أحاديث غير عابرة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرًا.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

أما بعــد:-

عباد الله: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، هذا المجلس (82) من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين (20/جمادي الثانية/1413هـ)، وعنوان هذه الجلسة: "أحاديث غير عابرة ".

إن المتتبع لأخبار المسلمين في هذه الأيام، يكاد يمرض من هول ما يسمع، ففي كل بلد نكبة، وفي كل زاوية مصيبة، وفي كل بيت مأتم ونياحة، ومع أننا لا نملك دموعنا، ولا ندارى أحزاننا، إلا أن ثقتنا بالله عز وجل وإيماننا بوعده الصادق، الذي لا يتخلف أكبر من تلك المصائب والآلام.

ولهذا يتفجر الأمل والثقة بما عند الله تعالى، من عمق المعاناة وقلبها، ففي الهند هدم الهندوس المسجد البابري، الذي كان من عهد المغول، وعمره أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، كان طيلة هذه الأزمنة مكاناً للعبادة والصلاة والذكر وقراءة القرآن، وكم شهدت أرضه من مصلِّ وساجد، وباك بين يدي الله تعالى! وإذا به في هذا الزمن يسلط عليه أولئك المتوحشون من الهندوس، فينقضون عليه بمئات الألوف بأيديهم الفئوس والمعاول حتى سووه بالتراب، ليس هذا فحسب، بل ويقتل في أنحاء الهند ما يزيد على ألف قتيل، معظمهم من المسلمين، بسبب ما يسمونه بأعمال العنف، من الهندوس وغيرهم.

إنها مصيبة وكارثة، ولكن في عمق هذه الكارثة بشائر اللطف الرباني من الله عز وجل، والدروس المهمة التي تتجلى من خلال هذه الوقفات.

أهمية الدين في الصراعات العالمية

أولاً: لابد أن ندرك أهمية الدين في الصراعات العالمية اليوم، وأن ندرك أثره في الأحداث التي تقع في كل مكان.

إن العالم كله اليوم، يعيش فترة استقطاب ديني على كافة المستويات، في جميع الدول، فليست الصحوة فقط بين المسلمين، بل إن النصارى يشهدون صحوة قوية في كل العالم النصراني، وهناك جماعات إنجيلية، وجماعات أصولية نصرانية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وفي بلاد الروس، وفي غيرها، تتمسك بالنصوص الحرفية لأناجيلها وكتبها.

وكذلك في شأن اليهود، فإن هناك جماعات يهودية كثيرة، تتمسك بحرفية نصوصها، التي تزعم أنها مقدسة، وتتحمس وتتعصب لدينها، وتطالب بالقضاء على المسلمين، وتحقيق ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، بل يقول أحد كبار المسئولين في إسرائيل: إن أكثر الأحزاب الموجودة في التحالف القائم اليوم، أو التكتل القائم، إن أكثر تلك الأحزاب حمائمية وتساهلاً، لا يمكن أن ترضى بتسليم الأرض إلى المسلمين، التي احتلها اليهود.

وهكذا الحال بالنسبة لأهل البدع، فإن جميع أهل البدع يوجد عندهم تعصب لدينهم اليوم، وإقبال على إحياء بدعهم؛ فلو نظرت إلى أحوال الرافضة، سواء في بلاد إيران، أو في العراق، أو في مناطق الخليج العربي كلها، وبدون استثناء، لوجدت أنهم قد تحمسوا لدينهم، وتعصبوا لبدعتهم، وبدءوا يعودون من جديد إلى الدعوة إليها، وتربية أولادهم وبناتهم عليها، والاجتماع على ضوئها، والمطالبة بالاعتراف بها إلى غير ذلك.

ولو نظرنا إلى الإباضية، سواء في عمان، أو في الجزائر، أو في ليبيا أو في غيرها، من المناطق التي توجد فيها الأقلية الإباضية، وهم فئة أقرب ما يكونون إلى الخوارج، وإن كانوا يختلفون معهم في بعض جوانب الاعتقاد، لوجدنا أن هؤلاء تحمسوا من جديد وعادوا، وبدءوا يطبعون كتبهم، ويحيون تراثهم، ويقيمون الدروس والأعمال العلمية، ويحاربون كل من يخالفهم في ذلك.

وإذا نظرنا إلى الأمة الإسلامية، وأهل السنة لوجدنا -بحمد الله- أن الله تعالى أنعم عليهم، هم الآخرين، بنعمة عودتهم إلى الدين، وانتشار الصحوة الإسلامية في أوساطهم رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وهذه نعمة من الله تعالى نحمده سبحانه عليها.

المهم أن قضية الدين اليوم، أصبحت قضية ذات أهمية كبرى، في الأحداث التي تجرى في العالم كله، ومن المحال أن يقبل المسلمون بتلك الدعوات التي تدعو إلى أن يعودوا علمانيين، وأن يتخلوا عن ولائهم للإسلام، وأن يتخلوا عن هذا التوحيد الذي ميزهم الله تعالى به، كيف والقرآن الكريم يدعوهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، لا يشركوا به شيئا؟!

كيف وهم يرون أن أهل الضلال تحمسوا لضلالهم، وأهل الكفر تحمسوا لكفرهم؟!

فكيف يطالب أهل التوحيد، وأهل الإيمان، وأهل السنة بأن يتخلوا عن الحق الذي ائتمنوا عليه؟!

ليكونوا علمانيين، يرضون بفصل الدين عن الحياة، وفصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الإعلام، وفصل الدين عن الفن، وفصل الدين عن الأخلاق، وفصل الدين عن أمور المجتمع، ليكون الدين علاقة بين العبد وربه، تختصر في الصلوات وفي المساجد وحسب.

إن هذا ما كان ولن يكون، فإن الله تعالى أنـزل كتابه مهيمناً على كل شيء، وأنكر وعتب على أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض الكتاب، فقال سبحانه: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].

تزايد الوعي في صفوف المسلمين

الدرس الثاني: تزايد الوعي الإسلامي، في صفوف المسلمين وغلبة الإسلام على رغم الكيد المدبر له.

إننا نعلم أيها الإخوة، أن اليهود قاموا بحرق جزء من المسجد الأقصى، قبل بضع سنوات، وكانت جميع الدول العربية والإسلامية وقتها في حالة عداء معلن مع اليهود، على أقل تقدير، وكانت ترغب أن تثور ثائرة الشعوب الإسلامية، ضد هذا العمل اليهودي المجرم المتجني.

