خطب ومحاضرات
أسباب الزيادة في الرزق
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .
أما بعــد:
فيا عباد الله: إن الله تعالى أمرنا بالضرب في الأرض لطلب المعاش والرزق، وللرزق أسباب شرعية جاءت في الكتاب والسنة، ولعلنا نعرض لها في هذه الخطبة، إضافةً لما تقدم من خطبة ماضية حول هذا الموضوع، وهذا العرض نافع لكل من لم يجد عملاً أو وظيفة، ونافع لكل من ركبته ديون لا يستطيع أداءها، ونافع لكل من لم يحصل على حقه فهو ينتظره على أحر من الجمر، ونافع كذلك لمن لا يكفيه راتبه، ولا يكفيه دخله من كثرة المصروفات وأبوابها المفتوحة عليه.
وبالجملة: فإن موضوع المال والاقتصاد من الموضوعات الحساسة، ولذلك جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية ذكر كبير لما يتعلق بهذه القضية؛ لأنها قيام الناس قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] فشأنكم وحياتكم يقوم بالمال.
ولذلك فإن هذه المسألة كان لها مساحة لا بأس بها في القرآن والسنة، يحتاج إليها المسلم.
ونقول هذا الكلام -أيضاً- في وقت رجع فيه كثير من الناس من الإجازات، وقد أنفقوا كل ما ادخروه في السنة الماضية، وصار بعضهم في شيء من الضيق.
الاستغفار والتوبة
الاستغفار والتوبة من الأمور العظيمة التي جاء في القرآن والسنة ذكرها، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] .
وكثير من الناس اليوم يستغفرون باللسان؛ لكن لا حقيقة للاستغفار في قلوبهم، وإذا تابوا فتوبتهم ناقصة، فبعضهم لا يقلع عن الذنب أصلاً، وبعضهم إذا أقلع فإنه لا يندم على ما فات، بل ربما تمنى أن يحصل له الذنب مرةً أخرى، وأما العزم على عدم العودة فغير حاصل؛ وذلك لأنه لعله يترقب أن يحصل له من الفرص ما يعود به إلى الذنب؛ لأن الاستغفار ليس من القلب، ولأن التوبة ليست صادقة، فكثير من الناس يُضَيَّق عليهم في معاشهم، وليس كلهم؛ فإن بعض الناس يملي الله لهم ليزدادوا إثماً.
والله تعالى لما قال عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً [نوح:10-11] قال العلماء رحمهم الله: أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كَثُر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
فإذاً: قضية الاستغفار والتوبة مسألة عظيمة.
جاء رجل إلى الحسن البصري يشكو الجدب والقحط، فقال له: استغفر الله. ثم جاءه آخر يشكو إليه الفقر، فقال له: استغفر الله. ثم جاء ثالث يقول: ادعُ الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه رابع جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك .. وفي رواية: فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله يقول في سورة نوح: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
عباد الله: إن الذي يكثر من الاستغفار؛ فإن الله يفرج همه، وينفس كربه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، مصداقاً لما في كتاب الله تعالى.
التقوى
وقد عرفها العلماء بقولهم: امتثال أمر الله ونهيه، والوقاية من سخطه وعذابه سبحانه وتعالى.
ولذلك فإن الذي يصون نفسه عن المعاصي متقٍ لله، والذي يقوم بالواجبات متقٍ لله، والدليل على ارتباط التقوى بالرزق قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] .
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ [الطلاق:2] فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3] أي: من جهة لا تخطر بباله.
وهذا له قصص كثيرة، وشواهد في الواقع؛ لكن أين المتقون؟! إن الذين يفعلون المعاصي ويرتكبون المنهيات كثير .. ينظرون إلى ما حرم الله، ويستمعون إلى ما حرم الله، ويمشون إلى ما حرم الله، ثم يقولون: لا نجد رزقاً، لا نجد عملاً، لا نجد وظيفة! نقول: اتقوا الله يجعل لكم مخرجاً، فقد قال ربنا: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] .
