أرشيف المقالات

حول المسابقة على الثانوي

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
للأستاذ سيد قطب قرأت في عدد الرسالة الأخيرة ما كتبه الدكتور زكي مبارك خاصاً بمذكرة (الستة) المقدمة إلى وزارة المعارف لإعفاء (أشخاصهم) من التقدم إلى امتحان المسابقة.
حسبما روى الدكتور والعهدة عليه فيما رواه. ولا أحب أن أتحدث عن امتياز هؤلاء الستة - في صدد الحديث عن هذه المسابقة - فتلك مسألة تافهة لا يجوز لها أن تتدخل في تقرير مبدأ من المبادئ العامة كمبدأ امتحان النقل إلى المدارس الثانوية. ولكني أحب أن أتناول تناولاً موضوعياً، فأذكر أنني تقدمت في العام الماضي بمذكرة لحضرات كبار المسؤولين في الوزارة خاصة بموضوع اليوم، لا أرى ضرراً من تلخيصها هنا والزيادة عليها بما جد لي من الرأي حولها، ولا أجد حرجاً في التصريح بأنها لقيت اقتناعاً بالأسس التي تضمنتها. لم أحاول أن أنكر مبدأ المسابقة في ذاته، فقد يكون أسلم المبادئ لتحقيق العدالة وإبراز المواهب، والحد من المحسوبية والتحرر من ضغط الصلات الشخصية بين الرؤساء والمرءوسين سواء كانت طيبة أم رديئة. ولكني أنكرت شكل المسابقة وقواعدها الحالية ونتائجها العملية، ووجوه إنكاري لها هي هذه: أولاً: أن المسابقة تتجه اتجاهاً خاطئاً إلى اختبار محفوظات المدرسين وتحصيلهم العلمي، دون أن تتجه إلى اختبار ثقافاتهم وعقلياتهم ونمو شخصياتهم من جميع نواحيها. ووجه الخطأ في هذا الاتجاه أنه تثبيت وتوكيد (لعقلية الامتحانات) التي نشكو منها بالقياس إلى التلاميذ، ونعمل على التحرر من قيودها، بانتهاج طرق (المدارس الناهضة) وطرق التربية الحديثة التي اهتدى إليها المربون في القرن الأخير فامتحان المسابقة في شكله الحاضر نكسة للعقلية التعليمية تضمن للعقلية القديمة والاستمرار فترة أخرى أطول مما كان مقدراً لها بعد النهضة الحديثة. فكان هذا الشر يجد مبرراً لو أن الوزارة قبل وضع المسابقة هذا الوضع قد قامت بإحصائية من تقريرات حضرات المفتشين المختصين عن خمس سنوات أو عشر أو بأية وسيلة أخرى.
فتبين لها أن أغلبية المدرسين أو عدد كبير منهم ضعفاء في المادة العلمية وحينئذ تتجه اتجاهاً معقولاً إلى تقوية التحصيل في أوساط المدرسين. ولكنها لم تقم في هذا الإحصاء، والظواهر جميعها لا تشير إلى ضعف الأساتذة في مادتهم العلمية، وإن كانت هناك في بعض الحالات نواح من الضعف في الثقافة العامة وفي مسايرة المجتمع والعالم في خطواته وفي نمو الشخصيات المطرد في أوساط المدرسين منشأها مراعاة الأقدمية وحدها في النقل إلى المدارس الثانوية، وتسرب المحسوبية إلى المدارس على حساب الكفايات العلمية كذلك!! ثانياً: أن المسابقة في وضعها الحاضر لا تضمن النمو المطرد في ثقافات الناجحين وشخصياتها، طالما أنها لم تعن بهذه الناحية أية عناية.
وليس ما يمنع هؤلاء أن ينسوا هذه المعلومات التي حفظوها بعد نجاحهم ووصولهم إلى ما يبتغون من النقل إلى التعليم الثانوي، كما يصنع التلاميذ الذين نحشو أدمغتهم حشواً بالمعلومات على طريقة المسابقة سواء بسواء! ولو أن المسابقة وجهت همها إلى اختبار الثقافة والعقلية والتأكد من نمو الشخصية لضمنت استمرار صلاحية المدرسين فالشخصية النامية لا تتغير بل يزيدها الزمن نمواً وثقافة، ولأن حوافزها إلى المعرفة والاطلاع حوافز شخصية قد تذكيها المسابقة ولكنها أصيلة على كل حال. وأصحاب هذه الشخصية هم الذين تضمن بهم رقى الثقافة ونهوض التعليم في المدارس الثانوية وسواها، ونضمن ألا ينتكسوا بعد اجتيازهم حوافز السباق! وقد كان يصح للستة الذين روى عنهم الدكتور زكي، أن يستندوا إلى مثل هذا الرأي فيعدوا اشتغالهم بالتأليف والتحقيق العلمي قبل المسابقة دليلاً على أصالة هذه الحوافز في نفوسهم وضمانتها لصلاحيتهم؛ لولا أنهم آثروا أن تستهويهم هالات موهومة حول شخصياتهم الكريمة! ثالثاً: أن النتائج العملية للمسابقة - على فرض أنها ستؤدي إلى اختيار أصلح العناصر - تؤدي في الوقت ذاته إلى نتيجة سيئة على التعليم الابتدائي الحكومي والتعليمين الابتدائي والثانوي في المدارس الحرة. وتفصيل ذلك أنها تستنفد بالتدريج كل العناصر الصالحة في المدارس الابتدائية الأميرية والثانوية الحرة - أولئك الذين ينجحون في المسابقة - فتعنيهم الوزارة في مدارسها أو تنقلهم إلى التعليم الثانوي.
