وتلك الأيام نداولها بين الناس [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعــد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إخواني: تكلمنا في الخطبة الماضية عن مفهوم من المفاهيم الإسلامية المهمة التي يجب أن تترسخ في ذهن كل إنسان مسلم يعيش في هذا العصر الذي عمت فيه الفتن واختلط فيه الأمر، وأصبح المسلمون في ذلة وقلة وهوان مستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وذلك المفهوم الذي تكلمنا فيه هو قول الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وأن لله الأمر من قبل ومن بعد، وأن الله تعالى يأذن بنصر هذا الدين فينتصر، ثم يأذن بغلبة الكفار فيغلبون، وهكذا يداول الله الأيام بين الناس، وهذه النقط مهمة أيها الإخوة حتى لا يستشري اليأس في نفوس المخلصين، وحتى يحس المسلم بنور الله عز وجل والأمل في الله تعالى، وحتى لا ييأس من روح الله، ونحن نختم هذا الموضوع في هذه الخطبة بعرضه من جهة أخرى حتى تكتمل الصورة شيئاً ما، وحتى يكتمل الإحساس من المسلمين بأن نصر الله قادم وأن المستقبل للإسلام.

أيها الإخوة: إن المستقبل للإسلام شيءٌ لاشك فيه بنصوص القرآن وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها نصوصٌ وأحاديثٌ عظيمة ينبغي للمسلم أن يقف أمام عظمتها متأملاً متفحصاً مدققاً، مشرباً في قلبه تلك المعاني القرآنية والنبوية التي تتدفق من خلالها الآمال والتطلعات نحو مستقبل إسلامي مشرق بإذن الله.

أيها الإخوة: إن لله تعالى ديناً لابد أن ينصره، وإن الله عز وجل ما أرسل رسوله ولا أنزل هذا الدين إلا ليعلو في الأرض، فقال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33] لماذا أرسل رسوله بالهدى ودين الحق لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] ليظهر دين الإسلام على سائر الملل والنحل والأديان، وحتى يستعلي الإسلام على سائر الفرق الضالة والمذاهب الهدامة التي وضعها البشر لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] وهذه الكلمة (الدين): اسم جنس يشمل سائر الأديان التي حرفها البشر ووضعوها من عند أنفسهم لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33].

محاولات أعداء الله لإطفاء نوره

إن المشركين أيها الإخوة في كل وقت وفي كل عصر ومصر يعملون ليلاً ونهاراً، لكي يقوضوا صرح الإسلام، ولكي يضعوا من عظمة هذا الدين، ولكي يدحروا المسلمين ويردوهم على أعقابهم، يعملون بالليل والنهار، إنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] ثم تكون هذه الأموال التي ينفقونها من أجل صد المسلمين عن الإسلام وبذر بذور النفاق في أراضي المسلمين، ستكون عليهم حسرةً ثم يغلبون، هكذا قال الله تعالى في القرآن.

إنهم أيها الإخوة ليلاً ونهاراً يفكرون بأشد ما أوتوا من قوة وتفكير، وينفقون ما استطاعوا من الأموال، ليصدوا الناس عن دين الله، إنهم يفعلون هذا وينشئون مساجد الضرار في العالم الإسلامي، التي تلفت أنظار المسلمين عن مساجد الله الحقيقية التي أذن الله عز وجل أن ترفع ويذكر فيها اسمه، حتى تتطلع تلك الأنظار من قبل أولئك الضعفة من المسلمين إلى تلك المنشئات التي تصرف الناس عن دين الله، وتوهمهم بأن هذا هو الدين وليس لها علاقة بالدين مطلقا، مجرد مسميات خالية من المضامين الحقيقية، مجرد أسماء خالية مما تعنيه حقيقةً.

أيها الإخوة! إن هؤلاء هم الذين قال الله فيهم: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32] وقال الله في آية الصف: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] عجباً لهذه الآية التي تصور حمق أولئك الناس وغفلتهم الذين يريدون أن يطفئوا نور الله الذي أنزله من السماء، بتلك الأفواه البشرية العفنة التي لا تملك مطلقاً أن تحجب الحقيقة عن ناظري كل مسلم متجرد؛ يسير في طريق الإسلام على هدىً من ربه يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف:8] ويعملون من أجل ذلك ليلاً ونهاراً، وتنجح مخططاتهم في أوقات كثيرة وأماكن كثيرة، حتى يظن المسلم الذي دخله اليأس أنه لا يمكن أن تقوم للإسلام قائمة مطلقاً، وأن نور الله قد حجب، وأن المسلمين لم تعد لهم شوكة ولا منعة، وأنه ليس هناك أحد ينصر هذا الدين.