بركات من السماء، أي: المطر، وبركات الأرض، أي: النبات والثمار، وكثرة المواشي والأنعام، وحصول الأمن والسلامة؛ لأن السماء تجري مجرى الأب، والأرض تجري مجرى الأم، ويحصل لهذا المخلوق على الأرض وتحت السماء من الرزق -إذا ما اتقى الله- ما الله به عليم.
عباد الله: إن تطبيق الشريعة وسيلة عظيمة لحصول الرزق للناس، ودليله قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ [المائدة:66] أقاموا الشيء المنزل من السماء، أقاموه وطبقوه وحكَّموه لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة:66] هذه الآية السادسة والستون من سورة المائدة، وهكذا يكون تطبيق الشرع عاملاً من عوامل الرخاء، وسعة الرزق، ووجود البحبوحة للخلق.
التوكل على الله
والتوكل تفويض الأمر إلى الله، والاعتماد على الله وحده، وعدم التعلق بالعباد؛ لأن الله قال: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [العنكبوت:17] وهذه أبلغ من قوله: (فابتغوا الرزق عند الله)، أي: عنده لا عند غيره، التمسوه منه لا من غيره.
التوكل على الله أن تفرغ قلبك من التعلق بالخلق، وتُوكل أمرك لله، وترجو الفرج من الله، وتنتظر الرزق مع بذل الأسباب والأخذ بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله؛ لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) .
(تغدو) أي: تذهب في أول النهار.
(خماصاً) أي: جياعاً.
(وتروح) أي: ترجع في آخر النهار.
(بطاناً) جمع بطين، وهو عظيم البطن، والمراد: شباعاً.
هؤلاء خَلْق الله؛ الطير في السماء تتوكل على الله أكثر بكثير من البشر .. (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير) وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] فالله يكفيه، ويقضي دينه، ويسد جوعته.
ولا شك أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله، بل إنه داخل في التوكل على الله، ومن صلب التوكل أن تأخذ بالأسباب، وإلا صار التوكل لغواً.
سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئاً حتى يأتيني رزقي، فقال: هذا رجل جهل العلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي) يعني: الجهاد، وكم يحتاج إلى إعداد! وتجميع الطاقات! وبذل الأسباب! والتوقيت المناسب! وخداع العدو! وأخذه على حين غرة! ونحو ذلك الأمور الحربية! (وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي) فإذا كان الرزق تحت ظل الرمح، وكان الجهاد في سبيل الله باباً عظيماً للرزق؛ لأن الله قال: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً [الأنفال:69] أي: غنمتم من المعارك مع الكفار، خذوه حلالاً طيباً، ولا شك أن الجهاد يحتاج إلى بذل أسباب، والرزق تحت ظل الرمح؛ إذاً: لابد من بذل الأسباب.
وقال الإمام أحمد رحمه الله تكملةً للجواب عن السؤال: فقد قال -أي: النبي صلى الله عليه وسلم-: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق. فتأملْ فقه الإمام رحمه الله .. الطير تتوكل على الله؛ لكن هل تقعد في أعشاشها، أو أنها تغدو وتروح، تذهب في الصباح للبحث عن الرزق، وتعود محملةً بالطعام لأولادها في أعشاشها؟ كَدٌّ وسعي وذهاب في طلب الرزق، فلم يقل: توكلوا فقط، بل قال: (اعقلها وتوكل) .
وهذه المسألة مسألة الأخذ بالأسباب باب يغرق فيه كثير من الناس، فبعضهم يجعل كل شيء الأخذ بالأسباب، ولا يتوكل على الله، وقلبه غير معلق بالله، وإنما معلق بالواسطة الفلانية، والموظف الفلاني، والصديق الفلاني، والأوراق التي قدمها، والإعلانات، وترقب النتائج من الشركة، ونحو ذلك، لكن لا يترقب شيئاً من الله، وبعض الناس مضيع للأسباب لا يبذل شيئاً.
