خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
محبة الله والطريق إليها
الحلقة مفرغة
تولى عبد الرحمن الناصر إمارة الأندلس بعد وفاة جده، فرفع من شأن الأندلس من الضعف إلى القوة ومن الذل إلى العزة ومن الهوان إلى المجد والسيادة، واستطاع أن يقضي على جميع الثورات الداخلية، واستطاع القضاء على الممالك النصرانية واسترداد الأراضي الإسلامية الأندلسية من تحت سيطرتها، وأعاد المجد والعز للإسلام والمسلمين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فاعلموا -يا إخواني- أن محبة الله تعالى والطريق إليها موضوع له أهمية عظيمة في حياتنا التي نعيشها اليوم.
فمن الأسباب المهمة الملجئة لطرق الموضوع: أنه إذا تأمل الإنسان نفسه، وتأمل مَن حوله، فإننا نجد -أيها الإخوة- أن كثيراً من عباداتنا مثل الصلاة وغيرها، قد تحولت إلى عادات.
فصرنا ندخل المساجد، ونكبر وراء الإمام، ونقوم بأداء الركعات، ثم نسلم ونحن لم نفقه من أمر الصلاة شيئاً.
وإذا أتى الصيام تناول الواحد السحور بعملية أوتوماتيكية ثم يفطر، وهكذا يمر شهر رمضان وهو لم يستفد من الصيام شيئاً.
ويذهب الواحد إلى الحج، وقد تثور في نفسه بعض المشاهد التي تذكره بالله عز وجل؛ ولكن إذا كرر هذه العبادة، فإن هذا الحماس وهذا التأثير يتلاشى.
كذلك -يا إخواني- كثيرٌ من الذين يتمسكون بالإسلام، ويلتزمون به يكون تمسكهم بالإسلام في البداية على غير أساس صحيح؛ لأنهم دخلوا في هذا التمسك تقليداً لا محبة لله عز وجل، كأن يرى مَن حوله يصلون فيصلي، ويرى من حوله لا يسمعون الأغاني فيترك الأغاني، ويرى مَن حوله يقصر ثوبه فيقصر ثوبه، تقليداً لا حباً في الله عز وجل، فبَعد فترة من الزمن ينتكس هذا الشخص وينقلب على عقبيه.
فالشاهد -أيها الإخوة- أن هذا الموضوع (محبة الله عز وجل) موضوع مهم وخطير جداً.
حتى نصحح العبادات، وحتى نصحح الالتزام بالإسلام، ونصحح طريق السير إلى الله تعالى لا بد أن نعرف:
ما هي محبة الله؟
كيف تكون محبة الله؟
ما هي علامات حب الله للعبد؟
وما هي الأشياء التي يتوصل بها العبد إلى محبة الله عز وجل؟
أشياء كثيرة لا بد من معرفتها.
والمحبة -أيها الإخوة- من أعمال القلوب؛ لأننا نعلم أن الإيمان هو: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح.
وهنا كلامٌ سأسوقه إليكم الآن وهو مُجَمَّعٌ أكثره من كلام العالم الرباني شيخ الإسلام الثاني ابن القيم رحمه الله تعالى، جمعتُ بعضَه، ووجدت بعضه مجموعاً في بحوث لبعض الأشخاص.
ولا بد قبل البداية -أيها الإخوة- أن أسرد عليكم مقدمات لهذا الموضوع ذكرها هذا الرجل الفذ في بعض كتبه؛ لأنها عظيمة في المعنى.
فيقول رحمه الله تعالى:
" الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظَفَر بالمحبوب سبيلاً، ونصب طاعته والخضوع له على صدق الـمحبة دليلاً، وحرَّك بها النفوس -يعني: بالمحبة- إلى أنواع الكمالات إيثاراً لطلبها وتحصيلاً، والمحبة: هي روح الإيمان والأعمال، والمقامات والأحوال، التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه " عبادة ليس فيها محبة كالجسد لا روح فيه، تدخل وتخرج من العبادة بدون أي تأثير.
ثم يقول رحمه الله: " الـمحبة: هي المنـزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علَمها شَمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروَّح العابدون فهي قوت القلوب -محبة الله قوت القلوب، هي الوقود، وهي الدافع للأعمال- وغذاء الأرواح، وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرِمَها فهو في جملة الأموات، والنور الذي مَن فَقَدَه فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عَدِمه حلت به أنواع الأسقام، واللذة التي مَن لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا أبداً بغيرها واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها، وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائماً إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة.
والمحبة -أيها الإخوة- تتنوع، كل إنسان يحب شيئاً، وأنت إذا نظرت إلى مراد الأشخاص ومحبيهم في الدنيا، وجدتها متعددة! فسبحان من صرَّف عليها القلوب أنواعاً وأقساماً بين بريته، وفصلها تفصيلاً! فجعل لكل محبوب لمحبه نصيباً! فقسمها بين:
- محب للرحمن.