ولا يبقى بعد هؤلاء إلا العاجزون - فرضاً - عن النجاح؛ فينحط مستوى التعليم الابتدائي عامة ومستوى التعليم في المدارس الحرة التي تنهض بعبء كبير في ميدان التعليم. هذا كله من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المدرس الذي يشغل وقته بتحصيل ما في هذه الكتب المطولة الكثيرة العدد، لا يستطيع أن ينهض بواجبه في خلال العام المدرسي لتلاميذه وقد يرسب فيعاود الكرة في عام آخر.
والتلاميذ هم الذين يؤدون ثمن الاستذكار الدائم لمعلومات متفرقة لا يزيد تحصيلها شيئاً في مقدرة المدرس الثقافية في جميع الأحوال.
ولا في مقدرته العلمية في كثير من الأحول. هذه العيوب الأساسية في نظام المسابقة الحاضر يمكن التفادي منها بأتباع قواعد أخرى: أولاً: أن تتجه المسابقة إلى اختبار ثقافة المدرس ونموها الدائم واختبار عقليته في الوقت ذاته.
وهذا الاتجاه يقتضي أن يكون الأساس الأول للاختبار رسالة علمية أو أدبية في علوم اللغة العربية وآدابها القديمة أو الحديثة، يناقش صاحبها فتبين مقدرته وتقاس ثقافته وعقليته.
ولا ضرر - إذا لم يكن بد من قياس التحصيل - أن يتبع نظام (التعيين) الأزهري القديم في بعض المواد لمعرفة المعلم على التحصيل والاطلاع في مختلف المؤلفات. ثانياً: أن يمنح الناجح في هذه المسابقة درجة علمية تبرز الجهد المبذول فيها تقابلها درجة مادية تحفز الهمة وتقوي العزيمة.
ويمكن الاستدلال من رسالته على الناحية التي يبرز فيها فتستغل خير مواهبه في تدريس هذه الناحية ولا سيما في الفرق الثانوية المتقدمة! ثالثاً: ألا تكون نتيجة النجاح الحتمية هي النقل إلى التعليم الثانوي.
وأقول النقل لا كما تسميه وزارة المعارف ترقية، فهذه الترقية لا وجود لها.
بل توزع هذه الكفايات بعد منح أصحابها الدرجة العلمية والدرجة المادية على كل فروع التعليم.
فتتوازن خطواته وتتعادل دعاماته.
وليس التعليم الثانوي بأجدر من التعليم الابتدائي بالعناية والكفايات العلمية. رابعاً: أن تنظم الوزارة في العطلات الصيفية محاضرات عامة للمدرسين، وتجعل لنسبة الحضور فيها وزناً في المسابقة وفي نظرتها لهؤلاء الأساتذة.
ونظام المناطق يسهل على الوزارة هذا الأمر ويقسم جماعات المدرسين على المناطق وييسر إلقاء المحاضرات في كل منطقة. وتلك مادة دائمة للثقافة المتجددة يجب أن ينال المدرسون نصيبهم منها وهم أجدر طوائف الأمة بها.
وهي ضمانة أكيدة لاستمرار الثقافة وتجددها. بقيت مسألتان على هامش ما كتب الدكتور زكي مبارك، أمر بهما كارهاً في هذا المجال أولاهما: تلك الطعنة التي وجهها الستة الكرام - إذا صح ما روى عنهم - إلى ألف ومائتين من الزملاء، اختصوا أنفسهم دونهم بما زعموه من امتياز، ليس هذا مكان مناقشته وامتحانه. 2 - انزلاق الدكتور زكي مبارك - وهو يؤيد المسابقة - إلى غمزات لا تليق، كقوله: (وقد أجريت المسابقة بين المدرسين في الأعوام الأخيرة، فكانت فرصة لمراجعات نحوية وصرفية وبلاغية وأدبية، (غفل عنها أكثر مدرسي اللغة العربية). فالواقع - كما قلت - أن هذه المراجعات لا قيمة لها، وأن ما له قيمة لم يغفل عنه أحد، أو على الأقل لم تقم الوزارة بالإحصائية التي تؤيد هذا الزعم، والأساتذة في المدارس لا يجوز التجني عليهم إلا بعد تثبت وتحقيق. أما غمزاته لأعضاء اللجان، فذلك شأنه الخاص، ولعل نقائص هذه اللجان كلها تنتفي عنها لو أتيح له أن يكون عضواً فيها، وذلك مطلب لا أدري، أقريب هو أم بعيد على الدكتور؟ (حلوان) سيد قطب

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