خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/35"> الشيخ محمد صالح المنجد . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/35?sub=16019"> خطب عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
جدية الالتزام بالإسلام [1، 2]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني أعضاء هذا المركز وضيوف هذا المركز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهذه- والله- فرصةٌ طيبة أن نلتقي معاً في هذه الأمسية وهذا المجلس الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون من مجالس الخير والذكر، وأن يكتبنا وإياكم في عليين (سجل أهل الجنة)، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه الليلة أيها الأخوة موضوعٌ مهم، والموضوع كما ذكر الأخ الذي قدم بعنوان: (جدية الالتزام بالإسلام) وأهمية هذا الموضوع أيها الإخوة تكمن في أنه مع انتشار الصحوة الإسلامية المباركة التي بدأت تؤتي ثمارها وأكلها بإذن ربها، فإننا لنلحظ في خضم هذه الثمار وهذه العطاءات أن الكثرة بدأ يتسرب إليها أنواع من الضعف والوهن، وبدأ معيار الالتزام بدين الله تعالى يخف ويتقلص ذلك المفهوم الواسع للالتزام بدين الله، وبدأت بعض التصرفات المخالفة لشريعة الله عز وجل تظهر بين الكثيرين ممن ظاهرهم الالتزام بهذا الدين، ولهذا الظهور سلبياتٌ كثيرة منها:
أن الناس سيأخذون صورة عن الدين من خلال هذه المناظر أو الأمثلة التي يرونها أمامهم، لأن كثيراً من الناس يعرفون الدين برجاله، كثيرٌ من الناس لم يستقر في أذهانهم أن الحق لا يعرف بالرجال، هذه الحقيقة أن الرجال ليسوا مقياساً، ليسوا هم الدين، ليسوا هم الإسلام؛ ولذلك فإنهم لن يغتفروا لهؤلاء أخطاءهم، وقد لا يكون عندهم الوعي الكافي حتى يتصورون بأن هذه التصرفات التي تصدر من بعض من ظاهره الالتزام بدين الله لا علاقة للإسلام بها، ولأن علينا مسئوليةً كبيرة تقع على عواتقنا من جراء أخذ الناس للتصور عن الدين من واقع الملتزمين به، فإن هذا يفرض علينا واجباً ثقيلاً في المحافظة على معنى الالتزام بالإسلام وكيفية التمسك به، كيف نقدم إلى الناس هذا الدين؟ ما هي الأطر، وما هي الاطروحات التي نطرحها على الناس؟ كيف نظهر أمامهم؟ وقبل ذلك كيف نظهر بيننا وبين الله عز وجل الذي لا تخفى عليه خافية؟
من هو الملتزم
هذه اللفظة لم تلق عناية كافية في تمريرها إلى أذهان الناس، ولذلك فقد اضطربت التعريفات وتحير الناس في من هو الملتزم؟ وما معنى الالتزام؟ ونحن إذا أردنا أن نرجع إلى مفهومٍ سلفيٍ أصيلٍ عن الالتزام بدين الله، فإننا لا بد أن نأخذ ذلك من أقاويل العلماء الثقات الذين فسروا كتاب الله تعالى وشرحوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جئت مثلاً إلى قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] ما معنى السلم؟
السلم هو: الإسلام، كما ذكر ذلك أهل العلم بالتفسير، هذه الكلمة كلمة (كافة) قد تعني معنيان:
المعنى الأول: يعني: ادخلوا أنتم في الإسلام كافةً، يعني: في جميع شعب الدين، وكافة فروع الإسلام.