- ومحب للأوثان.
- ومحب للنيران.
- ومحب للصلبان.
- ومحب للأوطان.
- ومحب للإخوان.
- ومحب للقرآن.
- ومحب للنسوان.
- ومحب للأثمان. يعني: الأموال والتجارات.
- ومحب للألحان. يعني: الأغاني.
فهي شجرة: عرقها الفكر في العواقب -ماذا سيحدث بعد الموت- وساقها: الصبر، وأغصانها: العلم، وورقها: حسن الخلق، وثمرتها: الحكمة. فإذا غُرِسَت هذه الشجرة في القلب، وسُقِيَت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهما ركنا العمل الصالح أثْمَرَت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بأمر ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى.
ولأجل المحبة -أيها الإخوة- أنزل الله الكتاب والحديد، فجعل الكتاب هادياً إليها، ودالاً عليها، وجعل الحديد لمن خرج عنها وأشرك بها مع الله أحداً غيره، ولذلك ذم الله المشركين الذين يحبون أندادهم مثل محبة الله، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] هذا شرك المحبة ".
فإذا سألت -يا أخي المسلم- ما هي العلامات التي أعرف بها أن الله يحبني بها؟ كيف أعرف هذا؟
حمايته من الدنيا
فإذا نظرت لبعض الآيات والأحاديث التي فيها علامات محبة الله للعبد نجد بعضاً منها على النحو التالي:-
عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدُكم يحمي سقيمه الماء) أخرجه الترمذي ، وحسنه الألباني .
حديث: (إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) .
( حماه الدنيا ) : يعني: يحميه من فتنة الدنيا، من فتنة أموالها وبهرجها وزخرفها وزينتها، يحميه من هذه الأشياء، ( حماه الدنيا ) : مَن الحِمْيَة، وهي: المنع. (كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) : أحياناً يكون الماء مضراً للمريض، فتجد أهل المريض يمنعون عنه ما يضره، فإذا قال لهم الأطباء: أن كثرة شرب الماء مضر للمريض منعوا عنه الماء، كذلك يحمي الله تعالى عبده الذي يحبه كما يحمي أهلُ المريض المريضَ من شرب الماء الذي يكون مضراً به في بعض الأحيان.
العلامة الثانية من العلامات: الابتلاء
وهذا الابتلاء -أيها الإخوة- يكون على قدر الإيمان، فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة) .
يقول تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] .
يكون البلاء -أيها الإخوة- أحياناً نتيجة معاصٍ وذنوب، وأحياناً قد يكون الإنسان طائعاً لله، سائراً على طريق الله، صالحاً؛ لكن يأتيه البلاء، فهل هذا عقاب؟
لا. بل يكون لمحبة الله لعبده، أي: أن الله عز وجل قد قدر على العبد أن يصل إلى الدرجة الفلانية في الجنة.
وأعمال العبد؛ الصلاة، والصيام، والصدقات، والدعوة، والتعلُّم لا توصله إلى هذه المرتبة!
إذاً فكيف يرفعه من هذه المرتبة التي بلغها بهذه الأعمال إلى المرتبة التي قدَّرها؟!
يكون ذلك بالابتلاء كأن يضاعف عليه البلاء، والمصائب، والأمراض، والفقر، والجوع، ويموت قريبه، ويمرض ابنه، ويفقد ماله، فيصبر على هذا البلاء فيرفعه الله إلى تلك الدرجة، ولولا البلاء لم يبلغ تلك الدرجة، هذا من حِكَم الله جل وعلا.
القبول في الأرض
وهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم جاء فيه قصة: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما تولى أمور الناس، وحج بهم أطل على الناس، فقال أحد أبناء التابعين لأبيه: [هذا -يعني:
وهذه نعمة -أيها الإخوة- لا تشترى بالمال، ومهما عمل التجار، ومهما عمل الكادحون، فلا يصلون إليها إلا بتقوى الله والأعمال الصالحة.
كذلك يُسْتَدل من هذا الحديث على أن محبة قلوب الناس للشخص هي علامة على محبة الله.
الرفق
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في صحيح الجامع : (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق) .
تجد أمورهم تسير بغاية الرفق، تجد الزوج يرفق بزوجته، والزوجة ترفق بزوجها، وهما يرفقان بأولادهم، والأولاد يرفقون بأبيهم، وييسر الله لهم سبل الرزق، فيأتيهم رزقهم رغداً من كل مكان من حيث لا يحتسبون.
حسن تدبير الله للعبد
فتجد التوفيق حليفه دائماً، لا يطرق باباً إلا ويجده مفتوحاً، ولا يتعسر عليه أمر إلا ويكون التيسير حليفه بعد حين، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6] .
