تصرف المسلم وقت الحرب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة: لا يخفى عليكم ما نتعرض له في هذه الأيام من المحن والخوف والفتنة، التي تتطلب منا اليوم وقفةً جيدةً أكثر من أي وقتٍ مضى، والمسلم مطالبٌ بأن يحقق مفهوم العبودية لله سبحانه وتعالى في جميع المواقف، والمسلم مطالبٌ أن يكون عبداً لله في أوقات الرخاء وفي أوقات الشدة، والمسلم مطالبٌ بأن يحسن عبادة ربه سبحانه وتعالى كما ورد في الحديث: (عبادة في الهرج كهجرةٍ إليَّ) العبادة في وقت المحنة ووقت القتل، أو وقت الحروب ووقت الفتن مثل الهجرة في فضلها، مثل الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وهذا يدل على أن المسلم يؤجر في عبادته لله أكثر عندما يكون في أوقات المحنة والشدة، فإنه يؤجر أكثر من عبادته في وقت الرخاء إذا استوت العبادتان؛ لأنه الآن قد أحسن التوجه إلى الله وعبادته عز وجل، فيؤجر على ذلك أجراً إضافياً.

أيها الإخوة: إن هذه الأحداث، وهذه المواقف لنا فيها دروسٌ كثيرة، وفيها عبرٌ عظيمة، فمن ذلك:

الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بقوله عليه الصلاة والسلام: (وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وإذا لم تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلست على ملة الإسلام كما ورد في الحديث الصحيح.

الموت

ثانياً الموت: ولا بد منه لكل حي، قال الله عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [الأنبياء:35] وقال سبحانه وتعالى: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78] ولو كنت لابساً جميع أنواع الأقنعة والكمامات والألبسة، وتسكن في عاشر أدوار تحت الأرض يدركك الموت لو شاء الله سبحانه وتعالى، فينزل فيقبض ملك الموت روحك، لأن الله أراد ذلك: أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء:78].

لا ينفع الهروب من الموت

ثالثاً: إن هذا المعنى يؤكده -أيها الإخوة- وهو نفس المسألة السابقة قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243] فما أغناهم خروجهم من بيوتهم، ما أغناهم شيئاً أمام الموت، ولما قدر الله عليهم الموت ماتوا، فقال الله لهم: موتوا [البقرة:243] ليدلل لهم على أن خروجهم من بيوتهم لا يقيهم الموت ولا يبعده عنهم.

الأخذ بالأسباب

رابعاً: لابد للمسلم من الأخذ بالأسباب، ولا تعني النقطة السابقة أنك ترى الحِمام أمامك، وترى مواقع القتل أمامك فتدخل فيها، فليس ذلك من معاني دين الإسلام ولا من أوامره، بل إذا لقيت شراً فانأ عنه وادرأ بنفسك عنه ما استطعت، إذا كان نأيك عنه مشروعاً، واتخاذ الأسباب المشروعة في الوقاية من الهلاك أمرٌ مشروع، فوضع مكان آمنٍ في البيت، أو هذه الملصقات على الزجاج حتى لو طار طيارٌ على مستوىً منخفضٍ بأسرع من سرعة الصوت مثلاً لا يتهشم الزجاج ولا يتناثر فهذا أمرٌ مشروع ولا بأس به، وسد المنافذ حتى لا يدخل غازٌ لو حصل أن جاء -ونسأل الله أن لا يأتي- أمرٌ لا بأس به، ووضع بعض الأطعمة في البيت حتى إذا غلقت الأسواق ولم تجد مكاناً تشتري منه أمرٌ لا بأس به، ووضع مصدر للإنارة في البيت حتى إذا قطعت الكهرباء يكون عندك مصدرٌ آخر، أمرٌ لا بأس به، وهو أمرٌ مشروع، فإذاً اتخاذ الأسباب المشروعة لوقاية النفس من الأخطار، والتي هي من عين الحكمة، ومن عين العقل أن تتخذها.

زيادة الهلع ينقلب إلى الضد

خامساً: إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فمثلاً: لما يقع الهلع من الناس فيشترون كل شيء أكثر مما يحتاجون، وتفرغ الأسواق من سلعٍ معينةٍ -مثلاً- بدون حاجةٍ إلى هذا الاندفاع الكبير لشراء هذه الكميات الكبيرة، فهذا أمرٌ منافٍ للتعقل، ثم شراء الأشياء التي قد لا يحصل منها نفعٌ وليست أسباباً واضحة ينتفع بها هو أيضاً دليلٌ على عدم التعقل.