والمعنى الثاني هو الذي رجحه العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية، وليس يبعد أن يراد المعنيان جميعاً في قول الله عز وجل: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]: يجب أن ندخل جميعاً في جميع فروع الدين، أن نأخذ بجميع شعب الإيمان، لكن على قدر استطاعتنا، لأننا لو حاولنا أن نلم بجميع أطراف الدين وشعبه وأركانه، أو نلم بجميع درجاته وشعائره، فإننا لن نطيق ذلك، ولذلك: (اكلفوا من العمل ما تطيقون) ولذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولذلك (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق) ونحن الآن في هذا المقام لا نعتب على الذي لم يستطع أن يأخذ أموراً من الدين لعجزه عن القيام بها، ولكننا في مجال محاسبة أنفسنا عن الأشياء التي كان باستطاعتنا والتي باستطاعتنا الآن أن نقوم بها ولكننا من القاعدين.
أدلة مفهوم الجدية في الالتزام
الثاني: قول الله عز وجل: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] هذا الدين متين، هذا الدين عظيم لا يوجد له مثيلٌ في الأديان.. التشريعات عميقة جذورها قوية.. التكليفات ثقيلة.. المهمات صعبة؛ ولذلك كان لابد من القوة بأخذ الدين خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] وهذه القوة تنافي الميوعة، وتنافي التساهل، وتنافي الانخذال والترك والإهمال لأشياء من الدين خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] قوة تناسب عظم هذا الدين، يجب أن يكون عندنا في عملية الأخذ قوة نشعر من خلالها بأن الأمر جد.
الثالث: قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14] فصل بين الحق والباطل، صار من شدة فصله بين الحق والباطل ومن الوضوح في الفصل أنه هو نفسه -هذا القرآن- صار ًفيصلاً يفصل بين الحق والباطل وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:14] الإسلام أيها الإخوة ليس ثوباً جميلاً نلبسه، أو عملية نتفاخر بها ونتباهى على الناس ونحن نخلو من هذه المضامين العظيمة التي تضمنتها شرائع الدين، لا يكفي أن نقول: هؤلاء نصارى ونحن مسلمون، هؤلاء يهود ونحن مسلمون، انظر إلى أولئك يعبدون البقر، نحن مسلمون، انظر إلى أولئك يعبدون الكواكب، نحن مسلمون!! ماذا نقصد بمسلمين؟ ما هو الإسلام؟ ما هي الجدية التي نبرهن لأنفسنا بها أننا فعلاً نمثل هذا الدين؟
الرابع: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:43-44] ومن القواعد عند العلماء أن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى، وكتاب الله ليس فيه عبث ولا إضافات لا داعي لها، كل حرف إضافته تعني معاني.
" فاستمسك" تعبير فيه من القوة والجدية والمحافظة والعض بالنواجذ على تعاليم الدين أعلى من كلمة أمسك، هذه الزيادة: (الألف والسين والتاء) تفيد أن أناساً يسحبونه منك وأنت متمسك به وتستمسك به وتحاول ألا تتراجع، ولا يجذبوك إلى صفهم، استمسك به خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].
الخامس: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [الأعراف:170] قال القرطبي رحمه الله: وفي هذا التشديد -يعني: (السين الزائدة في يمسّكون) فيه معنى التكبير والتكثير للتمسك.
ما هو الفرق بين يمسكون ويمسّكون؟
فيمسّكون فيها معنى: التكبير والتكثير للتمسك، ولذلك لعن الله أناساًوذمهم، لأنهم يريدون أن يتخذوا سبيلاً بين الحق والباطل، يريدون أن يضيعوا قضايا الإسلام، ويقولون: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [النساء:150] هؤلاء الذين لعنهم الله، وهذا هو حال كثيرٍ من المسلمين اليوم؛ يريدون أن يأخذوا ببعض الدين، ولكنهم ليسوا على استعداد لأخذ البعض الباقي، يريدون أن يتخذوا سبيلاً بين الحق الالتزام الكامل وبين التفلت الكامل، ثم يقولون: نحن نمثل الوسطية!
