أرشيف المقالات

مره بحسن الطلب ومرني بحسن القضاء

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
مُره بحسن الطلب ومُرني بحسن القضاء

"مُرْه بِحُسنِ الطلبِ ومُرنِي بِحُسنِ القضاء"..
هذه كلمات خلَّدها التاريخ، وكانت نِبراسًا يَهتدي به مَن جاء بعده، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلمات عندما أقبلَ عليه ذلك اليهوديُّ وعنده له دَينٌ، فأخذَ يَجُرُّ رداءَ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حتى احمَرَّ عُنقُه الشريفُ، فقال: "أدِّني دَينِي الذي عِندَك فما عُرِفتُم يا بني هاشمَ إلا مطلاً"، أي: تُماطِلونَ الناسَ في حُقوقِهم، فهو مع ذلك اعتدى عليه وسبَّه، ومَوعِدُ الدَّينِ لم يحلّ بعدُ، فقام سيدنا عمر يقول: ائذن لي أن أضربَ عنقَه يا رسولَ الله، فقال: ((كنتُ أنا وهو أحوجَ إلى غيرِ هذا منك؛ مُرهُ بِحُسنِ الطلبِ، ومُرنِي بِحُسنِ القضاء، واعلم أنَّ موعِدَ الدَّينِ لم يحل وبَقِيَ منه ثلاثةُ أيامٍ، فقم يا عمر واقضِه حقَّه وزِدهُ عشرين مَكانَ ما رَوَّعتَهُ))، فأخَذَه وزادَه عشرين، قال: يا عمر، إني ما فعلتُ ذلك إلا أنِّي قرأتُ وَصفَ رسولِ الله في التوراةِ فوجدتُ جميعَ الأوصافِ فيه إلا وصفَين: الحِلم، وأنه لا تزيدُه شِدَّةُ الجهلِ عليه إلا حلمًا، وقد خبرتُهُما فيه اليوم، فأنا أُسلم وهذا المالُ صدقة للمسلمين، فجاءَ إلى النبي وقال: امدُد يدَك فأنا أشهدُ أن لا إله إلا الله وأنكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
 
فهل تأملت - أخي الحبيب - معي هذه القصة النبوية، وما أحوجَنا اليومَ إلى التخلُّق بهذه الأخلاق النبوية التي ابتعد عنها المسلمون كثيرًا، وأصبَح بيننا وبينها جبل مِن ثقافات وسلوكيات وافِدة زيَّنها الغرب لشبابِنا ونسائنا على أنها لبُّ الحضارة وجَوهَرها، وأن التقدُّم لا يَحصل إلا بالتخلُّق بهذه السلوكيات وهذه الأخلاق التي تنمُّ عن خراب للفِطرة وتهديم للقيَم الأصيلة التي تربَّى عليها أسلافُنا، والتي مِن خلالها خضَع لهم العالَم وتألَّفوا بها القلوب، وما إندونيسيا عنا ببعيد؛ حيث هي الآن تُعتبَر أكبر بلد إسلامي، ولو سألنا أنفسنا: كيف دخلت هذه الأمة في الإسلام؟ لكان الجواب عجيبًا؛ لم تُفتَح بالسِّنان، ولكنها فُتحتْ بالخلُق الرفيع الذي كان يَتحلى به التجار المسلمون عندما كانوا يَفِدون إليها بتجارتهم، فما أحوجَنا اليوم إلى التأسي بأخلاق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي قال عنه - جل وعلا - في مُحكَم التنزيل: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].
 
اللهم ثبِّتنا على الصبرِ الجميل، وعلى مُتابَعةِ نبيِّكَ الجليل، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبِه وسلِّم، والحمد لله ربِّ العالَمين.

شارك الخبر

المرئيات-١