ولكن مع ذلك كله كان رد الفعل الإسلامي، مع أنه تعرض للمسجد الأقصى، الذي بارك الله تعالى حوله، وذكره في كتابه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن: {الصلاة فيه بخمسمائة صلاة} كما في الأحاديث.

ومع أنه مسجد تاريخي، مع ذلك كانت ردود الفعل الإسلامية لا تعدو أن تكون مظاهرات، وصخب إعلامي، وربما كانت الحكومات وراءه في الأعم الأغلب، ثم هدأ الأمر، وانتهى كل شيء.

أما اليوم فمع أن الهجوم الهندوسي هو لمسجد لا يحمل قداسة خاصة عن غيره من المساجد، إلا أنه مسجد تاريخي، ومع ذلك فقد وجدنا أن المسلمين قد غضبوا لذلك غضباً شديداً، وثارت ثائرتهم، وسارت المظاهرات في الشوارع، في طول العالم الإسلامي وعرضه، وقامت الاضرابات في كل بلد، حتى تعطلت الموانئ في الهند وغيرها، وتكدست البضائع، ولم تجد من يحملها، ووقف المسلمون عن العمل، خاصة من الهنود في بلاد شتى.

بل وهدمت معابد الهندوس في الهند، وفي باكستان، بل وفي لندن وفي برمنجهام وفي غيرها من بلاد العالم الغربي، غضباً للإسلام.

بل إنني أعلم أن هناك أعداداً من الشركات والمؤسسات الإسلامية ورجال الأعمال والمسئولين في منطقة الخليج العربي، وفي غيرها قاموا بتسريح عشرات، بل مئات، بل ألوف من العمال الهندوس، الذين كانوا تحت كفالتهم، تعاطفاً مع إخوانهم المسلمين، وغضبا لله تعالى ورسوله، وهذه على كل حال، نعمة نحمد الله تعالى عليها.

ونقول: إن هذه ظاهرة إيجابية في الجملة، بغض النظر عن الأساليب، التي عبر بها المسلمون عن سخطهم، وبغض النظر عن تحفظات أخرى، سوف أتحدث عنها، إلا أن مجرد هذه الظواهر وردود الفعل القوية، يدل على أن المسلمين يوجد في قلوبهم إيمان، ويوجد عندهم غضب للدين، وتوجد عندهم غيره، متى شعروا بأن دينهم مستهدف، وأن مقدساتهم محل نظر من أعدائهم.

ذكاء خطط المنافقين

الوقفة الثالثة: ذكاء خطط المنافقين، الذين أدركوا كيف يعبثون بالمسلمين، وعرفوا من أين تؤكل الكتف، فهم يحافظون على الشكل، ويسرقون اللب والمضمون، فهم يدركون مثلاً أن هدم مسجد يثير مشاعر البسطاء من المسلمين، ويحركهم ويزعجهم ويغضبهم.

ولهذا قد لا يتعرضون للمساجد، بل ربما حموها وحفظوها، وحافظوا عليها لسبب أو لآخر، حتى إن منهم من يحافظ عليها بحجة أنها جزء من التراث، أو معالم سياحية يتردد عليها الناس، حتى يكون من جراء ذلك تنمية وتقوية للدخل، ولاقتصاد البلاد، وقد يحافظون عليها من منطلق حماية مشاعر المسلمين، أو لغرض آخر.

ولكن -نحن جميعاً- ندرك أن هدم مسجد، بل هدم عشرات المساجد، على خطورته أنه مما يُغضب الله تعالى، والله تعالى يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114] وهدم المساجد خطير، ولكن قتل مسلم واحد أخطر وأعظم.

لأن هذا المسلم هو الذي به إحياء المساجد، وعمارتها، وذكر الله تعالى فيها، والمساجد إنما أقيمت ليذكر الله فيها فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].

فهؤلاء الرجال أهم من المساجد، وأعظم حرمة عند الله تعالى منها، ولكننا نجد المسلمين اليوم يغضبون لهدم مسجد، أكثر مما يغضبون لا أقول لقتل مسلم، بل لقتل عشرات، ومئات، وألوف، وعشرات الألوف من المسلمين، في كل مكان، وهذا يدلك على عمق المكر اليهودي، والنصراني ضد الإسلام، الذي يتجنب الأشياء التي تثير مشاعر المسلمين ويتجه إلى تلك الأشياء التي تكون أقل إثارة، وأكثر فاعليه، وأعظم جدوى.

بل إنني أقول: إن فتنة مسلم واحد عن دينه، وإخراجه عن الإسلام إلى الكفر والشرك والوثنية، أو إلى النصرانية، أو إلى اليهودية، أو إلى اللادينية والعلمانية، إن فتنة مسلم واحد عن دينه، هي أعظم عند الله تعالى بكثير من قتله، كما قال الله عز وجل: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191].

وقال في الآية الأخرى، وكلا الآيتين في سورة البقرة: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217].

إن هذا المسلم القتيل قد يكون ولياً لله تعالى، فيكون قتله تعجيلاً له إلىجَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] لكن هذا المسلم الذي ظل حياً بجسده، ولكنه ميت بقلبه، لا روح فيه، ولا إيمان، ولا تقوى، ولا دين، ولا توحيد، ولا شهادة أن لا إله إلا الله، ولا شهادة أن محمداً رسول الله، لا شك أن موته خير له من الحياة.

إن سلب إيمانه، الذي به عزته وكرامته ونجاته في الدنيا، وفي الآخرة، وفتنة المسلم عن دينه أعظم بكثير من قتله، وكم من المسلمين يفتنون اليوم عن دينهم، بالتكفير، والتنصير، والتضليل، والتجهيل، وغير ذلك.

إننا يجب أن نغضب لهدم مسجد في الهند وفي أي مكان، خاصة إذا تصورنا أن هدم هذا المسجد بـالهند، قد يترتب عليه هدم مساجد أخرى، وقد أعلنت صحيفة هندوسية.

أن هدم هذا المسجد تمهيد لهدم ما يزيد على ثلاثمائة وسبعة وخمسين مسجداً آخر في الهند، فيجب أن نغضب لهدم هذا المسجد، لكننا يجب أن نغضب أكثر وأكثر، لهدم هذه الأجساد، التي تذكر الله تعالى، وتسبحه وتصلي له وتشهد له بالوحدانية في كل مكان.

