تحكيم الشرع


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

إخواني في الله: روى الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى في صحيحه في باب الشروط التي لا تحل في الحدود، عن أبي هريرة وزيد بن خالد -رضي الله عنهما- أنهما قالا: (إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر- وهو أفقه منه-: نعم. فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل؟ قال: إن ابني كان عسيفاً عند هذا، فزنا بامرأته، وإني أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم، فأخبروني أن على ابني مائة جلدة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله. الوليدة والغنم ردٌ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، قال: فغدا عليها، فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).

هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه يخبرنا عن حادثة من الحوادث التي وقعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف حَكَمَ فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام؟

هذان الرجلان جاءا من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما- يشتكي-: (يا رسول الله! أنشدك بالله إلا قضيت لي بكتاب الله) يلح على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقضي له بكتاب الله، وهذا من قلة فقهه؛ إذ أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله لا يحتاج إلى إلحاح ولا إلى زيادة في الطلب، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يقضي بغير كتاب الله مطلقاً.

قال الخصم الآخر- وكان أفقه منه-: (نعم. فاقض بيننا بكتاب الله، وائذن لي) كان مؤدباً في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: نعم أوافق خصمي على ما قال، اقض بيننا بكتاب الله، ولكن أرجو أن تسمح لي أن أتكلم وأفصل لك في الموضوع، و(حسن السؤال نصف العلم) فلذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل الثاني: قل؟ قال: (إن ابني كان عسيفاً- يعني: أجيراً، أو خادماً- عند هذا الرجل- الخصم: ابني كان خادماً عند خصمي -فزنا بامرأته- ابني الشاب الأعزب زنا بامرأة هذا الرجل وهو خادم عنده -وإني أخبرت، وفي رواية أخرى: فسألت من لا يعلم- سألت أناساً جهالاً لا يعلمون بأحكام الدين -فقالوا: إن على ابني الرجم، فلما علمت هذا الحكم ذهبت إلى هذا الرجل زوج المرأة، فحاولت أن أرضيه بشيء من المال، فأرضيته، فاصطلحنا واتفقنا على أن أعطيه مقابل الزنا الذي حصل بامرأته، أعطيه مائة شاة ووليدة -أي: جارية- بعد ذلك سألت أهل العلم بكتاب الله فأخبروني أن ما على ابني هو مائة جلدة وتغريب عام) أن يذهب به بعيداً عن وطنه وبلدته لمدة عام زائداً الجلد مائة جلدة، وهذا هو حد الزاني غير المحصن الأعزب الذي لم يتزوج، وأن على امرأة هذا الرجل الآخر الرجم -لا بد أن ترجم لأنها محصنة ومتزوجة- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لأقضين بينكما بكتاب الله -يعني: بحكم الله تعالى سواءً في القرآن أو في السنة- الوليدة والغنم ردٌ عليك) يأيها الخصم! أرجع المائة شاة والجارية إلى الرجل فهذا شيء باطل، وعلى ابنك مائة جلدة وتغريب عام، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد الصحابة الذين كانوا يوكلون بإقامة الحدود، وقال: (اغد يا أنيس إلى امرأة هذا الرجل -اذهب عليها وقررها- فإن اعترفت، فارجمها. قال: فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجمت).

هذا الحديث- أيها الإخوة- يشتمل على أصول عظيمة من أصول الإسلام، وعلى فوائد مهمة، وعلى تحذيرات ينبغي للمسلمين أن يتنبهوا إليها ويعوها ويعرفوها حق المعرفة، ويرعوها حق الرعاية.

الانتباه لقضية الخدم ومن في البيت

أولاً: لقد كان ولد هذا الرجل خادماً عند رجلٍ آخر، فزنا بامرأته.

مشكلة الخدم- أيها الإخوة- مشكلة عويصة وكبيرة وخطيرة جداً، ومهدمةٌ لأخلاق البيوت، وقاضية على العفة والطهارة، إذا لم يلتزم فيها بآداب الدين وأحكامه، ومشكلة الخدم في عصرنا هذا أضحت من المشاكل العظيمة التي احتار فيها الناس، وبعضهم أودت بهم وببيوتهم إلى مهاوي من الرذيلة والفساد، وفتحت على المسلمين أبواباً من الشرور لا زالت تستفحل حتى الآن.

