف من الله سبب لعدم الأمن من مكر الله

والخوف من الله عز وجل يستوجب أمراً آخر من مهمات القلوب، وهو عدم الأمن من مكر الله عز وجل، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47].

هذه الآيات عين الواقع بالضبط، هؤلاء الذين مكروا السيئات فعملوها، ودعوا الناس إليها، وحرضوهم عليها، وشجعوهم على فعلها، هؤلاء الذين يمكرون بالناس في دعائهم إياهم للمعاصي، هؤلاء: أأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض؟ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [النحل:45-46].

وتقلبهم هو تنقلهم في الأسفار وغيرها، وتغيرهم في أحوالهم، ولذلك قال الله في آيةٍ أخرى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].

فإذاً الناس عندما يؤخذون بالعذاب على أنواع:

فمنهم من يأخذه الله وهو مطمئن نائم, ومنهم من يأخذه الله وهو يلعب ويلهو، أو مشغول بالدنيا، فيأتيه العذاب فجأة، ومنهم من يأخذه الله وهو يخاف من وقوع العذاب عليه.

ولذلك إذا أخذ الله غيرنا بعذابٍ وهم نائمون مطمئنون، فنحن الآن في مرحلة نخشى أن يأخذنا الله بعذابٍ ونحن على تخوف.

لابد -أيها الأخوة- أن نفقه الآيات، ولذلك سنعيد قراءتها: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] أي: لا يتوقعون، لم يدر في بالهم أن الله سيفعل بهم ما فعل، أو يأخذهم في تقلبهم وهم في أسفارهم وذهابهم ومجيئهم، أخذهم الله فأصيبوا فما هم بمعجزين، يصل إليهم الأثر وهم في أقصى الدنيا.

ولذلك لما أنزل الله بعاد عذاباً كان منهم قومٌ مسافرون إلى مكان بعيد عن مكان الحدث، فذهب إليهم العذاب فأخذهم في سفرهم!

الحالة الثالثة: أو يأخذهم على تخوف، أي: هم يترقبون أن يحدث شيء، فيأخذهم الله في حال الخشية وفي حال الخوف: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل:47] وهم خائفون وجلون مضطربون يخشون حدوث شيء، فيأخذهم الله عز وجل، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوفٌ رحيم.

كيف يكون رءوفاً رحيماً؟

إذا لم يعاجلهم بالعقوبة عز وجل، قد يأخذهم مباشرة، وقد يأخذهم بعد إمهال، وقد يأخذهم على تخوف ويكون من أشد أنواع الأخذ، لأنه قد اجتمع عليهم الخوف والعذاب، ولذلك لابد من العودة إلى الله، فنحن الآن في مرحلة مصيرية وفي لحظات عصيبة.

وبعض الناس الذين ناموا انتبهوا لحظات، ثم ناموا ورجعوا للغفلة، فعليهم أن ينتبهوا، أفأمنوا أن يأخذهم الله على تخوف، فإن ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد؛ إذا جاءت غاشية من عذاب الله، فإنها لا تبقي ولا تذر.

وتأمل قوله سبحانه وتعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97] والنوم يأتي من الطمأنينة، أناس مطمئنون لا يحسبون في حسابهم أي شيء ، فينام الإنسان فيأتيه العذاب وهو نائم، كما فعل الله بأقوامٍ كُثر، أتاهم العذاب وهم نائمون.

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] وإنما يلعب الناس إذا توفر لهم الرزق، وتوفر لهم رغد المعيشة، وكان عندهم سعة، فإنهم لا يحتاجون لطلب الرزق، فلذلك يلهون ويلعبون، وينشغلون بكل الملهيات، ولو كانوا في ضنك لذهبوا يطلبون الرزق، ولكن أمنوا مكر الله واغتروا بالنعمة ولم يشكروها، فيلعبوا في سائر الأوقات بالمعاصي وبالمنكرات، فيأتيهم العذاب ضحى وهم يلعبون؛ فيكون مفاجئاً لهم، وهذا دليل أمنهم من مكر الله، ولو كانوا يخشون الله ما ناموا ولعبوا، ولصلوا وقاموا وعبدوا الله، وفعلوا كما كان يفعل رسول صلى الله عليه وسلم.

فلم يكن نومه عليه الصلاة والسلام غفلة، وإنما كان عبادة، ولذلك فإنه لابد للعباد أن يفيئوا إلى الله في وقت الشدة، وأن يتوكلوا على الله.

لن تجد من يقف بجانبك طيلة حدوث الأحداث المتكررة إلا الله عز وجل، إذا خفت منه وهربت إليه سبحانه وتعالى فإن الله يكون معك في جميع الأحداث، ولذلك فإن الله يداول الأيام بين الناس، والذي يحسم مادة الخوف ويقضي على الخوف والذعر هو التسليم لله، فإن من سلم لله واستسلم له وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبقَ لخوف المخلوقين في قلبه موضعٌ أبداً.

فإن النفس التي يخاف عليها قد سلمها إلى وليها وبارئها وخالقها سبحانه وتعالى، وعلم أنه لا يصيبها إلا ما قدر الله لها، وأن ما كتب لها لابد أن يصيبها، وأن ما لم يكتب فلا يمكن أن يصيبها، هذا الذي يحسم مادة الخوف نهائياً وهذا هو الذي يجعل الإنسان مطمئناً.