ينبغي أن نغضب لقتل المسلمين في كل مكان وإبادتهم، وينبغي أن نغضب أكثر من هذا ومن ذاك، لفتنة المسلمين عن دينهم، بإتاحة سبل الفساد لهم، وتحريضهم على الجريمة، ودعوتهم إلى التنصير، ومحاولة سلخهم عن دينهم، بكافة الوسائل، ذلك الموضوع الكبير الخطير الذي طالما تحدثت عنه، وتحدث عنه غيري.

إنه ليس من العدل، ولا من الغيرة على دين الله تعالى، أن نهون الأمر بالنسبة للمسلمين، وأن نقول لهم: اطمئنوا، ناموا قريري العيون، فدينكم في أمان والمسلمون كلهم بخير! كلا إن المسلمين اليوم يتعرضون لعملية مسخ لعقولهم وقلوبهم، وإخراج لهم عن دينهم في كل مكان.

وقد اطلعت هذا اليوم ببالغ الأسف، على خبر يقول لي فيه أحد الإخوة من بلاد الغرب: جاءنا في المركز رجل بريطاني نصراني، يريد أن يتعلم العربية، فسألناه لماذا؟

قال: فتلكأ بعض الشيء، ثم دخلنا معه فإذا به يبوح لنا بالسر الدفين، إنني صديق لفتاة من دولة خليجية محافظة، واسم هذه الفتاة (م.ش) وقد تمكنت من دعوتها إلى النصرانية، وتنصرت، واتفقت معها على الزواج، وأن يعقد الزواج في كنيسة في بريطانيا، في ظل موافقة عائلية، ولكن حالت بعض الظروف دون ذلك، ولا زالت المراسلات جارية، ونحن بصدد التأثير على أخواتها الباقيات، وهناك نتائج إيجابية في هذا السبيل.

إذاً: لا يجوز أبداً أن نتهاون بخطط أعداء الإسلام، في إخراج المسلمين عن دينهم، سواء أخرجوه إلى النصرانية، أو أخرجوه إلى الإباحية واللادينية والعلمنة، أو أخرجوه إلى المادية والاهتمام بالدنيا والغفلة عن الآخرة، والله تعالى وصف الكافرين بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.

احترام القوة

إن الحكومة الهندية لم تفعل شيئاً إزاء ثلاثمائة ألف هندوسي قاموا بهدم المسجد، بل وقفت متفرجة، وقال رئيس الحكومة: إنني قد بعثت بقوات إلى تلك المدينة، ولكن محافظ المدينة منع القوات من التدخل، وقام المسلمون يعربون عن غضبهم، فتصدت لهم قوات الأمن، وضربتهم وقتلت منهم من قتلت.

أثخنوهم بالجراح      ثم قالوا لا تصيحوا     

إن في هذا الصباح بعض ما يبغي الجريح

ووعدهم بأن يعيدوا بناء المسجد من جديد.

إن بعض الإجراءات التي عملتها حكومة الهند، لا تعدو أن تكون مدارةً للغضب الإسلامي المتزايد، وخوفا من أن تنجر منطقة الهند بأكملها، إلى أنواع وألوان من العنف المتبادل، بين الهندوس والمسلمين، وبقية الطوائف الأخرى.

العالم اليوم يحترم القوة، وهو لا يؤمن بمبادئ السلام والعدل والإخاء والإنسانية، وإنما يتبجح بهذه الكلمات ليخدر بها مشاعر البسطاء والسذج من المسلمين، وإلا فالعالم اليوم يحترم القوة، ومنطق العالم هو منطق السباع:

ودعوى القوي كدعوى السباع     من الناب والظفر برهانها

هذا أحد الجراح.

أولاً: لابد أن ندرك أهمية الدين في الصراعات العالمية اليوم، وأن ندرك أثره في الأحداث التي تقع في كل مكان.

إن العالم كله اليوم، يعيش فترة استقطاب ديني على كافة المستويات، في جميع الدول، فليست الصحوة فقط بين المسلمين، بل إن النصارى يشهدون صحوة قوية في كل العالم النصراني، وهناك جماعات إنجيلية، وجماعات أصولية نصرانية في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا وفي بلاد الروس، وفي غيرها، تتمسك بالنصوص الحرفية لأناجيلها وكتبها.

وكذلك في شأن اليهود، فإن هناك جماعات يهودية كثيرة، تتمسك بحرفية نصوصها، التي تزعم أنها مقدسة، وتتحمس وتتعصب لدينها، وتطالب بالقضاء على المسلمين، وتحقيق ما يسمى بدولة إسرائيل الكبرى، بل يقول أحد كبار المسئولين في إسرائيل: إن أكثر الأحزاب الموجودة في التحالف القائم اليوم، أو التكتل القائم، إن أكثر تلك الأحزاب حمائمية وتساهلاً، لا يمكن أن ترضى بتسليم الأرض إلى المسلمين، التي احتلها اليهود.

وهكذا الحال بالنسبة لأهل البدع، فإن جميع أهل البدع يوجد عندهم تعصب لدينهم اليوم، وإقبال على إحياء بدعهم؛ فلو نظرت إلى أحوال الرافضة، سواء في بلاد إيران، أو في العراق، أو في مناطق الخليج العربي كلها، وبدون استثناء، لوجدت أنهم قد تحمسوا لدينهم، وتعصبوا لبدعتهم، وبدءوا يعودون من جديد إلى الدعوة إليها، وتربية أولادهم وبناتهم عليها، والاجتماع على ضوئها، والمطالبة بالاعتراف بها إلى غير ذلك.

ولو نظرنا إلى الإباضية، سواء في عمان، أو في الجزائر، أو في ليبيا أو في غيرها، من المناطق التي توجد فيها الأقلية الإباضية، وهم فئة أقرب ما يكونون إلى الخوارج، وإن كانوا يختلفون معهم في بعض جوانب الاعتقاد، لوجدنا أن هؤلاء تحمسوا من جديد وعادوا، وبدءوا يطبعون كتبهم، ويحيون تراثهم، ويقيمون الدروس والأعمال العلمية، ويحاربون كل من يخالفهم في ذلك.

وإذا نظرنا إلى الأمة الإسلامية، وأهل السنة لوجدنا -بحمد الله- أن الله تعالى أنعم عليهم، هم الآخرين، بنعمة عودتهم إلى الدين، وانتشار الصحوة الإسلامية في أوساطهم رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، وهذه نعمة من الله تعالى نحمده سبحانه عليها.