مثال: أقدم كثيرٌ من الناس على شراء الفوانيس على هذا الكاز، كان الفانوس بخمسة أو ستة ريالات لا أحد يشتريه، فقفز سعره إلى ستين وسبعين وثمانين ومائة، واشترى الناس الفوانيس، وصرف بعض الناس بضاعةً كانت عندهم، والله هو الرزاق سبحانه وتعالى ساقَ إليهم رزقهم عبر هذا الهلع أو بعض التصرف من بعض الناس، فلما قيل لهم: إن الفوانيس لا تصلح في مثل هذه الأوضاع، عليكم بالأشياء الكهربائية ذهب الناس إلى البطاريات وألقيت الفوانيس جانباً.

مثالٌ آخر: مراوح يدوية، هل تصدقون أن بعض الناس قد اشتروا مراوح يدوية في فصل الشتاء، فهذا تصرفٌ دالٌ على عدم التعقل أيضاً، وهكذا.

مثالٌ آخر: اتصل بي بعض الناس يقول: في وقت حدوث أو انطلاق صفارة الإنذار دخل الناس إلى هذه الملاجئ ولا ملجأ من الله إلا إليه سبحانه وتعالى، ولا يقي من الشرور إلا هو سبحانه وتعالى، وصار بعضهم يتصل على بعض، ادخل الغرفة فوراً والبس الأقنعة، اعمل اعمل، وليس هناك ما يدعو إلى لبس الأقنعة داخل البيوت محكمة الإغلاق مثلاً، وربما حصل بسبب إساءة استعمالها أضرار على الأطفال، فإنه قد بلغني أن بعضهم قد مات اختناقاً من وضع هذا الكمام عليه بالطريقة بالخطأ.

فصار الشيء الذي أخذ سبباً للحياة سبباً للوفاة، ثم قال هؤلاء السائلون: كيف نتوضأ؟ يا أخي توضأ بالماء، قال: لكن نحن الآن متكممون في الغرفة ولا نستطيع أن نتوضأ وقد دخل وقت الصلاة، قلت: يا أخي اخرج إلى الحمام وتوضأ فهي خطوات، قال: أنا لا أستطيع أن أخرج من الملجأ، سبحان الله! وأنتم ترون من الواقع أنه ليس هناك داعٍ لحصر النفس بالغرفة دون خروجه إلى الحمام، فلو أراد أن يقضي حاجته، ماذا يفعل؟ لو انحصر فأراد الذهاب إلى الحمام، ماذا يفعل؟ فكان هذا التصرف بعدم الذهاب إلى الحمام للوضوء لأجل الصلاة شيئاً عجيباً، لكن الناس -فعلاً- كثيرٌ منهم ليس عندهم القدرة على التصرف الصحيح في أوقات الأزمة، ولذلك من الأدعية التي يدعو بها المسلم: (اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا) فليس هناك غاز، وليس هناك خطر، وليس هناك أشياء متسربة، فما المانع أن تذهب إلى الحمام للوضوء؟!

أحكام العبادة في أيام الفتن

سادساً: بالنسبة للعبادة -أيها الإخوة- العبادة لابد من إحكامها، وقدمنا أن الإحسان في العبادة يضاعف الله به مزيداً من الحسنات، ولذلك فإن الوضوء ينبغي أن يكون سابغاً تاماً، والصلاة تؤدى في وقتها ولا نؤخر الصلوات، وإذا لم يكن هناك خطرٌ داهم يأتي الرجال إلى المسجد للصلاة فيه، وتمشي الأمور بشكلٍ طبيعي تماماً، ونأتي لصلاة الجمعة، والأمر طبيعي تماماً، لكن لو حصل وقدر الله أن يكون هناك قذائف تنزل أو أخطارٌ متحققة، أو صفارة الإنذار على شيءٍ من الإطلاقات أو الغارات لا سمح الله، فهنا لا نكلف الناس أن يأتوا إلى المساجد لأداء صلاة الجماعة، بل إنهم يعذرون بما هو أدنى من ذلك، كالجمع في المطر في المسجد، ويعذرون كذلك عند البرد الشديد والريح الشديد، وفي الخوف، هناك صلاة اسمها: صلاة الخوف، فإذاً لا نكلف الناس بأن يأتوا إلى المسجد، فلو صار خطرٌ حقيقيٌ داهمٌ أشارت الإشارات إليه، وليس هو من اختلاق بنات الأفكار كما يقولون، ولا نتيجة أوهام، بل أشياء محققة فيها إشارات تدل على وقوعها، فنصلي في البيوت ولا حرج، نصلي الصلاة كاملةً في البيت، كل صلاةٍ في وقتها، ولو -لا سمح الله- صارت أشياء لا نستطيع أن نأتي لصلاة الجمعة، فنصلي في البيت ظهراً، هذا دينكم دين يسرٍ، وهذا من معاني أن الدين يسر، هذا من المعاني الصحيحة ليسر الدين، والشريعة هذه لم تأت بحرجٍ أبداً، بل جاءت لرفع الحرج أيها الإخوة.