مشكلتنا -أيها الأخوة- أننا نُذعر ونخاف وننسى بسرعة، تصرفاتنا غير موزونة وغير مضبوطةٍ بموازين الشريعة، ولذلك فإذا كان الخوف من الله لا من غيره؛ فإن الطمأنينة تنزل تلقائياً في القلب والطمأنينة عملٌ آخر من أعمال القلوب: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ذكر الله هو القرآن.

والذي يُعرض عن القرآن يتزلزل قلبه، ويضطرب عيشه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي كلامي ، القرآن : وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا [طه:124-126] هذه التي من المفروض أن تتذكرها لتنجو وتثبت، وتكون لك حياةٌ سعيدة، وعيشة رغيدة، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه:127].

وكان من دعاء بعض السلف: اللهم هب لي نفساً مطمئنةً إليك، وإذا طال الخوف على الإنسان واشتد به وأراد الله أن يريحه ويحمل عنه، أنزل عليه السكينة فاستراح قلبه إلى الرجاء واطمئن به، وسكن لهيب خوفه.

ولذلك كان للعلماء المذكرين بالله أدوارٌ مهمة في تثبيت الناس، فلما كان ابن القيم رحمه الله يتكلم عن نفسه وعن صحبه عندما تنزل بهم الخطوب، وكان لهم أعداء كُثر بسبب تمسكهم بالسنة، فإنهم عند تزلزل الأمور كانوا يذهبون إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيجلسون إليه، يقول: فما هو إلا أن نسمع كلامه حتى ترتاح القلوب وتهدأ النفوس وتطمئن، والطمأنينة بذكر الله وبمجالسة أولياء الله من الأسباب التي تُحدث الثبات في القلب.

ومن أنواع الطمأنينة: الطمأنينة إلى حكم الله وما يقع من المصائب والأحداث، وإذا علمت أن ما شاء الله كان وأن ما لم يشأ لم يكن، فلا معنى للجزع والقلق، فإن الشيء المحذور إذا قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه.

لقد هرب أناسٌ كثيرون خوفاً من هذه المنطقة، فلما ركبوا الطريق ساروا في سياراتهم وحصل على بعضهم من الحوادث ما قضى به نحبه، وقد كان خائفاً من شيء، فإذا منيته تكون في أمرٍ آخر، وإذا بالشيء الذي هرب منه قد ساقه إلى أمرٍ آخر كان فيه هلاكه وحتفه:

ما قد قضى يا نفس فاصطبري له     ولكِ الأمان من الذي لم يقدرِ

وتحققي أن المقدر كائنٌ     يجري عليك حذرتِ أم لم تحذري

والخوف من الله عز وجل يستوجب أمراً آخر من مهمات القلوب، وهو عدم الأمن من مكر الله عز وجل، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النحل:45-47].

هذه الآيات عين الواقع بالضبط، هؤلاء الذين مكروا السيئات فعملوها، ودعوا الناس إليها، وحرضوهم عليها، وشجعوهم على فعلها، هؤلاء الذين يمكرون بالناس في دعائهم إياهم للمعاصي، هؤلاء: أأمنوا أن يخسف الله بهم الأرض؟ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ [النحل:45-46].

وتقلبهم هو تنقلهم في الأسفار وغيرها، وتغيرهم في أحوالهم، ولذلك قال الله في آيةٍ أخرى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].

فإذاً الناس عندما يؤخذون بالعذاب على أنواع:

فمنهم من يأخذه الله وهو مطمئن نائم, ومنهم من يأخذه الله وهو يلعب ويلهو، أو مشغول بالدنيا، فيأتيه العذاب فجأة، ومنهم من يأخذه الله وهو يخاف من وقوع العذاب عليه.

ولذلك إذا أخذ الله غيرنا بعذابٍ وهم نائمون مطمئنون، فنحن الآن في مرحلة نخشى أن يأخذنا الله بعذابٍ ونحن على تخوف.

لابد -أيها الأخوة- أن نفقه الآيات، ولذلك سنعيد قراءتها: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [النحل:45] أي: لا يتوقعون، لم يدر في بالهم أن الله سيفعل بهم ما فعل، أو يأخذهم في تقلبهم وهم في أسفارهم وذهابهم ومجيئهم، أخذهم الله فأصيبوا فما هم بمعجزين، يصل إليهم الأثر وهم في أقصى الدنيا.

ولذلك لما أنزل الله بعاد عذاباً كان منهم قومٌ مسافرون إلى مكان بعيد عن مكان الحدث، فذهب إليهم العذاب فأخذهم في سفرهم!

الحالة الثالثة: أو يأخذهم على تخوف، أي: هم يترقبون أن يحدث شيء، فيأخذهم الله في حال الخشية وفي حال الخوف: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل:47] وهم خائفون وجلون مضطربون يخشون حدوث شيء، فيأخذهم الله عز وجل، أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوفٌ رحيم.