المهم أن قضية الدين اليوم، أصبحت قضية ذات أهمية كبرى، في الأحداث التي تجرى في العالم كله، ومن المحال أن يقبل المسلمون بتلك الدعوات التي تدعو إلى أن يعودوا علمانيين، وأن يتخلوا عن ولائهم للإسلام، وأن يتخلوا عن هذا التوحيد الذي ميزهم الله تعالى به، كيف والقرآن الكريم يدعوهم أن يعبدوا الله تعالى وحده، لا يشركوا به شيئا؟!

كيف وهم يرون أن أهل الضلال تحمسوا لضلالهم، وأهل الكفر تحمسوا لكفرهم؟!

فكيف يطالب أهل التوحيد، وأهل الإيمان، وأهل السنة بأن يتخلوا عن الحق الذي ائتمنوا عليه؟!

ليكونوا علمانيين، يرضون بفصل الدين عن الحياة، وفصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الإعلام، وفصل الدين عن الفن، وفصل الدين عن الأخلاق، وفصل الدين عن أمور المجتمع، ليكون الدين علاقة بين العبد وربه، تختصر في الصلوات وفي المساجد وحسب.

إن هذا ما كان ولن يكون، فإن الله تعالى أنـزل كتابه مهيمناً على كل شيء، وأنكر وعتب على أولئك الذين يؤمنون ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض الكتاب، فقال سبحانه: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:85].

الدرس الثاني: تزايد الوعي الإسلامي، في صفوف المسلمين وغلبة الإسلام على رغم الكيد المدبر له.

إننا نعلم أيها الإخوة، أن اليهود قاموا بحرق جزء من المسجد الأقصى، قبل بضع سنوات، وكانت جميع الدول العربية والإسلامية وقتها في حالة عداء معلن مع اليهود، على أقل تقدير، وكانت ترغب أن تثور ثائرة الشعوب الإسلامية، ضد هذا العمل اليهودي المجرم المتجني.

ولكن مع ذلك كله كان رد الفعل الإسلامي، مع أنه تعرض للمسجد الأقصى، الذي بارك الله تعالى حوله، وذكره في كتابه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء:1] وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن: {الصلاة فيه بخمسمائة صلاة} كما في الأحاديث.

ومع أنه مسجد تاريخي، مع ذلك كانت ردود الفعل الإسلامية لا تعدو أن تكون مظاهرات، وصخب إعلامي، وربما كانت الحكومات وراءه في الأعم الأغلب، ثم هدأ الأمر، وانتهى كل شيء.

أما اليوم فمع أن الهجوم الهندوسي هو لمسجد لا يحمل قداسة خاصة عن غيره من المساجد، إلا أنه مسجد تاريخي، ومع ذلك فقد وجدنا أن المسلمين قد غضبوا لذلك غضباً شديداً، وثارت ثائرتهم، وسارت المظاهرات في الشوارع، في طول العالم الإسلامي وعرضه، وقامت الاضرابات في كل بلد، حتى تعطلت الموانئ في الهند وغيرها، وتكدست البضائع، ولم تجد من يحملها، ووقف المسلمون عن العمل، خاصة من الهنود في بلاد شتى.

بل وهدمت معابد الهندوس في الهند، وفي باكستان، بل وفي لندن وفي برمنجهام وفي غيرها من بلاد العالم الغربي، غضباً للإسلام.

بل إنني أعلم أن هناك أعداداً من الشركات والمؤسسات الإسلامية ورجال الأعمال والمسئولين في منطقة الخليج العربي، وفي غيرها قاموا بتسريح عشرات، بل مئات، بل ألوف من العمال الهندوس، الذين كانوا تحت كفالتهم، تعاطفاً مع إخوانهم المسلمين، وغضبا لله تعالى ورسوله، وهذه على كل حال، نعمة نحمد الله تعالى عليها.

ونقول: إن هذه ظاهرة إيجابية في الجملة، بغض النظر عن الأساليب، التي عبر بها المسلمون عن سخطهم، وبغض النظر عن تحفظات أخرى، سوف أتحدث عنها، إلا أن مجرد هذه الظواهر وردود الفعل القوية، يدل على أن المسلمين يوجد في قلوبهم إيمان، ويوجد عندهم غضب للدين، وتوجد عندهم غيره، متى شعروا بأن دينهم مستهدف، وأن مقدساتهم محل نظر من أعدائهم.

الوقفة الثالثة: ذكاء خطط المنافقين، الذين أدركوا كيف يعبثون بالمسلمين، وعرفوا من أين تؤكل الكتف، فهم يحافظون على الشكل، ويسرقون اللب والمضمون، فهم يدركون مثلاً أن هدم مسجد يثير مشاعر البسطاء من المسلمين، ويحركهم ويزعجهم ويغضبهم.

ولهذا قد لا يتعرضون للمساجد، بل ربما حموها وحفظوها، وحافظوا عليها لسبب أو لآخر، حتى إن منهم من يحافظ عليها بحجة أنها جزء من التراث، أو معالم سياحية يتردد عليها الناس، حتى يكون من جراء ذلك تنمية وتقوية للدخل، ولاقتصاد البلاد، وقد يحافظون عليها من منطلق حماية مشاعر المسلمين، أو لغرض آخر.

ولكن -نحن جميعاً- ندرك أن هدم مسجد، بل هدم عشرات المساجد، على خطورته أنه مما يُغضب الله تعالى، والله تعالى يقول: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114] وهدم المساجد خطير، ولكن قتل مسلم واحد أخطر وأعظم.

لأن هذا المسلم هو الذي به إحياء المساجد، وعمارتها، وذكر الله تعالى فيها، والمساجد إنما أقيمت ليذكر الله فيها فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].

فهؤلاء الرجال أهم من المساجد، وأعظم حرمة عند الله تعالى منها، ولكننا نجد المسلمين اليوم يغضبون لهدم مسجد، أكثر مما يغضبون لا أقول لقتل مسلم، بل لقتل عشرات، ومئات، وألوف، وعشرات الألوف من المسلمين، في كل مكان، وهذا يدلك على عمق المكر اليهودي، والنصراني ضد الإسلام، الذي يتجنب الأشياء التي تثير مشاعر المسلمين ويتجه إلى تلك الأشياء التي تكون أقل إثارة، وأكثر فاعليه، وأعظم جدوى.