ومن الأمور المتصلة في ذلك أيضاً: مسألة الأقنعة، عمد كثيرٌ من الناس -هداهم الله، ولا أقول كثير، لا أدري، ولم أعمل إحصائية ولا استبياناً، وأرجو أن يكونوا قلةً أو ندرة- إلى حلق لحاهم -والعياذ بالله- قالوا: لا يمكن للأقنعة أن تركب على اللحية وأن تتسرب غازات وأشياء، ولذلك لابد أن نحلق اللحية، يا أخي: اللحية أمرٌ واجبٌ شرعاً، فقد أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها خمسة أوامر إلى الأمة: (أرخوا اللحى) (أرجوا اللحى) (وفروا اللحى) (أعفوا اللحى) أوامر إلى الأمة بإعفاء اللحية تدل على الوجوب، فليس هناك فيها عذر.

إذاً: فمتى تحلق اللحية؟ يجوز ذلك عند الضرورة، عند خوف القتل يمكن للإنسان أن يحلق لحيته خوف القتل المحقق، فقد صارت المسألة ضرورة، فيقولون لك: إن هذه الغازات تتسرب، نقول: يا أخي أين تعيش أنت؟! ألست في البيت! فأين الخطر المحقق لنفاذ الغاز إليكَ أو هذه الكيماويات أو الأشياء المستنشقة إليك في غرفتك، فعلام تحلق لحيتك؟!

طبعاً هناك أنواع من هذه الأقنعة فيها طولٌ في تصميمها بحيث أنه لا يضر، لكن قد لا تكون متوفرة، فماذا يفعل الإنسان؟ أقول لكم ماذا قالوا في الصحافة عن اليهود؟ حاخامات اليهود لحاهم طويلة -مع الأسف طبعاً مقارنة بالمسلمين- فماذا يفعل حاخامات اليهود؟ قالوا: يحملون مقصاتٍ في جيوبهم، فإذا صار الخطر قصوا لحاهم ولبسوا القناع، هل تريدون أن يكون اليهود أحسن منا؟! اليهود يحتاطون على لحاهم ولا يحلقونها إلا عند نزول الخطر، فهل هم أحسن منا؟ معاذ الله، فإذاً هذا أمرٌ لا يجوز فعله إلا وقت الضرورة القصوى المحققة، لكن هؤلاء الذين حلقوا لحاهم، أين الضرورة التي حصلت في هذه الفترة الزمنية الماضية، حتى نقول لهم: إن ما فعلتموه صحيح.

أمرٌ آخر -أيها الإخوة- نحن مسلمون، ومما يميزنا عن الكفار إيماننا بالله سبحانه وتعالى، فنحنُ في هذه الأوقات يجب علينا أشياء، منها: إحسان الظن بالله عز وجل، وإذا أحسنت الظن بالله كفاك الله الشرور قال الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء).

فينبغي أن نحسن الظن بالله، وأن نوقن في أنفسنا أن الله سيحفظنا، وأن الله سيكفينا، وأن الله سيدرأ عنا، وأن الله سيحول بين هذه الشرور والوصول إلينا، فإذا اشتد ظنك بالله حسناً كانت كفاية الله لك أكثر وأعظم، فأحسنوا الظن بالله، لا تيئس من روح الله، لا تقنط من رحمة الله أبداً إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، فأحسن الظن بالله أن الله سيكفيك همك، وأن الله سيحفظك من كل سوء، ولكن بعض الناس عندما يسمع انفجاراً أو صفارة إنذار، أو شيئاً من الأشياء الخطيرة يسقط في يده، وينسى الله تماماً، وهذا من أعظم المصائب.