يأتي من يقول: أنا لا أريد أن أكون منحرفاً وأن أمارس الفواحش الكبيرة وأن أكفر بالله وأستهزئ، ولكني في نفس الوقت لا أريد أن أحجر على نفسي وأن أثقل عليها بالتكاليف وأن ألزم نفسي بهذه الأشياء التي يلزم بها هؤلاء الناس الذين يسمون بالمطاوعة أو المتدينين، أنا وسط لا أريد التعقيد ولا أريد التفلت، فيأخذ من الدين ما يعجبه وما يوافق هواه، ويترك الأشياء التي فيها صعوبة وثقل على النفس، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً؛ بين الكفر والإيمان، ودين الله عز وجل أغلى وأثمن وأعلى من أن تناله هذه المفاهيم الخاطئة للوسطية.
خطأ الناس في تعريف الوسطية
أقول: إن تقصير الثوب وجعله فوق الكعبين تزمتاً وتنطعاً.
أقول: إن إطلاق اللحية بهذا الطول يعتبر تزمت وتنطع.
أقول: إن قيام الليل تزمت وتنطع.
في هذه الحال نعرف ماذا يرمي إليه أولئك أهل الباطل الذين يحرصون دائماً على انتزاع المسميات الصحيحة ليلصقوها بهم ليقولوا للآخرين: نحن الوسط وأولئك أهل غلو، إنهم حريصون على هذا العمل، ولذلك يدندنون حوله كثيراً، وتراهم وتعرف هذا منهم في لحن القول.
علامات يعرف بها المنافقون
الله عز وجل من رحمته ما تركنا نحن وهؤلاء المنافقون يعيثون فساداً، لا، أعطانا علامات وبيَّن لنا في القرآن دلائل وأدلة ندينهم بها كثيرة، منها: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30] يعني: في فلتات لسانه، ترى أحدهم مثلاً يحاذر في كلامه ويتكلم باسم الدين، ولكنه فجأة في إحدى المناسبات يزل، فينكشف لك ما في داخل قلبه من معاني الكفر والضلال والنفاق التي أخفاها.
فإذاً: نقول: إنهم يريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً، يريدون أن يُفصِّلوا من الإسلام ثياباً تناسب أهواءهم وشهواتهم، ولكن لتعرفنهم في لحن القول؛ ولأجل هذا أيها الإخوة! يرينا الله عز وجل في القرآن مفاهيم شاملة ترد على أولئك الناس، وترد على هذا الخطأ والضلال، وهو أخذ بعض الدين وترك البعض الآخر حتى في العبادات، حتى لا يفهم الناس أن الصلاة تكفي والصيام يكفي والحج يكفي، وشهادة أن لا إله إلا الله قولاً تكفي، حتى لا يفهم الناس هذا المفهوم الخاطئ؛ جاءت آيات في القرآن لكي تنير السبيل للمؤمنين وتوضح القضية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] كونك تولي جهة المشرق أو المغرب أو الشمال أو الجنوب ليس في تلك الجهة تفضيلاً معيناً إلا عندما يأتي في القرآن والسنة تخصيصٌ لها، فتصبح جهة الكعبة مفضلة، نستقبل الكعبة في صلاتنا، الجهات أصلاً ليس مفضل واحد عن آخر، ليست القضية مشرقاً ومغرباً، القضية أن الله أمرنا أن نتوجه إلى تلك الجهة، ولذلك الناس في أنحاء العالم يتوجهون إلى الجهات الأربعة وما بينها حتى يصلوا إلى الكعبة، ليست القضية في جهةٍ معينة لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا [البقرة:177] هذا هو مفهوم الشمولية، هذه هي الجوانب التي تميز الصادق من الكاذب، والتي تبين لك وتبرهن هل أنت صادق في التزامك بالإسلام أم لا؟
ضرورة تحمل المشاق
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15] لا توجد ريبة ولا شك وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات:15].