كيف يكون رءوفاً رحيماً؟

إذا لم يعاجلهم بالعقوبة عز وجل، قد يأخذهم مباشرة، وقد يأخذهم بعد إمهال، وقد يأخذهم على تخوف ويكون من أشد أنواع الأخذ، لأنه قد اجتمع عليهم الخوف والعذاب، ولذلك لابد من العودة إلى الله، فنحن الآن في مرحلة مصيرية وفي لحظات عصيبة.

وبعض الناس الذين ناموا انتبهوا لحظات، ثم ناموا ورجعوا للغفلة، فعليهم أن ينتبهوا، أفأمنوا أن يأخذهم الله على تخوف، فإن ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليمٌ شديد؛ إذا جاءت غاشية من عذاب الله، فإنها لا تبقي ولا تذر.

وتأمل قوله سبحانه وتعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97] والنوم يأتي من الطمأنينة، أناس مطمئنون لا يحسبون في حسابهم أي شيء ، فينام الإنسان فيأتيه العذاب وهو نائم، كما فعل الله بأقوامٍ كُثر، أتاهم العذاب وهم نائمون.

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] وإنما يلعب الناس إذا توفر لهم الرزق، وتوفر لهم رغد المعيشة، وكان عندهم سعة، فإنهم لا يحتاجون لطلب الرزق، فلذلك يلهون ويلعبون، وينشغلون بكل الملهيات، ولو كانوا في ضنك لذهبوا يطلبون الرزق، ولكن أمنوا مكر الله واغتروا بالنعمة ولم يشكروها، فيلعبوا في سائر الأوقات بالمعاصي وبالمنكرات، فيأتيهم العذاب ضحى وهم يلعبون؛ فيكون مفاجئاً لهم، وهذا دليل أمنهم من مكر الله، ولو كانوا يخشون الله ما ناموا ولعبوا، ولصلوا وقاموا وعبدوا الله، وفعلوا كما كان يفعل رسول صلى الله عليه وسلم.

فلم يكن نومه عليه الصلاة والسلام غفلة، وإنما كان عبادة، ولذلك فإنه لابد للعباد أن يفيئوا إلى الله في وقت الشدة، وأن يتوكلوا على الله.

من أهم أعمال القلوب: التوكل على الله.

وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:23].. وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ [آل عمران:173-174] هذا كان عاقبة الذين يتوكلون على الله، كفاهم الله الشر والعذاب وكفاهم بأس عدوهم غانمين سالمين، وأرجعهم يعبدون الله ويتبعون رضوانه.

رسول الله وتوكله على الله

كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه وذكره لربه: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت) وكان يفوض أمره إلى ربه حتى عند النوم يقول: (أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبةً ورهبةً إليك) واعتماده على الله سبحانه وتعالى.

والتوكل يمكن أن نعرفه بأن نقول: هو تفويض الأمر إلى الله، والتعلق بالله في كل حال، وقطع علائق القلب عن غير الله، كل علاقة بغير الله نقطعها، والاعتماد على الله في حصول المطلوب وزوال المكروب مع الأخذ بالأسباب، هذا تعريف التوكل.

موسى ينصح قومه بالتوكل على الله

موسى عليه السلام لما أرسله الله لبني إسرائيل وكانوا في اضطهاد وظلم قال: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس:87] اجعلوها عامرة بذكر الله؛ لأن هذا الذي ينجي في الأخطار، وهذا الذي يصبر الناس، فماذا قال موسى لقومه؟ وقال موسى لقومه لمن آمن به: يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا [يونس:84-85] ولذلك لابد أن يواطئ اللسان القلب؛ فالقلب متوكل واللسان يقول: توكلنا على الله، واللسان يقول: رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة:4].

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:64] أي: يكفيك ويكفي المؤمنين الذين اتبعوك، فهو حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين، ولذلك -أيها الأخوة- ثبت من خلال الأحداث بالدليل القاطع أن جمع الأموال وتخزين الأطعمة لا يفيد شيئاً أبداً إذا نزل عذاب الله، فالأموال تذهب كلها، والعدو يستولي عليك وعلى طعامك.

كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه وذكره لربه: (اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت) وكان يفوض أمره إلى ربه حتى عند النوم يقول: (أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبةً ورهبةً إليك) واعتماده على الله سبحانه وتعالى.

والتوكل يمكن أن نعرفه بأن نقول: هو تفويض الأمر إلى الله، والتعلق بالله في كل حال، وقطع علائق القلب عن غير الله، كل علاقة بغير الله نقطعها، والاعتماد على الله في حصول المطلوب وزوال المكروب مع الأخذ بالأسباب، هذا تعريف التوكل.


استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة اسٌتمع
اقتضاء العلم العمل 3615 استماع
التوسم والفراسة 3614 استماع
مجزرة بيت حانون 3544 استماع
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] 3500 استماع
اليهودية والإرهابي 3429 استماع
إن أكرمكم عند الله أتقاكم 3429 استماع
حتى يستجاب لك 3396 استماع
المحفزات إلى عمل الخيرات 3376 استماع
ازدد فقهاً بفروض الشريعة 3350 استماع
الزينة والجمال 3340 استماع