ففي لحظات الشدة يجب أن نذكر الله أكثر من أي شيءٍ مضى، ولذلك ما معنى الحديث: (كان إذا حزبه أمرٌ صلّى) كان إذا حصل أمرٌ فزع إلى الصلاة، إذا نزلت مصيبة فزع إلى الصلاة، يطبق قول الله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة:45] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

وكان ابن عباس لما كان مسافراً في الطريق، فبلغه موت أخيه، ترجل عن راحلته وتنحى جانباً، فصلى ركعتين ثم قال: قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153] هذا الكلام نقوله لأننا وجدنا بعض الناس لما صارت الأخطار وهذه الصفارات عمدوا إلى محطات التلفزيون والإذاعات ينظرون ويستمعون إليها بكل إنصات، ساعاتٍ طويلة، ولا يلهج أحدهم بذكر الله أبداً.

وهذا خطأ -يا جماعة- هذه مواقف وستسجل علينا يوم القيامة، ونحنُ بإمكاننا أن نتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، القرار الصحيح وقت الأزمة أن تلجأ إلى الله، ليس هناك مانع أن تسمع الأخبار، لكن أن تتسمر أمام الأجهزة طيلة الوقت بإنصاتٍ شديد، ولا تذكر الله أبداً هذا ليس من صفات المسلمين.

كان عليه الصلاة والسلام إذا كربه أمرٌ قال: (الله الله ربي لا أشرك به شيئاً) وقال: (يا حي يا قيوم برحمتك استغيث) هذه أدعية الكرب وأذكار الهم، لابد أن نذكرها وأن تكون على ألسنتنا.

(اللهم إني عبدك وابن عبدك ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي) فإذاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا، وذهاب همومنا وغمومنا، وجلاء أحزاننا وكربنا، اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم استجب لنا أجمعين.

وقبل أن يفوتني تنبيهٌ على مسألة قد يسأل عنها بعض الإخوة العسكريين، عند لبس هذا الكمام، أو هذا القناع كيف يفعل بالوضوء والسجود؟

طبعاً الإنسان إذا لم يستطع أن يمسح على جزءٍ من جسده تيمم عنه، فإذا كان محكماً على الرأس مثلاً، يعامل مثل العمامة، فيمسح عليه، فإذا لم يستطع فإنه يتيمم عنه، هناك الآن مخارج شرعية يسأل عنها العلماء، ويفتي بها أهل العلم، فإذا حدثت أشياء مثل هذه هناك أحكام في الشريعة، أحكام الاضطرار، أحكام الضرورة، تسأل عنها العلماء، وأما بالنسبة للسجود، فلو اضطر للبس القناع وهو يصلي، فيسجد على حسب حاله، ويلامس من الأرض ما يستطيع أن يلامسه بهذا القناع الموجود على وجهه، ولا حرج في الشريعة، وهذا معنى أن الدين يسر، هذا مثال صحيح، والحمد لله رب العالمين.

تخويف الله لعباده

أيها الإخوة: إن هذه الأحداث التي تمر بنا الآن مدرسةٌ فعلاً، والسعيد من تعلم بها وفيها ومنها وأخذ العبر.

أيها المسلمون: إن الله سبحانه وتعالى يقول -ونعوذ بالله أن نكون من المقصودين بهذه الآية-: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60].

فإذا خوفنا الله بهذه الأحداث، فما المفروض أن يحدث لدينا؟

إن المفروض علينا اللجوء إلى الله، الدعاء، الصلاة، الذكر، قراءة القرآن، الإقبال عليه، التوكل عليه، صدق اللجوء إليه، ونقول من قلوبنا في قنوتنا: واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، هذا أوان التعلم بالأحداث -أيها الإخوة- كم مرت علينا فترات رخاء، فترات ليس فيها خوف، ولا فزع، ولا اضطراب، ولا جوع، ولا فقر، والآن يبلونا الله في هذه الأيام بأشياء من الخوف، يبلونا بها، فما هو موقفكم؟ وما هو موقفنا جميعاً؟

كونوا كما أمركم الله عباداً له في جميع الحالات والأوضاع والظروف، قوموا بحق العبودية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الإيمان بالقضاء والقدر، والإيمان بقوله عليه الصلاة والسلام: (وأن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك) وإذا لم تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلست على ملة الإسلام كما ورد في الحديث الصحيح.