ولكن -أيها الإخوة- إذا تفحصنا وتأملنا في النصوص نجد بأن الله لابد أن يظهر نوره، ليس الظهور الذي حصل في فترة الخلفاء الراشدين، وإنما ظهورٌ سيكون بعد هذا الوقت الذي نحن فيه الآن، كما سيأتيكم من خلال تلك النصوص التي نطق بها الذي لا ينطق عن الهوى.

مدلولات بداءة الإسلام غريباً

أيها الإخوة: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء) إن الإسلام بدأ غريباً، الذي يريد أن يعرف كيف يمكن أن يظهر الإسلام على الأرض كلها وليس هناك إلا حفنة قليلة من المسلمين هي الملتزمة بشرع الله فقط، الذين يقولون: إن المسلمين اليوم ألف مليون، يكذبون على أنفسهم وعلى الناس كلهم، إننا نعرف أيها الإخوة أن كثيراً من المسلمين هم في الحقيقة مشركون من عبدة القبور، أو مرتدون عن الإسلام لا يؤدون الصلاة بالكلية مثلاً، أو يسخرون بدين الله ويشتمون ويستهزئون، فهم كفرة بالله العظيم، أو يتبعون مذاهب فكريه كافرة ضالة كـالشيوعية والبعثية ونحوها تخرج الإنسان عن ملة الإسلام، ملايين تتبع قادة الضلال وتجري وراءهم، هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مسلمين.

إذاً: أيها الإخوة، المسلمون الحقيقيون هم قلة، لا يمكن أن يبلغوا هذا العدد الذي يدخل فيه من يعدهم به كثيراً من الطوائف الضالة وأصحاب البدع الكافرة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، الذي يريد أن يتصور كيف يمكن لحفنة قليلة من البشر أن تنشئ المد الإسلامي من جديد، وأن تعلي كلمة الله عز وجل كما كانت قبل ذلك، بل وأكثر منه الأرض، يتصور تلك الحقيقة العظيمة التي كانت في يوم من الأيام: (بدأ الإسلام غريبا).

يا إخواني: عندما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كم كان عدد المسلمين في الأرض؟ كم عدد الذين يحملون الفكرة الإسلامية الصحيحة ويطبقونها في واقعهم ويجاهدون في سبيلها؟ إنه رجل واحد فقط، رجل واحد فقط في تلك الأرض المظلمة بظلمات الجاهلية التي تغط في الشرك وأوحال الجاهلية، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يوجد غيره على الدين الصحيح.

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واحد، فكيف أصبح الأمر بعد بعثته بنحو اثنتين وعشرين سنة فقط؟ بعد اثنتين وعشرين سنة فقط من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رجل واحد، تقول الروايات بأنه حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أربعة وعشرون ألفاً ومائة ألف صحابي.

وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم امتد المد الإسلامي ليكتسح أراضي كثيرة ويدخل ملايين في دين الله عز وجل، من الذي نشر الدين؟ رجل واحد فقط، واحد انبثقت عنه تلك الملايين التي دخلت في دين الله بفضل الله عز وجل، ثم التمسك بدينه والجهاد في سبيله حق الجهاد.

إذاً لا نستغرب أن يكون هناك اليوم آلاف من المسلمين الحقيقيين، سينبثق عنهم ويبزغ فجر الإسلام من جديد، كما بدأ أول مرة ( إن الإسلام بدأ غريباً ) غريب في الأرض، من الذي يحمله؟ واحد فقط، بدأ غريباً، ثم انتشر بعد ذلك ( وسيعود غريباً كما بدأ ) يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن ولا شك أيها الإخوة في هذا الزمان في عصر غربة الإسلام، عصر غربة الإسلام، وبما أنه سيعود غريباً كما بدأ، كيف بدأ؟ بدأ بالقلة، ثم انتشر، فإذا كان سيعود غريباً كما بدأ، فسيرجع قليلاً أيضاً، ثم ينتشر بعد قلته وضعفه كما حصل في المرة الأولى.