أحدثكم عن قصة حدثت مع شخص جاء إليَّ، شاب يقول: إنني أحتاج إلى إيجار الشقة التي استأجرتها للسكنى، وأحتاج إلى قرض لكي أسكن وأدفع الإيجار، فاعتذرتُ إليه بأن إقراضه غير متيسر الآن، والناس كان أكثرهم مسافرين، فذهب هذا الشخص يسعى في طلب الرزق، فبدأ بهذه المطاعم الموجودة يلف عليها، ويقول: ما حاجتكم من الخضراوات والفواكه واللحوم؟ وبدأ يسجل هذه الاحتياجات ويقولون: قدم لنا تسعيرة. ثم ذهب إلى سوق الخضار المركزي يسجل ويدون الأسعار، ثم قدم تسعيرته إلى بعض المطاعم، واكتفى بربح معقول، فبدأ هذا المطعم يأخذ منه، وهذا المطعم يأخذ منه، والثالث يأخذ منه، وهكذا، حتى دفع إيجار بيته بالكامل.
إذاً: يمكن للإنسان إذا تحرك وفكر أن يحصل على الرزق، ولستُ أقول: اذهبوا إلى المطاعم الآن كلكم، وإنما المقصود -أيها الإخوة- ضرب المثل، قد يوجد في البقالات مستلزمات تحتاج إلى شراء من تجار الجملة ونحو ذلك، فالمقصود تحريك الذهن لمن لم يجد وظيفة أن يسعى في العمل، ولو كان عنده وظيفة، يسعى في العمل، والله يرزقه لو أحسن التوكل على الله .. وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] .
التفرغ لعبادة الله تعالى
ومعنى التفرغ لعبادة الله: أن يكون العبد حاضر القلب عند العبادة، هذا هو المقصود بالتفرغ لعبادة الله؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (يا بن آدم: تفرغ لعبادتي؛ أملأ صدرك غِنَىً، وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك) حديث صحيح.
فبعض الناس عندهم أشغال؛ لكن فقرهم لم يُسَد، الله ملأ أيديهم بالأشغال والمقاولات والأعمال؛ لكن لا يوجد بركة ولا فائدة، خسارات متوالية، ولا يجدون الكفاية.
وقال الله تعالى في الحديث القدسي في اللفظ الآخر: (يا بن آدم: تفرغ لعبادتي؛ أملأ قلبك غِنَىً، وأملأ يديك رزقاً، يا بن آدم: لا تباعدني؛ فأملأ قلبك فقراً، وأملأ يديك شغلاً) فيشغله بنفسه، ويكثر عليه الأشغال والأعمال؛ لكن الفقر لا زال موجوداً، وهو تحت الصفر، والحساب بالناقص، وهكذا ...
المتابعة بين الحج والعمرة
ومعنى المتابعة بين الحج والعمرة: أن يجعل أحدهما تابعاً للآخر، واقعاً عقبه، أي: إذا حج يعتمر، وإذا اعتمر يحج، وهكذا ... والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة -أي: الأشياء الرديئة والشوائب- وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) فتأمل أنه جعل المتابعة بين الحج والعمرة، نافية للفقر والذنوب، مذهبة لهما.
صلة الرحم
والرحم هم أقرباء الرجل من جهة أبيه وأمه، سواءً كانوا يرثونه أو لا يرثونه، وهذا الكلام مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: (مَن سرَّه أن يُبْسَط له في رزقه، وأن يُنْسأ له في أثره؛ فليصل رحمه) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، مَنسأة في العمر) يعني: تطيل عمر الإنسان.
فهذه صلة الرحم بما فيها من هذا الفضل العظيم، حتى لو كان الإنسان فاسقاً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أعجل الطاعة ثواباً صلة الرحم، حتى إن أهل البيت لَيَكونوا فَجَرَة -مقيمين على مَعاصٍ- فتنمو أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا) رواه ابن حبان وهو حديث صحيح.
فإذاً: عليك بصلة الرحم، تصل الأقارب وتزورهم، تعين محتاجهم، تهديهم، وتعودهم، وجميع أنواع الصلات سبب لمجيء الرزق إليك، ولو كانوا على البُعد، فلن يخلو الأمر من وسيلة للصلة.
الإنفاق في سبيل الله، والنفقة على طلاب العلم
قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ [سبأ:39] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تبارك وتعالى: يا بن آدم أَنفق أُنفق عليك) رواه مسلم رحمه الله تعالى، فهذا وعد الله وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء:122] ومن أصدق من الله وعداً.