" فإن الله -كما يقول ابن القيم رحمه الله- إذا أحب عبداً اصطنعه لنفسه -مثلما اصطنع موسى- واجتباه لمحبته -ومثلما اجتبى إبراهيم- واستخلصه لعبادته، فشغل همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته ".
فيشغل الله جسد الإنسان بعبادته، ويشغل لسان عبده بذكره، ويشغل همه وتفكيره في كيف يرضي الله عز وجل. وهذا توفيقٌ من الله.
موافقة العبد لله فيما يقوله من كلام وأحكام
وأكبر شاهد على هذه القضية: ما حصل في غزوة الحديبية !
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما عقد الصلح مع الكفار استشاط بعض المسلمين غضباً لشروط الصلح، وظنوا أن شروط الصلح تملي عليهم أشياء تخالف موقف القوة، وتضعهم في موقف ضعف، هكذا ظنوا؛ ولكن الله أراد أمراً آخر.
وكان عمر بن الخطاب ذا نفسية لا ترضى بالدون، ولا ترضى بالضعف، لَمَّا شاهد الشروط ثار وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟! قال: نعم. قال: فعلامَ نعطي الدنية في ديننا؟! ...) كيف نوافق على شروط مثل هذه؟! كيف إذا جاءنا المسلم نرده، وإذا ذهب واحد منا من المدينة إلى قريش لا يردونه؟! كيف نوافق على هذه الشروط؟!
فماذا أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: (... إني رسول الله، وهو ناصري، ولست أعصيه -هكذا أمرني ربي- فقال له
هذا التوافق -أيها الإخوة- ليس عبثاً، لكن إذا أحب العبدُ اللهَ وفق اللهُ العبدَ فيُجْرِي الحقَّ على لسانه، فلا يَخرج منه إلا الحق.
و عمر كان من أصحاب هذه المرتبة، فلذلك يقول: [وافقت ربي في ثلاث، أو في أربع: ...] .
وافق عمر ربه في ثلاث:
- كان يتمنى نزول تحريم الخمر؛ فنزل تحريم الخمر.
- كان يتمنى نزول آية الحجاب؛ فنزلت آية الحجاب.
- كان له موقف من أسارى بدر ؛ فنزل القرآن تصديقاً له.
هؤلاء الأولياء -أيها الإخوة- يُجْرِي الله الحق على لسانِهم، فيوافقون الله ورسوله، حتى لو لَمْ يطَّلِعوا، فيوفقهم الله ويسددهم.
ولذلك -أيها الإخوة- كلما قويت مَحبة العبد لله قوي سلطان القلب في الْمَحبة فاقتفى أثر الطاعات، وترك المعاصي والْمُخالَفات.
وممن تصدر المعصية؟
تصدر المعصية ممن ضعفت محبته.
وهناك فرق عظيم بين مَن تَحمله المحبة على فعل الطاعة، وبين مَن يَحمله الخوف من السوط والضرب والعقوبة على فعل الطاعة.
بعض الناس عندما يعمل الطاعة تقول له: لماذا تعمل؟ يقول لك: لأني أخاف إذا ما عملت أن أدخل جهنم، هذا شعور ممدوح؛ لكن هناك شعور أكمل من هذا.
ما هو الشعور الأكمل من هذا؟
أنني أعبد الله عز وجل لأنني أحبه، والذي يحب أحداً يسعى لإرضائه.
أعبد الله لأني أحبه، وأطمع في جنته، وأخاف من ناره، بعض الناس يعبدون الله خوفاً من العقوبة لا حباً له، وهذه مرتبة أدنى من مرتبة الذي يعبد الله مُحِباً له، طائعاً له، طامعاً في جنته، خائفاً من ناره.
ولذلك -أيها الإخوة- المحبة المجردة عن التعظيم تكون ميِّتة، لا يتبعها عمل.
لذلك قال السلف : "من عَبَد الله بالحب وحده؛ فهو زنديق.
ومن عبده بالرجاء وحده؛ فهو مرجئ.
ومن عبده بالخوف وحده؛ فهو حروري ".
الزنادقة المنافقون، إذا قلت لأحدهم تقول: أنت تحب الله؟ يقول: طبعاً نحب الله. فإذا نظرت إلى واقعه، فهو أسوأ ما يكون! المحبة خرجت من اللسان وليس من القلب.
فالذي يزعم أنه يحب الله فقط بدون عمل فهذا زنديق.
أما الذي يقول: أنا أعبد الله بالرجاء، أتمنى على الله الأماني، وأتمنى أن الله يدخلني الجنة، وأتمنى الفوز بها والنجاة من النار، فهل أنت تعمل لهذا؟ لا يعمل؛ لكن يتمنى على الله الأماني، هذا من المرجئة .