ولما أتى بشير بن الخصاصية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبايعه على شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان والجهاد والصدقة، قال: يا رسول الله! أبايعك على هؤلاء إلا الجهاد والصدقة، يعني: فأنا ليس لي طاقة بالجهاد والصدقة، فروي أنه عليه السلام قال: (لا جهاد ولا صدقة، فبم تدخل الجنة إذاً؟!) ومع أن في إسناد هذا الحديث راوياً لم يسمَّ، ولذلك فهو ضعيف عند المحدثين، لكنه يصلح شاهداً للمعنى الذي نتكلم حوله الآن؛ بلا جهاد وبلا صدقة، ما هذا الإسلام الذي لا جهاد فيه ولا صدقة؟ ما هذا الالتزام الذي لا جهاد فيه ولا صدقة؟
وإذا أردنا في البداية أن نعرف الالتزام بالدين، فماذا تعني هذه اللفظة وما يحوم حولها من الألفاظ؟
هذه اللفظة لم تلق عناية كافية في تمريرها إلى أذهان الناس، ولذلك فقد اضطربت التعريفات وتحير الناس في من هو الملتزم؟ وما معنى الالتزام؟ ونحن إذا أردنا أن نرجع إلى مفهومٍ سلفيٍ أصيلٍ عن الالتزام بدين الله، فإننا لا بد أن نأخذ ذلك من أقاويل العلماء الثقات الذين فسروا كتاب الله تعالى وشرحوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جئت مثلاً إلى قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] ما معنى السلم؟
السلم هو: الإسلام، كما ذكر ذلك أهل العلم بالتفسير، هذه الكلمة كلمة (كافة) قد تعني معنيان:
المعنى الأول: يعني: ادخلوا أنتم في الإسلام كافةً، يعني: في جميع شعب الدين، وكافة فروع الإسلام.
والمعنى الثاني هو الذي رجحه العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية، وليس يبعد أن يراد المعنيان جميعاً في قول الله عز وجل: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208]: يجب أن ندخل جميعاً في جميع فروع الدين، أن نأخذ بجميع شعب الإيمان، لكن على قدر استطاعتنا، لأننا لو حاولنا أن نلم بجميع أطراف الدين وشعبه وأركانه، أو نلم بجميع درجاته وشعائره، فإننا لن نطيق ذلك، ولذلك: (اكلفوا من العمل ما تطيقون) ولذلك فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ولذلك (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق) ونحن الآن في هذا المقام لا نعتب على الذي لم يستطع أن يأخذ أموراً من الدين لعجزه عن القيام بها، ولكننا في مجال محاسبة أنفسنا عن الأشياء التي كان باستطاعتنا والتي باستطاعتنا الآن أن نقوم بها ولكننا من القاعدين.
ولهذا المفهوم (الجدية في الالتزام بالإسلام) أدلة منها: الأول: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208].
الثاني: قول الله عز وجل: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] هذا الدين متين، هذا الدين عظيم لا يوجد له مثيلٌ في الأديان.. التشريعات عميقة جذورها قوية.. التكليفات ثقيلة.. المهمات صعبة؛ ولذلك كان لابد من القوة بأخذ الدين خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] وهذه القوة تنافي الميوعة، وتنافي التساهل، وتنافي الانخذال والترك والإهمال لأشياء من الدين خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] قوة تناسب عظم هذا الدين، يجب أن يكون عندنا في عملية الأخذ قوة نشعر من خلالها بأن الأمر جد.
الثالث: قول الله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:13-14] فصل بين الحق والباطل، صار من شدة فصله بين الحق والباطل ومن الوضوح في الفصل أنه هو نفسه -هذا القرآن- صار ًفيصلاً يفصل بين الحق والباطل وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق:14] الإسلام أيها الإخوة ليس ثوباً جميلاً نلبسه، أو عملية نتفاخر بها ونتباهى على الناس ونحن نخلو من هذه المضامين العظيمة التي تضمنتها شرائع الدين، لا يكفي أن نقول: هؤلاء نصارى ونحن مسلمون، هؤلاء يهود ونحن مسلمون، انظر إلى أولئك يعبدون البقر، نحن مسلمون، انظر إلى أولئك يعبدون الكواكب، نحن مسلمون!! ماذا نقصد بمسلمين؟ ما هو الإسلام؟ ما هي الجدية التي نبرهن لأنفسنا بها أننا فعلاً نمثل هذا الدين؟
الرابع: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:43-44] ومن القواعد عند العلماء أن الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى، وكتاب الله ليس فيه عبث ولا إضافات لا داعي لها، كل حرف إضافته تعني معاني.