ترى الرجل عنده خادمة في البيت شابةٌ جميلةٌ، وعنده أولادٌ بالغون.. كبار.. عزاب يختلطون بهذه الخادمة، وتجد كذلك خادماً، أو سائقاً شاباً موجوداً في البيت.. بهي الطلعة.. مفتول العضلات، يخالط الفتيات من البنات في هذا البيت، ويخالط الزوجة في البيوت، هذه- أيها الإخوة- من الطامات والبلايا التي ابتلينا بها في هذا العصر، فنشأ عن هذا مشاكل كبيرة، وبلايا عظيمة، وانتهاك لحرمات الله، وجرائم أخلاقية تتنافى مع شرع الله لا أول لها ولا آخر، وأصبح أولاد الزنا مشكلة من المشاكل المتولدة عن قضية الخدم، ونحن في هذا المقام لن نناقش هذه القضية، لأن الوقت لا يسمح لها الآن، ولعل الفرصة تتاح لهذا في المستقبل.

الاختلاط سبب الفتن

ما هو السبب في الفتنة؟ لماذا تحدث الطامة، وتحدث البلية من هؤلاء الخدم؟

أحد الأسباب لهذه الجرائم التي تحصل- ما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث فقال-: وإنما وقع له- يعني: للشاب- ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال، فيستفاد منه:

الحث على إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتوصل بها الشيطان إلى الإفساد، المرأة بطبيعة الحال إذا رأت رجلاً أجنبياً أمامها فجأة، فإنها تنفر منه وتهرب عنه، هذا لو كان في قلبها إيمان واعتراف بحدود الله ومحارمه، فإذاً: لماذا نجد الفاحشة -أحياناً- تقع بين هذا النوع من النساء والخدام والسائقين في البيوت؟

السبب- أيها الإخوة- طول الملازمة المقتضية لمزيد من التأنيس والإدلال.. العشرة.. والمعاشرة.. كثرة المخالطة والمعايشة مع هذا السائق، أو هذا الخادم هي التي تفضي إلى المحرم.. المقابلة الأولى قد لا توقع إلى محرم، وقد لا تفضي إلى شيء، ولكن زيادة الخلطة والمخالطة والمعاشرة تجعل الجو طبيعياً جداً، وتجعل وجود هذا الأجنبي في البيت بين النساء أمراً عادياً لا ينقد، هذا هو بداية الفساد، وهذا هو الجو المهيأ لوقوع الرذيلة والفاحشة.

إيجاد الحلول لوجود الخدم والسائقين في البيوت

أيها الإخوة: إن وجود الخدم والسائقين داخل البيوت يعاشرون نساءنا ويتجولون بينهن من الخطورة بمكان؛ لأنه سيزيل حاجز الكلفة بين هذا السائق، أو هذا الخادم وهذه المرأة، سيصبح هذا الرجل كأنه من أهل البيت لا فرق بينه وبين الزوج أو الابن أو الأخ، يدخل متى شاء ويخرج متى شاء، يدخل والمرأة في حالة من التكشف كأنها أمام زوجها، وكأنه لا يوجد عندها رجل أجنبي، وهذه المخالطة وهذه الإزالة للحاجز هي التي توقع في الجريمة، وهي التي تهيئ أسباب الفساد، لذلك كان لا بد من إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة هي التي تفضي إلى الفساد، مَن مِن الناس اليوم الذين يوجد عندهم خدم وسائقون يفصلون بين بيت الخدم وبيت النساء؟

مَن مِن اليوم يمنع السائق من الدخول إلى داخل البيت، ويبقي السائق في حجرة خارجية خارج سور البيت، أو له باب آخر مختلف عن باب البيت؟

من الذي يحرص على منع الاختلاط؟

إنهم قلة من الناس جداً، بل إن هذا الفصل غير واقعٍ تقريباً في أحوال البيوت اليوم، ولذلك- يا إخواني- نسمع بالمآسي، ونسمع بالطامات، ونسمع بمواليد يولدون لا يمتون بصلة إلى الأب، أو الزوج في البيت.