إذاً هذا الحديث الذي يفهم منه كثير من المتثبطون أن الإسلام سيندحر وأن الإسلام سيزول، هو في الحقيقة فهم خاطئ، لأن هذه الغربة التي نحن فيها الآن سيعبقها بإذن الله عز وجل مد إسلامي يكتسح الأرض كلها.

مبشرات بالنصر اللامحدود للإسلام

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد عن أبي مرفوعاً قال عليه السلام: (بشر هذه الأمة بالسناء -وهو العلو والارتفاع- والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض) هذه الأشياء التي يبشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم لابد أن تحصل لأنه لا ينطق عن الهوى، وكما تحقق ما قاله في الماضي من أشياء كثيرة، فلابد أن يتحقق ما يخبر عنه عليه السلام في المستقبل كما أخبر عنه عليه السلام عندما بعث.

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني عن أبي أمامة قال: قال عليه السلام: (والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم) حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم، يفسر هذا الحديث الحديث الصحيح الآخر الذي رواه الإمام أحمد ومسلم عن ثوبان رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: ( إن الله زوى لي الأرض ) يعني: جمع الأرض وضمها، فرآها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ معجزة من عند الله (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) وإن ملك أمة الرسول صلى الله عليه وسلم سيبلغ ما جمع له منه، ما الذي جمع له منها؟ جمعت له كلها، فرآها عليه السلام شرقيها وغربيها، وملك هذه الأمة سيبلغ الشرق والغرب، أي: سيعم الإسلام الأرض كلها، هل سبق أن حصل في التاريخ الماضي أن عم الإسلام الأرض كلها فما بقي كافر واحد ولا دولة كافرة على وجه الأرض؟ حتى في عصر الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وحتى في عصر الدولة العثمانية، هل حصل أن الإسلام اكتسح الأرض كلها لم يبق كيان كافر واحد على وجه الأرض؟ الجواب أيها الإخوة: لا، لم يحصل هذا في الماضي، ما حصل مع انتشار الإسلام في الماضي، بل كان لا يزال هناك كيانات كافرة موجودةٌ على الأرض.

إذاً: بما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإسلام سيعم الأرض كلها شرقها وغربها، فلا بد أن يحصل، فإذا ما حصل في الماضي، فإذاً ما هي النتيجة؟ لابد أن يحصل في المستقبل (وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها) يوضح هذه الأحاديث حديث ثالث، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان وغيره: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار) أي: كل الأرض (ليبلغن هذا الأمر -الإسلام- ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر) لا بيت حجر وعمارات شاهقة ولا بيت وبر للبدو في الصحراء، لا يترك أي بيت من أي نوع كان (إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز به الله الإسلام، وذلاً يذل به الكفر).

إذاً: سيأتي اليوم الذي يدخل الإسلام فيه كل البيوت على وجه الأرض، ولا يبقى بيت واحد إلا ودخله الإسلام.

مبشرات ببلوغ الإسلام أماكن لم يبلغها بعد

وهذه بشارات أخرى توضح ما سبق أن ذكرناه آنفاً، في الحديث الصحيح يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما يقول من الأحاديث، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية ؟ يعني: هل القسطنطينية تفتح أولاً أم روما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مدينة هرقل تفتح أولاً) التي هي القسطنطينية ، وقد فتحت القسطنطينية في عهد السلطان العثماني محمد الفاتح ، لكن هل فتحت روما عاصمة النصارى؟ هل فتحت روما معقل الكفرة؟ لا. لم تفتح روما حتى الآن، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بأنها ستفتح ويخبر أن القسطنطينية ستفتح قبل روما.

إذاً: لابد أن تفتح روما كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم لابد أن يحصل هذا أيها الإخوة، المشكلة أنه لا يوجد إيمان عند الكثيرين لكي يوقنوا بما أخبر به عليه السلام، لا يوجد تصديق عند الكثيرين من المسلمين حتى يؤكدوا لأنفسهم أن ما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حق لا بد أن يقع.

ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة يقول عليه السلام: (سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب في البحر؟ قالوا: نعم يا رسول الله سمعنا بها، قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق والمحفوظ من بني إسماعيل) يعني: من مسلمي العرب سبعون ألفاً سيغزون تلك المدينة التي نصفها في البر ونصفها في البحر (فإذا جاءوها فنزلوا عند تلك المدينة- وهي محصنة بالكفار- فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم) قالوا: مجرد ما فعل هؤلاء المسلمون من صدق إيمانهم وتأييد الله لهم (قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر- يسقط بيد المسلمين- ثم يقول الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر- الذي في البر- ثم يقول الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون) حديث صحيح.