بل إنني أقول: إن فتنة مسلم واحد عن دينه، وإخراجه عن الإسلام إلى الكفر والشرك والوثنية، أو إلى النصرانية، أو إلى اليهودية، أو إلى اللادينية والعلمانية، إن فتنة مسلم واحد عن دينه، هي أعظم عند الله تعالى بكثير من قتله، كما قال الله عز وجل: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة:191].

وقال في الآية الأخرى، وكلا الآيتين في سورة البقرة: يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:217].

إن هذا المسلم القتيل قد يكون ولياً لله تعالى، فيكون قتله تعجيلاً له إلىجَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] لكن هذا المسلم الذي ظل حياً بجسده، ولكنه ميت بقلبه، لا روح فيه، ولا إيمان، ولا تقوى، ولا دين، ولا توحيد، ولا شهادة أن لا إله إلا الله، ولا شهادة أن محمداً رسول الله، لا شك أن موته خير له من الحياة.

إن سلب إيمانه، الذي به عزته وكرامته ونجاته في الدنيا، وفي الآخرة، وفتنة المسلم عن دينه أعظم بكثير من قتله، وكم من المسلمين يفتنون اليوم عن دينهم، بالتكفير، والتنصير، والتضليل، والتجهيل، وغير ذلك.

إننا يجب أن نغضب لهدم مسجد في الهند وفي أي مكان، خاصة إذا تصورنا أن هدم هذا المسجد بـالهند، قد يترتب عليه هدم مساجد أخرى، وقد أعلنت صحيفة هندوسية.

أن هدم هذا المسجد تمهيد لهدم ما يزيد على ثلاثمائة وسبعة وخمسين مسجداً آخر في الهند، فيجب أن نغضب لهدم هذا المسجد، لكننا يجب أن نغضب أكثر وأكثر، لهدم هذه الأجساد، التي تذكر الله تعالى، وتسبحه وتصلي له وتشهد له بالوحدانية في كل مكان.

ينبغي أن نغضب لقتل المسلمين في كل مكان وإبادتهم، وينبغي أن نغضب أكثر من هذا ومن ذاك، لفتنة المسلمين عن دينهم، بإتاحة سبل الفساد لهم، وتحريضهم على الجريمة، ودعوتهم إلى التنصير، ومحاولة سلخهم عن دينهم، بكافة الوسائل، ذلك الموضوع الكبير الخطير الذي طالما تحدثت عنه، وتحدث عنه غيري.

إنه ليس من العدل، ولا من الغيرة على دين الله تعالى، أن نهون الأمر بالنسبة للمسلمين، وأن نقول لهم: اطمئنوا، ناموا قريري العيون، فدينكم في أمان والمسلمون كلهم بخير! كلا إن المسلمين اليوم يتعرضون لعملية مسخ لعقولهم وقلوبهم، وإخراج لهم عن دينهم في كل مكان.

وقد اطلعت هذا اليوم ببالغ الأسف، على خبر يقول لي فيه أحد الإخوة من بلاد الغرب: جاءنا في المركز رجل بريطاني نصراني، يريد أن يتعلم العربية، فسألناه لماذا؟

قال: فتلكأ بعض الشيء، ثم دخلنا معه فإذا به يبوح لنا بالسر الدفين، إنني صديق لفتاة من دولة خليجية محافظة، واسم هذه الفتاة (م.ش) وقد تمكنت من دعوتها إلى النصرانية، وتنصرت، واتفقت معها على الزواج، وأن يعقد الزواج في كنيسة في بريطانيا، في ظل موافقة عائلية، ولكن حالت بعض الظروف دون ذلك، ولا زالت المراسلات جارية، ونحن بصدد التأثير على أخواتها الباقيات، وهناك نتائج إيجابية في هذا السبيل.

إذاً: لا يجوز أبداً أن نتهاون بخطط أعداء الإسلام، في إخراج المسلمين عن دينهم، سواء أخرجوه إلى النصرانية، أو أخرجوه إلى الإباحية واللادينية والعلمنة، أو أخرجوه إلى المادية والاهتمام بالدنيا والغفلة عن الآخرة، والله تعالى وصف الكافرين بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.

إن الحكومة الهندية لم تفعل شيئاً إزاء ثلاثمائة ألف هندوسي قاموا بهدم المسجد، بل وقفت متفرجة، وقال رئيس الحكومة: إنني قد بعثت بقوات إلى تلك المدينة، ولكن محافظ المدينة منع القوات من التدخل، وقام المسلمون يعربون عن غضبهم، فتصدت لهم قوات الأمن، وضربتهم وقتلت منهم من قتلت.

أثخنوهم بالجراح      ثم قالوا لا تصيحوا     

إن في هذا الصباح بعض ما يبغي الجريح

ووعدهم بأن يعيدوا بناء المسجد من جديد.

إن بعض الإجراءات التي عملتها حكومة الهند، لا تعدو أن تكون مدارةً للغضب الإسلامي المتزايد، وخوفا من أن تنجر منطقة الهند بأكملها، إلى أنواع وألوان من العنف المتبادل، بين الهندوس والمسلمين، وبقية الطوائف الأخرى.

العالم اليوم يحترم القوة، وهو لا يؤمن بمبادئ السلام والعدل والإخاء والإنسانية، وإنما يتبجح بهذه الكلمات ليخدر بها مشاعر البسطاء والسذج من المسلمين، وإلا فالعالم اليوم يحترم القوة، ومنطق العالم هو منطق السباع:

ودعوى القوي كدعوى السباع     من الناب والظفر برهانها

هذا أحد الجراح.

أما الجرح الثاني: ففي الصومال حيث تدخلت أمريكا، وأذلت المسلمين أيما إذلال، حتى أعرب بعض الغربيين الكفار، عن امتعاضهم من الطريقة التي يعامل الجنود الأمريكان فيها المسلمين هناك، إذ أنهم بمجرد أن يروا مسلماً يطلبون منه أن ينبطح على الأرض، دون أن يحرك ساكناً، وفي حالة إذا ما تردد، أو توقف أو تباطأ، فإن الأسلحة تصوب إليه، ليفعل تحت وطأة التهديد بالسلاح، ويجر المسلمين جراً، كما كان يفعل بأهل الكتاب، ويعاملون بذلة وصغار.

بل إن من العجائب أنه وزع على الجنود الأمريكان كتاب من ثمان عشرة صفحة، يعلمهم كيف يتعاملون مع الصوماليين، ومن ضمن هذه التعليمات، يقول: إياك أن تقبل الفتاة الصومالية.