" فاستمسك" تعبير فيه من القوة والجدية والمحافظة والعض بالنواجذ على تعاليم الدين أعلى من كلمة أمسك، هذه الزيادة: (الألف والسين والتاء) تفيد أن أناساً يسحبونه منك وأنت متمسك به وتستمسك به وتحاول ألا تتراجع، ولا يجذبوك إلى صفهم، استمسك به خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].
الخامس: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [الأعراف:170] قال القرطبي رحمه الله: وفي هذا التشديد -يعني: (السين الزائدة في يمسّكون) فيه معنى التكبير والتكثير للتمسك.
ما هو الفرق بين يمسكون ويمسّكون؟
فيمسّكون فيها معنى: التكبير والتكثير للتمسك، ولذلك لعن الله أناساًوذمهم، لأنهم يريدون أن يتخذوا سبيلاً بين الحق والباطل، يريدون أن يضيعوا قضايا الإسلام، ويقولون: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً [النساء:150] هؤلاء الذين لعنهم الله، وهذا هو حال كثيرٍ من المسلمين اليوم؛ يريدون أن يأخذوا ببعض الدين، ولكنهم ليسوا على استعداد لأخذ البعض الباقي، يريدون أن يتخذوا سبيلاً بين الحق الالتزام الكامل وبين التفلت الكامل، ثم يقولون: نحن نمثل الوسطية!
يأتي من يقول: أنا لا أريد أن أكون منحرفاً وأن أمارس الفواحش الكبيرة وأن أكفر بالله وأستهزئ، ولكني في نفس الوقت لا أريد أن أحجر على نفسي وأن أثقل عليها بالتكاليف وأن ألزم نفسي بهذه الأشياء التي يلزم بها هؤلاء الناس الذين يسمون بالمطاوعة أو المتدينين، أنا وسط لا أريد التعقيد ولا أريد التفلت، فيأخذ من الدين ما يعجبه وما يوافق هواه، ويترك الأشياء التي فيها صعوبة وثقل على النفس، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلاً؛ بين الكفر والإيمان، ودين الله عز وجل أغلى وأثمن وأعلى من أن تناله هذه المفاهيم الخاطئة للوسطية.
إن الناس -أيها الإخوة- في هذه الأيام يصطلحون على بعض المصطلحات التي قد تكون في الحقيقة يمكن أن يعبر بها عن أشياء من الحق، ولكنهم يفرغونها من مضامينها الصحيحة فتعريف الوسطية عندهم يختلف عن تعريف القرآن والسنة، الوسط في القرآن والسنة: أن تستمسك بالذي أوحي إليك، جاء إليك في القرآن وجاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا زدت عن هذا، فتوضأت أربع مرات، أو تركت أكل اللحم والزواج تقرباً إلى الله، فإنك غالٍ مغالٍ متشدد متنطع، هذه أمثلة صحيحة، لكن أن آتي وأقول لشخص تمسك بالدين، أقول: إن صلاة الفجر في المسجد تزمت وتنطع.
أقول: إن تقصير الثوب وجعله فوق الكعبين تزمتاً وتنطعاً.
أقول: إن إطلاق اللحية بهذا الطول يعتبر تزمت وتنطع.
أقول: إن قيام الليل تزمت وتنطع.
في هذه الحال نعرف ماذا يرمي إليه أولئك أهل الباطل الذين يحرصون دائماً على انتزاع المسميات الصحيحة ليلصقوها بهم ليقولوا للآخرين: نحن الوسط وأولئك أهل غلو، إنهم حريصون على هذا العمل، ولذلك يدندنون حوله كثيراً، وتراهم وتعرف هذا منهم في لحن القول.