هذه مشاكل- أيها الإخوة- نشأت عن إهمال حدود الله تعالى، وعدم تعظيم حرمات الله.

فالحذر الحذر من هذه الفتنة العظيمة، والطامة الكبيرة، التي عمت ودخلت كل بيت، فأصبحت من الفتن.

الله الله في بيوتكم.. الله الله في نسائكم.. الله الله في محارم الله.. الغيرة الغيرة- أيها الإخوة- على حدود الله ومحارمه.. جنب أولادك ونفسك ونساء بيتك هذه المحرمات التي شاعت بسبب تعود الناس عليها وعدم إنكارها.

أولاً: لقد كان ولد هذا الرجل خادماً عند رجلٍ آخر، فزنا بامرأته.

مشكلة الخدم- أيها الإخوة- مشكلة عويصة وكبيرة وخطيرة جداً، ومهدمةٌ لأخلاق البيوت، وقاضية على العفة والطهارة، إذا لم يلتزم فيها بآداب الدين وأحكامه، ومشكلة الخدم في عصرنا هذا أضحت من المشاكل العظيمة التي احتار فيها الناس، وبعضهم أودت بهم وببيوتهم إلى مهاوي من الرذيلة والفساد، وفتحت على المسلمين أبواباً من الشرور لا زالت تستفحل حتى الآن.

ترى الرجل عنده خادمة في البيت شابةٌ جميلةٌ، وعنده أولادٌ بالغون.. كبار.. عزاب يختلطون بهذه الخادمة، وتجد كذلك خادماً، أو سائقاً شاباً موجوداً في البيت.. بهي الطلعة.. مفتول العضلات، يخالط الفتيات من البنات في هذا البيت، ويخالط الزوجة في البيوت، هذه- أيها الإخوة- من الطامات والبلايا التي ابتلينا بها في هذا العصر، فنشأ عن هذا مشاكل كبيرة، وبلايا عظيمة، وانتهاك لحرمات الله، وجرائم أخلاقية تتنافى مع شرع الله لا أول لها ولا آخر، وأصبح أولاد الزنا مشكلة من المشاكل المتولدة عن قضية الخدم، ونحن في هذا المقام لن نناقش هذه القضية، لأن الوقت لا يسمح لها الآن، ولعل الفرصة تتاح لهذا في المستقبل.

ما هو السبب في الفتنة؟ لماذا تحدث الطامة، وتحدث البلية من هؤلاء الخدم؟

أحد الأسباب لهذه الجرائم التي تحصل- ما أشار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث فقال-: وإنما وقع له- يعني: للشاب- ذلك لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال، فيستفاد منه:

الحث على إبعاد الأجنبي عن الأجنبية مهما أمكن؛ لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتوصل بها الشيطان إلى الإفساد، المرأة بطبيعة الحال إذا رأت رجلاً أجنبياً أمامها فجأة، فإنها تنفر منه وتهرب عنه، هذا لو كان في قلبها إيمان واعتراف بحدود الله ومحارمه، فإذاً: لماذا نجد الفاحشة -أحياناً- تقع بين هذا النوع من النساء والخدام والسائقين في البيوت؟

السبب- أيها الإخوة- طول الملازمة المقتضية لمزيد من التأنيس والإدلال.. العشرة.. والمعاشرة.. كثرة المخالطة والمعايشة مع هذا السائق، أو هذا الخادم هي التي تفضي إلى المحرم.. المقابلة الأولى قد لا توقع إلى محرم، وقد لا تفضي إلى شيء، ولكن زيادة الخلطة والمخالطة والمعاشرة تجعل الجو طبيعياً جداً، وتجعل وجود هذا الأجنبي في البيت بين النساء أمراً عادياً لا ينقد، هذا هو بداية الفساد، وهذا هو الجو المهيأ لوقوع الرذيلة والفاحشة.