الله أكبر ما أرخص أعراض المسلمين اليوم! فقد أصبحت بنات المسلمين في كل مكان، عرضة لاعتداء جنود الكفار عليهن بكل سهولة، وقد كان بإمكان ألفي جندي فرنسي موجودين في جيبوتي، حماية قوافل الإغاثة الموجودة في الصومال.

وكما يقول أحد النصارى في جريدة الحياة، ولولا أن المقصود ترتيب الوضع في القرن الإفريقي كله، وحمايته والمحافظة على المكاسب الغربية في أثيوبيا وفي غيرها، وتحجيم دور الإسلام في إفريقيا كلها، بل القضاء على الإسلام فيها، لولا أن هذا هو المقصود، لم يكن ثمة حاجة بالدفع بأكثر من ثلاثين ألف جندي أمريكي إلى هناك.

وقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق، أنه يتراجع عن المدة التي حددها، وقال: إن ستة أشهر سبق أن أٌعلِنتْ غير كافية لتواجد الجنود الأمريكان في الصومال، إن هذا يذكرنا بكلمة سبق أن سمعناها، وهي أن النصارى يريدون أن تكون إفريقيا قارة نصرانية في عام (2000م).

وكنت أتعجب من ذلك! وأقول كيف يقولون هذا وهم يرون أن النصرانية تزحف ببطء، وأن الإسلام أسرع منها وأقوى؟!

فالإسلام يكتسح القبائل الوثنية، وهم يدخلون بحمد الله في الإسلام أفواجاً، فكيف يظنون هم أنهم سيحولون إفريقيا إلى قارة نصرانية عام (2000م)؟!

أما اليوم فكأن الأمر بدأ يتضح بعض الشيء.

أهداف أمريكا في الصومال

إن تحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية، كما يريدون ويرغبون، لا يلزم منه أن تتحول الشعوب كلها إلى شعوب نصرانية، بل يكفيهم أن تكون الحكومات نصرانية، وأن يكون عندهم هيمنة على إفريقيا، وأن يكون هناك نوع من الوصاية، والحماية الغربية على إفريقيا.

فإن هذا يعني في مقاييسهم أن تكون إفريقيا قارة مسيحية، أما وجود مجموعات من القبائل المسلمة، أو شعوب مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً، فإن هذا لا يشكل عندهم خطراً يذكر.

لقد قلت في محاضرةٍ سابقة: إن الخطر لا يتهدد الصومال وحدها، بل يتهدد الجيران كلهم، والقرن الإفريقي، بل ما وراء ذلك، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر.

فقد أعلنت الأمم المتحدة عن إدانة لحقوق الإنسان في السودان، وأنتم تعرفون لماذا يدان السودان؟ لأن الذين وقع عليهم الظلم كما يدعون، هم النصارى في الجنوب، الذين حاربهم المسلمون وانتصروا عليهم، فثارت ثائرة الغرب، ووقف إلى جانبهم وتدخل، وأحد أهدافه دعم النصارى في الجنوب، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

كما إنني ذكرت من قبل قضية اليمن، وقد كنا نسمع عن تصعيد الأوضاع في اليمن، ووجود عدد من ألوان التفجيرات الأمنية، التي نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرها.

في هذا القطر الإسلامي العريض، الذي يوجد فيه اليوم صحوة إسلامية عارمة، ويوجد فيه دعوة إلى الله تعالى، ويوجد فيه علماء مخلصون، ويوجد فيه دعاة غيورون، وتوجد فيه مراكز ونشاطات إسلامية، عمل أعداء الإسلام من العلمانيين وبقايا الشيوعيين على إزالتها، فألغوا المعاهد العلمية التي كانت تخرج طلاب العلم والدعاة والمصلحين، وكانت من مراكز الإشعاع والتعليم، وفرضوا التضييق والحصار على أهل الدعوة، وحاولوا أن يماطلوا ويسوفوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقاموا ببعض الأعمال الإرهابية، ونسبوا إلى المسلمين جرائم هم منها أبرياء.

كل ذلك في محاولة لإغراق هذا البلد في بحر من الدماء، والحيلولة دون أن يحكم هذا البلد العريق بالإسلام، ونحن على وعد من النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية} ويقول عليه الصلاة والسلام: {أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة}.

وفي قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري وقال: {هم هذا وقومه} أي أن أهل اليمن ممن يعودون إلى الإسلام إذا خرج الناس منه، ويحيونه إذا اندرس، ويعملون بالسنة إذا تركها الناس، ويقومون بالجهاد إذا غفل عنه الغافلون.

فنحن على أمل كبير، وثقة بوعد الله تعالى، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يكفي الله تعالى هذا البلد العريق، شر الأشرار من المنافقين الموجودين في داخله، أو من أعداء الإسلام الذين قد يتناوشونه من الخارج.

إن مما يثير الأسى أن يجتمع الطرفان المتحاربان في الصومال بوساطة أمريكية، وأن يتصافحا بعد سنة من القطيعة والحرب، وأن يصدرا بياناً مشتركاً لإيقاف الحرب، وإزالة الخطوط الفاصلة بينهما.

بل أن يقوموا بدعوة الغرب إلى أن ينـزع السلاح من المتحاربين في الصومال كلها، إن هذا يؤكد على دور العلمانيين في بلاد الإسلام، وأنهم دائماً وأبداً ضد مصالح البلاد وضد استقلالها وضد اجتماعها على الخير، فهم بالأمس يتحاربون ويتقاتلون، وكل الأطراف المتحاربة من العلمانيين، ويتقاتلون بدعم من إيطاليا ومن الغرب.

أما اليوم فهم يجتمعون -أيضاً- في ظل وساطة أمريكية، ويوحدون صفهم، ويعطون العدو الخارجي مبرراً ومسوغاً وسنداً للتدخل، حيث يطلبون منه التدخل والبقاء، وأن يقوم بنـزع السلاح من المتحاربين.

وإن مما يؤسف أيضاً، أن يجتمع في كينيا أكثر من أربعين ممثل عن جمعيات صومالية، وقبائل وغيرها، وأن يستقبلوا السفير الإسرائيلي هناك، ليلقي عليهم كلمة، ويتحدث عن أن أمن الصومال مرتبط بأمن إسرائيل، وأن إسرائيل لا يتحقق أمنها إلا باستقرار القرن الإفريقي، والقضاء على بوادر الإسلام فيه، وأن أي فئة تدعو إلى الإسلام ولو كانت قليلة العدد، ضعيفة العُدد، ولو كانت في الصومال، فإنها تخيف اليهود والنصارى، وتثير الرعب في قلوبهم.