إذاً: سيأتي اليوم الذي يؤيد الله المسلمين بمجرد الذكر (لا إله إلا الله والله أكبر) تسقط معاقل الكفرة، بمجرد الذكر بدون قتال، يلقي الله الرعب على الأعداء فينصر المسلمين، فتسقط أراضي الكفرة ومدنهم بغير قتال.

حديث في نزول المسيح عليه السلام

وأيضاً -أيها الإخوة- نعلم بأن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل من السماء، عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل من السماء، ويحكم الأرض بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى الآن عيسى عليه السلام لم يقبض الله روحه، وإنما رفعه حياً إلى السماء، وسينزله مرةً أخرى في آخر الزمان كما وردت بذلك الأحاديث التي بلغت مبلغ التواتر، يعني: رواها جماعة عن جماعة في عصورٍ مختلفة حتى دونت في كتب الحديث، أحاديث متواترة رويت في نزول عيسى عليه السلام، فمن هذه الأحاديث، يقول صلى الله عليه وسلم في شأن المسلمين لما ينزل عيسى عليه السلام: (وإمامهم يومئذ رجل صالح -إمام المسلمين يومئذ رجل صالح- فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم، فرجع ذلك الإمام إلى الخلف ليتقدم عيسى -لأن عيسى نبي- فيضع عيسى يده بين كتفيه ويدفعه إلى الأمام، ويقول له: تقدم فصل، فإنها لك أقيمت) تصوروا أيها الإخوة كرامة الله عز وجل لهذه الأمة أن يجعل واحداً منهم إماماً يأتم به عيسى عليه السلام، كرامة الله لهذه الأمة: (فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم أمامهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب -لأن المسلمين في ذلك الوقت يكونون على مشارف أبواب تجمع اليهود في فلسطين - فيفتحون ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي، فإذا نظر إليه الدجال -إلى عيسى- ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، فيدركه عيسى عليه السلام عند باب لد -المدينة المعروفة الآن مدينة لد في فلسطين - بباب لد الشرقي فيقتله، ويريهم عيسى أثر الدم على حِربةٍ في يده، دلالةً على أنه قتله قبل أن يتلاشى، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلقه الله عز وجل يتواقى به يهودي -يعني: يستتر- إلا أنطق الله ذلك الشيء؛ لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم) نوع من الشجر لا ينطق بما وراءه؛ لأنه من شجر اليهود، ولذلك أيها الإخوة جاءت الأخبار بأنهم يكثرون من زراعتها الآن في أرض فلسطين ، يعرفون عن الإسلام أكثر مما يعرفه بعض المسلمين: (إلا قال هذا الشيء: يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يدق الصليب ويذبح الخنزير ويضع الجزية -لا تطبق الجزية لماذا لا تطبق الجزية؟ لأنه لا يكون هناك يهود أو نصارى تؤخذ منهم الجزية، كلهم يدخلون في الإسلام- ويترك الصدقة فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذات حمة -يعني: كل حيوان فيه سم ينزع هذا السم منه- حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها) وفي رواية صحيحة (ويطأ الرجل على الحية فلا تضره، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها الذي يحرسها، وتملأ الأرض من السلم -السلام- والإسلام كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتكون الأرض كفاتور الفضة -يعني: مثل الخوان عليه أصناف المطعومات والمشروبات- وتنبت الأرض نباتها بعهد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب -على العنقود من العنب- فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم ويستظلون بقشرتها) كبر الرمانة من البركة التي حصلت في الأرض بتطبيق شرع الله.

أيها الإخوة: لو طبق شرع الله في الأرض كاملاً يمكن للناس أن يشبعوا برمانة واحدة ويستظلون بقشرتها كما سيحدث (ويكون الفرس بالدريهمات) بالدراهم البسيطة يشترى الفرس، حديث صحيح رواه ابن ماجة وابن خزيمة.

بركة آخر الزمان والخلافة الراشدة فيه

وفي حديث آخر صحيح (يؤذن للسماء فتمطر، ويؤذن للأرض بالنبات حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت) لو وضعت الحب (البذر) على الصخر لنبت.