أولاً: المحبة على الصحيح من أقوال العلماء ليس لها تعريف إلا لفظها فقط، ولها مترادفات، وكثير ممن عرَّفها إنما عرَّفوها بآثار لها، آثار المحبة عرَّفوها بالمحبة، والصحيح: أنه لا تعريف لها، ولا يمكن تعريفها؛ لأنها شيءٌ شعوريٌ يقوم في القلب، لا يمكن تحديده بألفاظ مطلقاً.
فإذا نظرت لبعض الآيات والأحاديث التي فيها علامات محبة الله للعبد نجد بعضاً منها على النحو التالي:-
عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدُكم يحمي سقيمه الماء) أخرجه الترمذي ، وحسنه الألباني .
حديث: (إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) .
( حماه الدنيا ) : يعني: يحميه من فتنة الدنيا، من فتنة أموالها وبهرجها وزخرفها وزينتها، يحميه من هذه الأشياء، ( حماه الدنيا ) : مَن الحِمْيَة، وهي: المنع. (كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء) : أحياناً يكون الماء مضراً للمريض، فتجد أهل المريض يمنعون عنه ما يضره، فإذا قال لهم الأطباء: أن كثرة شرب الماء مضر للمريض منعوا عنه الماء، كذلك يحمي الله تعالى عبده الذي يحبه كما يحمي أهلُ المريض المريضَ من شرب الماء الذي يكون مضراً به في بعض الأحيان.
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْط) .
وهذا الابتلاء -أيها الإخوة- يكون على قدر الإيمان، فلما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، يبتلَى الرجل على قدر دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة) .
يقول تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] .
يكون البلاء -أيها الإخوة- أحياناً نتيجة معاصٍ وذنوب، وأحياناً قد يكون الإنسان طائعاً لله، سائراً على طريق الله، صالحاً؛ لكن يأتيه البلاء، فهل هذا عقاب؟
لا. بل يكون لمحبة الله لعبده، أي: أن الله عز وجل قد قدر على العبد أن يصل إلى الدرجة الفلانية في الجنة.
وأعمال العبد؛ الصلاة، والصيام، والصدقات، والدعوة، والتعلُّم لا توصله إلى هذه المرتبة!
إذاً فكيف يرفعه من هذه المرتبة التي بلغها بهذه الأعمال إلى المرتبة التي قدَّرها؟!
يكون ذلك بالابتلاء كأن يضاعف عليه البلاء، والمصائب، والأمراض، والفقر، والجوع، ويموت قريبه، ويمرض ابنه، ويفقد ماله، فيصبر على هذا البلاء فيرفعه الله إلى تلك الدرجة، ولولا البلاء لم يبلغ تلك الدرجة، هذا من حِكَم الله جل وعلا.
وكذلك من علامة حب الله للعبد: القبول في الأرض:
وهذا الحديث الذي رواه الإمام مسلم جاء فيه قصة: أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما تولى أمور الناس، وحج بهم أطل على الناس، فقال أحد أبناء التابعين لأبيه: [هذا -يعني:
وهذه نعمة -أيها الإخوة- لا تشترى بالمال، ومهما عمل التجار، ومهما عمل الكادحون، فلا يصلون إليها إلا بتقوى الله والأعمال الصالحة.
كذلك يُسْتَدل من هذا الحديث على أن محبة قلوب الناس للشخص هي علامة على محبة الله.
الشيء الرابع من علامات محبة الله للعبد: الرفق:
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في صحيح الجامع : (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق) .
تجد أمورهم تسير بغاية الرفق، تجد الزوج يرفق بزوجته، والزوجة ترفق بزوجها، وهما يرفقان بأولادهم، والأولاد يرفقون بأبيهم، وييسر الله لهم سبل الرزق، فيأتيهم رزقهم رغداً من كل مكان من حيث لا يحتسبون.
من ضمن العلامات كذلك: حسن تدبير الله للعبد، وحسن تربية الله لعبده منذ صغره :-
فتجد التوفيق حليفه دائماً، لا يطرق باباً إلا ويجده مفتوحاً، ولا يتعسر عليه أمر إلا ويكون التيسير حليفه بعد حين، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:6] .
" فإن الله -كما يقول ابن القيم رحمه الله- إذا أحب عبداً اصطنعه لنفسه -مثلما اصطنع موسى- واجتباه لمحبته -ومثلما اجتبى إبراهيم- واستخلصه لعبادته، فشغل همه به، ولسانه بذكره، وجوارحه بخدمته ".
فيشغل الله جسد الإنسان بعبادته، ويشغل لسان عبده بذكره، ويشغل همه وتفكيره في كيف يرضي الله عز وجل. وهذا توفيقٌ من الله.