المبشرات في أرض الصومال

ثم إن من المبشرات أن السفير الأمريكي في كينيا حذَّر قومه من هذا العمل ومغبته، وقال: إن هذا تورط، وانتقد التسرع الذي فعلوه، وقال: إنكم قد دخلتم في عش الزنابير، وإذا كنتم أحببتم بيروت فسوف تعشقون مقديشو، يذكرهم بما جرى لقوات المارينـز في بيروت، حينما فُجِّرَ مقهى وقتل أكثر من مائتين وستين جندي، ويقول لهم: ما جرى في بيروت سوف يجرى لكم أكثر منه في مناطق الصومال.

وهناك جماعات إسلامية مثل الاتحاد الإسلامي، وكذلك هناك جمهورية الصومال، التي استقلت وأعلنت استقلالها حديثاً، وغيرها من الأطراف قد أعلنت رفضها للتدخل الغربي، وأنها سوف تواجههم.

ونحن نسأل الله تعالى أن يصدق ظن هذا السفير في إخواننا المسلمين في الصومال، وأن لا تمر هذه المؤامرة الكبيرة على المسلمين بسلام، فإن أعداء الإسلام قد جربوا منا الذل والصغار، ورأوا أن جميع أمم الأرض تدافع عن نفسها، وتدافع من منطلقات وطنية، ومن منطلقات عرقية، ومن منطلقات قومية أو قبلية أحياناً، كما حصل في فيتنام وفي غيرها.

أما المسلمون فقد جرب العدو معهم أنهم مستسلمون، وأنهم لا يدافعون عن أنفسهم، لا نتيجة غيرة دينية، ولا نتيجة نخوة وطنية، فنسأل الله تعالى أن يرينا في هؤلاء الظالمين عجائب قدرته، ونسأل الله أن يسلط عليهم من جنده، إنه على كل شئ قدير.

ومن المبشرات أيضاً: ذلك الحشد العالمي والعربي، الذي سعت الأمم المتحدة إلى أن يساهم في القضية، ولو بصورة شكلية رمزية، فإن القوى الدولية والعربية التي شاركت هي قوى رمزية، لمجرد إشعار المسلمين أن العملية ليست احتلالاً أمريكياً للصومال، وإنما هي قضية دولية تشترك فيها دول كثيرة، وأن الذي يواجهها يواجه العالم بأكمله.

وهذا يؤكد أنهم يخافون اليوم من انفجار المسلمين، ومن وقوف المسلمين ضد هذه الأعمال التي تستهدف استقلالهم، وتستهدف إيمانهم، وتستهدف قوتهم، وتستهدف تحكيمهم بشريعة الله عز وجل.

وإن من الأشياء التي نعتبرها من المبشرات أيضاً العودة إلى الاستعمار المكشوف اليوم، والوصاية المباشرة، فإن ذلك وهو يقع فعلاً في أكثر من مكان، يوحي بأن الغرب أدرك فشل الخطط السابقة التي تعتمد على وجود وكلاء وأوصياء، يقومون بالمهمة عنه.

فالغرب اليوم لم يعد يثق بحلفائه الأصليين وهذه -أعني التدخل الغربي المباشر في مناطق الإسلام فقط، دون غيرها من المناطق العالمية- هي أحد الأسباب التي نظن بإذن الله تعالى، أنها سوف تؤجج مشاعر المسلمين، وتحرك فيهم روح العداء للغربي الكافر، وتجعلهم يدركون أنه لا ثقة بأعداء الله تعالى، مهما أرضونا بمعسول القول، ومهما خدعونا بعبارات الإنسانية، ومهما ادعوا أنهم علمانيون، وأنهم ديمقراطيون، وأنهم لا يتحركون لدين، إلا أن الواقع أنه لا ثقة بأعداء الله تعالى، طال الزمن أم قصر.

إن تحويل إفريقيا إلى قارة نصرانية، كما يريدون ويرغبون، لا يلزم منه أن تتحول الشعوب كلها إلى شعوب نصرانية، بل يكفيهم أن تكون الحكومات نصرانية، وأن يكون عندهم هيمنة على إفريقيا، وأن يكون هناك نوع من الوصاية، والحماية الغربية على إفريقيا.

فإن هذا يعني في مقاييسهم أن تكون إفريقيا قارة مسيحية، أما وجود مجموعات من القبائل المسلمة، أو شعوب مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً، فإن هذا لا يشكل عندهم خطراً يذكر.

لقد قلت في محاضرةٍ سابقة: إن الخطر لا يتهدد الصومال وحدها، بل يتهدد الجيران كلهم، والقرن الإفريقي، بل ما وراء ذلك، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر.

فقد أعلنت الأمم المتحدة عن إدانة لحقوق الإنسان في السودان، وأنتم تعرفون لماذا يدان السودان؟ لأن الذين وقع عليهم الظلم كما يدعون، هم النصارى في الجنوب، الذين حاربهم المسلمون وانتصروا عليهم، فثارت ثائرة الغرب، ووقف إلى جانبهم وتدخل، وأحد أهدافه دعم النصارى في الجنوب، وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

كما إنني ذكرت من قبل قضية اليمن، وقد كنا نسمع عن تصعيد الأوضاع في اليمن، ووجود عدد من ألوان التفجيرات الأمنية، التي نسأل الله تعالى أن يكفي المسلمين شرها.

في هذا القطر الإسلامي العريض، الذي يوجد فيه اليوم صحوة إسلامية عارمة، ويوجد فيه دعوة إلى الله تعالى، ويوجد فيه علماء مخلصون، ويوجد فيه دعاة غيورون، وتوجد فيه مراكز ونشاطات إسلامية، عمل أعداء الإسلام من العلمانيين وبقايا الشيوعيين على إزالتها، فألغوا المعاهد العلمية التي كانت تخرج طلاب العلم والدعاة والمصلحين، وكانت من مراكز الإشعاع والتعليم، وفرضوا التضييق والحصار على أهل الدعوة، وحاولوا أن يماطلوا ويسوفوا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقاموا ببعض الأعمال الإرهابية، ونسبوا إلى المسلمين جرائم هم منها أبرياء.