والملَك يدعو ويقول: (اللهم أعطِ منفقاً خلفاً) والنبي عليه الصلاة والسلام يوصي بلالاً ويقول: (أنفق يا
ومن الأسباب كذلك: الإنفاق وإعاشة عباد الله المتقين من طلاب العلم ..
والدليل على هذا الكلام: ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان أخوان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف -واحد متفرغ للعلم، وواحد متفرغ للتجارة- فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! لا يبذل شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعلك تُرْزَق به) لعل السبب في رزقك هو إنفاقك عليه، رواه الترمذي رحمه الله تعالى، وهو حديث صحيح.
الهجرة
قال تعالى: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً [النساء:100] سعة في الرزق، وإرغاماً لمن أخرجوه، ولذلك لما هاجر المهاجرون في سبيل الله، وتركوا وطنهم لله، فَتَحَ الله عليهم الدنيا، وجاءت الغنائم، وتَبِعَتْ غنائمَ المشركين غنائمُ كسرى وقيصر، جاءت إلى المهاجرين، فوسَّع الله عليهم توسعة عظيمة، ومشكلة الناس أنهم يستعجلون النتيجة، يقولون: تُبْنا اليوم فما جاءنا الرزق بسرغة، هاجرنا اليوم فما حصل شيء بسرعة، ولكن المسألة تحتاج إلى مصابرة وتحتاج إلى استمرار، فإن نتائج كثير من الأعمال لا تُرى فوراً.
نسأل الله تعالى أن يمد في أعمارنا في طاعته، وأن يوسع في أرزاقنا ويجعلها عوناً لنا على طاعته.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
أيها المسلمون: اعلموا -رحمكم الله تعالى- أن من الأسباب العظيمة للرزق الشرعي: الاستغفار والتوبة .. (أستغفر الله وأتوب إليه).
الاستغفار والتوبة من الأمور العظيمة التي جاء في القرآن والسنة ذكرها، قال الله تعالى عن نوح عليه السلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12] .
وكثير من الناس اليوم يستغفرون باللسان؛ لكن لا حقيقة للاستغفار في قلوبهم، وإذا تابوا فتوبتهم ناقصة، فبعضهم لا يقلع عن الذنب أصلاً، وبعضهم إذا أقلع فإنه لا يندم على ما فات، بل ربما تمنى أن يحصل له الذنب مرةً أخرى، وأما العزم على عدم العودة فغير حاصل؛ وذلك لأنه لعله يترقب أن يحصل له من الفرص ما يعود به إلى الذنب؛ لأن الاستغفار ليس من القلب، ولأن التوبة ليست صادقة، فكثير من الناس يُضَيَّق عليهم في معاشهم، وليس كلهم؛ فإن بعض الناس يملي الله لهم ليزدادوا إثماً.
والله تعالى لما قال عن نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً [نوح:10-11] قال العلماء رحمهم الله: أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كَثُر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
فإذاً: قضية الاستغفار والتوبة مسألة عظيمة.
جاء رجل إلى الحسن البصري يشكو الجدب والقحط، فقال له: استغفر الله. ثم جاءه آخر يشكو إليه الفقر، فقال له: استغفر الله. ثم جاء ثالث يقول: ادعُ الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه رابع جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك .. وفي رواية: فقال له الربيع بن صبيح : أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار! فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إن الله يقول في سورة نوح: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].
عباد الله: إن الذي يكثر من الاستغفار؛ فإن الله يفرج همه، وينفس كربه، ويرزقه من حيث لا يحتسب، مصداقاً لما في كتاب الله تعالى.
استمع المزيد من الشيخ محمد صالح المنجد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
اقتضاء العلم العمل | 3615 استماع |
التوسم والفراسة | 3614 استماع |
مجزرة بيت حانون | 3544 استماع |
الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة والموضوعة [2،1] | 3500 استماع |
اليهودية والإرهابي | 3429 استماع |
إن أكرمكم عند الله أتقاكم | 3429 استماع |
حتى يستجاب لك | 3396 استماع |
المحفزات إلى عمل الخيرات | 3376 استماع |
ازدد فقهاً بفروض الشريعة | 3350 استماع |
الزينة والجمال | 3340 استماع |