إذاً تكون هناك بركة عظيمة، وقد يتساءل متسائل، فيقول: هل هذا النصر بالضروري أن يحدث في عهد عيسى أم يمكن أن يحدث قبل ذلك؟ الجواب أيها الإخوة: يمكن أن يحدث قبل ذلك، يمكن أن تحدث انتصارات كثيرة قبل ذلك، خصوصاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر في الحديث الصحيح، قال: (لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة تجتمع عليهم الأمة كلهم من قريش، ثم يكون الهرج بعد ذلك) كم مضى من الخلفاء؟ لم يمض هذا العدد، مضى أقل من اثنى عشر.

إذاً: البقية ستأتي وستظهر لا محالة وستقوم الخلافة الإسلامية في الأرض، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون -بعد النبوة- خلافة على منهاج النبوة -الخلافة الراشدة- فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعه ما شاء الله أن يرفعه، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعه إذا ما شاء الله أن يرفعه، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت).

إذاً: هذه الخلافة لابد أن تأتي، ولابد للنصر أن يأتي بإذن الله أيها الإخوة، لكن النصر لا يأتي هكذا، لا ينام المسلمون اليوم يقومون غداً صباحاً فيرون خليفة المسلمين قد ظهر والإسلام قد انتشر في الأرض، لا.

نسأل الله أن يبصرنا بدينه وأن يرزقنا الإخلاص والاستقامة وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل نبينا محمد.

إن المشركين أيها الإخوة في كل وقت وفي كل عصر ومصر يعملون ليلاً ونهاراً، لكي يقوضوا صرح الإسلام، ولكي يضعوا من عظمة هذا الدين، ولكي يدحروا المسلمين ويردوهم على أعقابهم، يعملون بالليل والنهار، إنهم ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] ثم تكون هذه الأموال التي ينفقونها من أجل صد المسلمين عن الإسلام وبذر بذور النفاق في أراضي المسلمين، ستكون عليهم حسرةً ثم يغلبون، هكذا قال الله تعالى في القرآن.

إنهم أيها الإخوة ليلاً ونهاراً يفكرون بأشد ما أوتوا من قوة وتفكير، وينفقون ما استطاعوا من الأموال، ليصدوا الناس عن دين الله، إنهم يفعلون هذا وينشئون مساجد الضرار في العالم الإسلامي، التي تلفت أنظار المسلمين عن مساجد الله الحقيقية التي أذن الله عز وجل أن ترفع ويذكر فيها اسمه، حتى تتطلع تلك الأنظار من قبل أولئك الضعفة من المسلمين إلى تلك المنشئات التي تصرف الناس عن دين الله، وتوهمهم بأن هذا هو الدين وليس لها علاقة بالدين مطلقا، مجرد مسميات خالية من المضامين الحقيقية، مجرد أسماء خالية مما تعنيه حقيقةً.

أيها الإخوة! إن هؤلاء هم الذين قال الله فيهم: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة:32] وقال الله في آية الصف: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] عجباً لهذه الآية التي تصور حمق أولئك الناس وغفلتهم الذين يريدون أن يطفئوا نور الله الذي أنزله من السماء، بتلك الأفواه البشرية العفنة التي لا تملك مطلقاً أن تحجب الحقيقة عن ناظري كل مسلم متجرد؛ يسير في طريق الإسلام على هدىً من ربه يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف:8] ويعملون من أجل ذلك ليلاً ونهاراً، وتنجح مخططاتهم في أوقات كثيرة وأماكن كثيرة، حتى يظن المسلم الذي دخله اليأس أنه لا يمكن أن تقوم للإسلام قائمة مطلقاً، وأن نور الله قد حجب، وأن المسلمين لم تعد لهم شوكة ولا منعة، وأنه ليس هناك أحد ينصر هذا الدين.

ولكن -أيها الإخوة- إذا تفحصنا وتأملنا في النصوص نجد بأن الله لابد أن يظهر نوره، ليس الظهور الذي حصل في فترة الخلفاء الراشدين، وإنما ظهورٌ سيكون بعد هذا الوقت الذي نحن فيه الآن، كما سيأتيكم من خلال تلك النصوص التي نطق بها الذي لا ينطق عن الهوى.