كل ذلك في محاولة لإغراق هذا البلد في بحر من الدماء، والحيلولة دون أن يحكم هذا البلد العريق بالإسلام، ونحن على وعد من النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: {الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية} ويقول عليه الصلاة والسلام: {أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة}.

وفي قوله تعالى: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى الأشعري وقال: {هم هذا وقومه} أي أن أهل اليمن ممن يعودون إلى الإسلام إذا خرج الناس منه، ويحيونه إذا اندرس، ويعملون بالسنة إذا تركها الناس، ويقومون بالجهاد إذا غفل عنه الغافلون.

فنحن على أمل كبير، وثقة بوعد الله تعالى، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يكفي الله تعالى هذا البلد العريق، شر الأشرار من المنافقين الموجودين في داخله، أو من أعداء الإسلام الذين قد يتناوشونه من الخارج.

إن مما يثير الأسى أن يجتمع الطرفان المتحاربان في الصومال بوساطة أمريكية، وأن يتصافحا بعد سنة من القطيعة والحرب، وأن يصدرا بياناً مشتركاً لإيقاف الحرب، وإزالة الخطوط الفاصلة بينهما.

بل أن يقوموا بدعوة الغرب إلى أن ينـزع السلاح من المتحاربين في الصومال كلها، إن هذا يؤكد على دور العلمانيين في بلاد الإسلام، وأنهم دائماً وأبداً ضد مصالح البلاد وضد استقلالها وضد اجتماعها على الخير، فهم بالأمس يتحاربون ويتقاتلون، وكل الأطراف المتحاربة من العلمانيين، ويتقاتلون بدعم من إيطاليا ومن الغرب.

أما اليوم فهم يجتمعون -أيضاً- في ظل وساطة أمريكية، ويوحدون صفهم، ويعطون العدو الخارجي مبرراً ومسوغاً وسنداً للتدخل، حيث يطلبون منه التدخل والبقاء، وأن يقوم بنـزع السلاح من المتحاربين.

وإن مما يؤسف أيضاً، أن يجتمع في كينيا أكثر من أربعين ممثل عن جمعيات صومالية، وقبائل وغيرها، وأن يستقبلوا السفير الإسرائيلي هناك، ليلقي عليهم كلمة، ويتحدث عن أن أمن الصومال مرتبط بأمن إسرائيل، وأن إسرائيل لا يتحقق أمنها إلا باستقرار القرن الإفريقي، والقضاء على بوادر الإسلام فيه، وأن أي فئة تدعو إلى الإسلام ولو كانت قليلة العدد، ضعيفة العُدد، ولو كانت في الصومال، فإنها تخيف اليهود والنصارى، وتثير الرعب في قلوبهم.

ثم إن من المبشرات أن السفير الأمريكي في كينيا حذَّر قومه من هذا العمل ومغبته، وقال: إن هذا تورط، وانتقد التسرع الذي فعلوه، وقال: إنكم قد دخلتم في عش الزنابير، وإذا كنتم أحببتم بيروت فسوف تعشقون مقديشو، يذكرهم بما جرى لقوات المارينـز في بيروت، حينما فُجِّرَ مقهى وقتل أكثر من مائتين وستين جندي، ويقول لهم: ما جرى في بيروت سوف يجرى لكم أكثر منه في مناطق الصومال.

وهناك جماعات إسلامية مثل الاتحاد الإسلامي، وكذلك هناك جمهورية الصومال، التي استقلت وأعلنت استقلالها حديثاً، وغيرها من الأطراف قد أعلنت رفضها للتدخل الغربي، وأنها سوف تواجههم.

ونحن نسأل الله تعالى أن يصدق ظن هذا السفير في إخواننا المسلمين في الصومال، وأن لا تمر هذه المؤامرة الكبيرة على المسلمين بسلام، فإن أعداء الإسلام قد جربوا منا الذل والصغار، ورأوا أن جميع أمم الأرض تدافع عن نفسها، وتدافع من منطلقات وطنية، ومن منطلقات عرقية، ومن منطلقات قومية أو قبلية أحياناً، كما حصل في فيتنام وفي غيرها.

أما المسلمون فقد جرب العدو معهم أنهم مستسلمون، وأنهم لا يدافعون عن أنفسهم، لا نتيجة غيرة دينية، ولا نتيجة نخوة وطنية، فنسأل الله تعالى أن يرينا في هؤلاء الظالمين عجائب قدرته، ونسأل الله أن يسلط عليهم من جنده، إنه على كل شئ قدير.

ومن المبشرات أيضاً: ذلك الحشد العالمي والعربي، الذي سعت الأمم المتحدة إلى أن يساهم في القضية، ولو بصورة شكلية رمزية، فإن القوى الدولية والعربية التي شاركت هي قوى رمزية، لمجرد إشعار المسلمين أن العملية ليست احتلالاً أمريكياً للصومال، وإنما هي قضية دولية تشترك فيها دول كثيرة، وأن الذي يواجهها يواجه العالم بأكمله.

وهذا يؤكد أنهم يخافون اليوم من انفجار المسلمين، ومن وقوف المسلمين ضد هذه الأعمال التي تستهدف استقلالهم، وتستهدف إيمانهم، وتستهدف قوتهم، وتستهدف تحكيمهم بشريعة الله عز وجل.

وإن من الأشياء التي نعتبرها من المبشرات أيضاً العودة إلى الاستعمار المكشوف اليوم، والوصاية المباشرة، فإن ذلك وهو يقع فعلاً في أكثر من مكان، يوحي بأن الغرب أدرك فشل الخطط السابقة التي تعتمد على وجود وكلاء وأوصياء، يقومون بالمهمة عنه.

فالغرب اليوم لم يعد يثق بحلفائه الأصليين وهذه -أعني التدخل الغربي المباشر في مناطق الإسلام فقط، دون غيرها من المناطق العالمية- هي أحد الأسباب التي نظن بإذن الله تعالى، أنها سوف تؤجج مشاعر المسلمين، وتحرك فيهم روح العداء للغربي الكافر، وتجعلهم يدركون أنه لا ثقة بأعداء الله تعالى، مهما أرضونا بمعسول القول، ومهما خدعونا بعبارات الإنسانية، ومهما ادعوا أنهم علمانيون، وأنهم ديمقراطيون، وأنهم لا يتحركون لدين، إلا أن الواقع أنه لا ثقة بأعداء الله تعالى، طال الزمن أم قصر.